للذي أيقظ الأمل في قلوبنا بعد أن كانت الحياة أضيق من ثقب الإبرة وبعد أن كان الحرمان والعدوان يقع على صدورنا دون توقف. للذي أيقظ العصافير في أحلامنا وأغاني الماء في ينابيعنا وقطرات الضوء في فجرنا. للذي اشعل ابتسامتنا أزهاراً لمواسمها أشجارنا. للذي علمنا أن نتطلع نحو الشمس ونحو الغد وعلمنا المقاومة. للإمام القائد السيد موسى الصدر مؤسس حركة “أمل” الذي نستدعي بركته في لحظة إفتتاح المؤتمر التربوي الداخلي الثالث لمؤسسات “أمل” التربوية تحيات أمل المقيمة على الخط والنهج.
إن من دواعي سرورنا أن يكون هذا اللقاء هو الأول الذي ينعقد في صالة مسرح الأمل الذي أسس ليكون في خدمة الأنشطة والفعاليات العلمية والتربوية والثقافية والفنية، هو هدية مؤسسات أمل التربوية هذا العام الى مؤسسات الرأي العام الثقافية والاعلامية والمؤسسات التربوية، إضافة إلى التفوق التربوي والنتائج الباهرة العام الماضي خصوصاً وهذا العام حتى اليوم ودرجات الإمتياز في الإمتحانات الرسمية التي سجلتها منارات “أمل” التربوية الثمانية على مساحة الوطن.
رغم خصوصيات هذا المؤتمر الداخلي بإعتباره يهدف إلى تقويم عمل مؤسسات “أمل” التربوية خلال السنوات الثلاث المنصرمة ومناقشة تقارير تربوية ومتنوعة للوقوف على سبل حل المشكلات وتطوير عمل المؤسسات، إلا أن المؤتمر يفتح الباب على النظام التربوي في لبنان الذي سبق لنا أن سجلنا ملاحظات كثيرة عليه وطالبنا من أجل تعزيزه بإنشاء مجلس أعلى للتربية ليحقق الإنسجام بين متطلبات أسواق العمل وناتج التعليم العالي.
قبل أن أدخل في عملية التربية ورغم أننا نملك شبكة من المؤسسات التربوية الخاصة على مساحة ثلثي لبنان ونأمل تعميمها على مساحة الوطن إلا أننا تجرأنا حيث لم يفعل الآخرون وأعطينا التوجيهات قبل أشهر قليلة لعقد مؤتمر تحت عنوان:”النهوض بالتعليم الرسمي في لبنان مشروع انصهار وطني يا معالي الوزير، مشكلة لبنان الأولى والثانية حتى الأحد عشر كوكباً هي مشكلة المدرسة ومشكلة التربية. نحن علمنا أنفسنا وأولادنا الطائفية والمذهبية، نحن علمناهم المناطقية، نحن لم نعلمهم ما هي المواطنية وحدود المجتمع وما هي مقومات العاصمة، ونحن الذين أرضعناهم مع الحليب كل هذه الأمور، ومن يزرع الريح يحصد العاصفة، وما زلنا في عين العاصفة حتى الآن لأننا لا نريد الإحتفاظ بالصورة التي أملاها الأمر الواقع الأمني خلال المراحل الماضية وجعل التربية تتحول عن أهدافها نحو تربوية فئوية ومذهبية وطائفية ولأننا نسعى لتعزيز التعليم الرسمي بإعتباره المكان الأنسب لتحقيق الإنصهار الوطني. هذا أولا، وثانياً لأننا نرى أن النظام التربوي الأمثل هو المدخل الوحيد لصناعة الفرد والأسرة والجماعة والمجتمع والدولة لانه يستطيع أن يعمم مفهوماً موحداً وموحداً للوطن والمواطن والمواطنية والعاصمة والحدود.
إنني أدعوكم يا معالي الوزير إلى مواصلة السعي من أجل نظام تربوي يرتكز على كتاب موحد للتاريخ وأهنئكم على الخطة التي وصلتم إليها حتى الآن. بالأمس القريب عام 1963 كان لي شرف أن أكون رئيساً لإتحاد الطلاب الجامعيين في لبنان وكانت ثورة عام 1958 لم يمر عليها سوى سنوات قليلة وكنت عندما تسأل أي طالب في مدرسة عن موقف الرئيس كميل شمعون آنذاك هل كان خيانياً أو وطنياً؟ كان يحصل خلاف على الجواب وهذا الخلاف أيضاً يحصل حتى على الموقف من الأمير فخرالدين عندما استنجد بالإيطاليين. نحن لا نقرأ من كتاب واحد وعندما لا نقرأ من كتاب واحد سنصل بالتأكيد لهذا الإنقسام الذي يحصل. في إحدى المرات في الجامعة الأميركية قلت من باب الفلكلور إنني إذا سألت تلميذاً من مدرسة ما هو علو جبل الشيخ فإنه سيزيد متراً كرمى لعمامة الشيخ، وإذا سألت تلميذاً آخر من مدرسة أخرى عن علو جبل الكنيسة فإنه أيضاً سيزيد متراً أيضاً كرمى للكنيسة. هذا الفلكلور شر البلية ما يضحك هذا هو الواقع الذي ربينا أولادنا فيه، لذلك هذه الخطوة على تواضعها كما يقولون فإن بداية الألف ميل تبدأ بخطوة، وفعلاً أنا أهنئك على هذه الخطوة أملاً ألا يحصل معنا في مجلس الوزراء بالنسبة لهذا الموضوع كما يحصل في أمور أخرى.
إن النظام التربوي المطلوب هو النظام الذي يعلم ويربي الأجيال على المساواة ويعزز مشاركة كل مواطن في كل ما يصنع حياة المجتمع والدولة. إن النظام التربوي الحالي يعاني العجز ليس من حيث كونه لا زال يعبر عن أسلوب التعليم التقليدي فحسب وإنما من حيث إسهامه في ترويج النظام السياسي المرتكز على الطائفية السياسية وإسهامه كذلك في تفخيخ العلاقات البشرية والإنسانية والسياسية. إن النظام التربوي الذي لا يعلم المراقبة والمحاسبة والشفافية والتصدي للجريمة على أشكالها هو نظام تربوي آلي يركز على احتساب سنوات التعليم لا التربية. إن النظام التربوي الذي لا يلحظ أن السيادة والحرية والإستقلال هي أفعال تربوية والذي لا يلحظ الحاجة إلى المقاومة وضرورة المقاومة إزاء الأطماع في الأرض والمياه ومقاومة العدوان هو نظام علامات مدرسية وهو نظام ممنوع من الصرف وطنياً. إن النظام التربوي الراهن ينسجم مع الواقع الراهن الذي يشبه “حارة كل مين إيدو إلو” وطن يجوز فيه إساءة إستخدام السلطة والتعسف في إستخدامها وطن يقوم على سياسة المقالب والألاعيب لا أكثر ولا أقل.
لقد آن الأوان للعمل من أجل نظام تربوي عصري للبنان غداً لا لنظام تربوي مثل لبنان يشكل إنعكاساً للواقع اللبناني من جميع جوانبه. إننا نريد نظاماً تربوياً يوفر العلم للجميع ويؤكد على حرية التعليم وفقاً للقانون والأنظمة العامة وحماية التعليم الخاص مع تعزيز رقابة الدولة على المدارس الخاصة وعلى الكتاب المدرسي فلا بدأ بمؤسسات :أمل” التربوية، سمعنا وهذا صحيح، إن هناك 12 ألف طالب وهناك عدد من المدارس ويبنى الآن عدد آخر في الخيام وغيرها، هذا الأمر جيد جداً نساعده ونعززه ولكن ممنوع أن يكون لحركة “أمل” كتاب تاريخ لوحدها وان يكون لها كتاب تربية وطنية لها وحدها. يجب أن يقرأ كتاب التاريخ والتربية في مؤسسات “أمل” التربوية وكذلك هو نفسه في كل بقعة من لبنان، آخر مسلم وآخر مسيحي يجب أن يقرأ في كتاب واحد للتربية وكتاب واحد للتاريخ لأنهما من عائلة واحدة. إننا نريد نظاماً تربوياً يلحظ بل يرتب الأولويات إنطلاقاً من إصلاح التعليم الرسمي والمهني والتقني وتعزيزه وتطويره بما يلبي حاجات البلاد الإنمائية والإعمارية وإصلاح أوضاع الجامعة اللبنانية وإعادة النظر في المناهج وتطويرها.
لقد توجت إسرائيل خروقها للقرار 1701 طبعاً قرأنا اليوم ورأينا أن الحق علينا وعلى شجرة العديسة، هذا الكلام قرأناه اليوم ورأينا التصريحات الأميركية وغير الاميركية. هنا أريد أن أوضح هذا الموضوع لأن هناك تعميماً اليوم وهناك موقفاً من قوات “اليونيفل” ومن الولايات المتحدة الأميركية وهناك مواقف في الأمم المتحدة بالنسبة لهذا الموضوع وكأن لبنان هو المعتدي. أريد أن أوضح أن الخط الأزرق قد وضع وهناك مناطق عديدة يعتبر الكيان الصهيوني أنها جزء من ارضه أي من أرض فلسطين ونحن نعتبر أنها من أرضنا، في عديسة كان هناك منزل يمر الخط بنصفه هذه المساحات من الأرض اتفق إلا يحصل عليها أي شيء من قبل أي طرف من دون التشاور مع اليونيفل.
إذا نظرت وأنت تسير على الحدود عند بوابة فاطمة على طول الطريق ترى البساتين والأشجار على مدى العين والنظر (من ناحية الأراضي الفلسطينية) أما من ناحيتنا فلا ترى سوى بضعة أشجار والباقي قندول وشوك نتيجة الإهمال الذي كان سائداً في المنطقة، وقد أراد الإسرائيليون في تلك المنطقة أن يزيلوا هذه الأشجار لكي يضعوا مناظير وكاميرات للمراقبة ولم يراجعوا اليونيفل، وحصل ما حصل. وبالأمس حصلت إتصالات بيني وبين فخامة رئيس االجمهورية وبيني وبين دولة الرئيس وبيني وبين اليونيفل بشأن الشجرة بعد الذي حصل أول أمس وقلنا فلتتصرف قوات اليونيفل فرفضت إسرائيل أن تتصرف اليونيفل، رفضت حتى أن تقوم قوات اليونيفل بقطع الشجرة، والجيش اللبناني ونحن وافقنا على أنه إذا قررت اليونيفل أن تقطع الشجرة فلتقطعها لكن الإسرائيليون رفضوا، لماذا؟ لأنهم يريدون التحرش. هذا المجيء العربي وزيارة أول قائد عربي للمنطقة هناك والمظلة العربية كل هذا أزعج الإسرائيليين، والإسرائيليون يريدون الفتنة في لبنان، لذلك الذي حصل أمس كان جرأة كبيرة من لبنان في أن يفوت الفرصة على الإسرائيليين في هذا المضمار. إذا توجت إسرائيل خروقها للقرار 1701 واعتداءاتها على لبنان بإقدامها على انتهاك الحدود السيادية البرية لبلدنا لنشر أجهزة مراقبة وتصوير، وهي لم تمتثل لطلب قوات اليونيفل إخراج آلياتها من الأراضي اللبنانية، ولم تستجب لإنذار الجيش اللبناني بهذا الخصوص.
إن إسرائيل وعن سابق إصرار وتصميم كانت تنفس عن أحقادها على الجيش اللبناني للإنتقام من الإستقرار الأمني الذي يشهده الجانب اللبناني من الحدود والنشاط والإزدهار العمراني منذ تحرير معظم المنطقة الحدودية إلى اليوم، وكذلك التحدي الذي برز من خلال إزالة آثار الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006. إننا إذ نتوجه بتحية الإعتزاز إلى جيشنا الباسل على تصديه لإختبار النار الإسرائيلية، فإننا نشد على أيدي الضباط والرتباء والجنود الذين يقفون على خطوط الدفاع الأولى، ونخص بالتحية أرواح شهيدي الجيش روبير العشي وعبدالله الطفيلي والجرحى الذين سقطوا خلال رد العدوان الإسرائيلي. كما نتوجه بالتحية والإنحناء إلى شهيد الصحافة والإعلام ولبنان عساف أبو رحال.
أذكر كل ذلك والعدوان أول من أمس لأؤكد مجدداً أن المقاومة تبقى ضرورة وحاجة لبنانية طالما بقي الإحتلال والأطماع والتهديدات الإسرائيلية. إن لبنان لا يمكن أن يقوم إلا على المقاومة والوحدة الوطنية التي تحفظ لبنان وفي قلبه الجنوب. في الوقائع اللبنانية فإن معادلة س.س التي أكدنا عليها غير مرة أثبتت أنها العلاج الحقيقي وشبكة الأمان العربية القوية لحفظ وحدة لبنان واستقراره. إن التحرك المشترك السوري- السعودي وقمة بعبدا التي تمت بموازاته زيارة سمو أمير دولة قطر، أكدت على قاعدة إنطلاق وارتكاز لترسيخ التفاهمات اللبنانية- اللبنانية. إني اؤكد للجميع أن الطابق العربي القائم في المسألة اللبنانية شديد التفهم لضرورة رعاية الإستقرار الداخلي وهذا الأمر يجب أن يعكس نفسه على الطابق اللبناني وعلى الثقة بين الفرقاء في الوقت الذي نرى فيه أن تصدع الوضع في لبنان لا يمثل مصلحة دولية وأن إسرائيل هي المستفيد الوحيد من زعزعة الإستقرار.
إن إسرائيل تسعى لتحويل الإنتباه عن استعداداتها للحرب ووضع منطقة الشرق الأوسط على شفا حرب هرباً من الإلتزام بوقف الإستيطان وتهويد القدس وحصار غزة. إن إسرائيل تحاول نقل التوترات وحرب الإستخبارات والحرب النفسية والإعلامية
ليس عبر الحدود نحو لبنان وسوريا فحسب فإنما عبر المنطقة الإقليمية لأضعاف تركيا وتهديد إيران. إننا وإن كنا نستبعد أن تجد إسرائيل فرصة للنفاذ إلى أهدافها أو تحقيقها إلا أننا ندعو دائماً للتنبه بزيادة وحدتنا الوطنية التي هي المانع الأول والأخير لأي إعتداء. وفي هذا السياق وعلى المستوى المحلي ندعو إلى التعاون من أجل أن يربح لبنان الحرب في مجال وقف الإختراق الإسرائيلي ومكافحة التجسس هذه ليست المرة الأولى كما يقولون بل هي منذ العام 1948، وهي حرب سبق أن ربحها لبنان ذات يوم عندما فكك عشرات شبكات التجسس وصولاً إلى كشف الجاسوسة الإسرائيلية شبئولا كوهين.
أخيراً وليس آخراً، أود أن أتحقق من أن مؤتمركم سيراعي في قراراته تناسب الأقساط المدرسية مع أوضاع الاهالي المالية وواقع الأزمة الإجتماعية ومتطلبات العملية التربوية من جهة، وأن يقدم كذلك تقريراً وافياً عن إستكمال تحديث وتجهيز مؤسسات أمل التربوية.