بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة المرجع الأكبر آية الله السيد السيستاني ممثلاً بوكيله العام سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد جواد الشهرستاني(دام عزه) حفظه الله،
صاحبي السماحة مفتي الجمهورية اللبنانية ونائب، أو، رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى،
أصحاب الفضيلة والسيادة،
الحضور الكريم؛
للذي يعرف حدّه فيقف عنده، وهو يجمع اليه ظله في أعلى درجات التواضع إقامة وسكنا وقياما وسجودا وزهدا وعلما وفقها،
للذي يترك كل شيء من الأرض لأهل الأرض، ويعمل لدنياه آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر،
للذي لا يخبئ من الأشياء الحية في مكان أسراره إلا الأمل ببلاد تنعم بما تفتقده من الصحة والأمان ،
لسماحة المرجع الأكبر آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله)، سلام واحترام وتقدير ومحبة من لبنان عموماً وخصوصاً أبناء مسيرة المحرومين ومؤسس مقاومتهم الإمام القائد السيد موسى الصدر أعاده الله.
وبعد،
فإنني أتوجه بالتحية والتبريك لجمعية آل البيت الخيرية على انجاز هذا المجمع الثقافي على إسم الإمام الصادق عليه السلام
إنني أجزم ان هذا المجمع الثقافي ومن خلال أقسامه ومكاتبه ومكتبته ومؤسساته، ومراكز الترجمة والنشر والبحوث والدراسات الإستراتيجية والفلكية ومعهد التراث، يشكل ضرورة لبنانية، وسيلعب دوراً هاماً في حياة بلدنا الثقافية، وسيطور دور لبنان الثقافي في نظام المنطقة العربية والإسلامية والمتوسطية.
إنني من خلال تجربتي ألمس مدى الدور الهام الذي أؤكد عليه دائما والذي تلعبه مؤسسات الرأي العام الثقافية والمراكز الثقافية في نشر وعي حول التنمية المستدامة، سواء المتعلقة بتنمية الموارد البشرية أو التنمية المتصلة بالحداثة، وكذلك نشر وعي عن الأخطار الصهيونية والغربية والمتنوعة المحدقة والمهددة لأمتنا ولمواردنا البشرية والطبيعية.
وأود هنا ان أشير إلى اننا في حركة امل كنا روادا في اطلاق المبادرات لإنشاء المؤسسات والمراكز الثقافية، إبتداءً من مركزنا في تلة الردار إلى مكتبة جوزيف مغيزل في تبنبن، إلى مركز باسل الأسد الثقافي في مدينة صور، إلى مجمع التحرير التربوي الثقافي في السلطانية، إلى متحف قانا، إلى مشروع المركز الثقافي لقضاء بنت جبيل الذي إنطلق بناؤه بدعم من المغتربين عند نقطة المركز المعروفة بمربع الصمود.
الحضور الكريم،
يأتي إطلاق مجمع الإمام الصادق (ع) الثقافي في الوقت المناسب من أجل ان يحفز الاتجاه الذي نريده في رفد ودعم إستقرار النظام الثقافي في لبنان، والذي يحتاج إلى مكان ومنبر تدار من خلاله المؤتمرات والندوات وورش العمل الفكرية حول:
أولا: إعادة إنتاج دور لبنان كمركز لحوار الأديان والحضارات، ونبذ الفتن الطائفية والمذهبية.
ثانيا: تعميم وعي وطني وقومي وإسلامي حول وسائل التصدي لمشاريع السيطرة على مواردنا البشرية والطبيعية بعنوان: الشرق الأوسط الموسع أو الكبير، والتي تحمل كلها نشأة وشهادة منشأ اسرائيلية.
ثالثا: إقامة الحدود الفكرية بين المقاومة والإرهاب.
رابعا: نشر وعي حول الأطماع الإسرائيلية في أرضنا ومياهنا العربية واللبنانية.
خامسا: تأريخ المقاومة والممانعة بشعوينا للاحتلال ومشاريع تقسيم المنطقة والأقطار العربية والإسلامية.
سادسا: بناء وعي راسخ حول الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
سابعا: وضع الأساس الفكري لمشروع توحيد المذاهب الإسلامية وعدم الإكتفاء بالشعارات والإنشاء العربي، بالنسبة لهذا الموضوع، واستكمال الحوارات التي كان قد بدأها المقدس السيد شرف الدين مع الأزهر الشريف، والتي سعى اليها الإمام الصدر وسعى لاستكمالها إلى ان استهدفته مؤامرة الأخفاء الليبية قبل ثلاثين عاما.
إن إطلاق هذا المشروع اليوم يأتي كذلك في الوقت المناسب لحفظ كنوز الشرق وتراثه الإنساني بعد أن تعرضت للاستباحة والتشويه، وكذلك من أجل التصدي بشكل منظم ومدروس للحملات على الإسلام وعلى نبي الرحمة من قبل الإعلام الغربي.
الحضور الكريم،
إن إطلاق هذا المجمع برعاية كريمة من المرجع الأكبر السيد السيستاني، وبعد أقل من أسبوعين على افتتاح مسجد محمد الأمين (ص) في قلب بيروت بحضور صاحب السماحة شيخ الأزهر الشيخ محمد سعيد طنطاوي ومراجع عربية ولبنانية، أمر يؤكد المستوى الروحي الإسلامي مع البركة الممنوحة من قداسة البابا وبطاركة الشرق، ان لبنان كسب معركة تجديد الثقة بقيامته، وان بيروت من قلبها النابض حيث يشرق مسجد محمد الأمين وتسطع كنيسة مار جرجس وجامع الخضر، إلى ضاحيتها الجنوبية حيث يقع هذا الصرح، هي عاصمة غير تقليدية لكيان بل عاصمة إستثنائية للبنان الأنموذج العربي للعيش المشترك الواحد وحوار الأديان والحضارات.
اننا انطلقنا من هذا الصرح الذي يجمع بين لبنان والعراق، وبين نبذ أهداف المؤامرة والفتن التي سعت إلى لبننة العراق والتي تسعى إلى عرقنة لبنان، نعيد تأكيد رفضنا واستنكارنا وادانتنا للتعرض لمسحيي الموصل ولسهول نينوى ولأي مسيحي في الشرق، ونقول ان من يمس هذا الوجود في حياته او ممتلكاته لا يمكن الا ان يكون اسرائيليا او عميلا لاسرائيل التي تجرأت وحدها على المساس بالمقدسات الإسلامية كما المسيحية، والتي مارست العدوان على لبنان التعايش لأنه يشكل نقيض عنصريتها، والتي سبق واعتدت على المسجد الأقصى ولا تزال كما على كنيسة القيامة وعلى “اقرت وكفر برعم” كما تعتدي اليوم على عكا وعلى أهلنا الفلسطينيين في شوارعها.
ان ما جرى في الموصل، يا سيدي، وما يجري في هذا البلد أو ذاك، بما في ذلك لبنان، من محاولات لإيقاع الفتن الطائفية والمذهبية، ليس ناتجا عن توجس يتكرر، وإنما هو ناتج عن فعل مؤامرة تحاول أن تجد ممرا أو مستقرا لها في أقطارنا، وهذا الأمر يستدعي طرد الشياطين والتجار من هياكل مساجدنا وكنائسنا حتى لا يبقى من يطرح الفتنة أو يسوقها أو يؤججها، ويستدعي ايضا الإنتباه إلى أبعاد ما يعرف بإستراتيجية الفوضى البناءة التي تعتمد التوترات السياسية والطائفية والمذهبية والعرقية.
علمت بناء للنداء الذي كنا وجهناه ان سعادة الامين العام للجامعة العربية الاستاذ عمرو موسى بدأ إتصالات لدعوة لإجتماع وزراء الأوقاف العرب لبحث هذا الموضوع.
ومن العراق إلى فلسطين فإننا، ندعو إلى:
– كسر الأطواق الإستيطانية الإسرائيلية التي باتت تزنر القدس بالحديد والنار، ووقف الحفريات والتعديات التي تستهدف المسجد الأقصى الشريف.
– رفع الحصار عن غزة وتمكين أهلها من التمتع بحقهم الوصول إلى القوت والدواء وحقهم في حياة آمنة.
– إزالة جدار الفصل العنصري ووقف الإستيطان وإزالة المستوطنات.
– وقف حملات التنكيل الإسرائيلية ضد مدن وبلدات وقرى الضفة الغربية.
كما إننا ومن أجل سلامة القضية الفلسطينية، ويا للأسف، ندعو إخواننا قادة الشعب الفلسطيني إلى الإعتبار من أن من كانت إسرائيل عدوه فهي عدو كاف، وتقديم كل التنازلات التي يجب ان تحصل من أجل إستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، ومعها وحدة الخطاب السياسي ووحدة الموقف ووحدة السلطة، وإعادة بناء وترميم منظمة التحرير الفلسطينية، لأنه دون ذلك فإن أماني الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ستكون إنشاء عربيا إلى أبد الآبدين وستكون في خطر، وستبقى إسرائيل تكسب الوقت على حساب معاناة وتشرذم وتفكك عناصر قوة الشعب الفلسطيني، وستبقى إسرائيل تهرب إلى الإمام من الإستحقاق الأساس المتمثل بالقضية الفلسطينية ومتطلبات السلام العادل والشامل، وتطرح مشاريع السلام المنفردة وعمليات فك الإشتباك والتهدئة وما تصفه بسلام طويل الأمد، وهي التي تنتهك كل يوم إتفاقيات الهدنة وتمارس عدوانيتها في كل إتجاه.
الحضور الكريم
على المستوى اللبناني فإننا نعيد التأكيد حول الإستراتيجية الوطنية الدفاعية الملائمة لمواجهة العدوانية والإحتلال الإسرائيليين، فإننا نرى أنه آن الآوان لإتخاذ المبادرات الإصلاحية والقانونية السياسية والإدارية الشاملة للانتقال من مرحلة السلطة إلى مرحلة الدولة، وفقا لإتفاق الطائف والدستور دون أية إستنسابية، وتأسيسا على ديموقراطيتنا التوافقية التي تضمن مشاركة الجميع في كل ما يصنع حياة الدولة والمجتمع. بخلاف ذلك وإزاء الإستحقاق الإنتخابي المقبل، فإنني أدعو إلى عدم تحويل لبنان إلى مربعات وخطوط تماس إنتخابية، المصالحات أكثر من جيدة، ولكن لا تريد ان تتحول هذه القصة بعد ذلك إلى خطوط تماس إنتخابية، وإقحام المواطنين في الدوائر الإنتخابية في حروب باردة تعيد ترسيم الحدود وإستنهاض العداوات بين الأهل والجيران وتؤدي إلى تموضع عائلي وتباين بين البلدات المتجاورة، مما يعكس نفسه تخلفا في تنفيذ مشروعات التنمية المشتركة وتجعل من كل قضاء أداة للقضاء وعلى وحدة المطالب التنموية والتطوير والتحديث وتعيد لبنان إلى حالة التصحر السياسي.
في مسألة الأمن، فإني إذ أجدد الثقة بالجيش وبالخطط التي وضعها مجلس الأمن المركزي وصادق عليها مجلس الوزراء، وإذ أؤكد ضرورة منع التداخلات السياسية في الإجراءات أو تسييس الإجراءات ، فإننا نرى ان طرابلس ومنطقة الشمال، كما مخيم عين الحلوة، ضحايا للارهاب وليسا قواعد للارهاب، إننا في هذا المجال نرى ان أمن طرابلس والشمال وعكار هو من أمن كل لبنان.
بالعودة للمناسبة فإني أتمنى على مقام المرجعية العظمى الراعية لهذا الإفتتاح الإسراع بشكل خاص بتشغيل مركز الدراسات الفلكية لعله يسهم برؤية موحدة للهلال، لهلال أعياد الفطر القادمة بشكل حاسم ولا يكون لكل بلد، لا بل لكل مذهب، لا بل داخل طائفة، لا بل داخل كل مذهب أكثر من عيد.
أخيرا، بإسم لبنان أشكر للمرجع الأعلى للطائفة الشيعية في العالم هذه الهدية للبنان، التي ستسهم في مجالات فكرية في تعزيز إستقرار لبنان وترسيخ السلم الأهلي، وزيادة روباط العيش المشترك وإزدهار الإنسان في لبنان،
عشتم، عاشت جمعية آل البيت الخيرية وأطال الله عمر سماحة الإمام السيستاني، وعاش لبنان.