أولم لرئيس مجلس الشيوخ الفرنسي بمشاركة رئيس الحكومة في عين التينة

يشرفني بإسمي وبإسم مجلس النواب اللبناني أن أرحب بدولة الرئيس جيرار لارشيه رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي وعقيلته كريستين والسادة إعضاء الوفد المرافق في لبنان، رسالة المحبة والتسامح والتعايش، وفي عاصمته بيروت التي تأسست على ركيزة مدرسة القانون الأولى في الشرق، والتي جعلت من هذه المدينة الخالدة عاصمة لبنان مرضعاً للقوانين.

ويسرني بعد الحياة البرلمانية المستمرة والحافلة للرئيس لارشيه، والتي تمتد لخمسة وعشرين عاماً وعلى مقربة من إحتفاله في أيلول المقبل بيوبيله الفضي كبرلماني عريق، حيث انتخب الرئيس لارشيه في الثامن والعشرين من أيلول عام 1986 لأول مرة سناتورا من منطقة الإيفلين- يسرني أن يكون بيننا ومعنا اليوم لنكتسب عن خبرته التشريعية والرقابية، وهو من اقترح خلال حياته البرلمانية العديد من القوانين والقرارات وقدم مداخلات ثمينة في الجلسات العامة واجتماعات اللجان، ووجه الكثير من الأسئلة إلى الوزارات.

كما يسرنا في مجلس النواب اللبناني أن يكون معنا ضيف لبنان الكبير كرئيس لمجلس الشيوخ، وأيضاً كخيبر سبق له أن تولى رئاسة لجنة الشؤون الإقتصادية في مجلس الشيوخ الفرنسي واللجنة الخاصة المعنية بوضع قانون تحديث الإقتصاد. ونحن نبحث سبل حل أزمتنا الإقتصادية والإجتماعية، ولو إني أتوقع أن أسمع من الرئيس لارشيه جواباً يسألني فيه عن مصير المجلس الإقتصادي والإجتماعي في لبنان، والذي أنشىء إرتكازاً على التجربة الفرنسية. ولماذا لم تأخذ في الإعتبار دراسته عن أسباب الأزمة الإقتصادية والإجتماعية وسبل حلها؟ ولماذا نترك هذا المجلس مجمد الفعالية ولا نعيد إنعاشه؟

كما يسرني ونحن نتداول في شأن إدخال تعديلات خجولة على قانون الإنتخابات البلدية، أن نستقبل دولة الرئيس لارشيه وهو أيضاً عمدة رامبويية التي احتفلت برعايته بإقامة أسبوعين للثقافة اللبنانية ورفعت العلم اللبناني فوق القصر البلدي، وهو كذلك رئيس سابق لإتحاد رؤساء بلديات غابات وسهول الألفين، ثم مستشاراً لهذا الإتحاد، وهو بهذه الصفات يستطيع أن يقدم لنا نتاج خبرة طويلة في مجال بناء السلطات المحلية وقيادتها.

إننا من على هذه المنصة نتمنى على الرئيس لارشيه بكل صفاته، وأيضاً كخبير في الشؤون اللبنانية، وهو يزور لبنان اليوم للمرة الثامنة والثلاثين أن يقدم كمسؤول فرنسي المشورة التي تسهم في إنقاذ لبنان من مرض الطائفية المزمن ويجعل هذا البلد نموذجاً عصرياً لنظام المنطقة السياسي في مجال تطوير التجربة الديموقراطية والحكم الصالح. إننا نرحب بالمغزى الخاص لزيارتكم التي تمر ولبنان يتذكر للسنة الخامسة على التوالي، بكل وفاء، الشخصية الوطنية الرائدة التي أدت دورا في قيامة لبنان بعد الطائف وفي إعماره وفي السعي إلى استعادة دوره في نظام منطقته، وأقصد دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كانت تربطه بفرنسا صداقة خاصة شكلت قيمة مضافة لعلاقة لبنان ببلدكم الصديق.

اليوم جددنا الرئيس لارشيه وأنا توقيع صيغة حديثة لإتفاقية التعاون بين مجلس النواب اللبناني ومجلس الشيوخ الفرنسي، وحددنا أهدافاً ووضعنا آليات تنفيذ برنامج تعاون جديدة.

إنني في المناسبة، وبإسم مجلس النواب اللبناني، أقدم الشكر لرئيس مجلس الشيوخ والأعضاء على ما تم تنفيذه بموجب بروتوكول التعاون الأول الذي وقع في 15 تشرين الأول 2002، والذي تم بموجبه إستقبال وفود برلمانية لبنانية ووفود من الإدارة البرلمانية في إطار اكتساب خبرات في مختلف المجالات التشريعية وآليات صنع القوانين وتطوير مهارات الموظفين.

إننا سنتذكر على الدوام الدعم الفرنسي المتواصل لإنقاذ لبنان عندما كان ضعيفاً نتيجة تفكك عناصر وحدته خلال الحرب الأهلية، وكذلك بسبب العدوان الإسرائيلي كما سنتذكر الدعم الفرنسي المستمر منذ نهاية الحرب الأهلية من أجل إستعادة الدولة وأدوارها ودعم خطط النهوض والإعمار وإنعقاد مؤتمرات باريس 1 في 27 شباط 2001 وباريس 2 في الثالث من تشرين الثاني 2002 وباريس 3 في الخامس والعشرين من كانون الثاني 2007، تلك المؤتمرات التي عقدت بدعوة وبجهد فرنسي من أجل لبنان.

لم يكد يمضي يوم واحد دون تهديد إسرائيل للبنان باللجوء إلى القوة وبتحميل الحكومة اللبنانية المسؤولية عن أي تدهور، ولم يكد يمضي يوم واحد دون خرق إسرائيلي للحدود السيادية اللبنانية براً وبحراً وجواً في خرق فاضح للقرار الدولي 1701، فيما تواصل إسرائيل عرقلة تنفيذ هذا الإتفاق عبر استمرار إحتلال مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر. في المقابل، فإن وجود المقاومة  هو نتيجة طبيعية للحروب الإسرائيلية على أرض لبنان وللحاجات والإحتلال والأطماع في المياه والأرض، وبالتالي فإن جعلها سبباً لتهديد لبنان هو قلب للحقائق.

إننا نطالب فرنسا بما للبنان من محبة وخصوصية لديها، وبما لها من علاقات وتأثير في الساحتين الأوروبية والدولية، بموقف حازم لمنع إسرائيل من العدوان على لبنان وتجربة منظومات السلاح الجديدة التي تعتقد أنها عنصر قوة مضافة، ومن جعل لبنان مساحة لتصفية حساباتها الإقليمية. إننا نطالب بإشعار إسرائيل بسقوط نظرية الردع، مما يعني أن إستخدام القوة لن تؤدي إلا إلى المزيد من دورات العنف. إننا في السياق نفسه نطالب سلطة القرار الدولي الممثلة بالدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بجعل القرار الدولي 1701 ممكن التطبيق، ونرفض أن تبقى إسرائيل إستثناء لا تطبق عليها القرارات الدولية.

ورأى الرئيس بري أن بناء هيبة الأمم المتحدة وجعل قراراتها محترمة هو المفتاح الحقيقي ليس لحفظ السلام والأمن الدوليين على الحدود اللبنانية فحسب، وإنما كذلك الحل لقضية الشرق الأوسط ، لأن قرارات الأمم المتحدة تؤكد الإنسحاب الإسرائيلي من الأرض العربية المحتلة حتى حدود الرابع من حزيران  1967، وهذا الأمر يشمل الجولان السوري والضفة الغربية وقطاع غزة، كما أن القرارات الدولية تؤكد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وتلبية أماني الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

إننا إذ نرحب بتقدم المواقف الأوروبية وكذلك الأمريكية الجديدة إزاء الإستيطان الإسرائيلي فإننا ندعو فرنسا والإتحاد الأوروبي إلى ممارسة الضغوط ليس لتعليق أوتجميد الإستيطان في الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة فحسب، وإنما لوقف بناء المستوطنات نهائياً، حيث ورغم ما تعلنه الحكومة الإسرائيلية تستمر الإجراءات والعمليات الإستيطانية، خصوصاً تلك التي تستهدف القدس الشرقية والحرم القدسي الشريف. إننا في إطار الجهد الدبلوماسي المبذول في محاولة للوصول إلى تسوية في الشرق الأوسط نرحب بدعوة فرنسا كما روسيا إلى عقد مؤتمر دولي حول الشرق وكذلك بأي جهد تبذله فرنسا إلى جانب تركيا لتحريك المسار السوري.

في الوقائع الشرق أوسطية أود أن أوجه عنايتكم إلى أن الشرق الأوسط الذي يمثل (هلال الأزمات) على حد وصف الرئيس ساركوزي يحتاج إلى معالجة هادئة لملفاته وليس إلى توليد المزيد من التوترات. إن معالجة الملفات النووية على سبيل المثال تبدأ من بناء قناعة بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية، وهذا الأمر يجب أن يركز على إسرائيل التي تؤسس لسباق تسلح يشمل أسلحة الدمار الشامل. إننا نؤكد على إدارة مفاوضات هادئة حول الملف النووي الإيراني وليس فرض العقوبات والمزيد منها لأن هذا الأمر يدفع الأمور بشكل سلبي على جميع المستويات.

إسمحوا لي قبل أن أختتم كلمتي بأن أستعيد مشروع الإتحاد من أجل المتوسط الذي أطلقه الرئيس ساركوزي ولاقى تأييد دول المنطقة. إننا إذ نعبر عن إهتمامنا بإتخاذ خطوات برلمانية لدعم هذا المشروع نؤكد رفضنا الحازم لمقاربة التعاون بين ضفتي المتوسط على أساس إعتبارات أجندة عسكرية وأمنية والتشديد على مقاربة التعاون على أساس سياسي وإقتصادي وثقافي.

هذه التدوينة نشرت في خطابات. الإشارة المرجعية.