1 ـ مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 12125 ـ المتعلق بقطع حساب الموازنة العامة والموازنات الملحقة لعام 2002. 2 ـ مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 11333 ـ المتعلق بالموازنة العامة والموازنات الملحقة لعام 2004.
الدور التشريعي الأول العقد العادي الأول محضر الجلسة الأولى المنعقدة في الساعة العاشرة والنصف من قبل ظهر أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء والساعة السادسة من مساء الأيام المذكورة في 5 و6 و7 نيسان 2004.
جلسة عامة 6/4/2004 (صباحية) الرئيس: تتابع الجلسة. الكلمة بالنظام للزميل نقولا فتوش. نقولا فتوش: دولة الرئيس، بالنسبة لكلمتي التي ألقيتها يوم أمس فوجئت اليوم بهجمة إعلامية فسرت الأمور على غير حقيقتها. أنا لم أتكلم إلا بقضايا قانونية ودستورية وأحكام قضائية. أنا لم أتعرض لأحد وكلامي مكتوب وواضح ويمكن مراجعته. وفي هذا السياق أحب أن أقول إنه إذا كان مسموحاً للصحافيين في المجلس النيابي أن يكتبوا أكثر مما نحن نحكي دون أن يسائلهم أحد، فلماذا عندما يتكلم نائب تقوم القيامة عليه؟ فأنا أريد أن أقول إنني قد تكلمت في القانون والدستور ولم أتعرض لأحد شخصياً لأنني أعرف أن مهمة النائب هو أن يسمي الأمور بأسمائها من على هذا المنبر وإذا لم يفعل ذلك فإنه يفقد دوره الديمقراطي وشكراً. الرئيس: دولة الرئيس،عبد اللطيف الزين. عبد اللطيف الزين: دولة الرئيس، الزملاء الكرام، لن أتكلم في مشروع الموازنة وشؤونها وشجونها مفضلاً الكلام عن شؤون وشجون المواطن الذي أصبح يعيش في حالة يأس وفقر وحرمان بكل معنى الكلمة. يقولون إن الحكومة وافقت على العديد من الاقتراحات التي تقدم الزملاء في لجنة المال والموازنة بما يعود للإعفاء من بعض الغرامات ولكن يا دولة الرئيس إذا ما نظرنا قليلاً إلى ما يعيشه المواطن من شؤون وشجون عدا عن شجون الشرق الأوسط الكبير أو وثيقة الاسكندرية أو الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة فهو اليوم وسواسه الوحيد لقمة العيش له ولعائلته، بدءاً المواطن يتحمل على صعيد الهاتف الثابت ما يقارب الـ 80 ألف ليرة شهرياً دون أن يتكلم كلمة واحدة. وبالنسبة للهاتف الخليوي ما يفوق ذلك أيضاً دون أن يتكلم. كان رسم الاشتراك على الهاتف الثابت 12 ألف ليرة علاوة على اشتراك المياه والكهرباء. يا دولة الرئيس، في العديد من الدول الهاتف الخليوي كلفته أقل بكثير من كلفته عندنا. في سوريا مثلاً بدل أن يدفع المواطن 500 دولار كما ندفع نحن فإنه يدفع 260 دولاراً فقط، وبدل أن يدفع 25 دولاراً رسماً للاشتراك فإنه يدفع 10 دولارات فقط. وهذا ما يحصل أيضاً في العديد من الدول. الاشتراك على المياه والكهرباء، أيضاً إذا كان مواطن يملك كمية من المياه عليه أن يدفع اشتراكاً شهرياً عن المتر المكعب الواحد 205 آلاف ليرة بينما الذي لا يملك عليه أن يدفع 220 ألف ليرة، وكذلك الكهرباء. كل هذه الاشتراكات كم كنت أتمنى أن تقوم الحكومة على تعديلها أو إلغائها. وبدلاً من ذلك نرى أن أسعار المحروقات هي دائماً في تصاعد والعشرون ليتراً من البنزين سعرها يقارب اليوم الـ 25 ألف ليرة لبنانية لماذا؟ هل أسعار البنزين في تصاعد؟ ولكن ضريبة الحكومة على البنزين هي ثابتة. عندما يتصاعد السعر العالمي لماذا لا تقل ضريبة الحكومة خاصة وأن المواطن اليوم أصبح بحاجة لسيارته كما هو بحاجة لأي ضرورة أخرى في حياته. عود على بدء يا دولة الرئيس، يما يعود لإدارة حصر التبغ والتنباك، فيما مضى كان العديد من المزارعين يملكون رخصاً لزراعة التبغ دون منة من أحد أي أنهم دفعوا ثمنها من مالهم الخاص، وجاءت الاعتداءات الإسرائيلية التي لم تمكن المزارع من متابعة عمله وبعد تحرير الأرض حرم هذا المزارع من رخصته. أسأل الحكومة لماذا لا تعيد هذه الرخص إلى أصحابها والمسجلة جميعها في إدارة حصر التبغ والتنباك وإلا فلتدفع التعويضات اللازمة. شؤون مجلس الجنوب، ألفت نظر دولة رئيس الحكومة بأن مجلس الجنوب متوقف عن دفع التعويضات على الأضرار منذ ما يقارب السنتين أو أكثر، هناك بيوت مهدمة وقد مضى على التحرير أكثر من ثلاث سنوات وما زال هؤلاء الناس بانتظار أن يقبضوا ما يعود لهم كي يعملوا على بناء منازلهم. يا دولة الرئيس، يتحمل مجلس الجنوب الكثير من المخالفات على عاتق رئيسه وترفض دائماً أن توافقه على أن يدفع بعض التعويضات عن الأضرار لأن الناس بحاجة إلى ذلك. في كل سنة يمر بند في الموازنة بمبلغ مقطوع للقرى المحررة وهنا أسأل: كيف يصرف هذا المبلغ والقرى المحررة لم يصلها شيء حتى الآن يجب أن يصرف هذا المبلغ بمعرفة النواب الذين يمثلون تلك القرى. منذ أكثر من سنة جاء التنظيم المدني ليعيد المخطط في المناطق والقرى. في الجنوب مثلاً كافة رخص البناء هي متوقفة بالرغم من أن مجلس الوزراء قد أصدر قراراً بأن يعمل في التخطيط الجديد وحتى هذه الساعة لم يقم التنظيم المدني بشيء من هذا. كل هذه الأمور يا دولة الرئيس، والمواطن بحاجة إلى أي سعفة. خاصة في معيشته، كل هذه الأمور تزيد عليه من الأعباء وهو بغنى عنها. أتوجه إلى الحكومة ووزير الأشغال العامة ليس بيننا اليوم وأقول إنه بالرغم من المراجعات العديدة على صعيد معاودة السماح برخص البناء أن يسرع التنظيم المدني إما عن طريق التخطيط الجديد أو بأن، تتابع الدوائر المختصة إعطاء الرخص لمن يريد. هذا ما لدي من القول راجياً من الحكومة أن ترحم المواطن خاصة في الجنوب الذي تحمل وما زال يتحمل الكثير الكثير من الاعتداءات فقد جاء الوقت لنعمل على رفع الحرمان عنه وشكراً. الرئيس: الكلمة للزميل غسان الأشقر. غسان الأشقر: دولة الرئيس، الزملاء النواب، سبحان الحي الباقي. كنا نتمنى لو تمر هذه الجنازة بصمت وتحت جنح التواطوء والسترة، وأن تجر هذه الموازنة الهامدة إلى مطمرها الأخير دون مراسيم أو خطب، فليس في هذا المسجى بيننا ما يستدر إطراء أو يستنفر همة أو ينبه عقلاً. ولكن، بدل أن يغض أهل الفقيد الطرف حياء، دعينا إلى هذا العكاظ التأبيني المعيب، وأدخل علينا المكفن محمولاً على الراحات وحوله قوالة يعددون المزايا والإنجازات والنعم المستفيضة. ولكن، كيف لزهر الأبجدية أن يحجب هذا الحقل الفسيح من البؤس والفساد، واللغة سمك ميت على الشفاه الآسنة. ماذا تقول الأبجدية للذين خذلناهم وفجعناهم وحبسناهم في هوامش العوز والفقر، وقسمناهم شللاً ونفيناهم شتاة إلى مرافىء العالم، ماذا نقول للناس عن مستلزمات حياتهم الأولية؟ ماذا نقول عن الصيغة السياسية التي تحكمهم؟ عن الصناعة المأزومة والزراعة الكاسدة وعن علة الكهرباء والمياه التي لا تنز. وكيف نواسي الأمهات والآباء وقد أفرغت البيوت من شبابها ومنتجيها وعشش اليأس والحسرة في قلوب المنتظرين فرجاً يتباعد. وماذا عن مستويات البطالة المرعبة والإنتاج المتداني وفرص العمل المعدومة. والعمل حق للمواطن والعمل كرامة وأمن واستقرار. وأين هي شبكة الضمانات الحقيقية للمريض والمسن، والعاطل عن العمل وآلام الطفل والعائلة. ولكن من يسمع وطواحين الكلام ترعد والسلطة ديك صياح فوق أكوام الادعاءات والوعود والمزابل النتنة والأنهار والبحيرات الآسنة وجبال النفايات وتلال العظام والحيوانات النافقة والمجارير المفتوحة على العباد وجوف الأرض والبحر دعماً للسياحة والصحة العامة والبيئة السليمة. إذا قال الناس نشرب من مياه الدولة وجدوها مقطوعة في عز الشتاء. وإذا انتقلوا إلى المعبأ حذرت السلطة من المعبأ الملوث وعن الرقابة المفقودة. أما في باب المأكل فحدث بكثير من القرف والحرج فبين «جنون البقر» وجنون الربح الحرام وتجارة الموت البطيء بالمعلبات التي فات زمانها واللحوم المعتقة، استهوانا الدجاج والأسماك فأخبرنا كيف يورم الدجاج وكيف يلفظ البحر الملوث أمواته، فيممنا شطر الأجبان والألبان.. فكان ما كان سيرة الأجبان والألبان. منافيات «عا مد النظر» ومستنقعات أوساخ ومفاسد وعصبيات ومذهبيات مستفحلة يطفو على وجهها ذباب صغار من زنابير المال الأسود، وزنابير السياسة والثقافة والإعلام، انتفخت أحجامهم وانتشروا بيننا كالوباء. معهم الدلالة والسماسرة وأنواع الزواحف من الخبراء المدكترين إلى زواحف الإدارة والأسلاك والأعلام، فأنعشت العهر المالي وراجت تجارة الرقيق السياسي في زمن «ثقافة الفساد». هذا ليس الفضاء الملائم للحياة الكريمة ولا هو الفضاء الملائم للإنماء والنهوض. بل هو البؤرة الموبوءة الموصوفة التي لا تفقس إلا الانحلال والمهانة وجاهلية الغزو والمغانم والنزاعات والمراعي المالية المسيجة المطوبة للنافذين والمحظيين وإبل السلاطين. الناس يا دولة الرئيس، يرددون تكراراً أن هذه الصيغة الحصصية القبلية، جاهلية بامتياز. جاهلية، باهرة بفحولها وزنابيرها وخيشها وبسوسها وعصبيات مذاهبها وكتبها الصفر وفزاعتها، هي مهزلة ومهانة للعقل والإنسان، وماذا يكون الانحطاط إذا لم يكن تعريفاً أن تمتص حيويتنا المباذل والحزازات والمنافع الخصوصية الصغيرة في زمن الحولات المفصلية الكبرى؟ ماذا يكون الانحطاط إذا لم يكن هذا المشهد اللبناني والعربي المحزن المخزي. ركام من الأفكار والمذهبيات والعرقيات والطائفيات الظلامية والأنظمة المنحطة كأننا في مقبرة أركيولوجية عملاقة تتململ في حطامها بقايا المصبرات تخرج من قبورها المكلسة لتفرض زمانها على أبناء الحياة. والله نقول هو الذهول الكامل عما يجري لنا ويحاك، هو الموت الحضاري الأكيد والعتمة المطلقة لولا النجمة إياها تتلألأ في سماء فلسطين ولبنان والشام والعراق وحيث هناك ممانعة ومقاومة في هذا العالم العربي المستكين المستباح للطغيان الأميركي وللأحقاد التوراتية. دولة الرئيس، نحن نثمن الدعم الرسمي للمقاومة وننحني احتراماً لهذا الالتزام الصعب. ولكن ماذا فعلنا لتحصين مجتمعاتنا ونحن نشهد اليوم سايكس ـ بيكو جديد، سايكس ـ بيكو اجتماعي يقسم المجتمعات ويفتتها بعد أن قسمها الاستعمار الديمقراطي الأول إلى كيانات متنابذة متقاتلة وزرع فيها السرطان الإسرائيلي المتمدد. دولة الرئيس، أيها الزملاء، إن مشروع العولمة الأميركي الجديد بشقيه العسكري والاقتصادي وبتداعياته المميتة هو مشروع إسرائيلي بامتياز. هو مشروع مغلق لا يقبل الحوار. يريدنا أن نسقط كل الحواجز والموانع أمام جبروت تمدده، أن ننتحر، بدون اعتراض، إكراماً للأفاكين الهزازين على حائط أحقادهم وجرائمهم. الخضوع أيها السادة هو غذاء الهيمنة والاستبداد. كلما تراجعنا أمعنوا فينا. مقتل هذه المعادلة الشيطانية، عقب «آخيل» فيها كما قلنا سابقاً هو المقاومة والممانعة وهو الوحدة الاجتماعية وثقافة الحرية والديمقراطية والمجابهة والانفتاح حتى نوسع رقعة التضامن فتتم المصالحة بين عصبياتنا الضيقة وآفاق الاحتمالات المستقبلية. أما مقتلها الثالث فهو الوحدات الإقليمية المتماسكة الواعية لمستلزمات المرحلة والملتزمة بها. من هنا تكتسب العلاقات اللبنانية ـ الشامية بعدها الاستراتيجي. هذه العلاقات لا تندرج تحت سقف مجاملات حسن الجيرة القصة ليست قصة قهوة وزيارات وتصريحات تفرضها التكتكة والظروف الآتية العابرة. إن هذه العلاقات، تشكل ممراً إجبارياً لتأمين مصالحنا الحيوية في حمى الصراع القائم فهي، إذا أحسنا تطوير بنيتنا السياسية ـ الإنتاجية المعرفية، تشكل مسرحاً اقتصادياً هائلاً لفعاليتنا، وحافزاً للنمو ولتحديث البنى الإنتاجية، كما تشكل أساساً متيناً ونموذجاً دينامياً لقدرتنا على المجابهة. منفردين نتساقط. معاً نوسع رقعة الممانعة وفسحة الأمل في تثبيت حقنا في الحياة الحرة الكريمة. ولكن هناك من لهم رهانات أخرى فالأداء الرديء لهذه الصيغة السياسية المعيبة عاد فأحيا عظاماً كانت رميماً. فكأننا نشاهد أحد أفلام الرعب: أشباح الماضي خرجت من هياكلها الجوفاء واحتلت الساحات والمنابر تموهوا، وغيروا «حلاسهم» فهم الآن الديمقراطيون الأشاوس وأبطال الحريات وحقوق الإنسان والدفاع عن الكرامات ناهيك بالسيادات. هؤلاء هم أنفسهم الذين نبذوا وأدينوا لما اقترفوا من قتل وسطو ودمار واعتداء على الحريات والكرامات وحبس المواطنين في أطواق الخوف والمذهبيات الخانقة وجرهم للانسياق وراء مخططات العدو الإسرائيلي. هؤلاء هم الذين، يوم تربعوا على السلطة، ما حلوا مشاكلهم وتبايناتهم بالاقتراع الديمقراطي بل كانت الاغتيالات والتصفيات والمجازر حكماً فيما بينهم فأزهقوا التعددية والديمقراطية والحرية وحق الاختلاف الذي يبشروننا به اليوم. ما كنا لنتكلم بهذا الموضوع لو أن أحداً يستحي، لو أنهم يتواضعون ويقرون، وبالنيابة عنا أيضاً، إننا جميعاً أخطأنا بحق لبنان وعلينا مراجعة النفس لإعادة صياغة حياتنا على أسس جديدة. كنا سكتنا لو يكفوا عن الاستعلاء والاستغباء والتحدث كأننا جميعاً بلا ذاكرة لكنهم يطلون مزينين بالنقاء والطهر ومشنشلين بتعاويذ الحرية والديمقراطية والحقوق والسيادة ويزفون إلينا البشري بأنهم الخيار البديل وأمل المستقبل والحداثة وضمانة الأمة. قال لي مرة صديق من كفرذبيان كلما تذكرتهم يا أستاذ سرت في جسدي رعدة كمن يمشي ليلاً بين المقابر. أما مناقشة الموازنة، أيها الزملاء، فجهد مهدور، كرجل تائه حط رحاله في مجلسنا الكريم طالباً حلاً لمشكلة مستعصية عليه، مداخيل صاحبنا في أعلاها خمسة آلاف ليرة. حاجياته في أدناها ماية ألف ليرة. المطلوب توزيع المداخيل على الحاجيات. المسألة مهزلة حسابية، والنقاش حولها مفاكهة، أما محاولة إقناعنا بجدواها فيندرج تحت باب السحر والشعوذة. فمهما تشاطرتم وتبارعتم فهذه الدجاجة العوراء لا تبيض ذهباً، لم تبض منذ اثني عشر عاماً، والأرجح أنها «تقاقي» لكنها لا تبيض أبداً. بدأنا في أوائل التسعينات بالموازنات الأعراس والبحبوحة الآتية مع الربيع والحلول الموعودة، وتدرجنا انحداراً إلى موازنات المآتم نعلن فيها عجزنا وفقرنا. إذا سأل سائل لماذا موازنتنا ضحلة هزيلة تكاد لا تسد الرمق الأخير فكيف بإحداث نهضة اقتصادية، جاء الجواب: هذا هو المال المتوفر. الجواب صحيح فالموازنة منسجمة مع المداخيل ومتماسكة منطقياً ولكن هذا الجواب لا يفسر لماذا مداخيلنا متدنية ولماذا لم تتكون عندنا، خلال أربع عشرة سنة قاعدة إنتاجية معقولة ترفد، نسبياً، الموازنة بالمال المطلوب. ويبقى سؤال آخر يردده المواطن المقهور: إذا كنتم أيها السادة المسؤولون على هذا القدر من الدراية والعلم فلماذا نحن فقراء؟ هذه أسئلة اقتصادية بامتياز تتناول الخيارات الاقتصادية التي أخذناها وآلت بنا إلى ما نحن فيه. هذا هو، بنظرنا، موضوع المناقشة وليس هباء الموازنة. يقول مثل إنكليزي، إذا أردت أن تخرج من الحفرة، توقف أولاً عن «البحش» أن تتوقف عن «البحش» يعني أن تستمهل الذات وتفتش عن وسائل أخرى، غير «البحش» للخروج من محنتك. في مطلع التسعينات بدأت عندنا حمى العولمة. تلقفنا المفهوم وبدأنا نثرثره كآخر صرخة في عالم «الموضة» واتهم كل معارض لهذه الموجة بأنه متخلف. تنافس فيه المداحون ورجال الاستفكار والقراؤن الكتابون ناهيك بالمتثاقفين من أهل السلطة والمال. أجمعوا أن باب الجنة المالية قد فتح على مصراعيه فما علينا إلا أن نلج ونغرف وأن الولايات المتحدة حلّت لغز الفقر والتخلف. هناك تعويذة اقتصادية ـ ثقافية ـ ديمقراطية، وصفة سحرية جاهزة، نتجرعها فنشفى من برص الفقر والتخلف. القابلة القانونية لولادتنا «الجديدة» هي البنك الدولي، صندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية ثالوث مخالب العولمة في زيها الديمقراطي ـ الأمبراطوري الجديد. فإذا كانت العولمة في تعريفها المبسط هي إسقاط الحواجز، كل الحواجز أمام التمدد العسكري والسياسي والاقتصادي أمام الهيمنة الأميركية والصهيونية، فإننا نعاين الآن بوضوح تطبيقاتها العملية، بدءاً بإسقاط الشرعية الدولية واحتلال العراق والمجازر الوحشية في فلسطين والتدمير الكامل لمقومات الحياة فيها وتغيير قوانين اللعبة الاقتصادية وانتهاء بتحطيم قدرة المجتمعات والدول على الدفاع عن وجودها ومصالحها الحيوية. الشق العسكري السياسي تتولاه في بلادنا الولايات المتحدة مباشرة، بالشراكة مع العدو الإسرائيلي. إننا، أيها الزملاء، نعيش اليوم وطأة الهجمة الديمقراطية الاستعمارية الثانية على بلادنا والعالم. الأولى كانت أوروبية تتزعمها بريطانيا، عنوانها «الرجل الأبيض يمدن العالم» تحت هذا الشعار أخضعت الشعوب واستعمرت وقسمت ونهبت نهباً ديمقراطياً وحشياً مبرمجاً على مدى قرون سوداء طويلة لم ننفلت بعد من مفاعيلها وتداعياتها المدمرة. الهجمة الديمقراطية الثانية على بلادنا عنوانها: «اليانكي الأبيض يمدن العالم العربي». فيغشانا هذا الفاتح الجديد تحت هالة من القدسية المسيحية التوراتية الزائفة مماهياً في اندفاعاته مع العدو الإسرائيلي. فتحت الشعارات الديمقراطية والحرية ومحاربة الإرهاب تتسلل مشاريع التفتيت والتقسيم وحروب التمدين ولصوص البترول، ومعارك السطو الوقائية والشركات المتعددة السرقات والمصالح الدولية النهبوية على أنواعها. كل شيء مباح ومستباح ومعبأ بالكراهية والشماتة والاستكبار المتجبر، حتى الكلمات لم تسلم من الإخضاع والتزوير: فهناك مجازر ديمقراطية مستحبة، وهناك اغتيالات ديمقراطية ولوائح موت ديمقراطية تقصف الحياة في بلادنا تساندها الدبابات الديمقراطية المنورة، وهناك معسكرات تعذيب وقهر وموت وقنابل نووية توراتية ديمقراطية. أما الدفاع عن النفس والممانعة والمقاومة فهي الإرهاب بعينه والتخلف الأكيد ومن يقول آخر فهو عدو الديمقراطية والحداثة وتجرأ على «الشعب المختار» والرجل الأبيض. أما المؤسسات والهيئات والمنظمات الدولية التي نهلل لها فمهمتها إسقاط الموانع أمام التمدد الاقتصادي والسيطرة على الأسواق المفتوحة. هذه المعادلة الاستباحية تقوم على ركائز ثلاث مترابطة متساندة أحلاها مر وسم في دسم. الركيزة الأولى تتمثل في إضعاف الدولة وإسقاط دورها تدريجياً كنظام وهيئة تتمثل فيها إدارة المجموع في تعيين خياراته وفق مصالحه. هذا التجويف لدور الدولة متزامن منع مشروع تفتيت المجتمعات، تحت يافطة حقوق الأقليات، إلى اتنيات وقبائل وعرقيات ومذهبيات أي تأجيج عناصر الفرقة والنزاع وإفراغ المجتمع من عناصر وثقافة التوحد ونظام الحكم الانتقالي في العراق خير دليل على ذلك. الركيزة الثانية، إسقاط الحواجز أمام التجارة الحرة. الركيزة الثالثة، هي اقتصاد السوق بالطريقة العشوائية المبتذلة التي نمارسها. «جوزف ستيغليتز Joseph Stiglitz» هو أحد أعضاء فريق كلينتون الاقتصادي 1993. عمل في البنك الدولي كخبير أول ونائب رئيس المؤسسة بين 1997 والـ 2000 حائز على جائزة نوبل للاقتصاد سنة 2001 أنه يمثل مع جمهرة كبيرة من الاقتصاديين، منهم ليستر ثورو Lester Thurow، اتجاهاً اقتصادياً ورأياً في العولمة يجدر بنا أن نتفحصه. وقد أيدت هذا الاتجاه في العالم حركات شعبية عارمة وجمعيات وتنظيمات المدنية ومنديات فكرية لا تحصى. «جوزف ستيغليتز» شاهد من أهل البيت. يقول الرجل في كتابه {Globalisation and its Dicontents} والترجمة الحرفية: أن مستوى الألم والإحباط والمرارة في الدول النامية من جراء العولمة التي قادتها المنظمات الاقتصادية الدولية وخاصة منظمة التجارة كبر جداً والأرجح أنه كوارثي. ثم يقول: عندما كنت في البنك الدولي عاينت مباشرة الآثار المدمرة التي تخلفها العولمة على الدول النامية، فالقرارات وخاصة في منظمة التجارة العالمية هي مزيج عجيب من الإيديولوجيا والنظريات الاقتصادية الرديئة تستعمل كستار للمصالح الخاصة. هناك وصفة وحيدة لكل الأمم وكل الحالات لا خيارات أمام الدول إلا الانصياع. وقد لعبت منظمة التجارة العالمية دور حماية المؤسسات المالية في الدول الصناعية وليس حماية الدول النامية كما هو مفروض بل أكثر من ذلك فقد ساهمت بشكل كبير في الانهيار الاقتصادي ـ المالي في كثير من الدول، وحصرت هذه المؤسسة مرجعيتها بوزارات المالية والبنوك المركزية في الدول الصناعية بل حصرت مرجعيتها نهاية بمصالح الولايات المتحدة وليس بمصالح الدول النامية. أما عن اقتصاد السوق فيقول: ليست من الحمق بأن أعتبر أن الأسواق وحدها تحل المشاكل الاجتماعية فقد انحرفت منظمة التجارة العالمية عن القناعة الأساسية بأن اقتصاد السوق ليس حلاً في أغلب الأحيان إلى قناعة متطرفة بل إلى اعتقاد إيديولوجي أعمى بسيادة اقتصاد السوق. إن اقتصاد السوق هو فرضية ذهنية لا تقوم على أرض الواقع بل هو نزوة رأسمالية متطرفة لذلك يجب إعطاء الدولة دوراً أساسياً في عملية النهوض والاستقرار السياسي. ويتابع ستيغليتز: قد حاولت أن أرسي سياسة وفلسفة اقتصادية ترى أن العلاقات بين الدولة والأسواق هي علاقات تكاملية وليست متناقضة كما يحاول أن يوحي البعض عبر نظرية السوق وقد حاولت جاهداً إعادة «اختراع الدولة» أي إعادة التوكيد على دورها الرائد والأساسي في عملية الإنهاض الاقتصادي الاجتماعي. ويقول إن تحجيم دور الدولة والترويج الداخلي والخارجي لتقليص دورها إلى أقصى الحدود ما هو إلا مؤامرة، عن غباء أو قصد، لإسقاط قدرتها على التحكم بخياراتها الاقتصادية وبالتالي السياسية والثقافية وإخضاعها تماماً للمعايير والقوانين والمؤسسات والمصالح الدولية المتمثلة بالعولمة في زيها الأمبراطوري الأميركي المدمر. ثم يستطرد ستيغليتز حول إسقاط الحماية فيقول: إن عملية فتح الحدود ما هي إلا عملية نهب مبرمج للعالم تقوم به الدول الصناعية الكبرى وهو يمدر الصناعات الوطنية والزراعية ويقود إلى البطالة والمشاكل الاجتماعية الحادة فالدول النامية تفتح أسواقها ليس فقط أمام اقتصادات متفوقة ومتقدمة عليها بأشواط بل أيضاً أمام بضائع مدعومة بشكل فعّال وواسع في الدول الصناعية الكبرى ومحمية بقوانين الإغراق الصارمة. ثم نسمع معالي وزير المالية، الذي نحترم، يطالب باستمرار بتقليص دور الدولة إلى أقصى الحدود لأنه دور فاسد وفاشل. إنه يخوض حرباً تحريرية ضد استعمار الدولة ويحمل تضخم القطاع العام مسؤولية فقرنا، كان الأجدر به أن يحمل هذه المسؤولية إلى الإهمال والهدر المتمادي والسرقة والتنكيل الإداري والسياسي بهذه القطاعات العامة حتى تداعت أمام ضربات الحكومات المتناوبة عليها خلال الحرب وحتى يومنا هذا. كان الأجدر بنا جميعاً أن نفعل هذه القطاعات العامة ونرعاها ونحميها من عبث العابثين لتكون هي المدخل العريض لعملية النهوض الاقتصادي ولتكون نماذج إنتاجية متقدمة ومربحة جداً ومنارات اقتصادية محفزة. من يسمع هذه التنديدات بالقطاع العام يظن أننا في روسيا الستالينية وليس في لبنان. ثم نسمع من يقول: «خلي الدولة تحل عنا ونحنا بألف خير». ويستمر التنديد بدور الدولة وهد حيلها ومصداقيتها في هذه الظروف الحرجة. الفساد والعجز أيها الزملاء ليس في مفهوم الدولة كنظام وهيئة بل الفساد والانحلال هو في بعض الذي يصادرون مقدرات الدولة وآليات عملها. الصحيح ليس في أن تحل الدولة عنا بل في أن يحل الفاسدون والمفسدون عن الدولة ونحن والدولة والوطن بألف خير. يقول ستيغليتز: خصخصة القطاع العام لا يتماشى أبداً مع الفساد السياسي والإداري ولا يتماشى مع فقدان البنى القانونية والمؤسساتية الملائمة. فالخصخصة في مناخات الفساد تنتهي بتملك رجال السياسة، مباشرة أو مواربة، مقاليد الدولة وإخضاعها لمآربهم الخاصة. ما يطرح هو فك ارتباط بين الاقتصاد وغاياته الاجتماعية، وخلق ثنائية عدائية بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، بين مصلحة الفرد ومصلحة الدولة ويعكس افتراقاً متسارعاً مرسوماً بين الرأسمالية المتوحشة والشأن العام وأي شكل من أشكال النشاطات الجماعية. دولة الرئيس أيها الزملاء، نحن لسنا من الحمق بحيث نرفض العولمة الإنسانية نحن معها كثورة علمية مذهلة غيرت معالم الكون وجعلت العالم أكثر تداخلاً وتفاعلاً ووضوحاً عن طريق فتح المعابر وساعية إلى المعارف والتقنيات وتعميم الخبرات والإحصائيات وتسهيل انتقال الناس والأفكار والأخبار والتطورات كافة وخاصة في مجالات الصحة العامة والبيئة والتعليم والمال والاقتصاد والثقافة لا أحد يعارض هذا، تماماً كما أن أحداً ليس ضد الطاقة الذرية ولكن هناك اعتراضات عارمة على استعمالها سلاحاً للتدمير أو الإخضاع. هذه الثورة خلقت فجوة معرفية متعاظمة بين الدول الصناعية الكبرى وبين الدول النامية. الدخول إلى العولمة الحقيقية هو المباشرة بردم هذه الفجوة المعرفية. هذا هو التحدي ولب القضية وهذه هي بوابة العبور إلى المستقبل واستعمال أي معبر آخر هو تزييف وانتماء شكلي مبتذل وخطر. أن نبدأ بردم الفجوة المعرفية هي الأولوية الثابتة والممر الإجباري، وهي الميزة التفاضلية المطلقة التي منها تستمد عناصر النهوض الأخرى شرعيتها وجدواها. فالمعرفة هي تحديث الإنتاج وإطلاقه باتجاه المستقبل، وهي تحرير البنية الإنتاجية من سلطة الرأسمال الجامد، وهي الاختراع والابتكار وابتداع الصناعات الجديدة والثروات على أنواعها، وهي حاضن للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وهي العامل الفاصل في زيادة الإنتاجية وامتصاص البطالة وتحفيز معدلات النمو. وهي الوسيلة الأفضل للتحوط ضد التقلبات الاقتصادية والتوترات النزقة في عالم الإنتاج الحديث. دولة الرئيس، هذه الأفكار المتواضعة ليست «دوغما» اقتصادية تلغي الرأي الآخر كما هي الحال مع نظرية دكتاتورية مع نظرية اقتصاد السوق وصفات منظمة التجارة العالمية وغيرها من الوجبات الجاهزة إنها فقط تؤسس لاتجاه نراه ملائماً لأوضاعنا. نطالب أولاً: إعادة تأسيس دولة الدولة في عملية النهوض. أي أن نرمم الثقة ونفعل مؤسساتها وإدارتها ونجعل من قطاعاتها العامة نماذج إنتاجية متقدمة. ثانياً: إعادة الحماية لإنتاجنا الصناعي والزراعي بما يكفل التنشيط والتحفيز وزيادة الإنتاجية وسن قوانين صارمة ضد الإغراق قبل فتح الأسواق. ثالثاً: التخلي عن الفكرة الساذجة التي تدّعي أن اقتصاد السوق له صفة الناظم والضابط المطلق تقريباً للحركة الاقتصادية وإعادة إعطاء الدولة الدور الفعّال في تصحيح الخلل. رابعاً: تطوير وتفعيل العلاقات والوحدات الإقليمية (خارج العدو الإسرائيلي بالتأكيد). خامساً: العمل الجدي لإنتاج مستوى معرفي متميز وذلك عن طريق التوظيف المالي المستمر والمتصاعد في الجامعة اللبنانية والمدرسة الرسمية والمهنيات ومعاهد التكنولوجيا العليا والتدريب ومراكز الدراسات والأبحاث. أيها الزملاء، التهاون والفساد والتناحر والشقاق والطائفيات والمذهبيات والخضوع والقبول بالواقع المهين هي شرور بحد ذاتها. في المفاصل التاريخية الخطيرة وفي حمى الصراع مع العدو الإسرائيلي تصبح جرائم قومية قاتلة لا تغفرها الشعوب. ومن يعش ير. وشكراً. الرئيس: الكلمة للزميل جورج قصارجي. جورج قصارجي: دولة الرئيس، قدمت الحكومة ورقة فارغة من أي مضمون إصلاحي، وخالية من أي برنامج لمعالجة مشكلة الدين العام، وبعيدة كل البعد عن أي مشروع عملي لمحاربة تنامي هذا الدين ولوقف تفاقم خدمته. وحملت الحكومة هذه الورقة بعض التكرار، والمزيد من الضرائب، وسمتها بالموازنة! بينما يصح أن يطلق على هذه الموازنة تسمية ورقة كتاب الاستقالة من تحمل مسؤولية الشأن العام، أو ورقة نعي لطموح الشعب اللبناني، حيث تدفع الحكومة بالمواطن ليكفر بالوطن بعد أن كفر بالحكم وبالسلطة وبالقيمين على شؤونه. طالعتنا الحكومة بهذا الخطاب البلاغي الخالي من محتوى جذاب، ومن سياسة تغييرية، لأنها حكومة محاصصة بامتياز، وحكومة المتاريس القائمة في داخلها، وحكومة حيطان الاسمنت المسلح المبنية بين وزرائها، حكومة ما صنعه الحداد، حكومة الخلافات والمنازعات والتجاذبات المريضة، حكومة أصدقاء المصلحة وأعداء المصلحة، حكومة العجز المطلق وحكومة الخطين والخطابين والرأيين والموقفين والنهجين والرأسين. دولة الرئيس، رأينا العجز في هذه الحكومة منذ اليوم الأول لتشكيلها، وأصبنا عندما قلنا بأنها عاجزة حتى عن إدارة مدرسة ابتدائية لأن المهمة شبه مستحيلة في ظل غياب سياسة تغييرية وغياب رجل دولة ورجل تغيير، ولأنها حكومة الماضي الذي حدد الحاضر ورسم معالمه والذي سيلقي بظلاله على المستقبل، وما الحاضر إلا نتاج للماضي. ولأن رئيسها هو من صنع الماضي بديونه الباهظة، وبفوائده العالية، وبمشاريعه الفضفاضة، وبمناطقيته الممقوتة، وبتعنته المشهور وبعدم تقبله للرأي الآخر. بينما التغير يحتاج لكي ينجح، تغيير الأشخاص، وتغيير النهج، وتغيير العقلية. هذا، ورئيس الحكومة يريدنا أن نقول له رغم كل ما حصل، احتفظ بالسلطة وبالحكم ونحن نؤيدك ونوقع لك على بياض! في وقت يكبر فيه الخطر الحقيقي على قضايا الشعب، خاصة، مع الحالة التي يضع فيها النائب في سلطة الرقابة والمحاسبة والمساءلة نفسه جسراً لعبور الحكومة إلى ضفة نسيان قضايا الناس وهمومهم ومشاكلهم وأوجاعهم وأوضاعهم، حتى بات بعضنا لا يرتدع أن ينشد بأن «جفنه علم الغزل». أيها الزملاء، لا يحمل رئيس الحكومة أية خطة لمعالجة الدين العام، وما أفكاره إلا عناوين عامة سقطت مع سقوط باريس ـ 2 وسقوط الخصخصة المشوهة التي أراد من خلالها بيع القطاع العام بالرخص ومجاناً وكرمى لعيون المحاسيب والأزلام والأقارب. ومن أبرز الدلالات على عقم سياسة الحريري ما قاله دولة الرئيس عصام فارس عندما وضع إصبعه على الجرح، وأشار بجرأة عالية المستوى إلى الوعود المضخمة غير الواقعية التي قطعها رئيس الحكومة أثناء مؤتمر باريس ـ 2 والتي لا يمكن للبنان نظراً لأوضاعه ولظروفه الموضوعية تلبيتها والالتزام بها. وليس عند رئيس الحكومة أجندة لإطفاء هذا الدين، ومن يعرف غير ذلك فليتفضل ويشرح مشروع دولته الإصلاحي وهو الآن في عامه العاشر من الحكم. أما أن نسمع دائماً الأسطوانة الممجوجة والمكررة لشعارات ديماغوجية فارغة، منها: ـ «اتركوا الحريري يعمل». ـ «الحريري صاحب أفكار ومشاريع في ما لو طبقت ستنهض بالبلد إلى مصاف الدول المتقدمة». ـ «المشكلة تكمن في من يعرقل الحريري». ـ «الحريري مشغول بالمعارك الكبيرة الخارجية التي ترد عن البلد تدميره وخرابه». فنجيب بأن المواطن ضاق ذرعاً بهذه الحجج الواهية، وبهذه الأضاليل، وبهذه الوعود العرقوبية المتمادية والمستمرة منذ العام 92، وضاق المواطن ذرعاً من الخلافات التي يسببها الحريري يوماً بعد يوم، ولم يعد المواطن يرغب بسماع روائح الرشاوى والفساد والسرقات ونهب المال العام. وضجر المواطن من حماية الصناديق والمجالس والمحاسيب والأزلام. واكتوى المواطن من الأنباء التي تبشره بانفجارات مجلس الوزراء، ولم يعد يرغب بملاحقة خلافات الخليوي، ومنازعات المسلخ، ومكبات النفايات، والكسارات وأرصفة السوليدير وحصار فندق السان جورج ومشروع صنين، وأبراج السمرلند وخطط مجلس الإنماء والإعمار، ويقرف المواطن ويشمئز من ما يسمى مسلسل وضع الكراسي والبروتوكول في صالون الشرف في مطار بيروت عند كل استقبال لزيارة دولية. جل ما يريده المواطن ببساطة كلية: ـ كهرباء سليمة بعد أن تحمل كلفتها الباهظة بحيث تجاوزت أكثر من عشرة مليارات دولار. ـ مياه شفة صالحة تصل إلى كل مدينة وقرية وحي، في بلد غني بلد غني بالمياه يهدرها دون جدوى. ـ استشفاء كريم لجميع أبنائه دون استثناء، ودون منّة، ودون واسطة، ودون استنسابية جارحة. ـ توزيع عادل لأدوية الأمراض الخبيثة والمزمنة. ـ تأمين فرص عمل تخفف عن الشباب الواعد هم البطالة، وتبعد شبح الهجرة. ـ تحسين مستوى الأجور المجمدة منذ العام 96 رغم الغلاء الفاحش وتدني القدرة الشرائية للمواطن. ـ تجميد زيادة الضرائب على أنواعها، وإلغاء الغرامات الباهظة لمخالفات ضريبة القيمة المضافة. ـ توزيع ما يصرف على الإنماء على جميع المناطق اللبنانية بدلاً من حصرها في بيروت فقط. ـ فصل العام عن الخاص وتطبيق قوانين الإثراء غير المشروع والكسب بلا سبب ومحاربة الفساد. ـ إرساء الديمقراطية وما تقتضيه من تداول على السلطة عبر إقرار قانون انتخاب عصري يؤمن صحة التمثيل والمساواة بين الدوائر، والمساواة بقيمة الصوت المقترع. هل هذا بكثير على الشعب اللبناني؟ دولة الرئيس، شهد لبنان مؤخراً إنهاء لاحتكار شركتي الخليوي بعد أن ربضت على صدر المستهلك والمواطن طيلة عشر سنوات متواصلة، فتميزت بالجشع والنهب والتعدي على المال العام والتطاول على مال الخزينة. واستطاع لبنان بجدارة أن ينهي سيطرة هاتين الشركتين، وأن يبعدهما عن الاستئثار بقطاع عام، وبهذا المرفق العام والحيوي للمواطن كما للخزينة. ولم يكن لتتحقق هذه الخطوة الهائلة والمفرحة، لولا رفعنا للصوت عالياً منذ العام 94 ولغاية هذه اللحظة، ولولا حزم المعنيين واتخاذهم لقرار استرداد هذا القطاع مهما كان الثمن. لكن طيلة العشر سنوات الفائتة كانت شركات الخليوي تشكل دولة ضمن الدولة، لا بل كانت دولتها أقوى من الدولة، وذلك بفضل الحماية السياسية التي تأمنت لها خلال الحكومات المتعاقبة. ورافق هذه الحماية السياسية حملة تشويش وإشاعات واتهامات هائلة طالت أكثر من مسؤول وأكثر من جهة واحدة، بينما ثبت بعد حين عدم صحة الإشاعات، وبانت غاياتها المشبوهة والمدسوسة. ومن ما جرى تعميمه وتسريبه في وسائل الإعلام، ما يلي: ـ «وزارة الاتصالات تسير دون دراية بما يدور حولها». ـ المناقصة المطروحة ستلبي مصالح البعض، وستأخذ بمصالحهم، ولا علاقة لها بالشفافية». ـ «هناك من سيشتري دفاتر الشروط، لكن ليس هناك من يتقدم للمشاركة بالمناقصة». ـ «ستشهد المناقصة نقل نفوذ من يد إلى أخرى ومن عائلة إلى أخرى». ـ «سيتم توفير بضعة ملايين ولكن الكارثة ستقع». ـ تم اللجؤ إلى مناقصة جديدة لأن المناقصة القديمة لم تلب مصالح البعض». ـ «أظهرت أرقام وبيانات وإحصاءات السنيورة عدم تحقيق وزارة الاتصالات وفراً للخزينة العامة». ـ احتساب الفوائد على مبلغ التعويض لا يدل إلا على تحقيق وفر بسيط». ـ «مصلحة الدولة تكمن باستمرار وبقاء شركتي سيليس وليبانسيل». ـ «تكاد كلفة التشغيل أن تحقق أرباحاً للشركات، والشركتان مظلومتان مع الدولة». ـ «يتمتع المجلس الأعلى للخصخصة بالاستقلالية التامة، وهو جهاز حريص على المال العام، وأثبت شفافيته وصحة تصرفاته وقراراته». ـ «شركة الخليوي في جنوب أفريقيا لا تصنف شركة داتاكوم الألمانية كمشغل وإنما كمستشاري». لكن وبالرغم من هذا الكم الهائل من الإشاعات والأكاذيب المضللة، والتي ربطت بين الشركة الفائدة بالمناقصة والشركة الملتزمة لفحص الميكانيك، حيناً للتطاول على وزير الداخلية، وحيناً آخر للتهجم على موقع ودور رئاسة الجمهورية، تبقى حقيقة واحدة لا تقبل الجدل وهي ارتباط الشركات السابقة برئيس الحكومة وبأقاربه وبأزلامه ومحاسيبه، وببعض وزراء البلاط المحظوظين، ومن «كان بيته من زجاج لا يستطيع التراشق بالحجارة». من هنا يشعر المواطن براحة لاستعادة قطاع الخليوي، ولعودة الثقة العالمية بالدولة ومناقصاتها بعد إزاحة المتطاولين على المال العام، لكن علينا أن لا نستبدل احتكار الشركات باحتكار الدولة، ويجب على وزارة الاتصالات ونتيجة للوفر الحاصل أن تخفض رسم الاشتراك الشهري على الهاتف الخليوي كما على الهاتف الثابت لا بل أن تلغيه، وأن تقدم أغلب الخدمات مجاناً، وأن تفكر ملياً بكيفية استعادة رسم الربط الذي دفعه المشترك من الشركات والذي بلغ حينها 50 دولار فضلاً عن العمل الدؤوب لاستعادة أموال الخزينة المنهوبة وتحصيل سندات أوامر القبض التي كلفت الشركتين بها، وكيفية ربح دعاوى التحكيم. دولة الرئيس، نبحث بموازنة غير متوازنة أصلاً، ولن تكون متوازنة طيلة العام الحالي، بفعل السياسات المالية والاقتصادية للحكومة. إنها موازنة الإفلاس، إفلاس الحكومة من أية رؤية، ومن أي بديل ومن أي نهج تغييري، لأن الموازنة لا تتضمن أي بند إصلاحي، لا بل أتت موازنة العام 2004 لتتجاهل كل البنود والتوجهات الإصلاحية التي تضمنتها موازنة العام 2003. أنا منذ العام 1992 لا أعطيكم الثقة بشيء لا للحكومات ولا للموازنات. ولا مرة أخذتم صوتي ولن تأخذوه. لقد قدرت الموازنة العجز بحوالي 33%، في حين أن ا لعجز المقدر في موازنة العام 2003 كان بحدود 26% وقدرت كلفة خدمة الدين لهذا العام بحوالي 4300 مليار للعام الفائت، مما يعني السماح للحكومة بالمزيد من الاستدانة، ويعني أيضاً منافسة القطاع العام للقطاع الخاص على الرساميل المتوفرة بالبلد، ويعني أيضاً وأيضاً العودة لارتفاع وللبطالة وللهجرة. لقد تخلّت الحكومة ـ عمداً وقصداً وبقرار تخريبي ـ عن استراتيجية الإصلاحات التي يمكن أن تعزز النمو وتقلص حجم الإنفاق غير المجدي. وغفلت الحكومة نهائياً عن حاجة البلد لسياسة الإصلاح المالي والنقدي، وذلك لأسباب سياسية واضحة تتعلق بالاستحقاقات القادمة، وخاصة منها انتخابات رئاسة الجمهورية. ألم يحن الأوان للقيمين على مقاليد الحكومة أن يعوا الفصل ما بين مصالحهم السياسية وما بين المواطن واستمرار البلد؟ ألا تشعر الحكومة بضرورة الفصل بين لقمة العيش وضرورة استمرار لبنان وما بين مصالح بعض أقطابها السياسية الخاصة؟ وبما أن الإجابات على هذه التساؤلات ستكون حتماً سلبية، لذلك لا بد من تغيير هذه الحكومة المتواطئة بأقصى سرعة ممكنة لتجنب البلد مآسيها، ولحماية المواطن من تداعيات سياساتها، خاصة وأن المفلس لا يمكنه أن يتولى إدارة طابق التفليسة. فلتذهب الحكومة المفلسة هذه دون رجعة، وليكن هناك حكومة تغييريين وإصلاحيين وشكراً.
الجزء 12
الرئيس: الكلمة للزميل صالح الخير.
صالح الخير: دولة الرئيس، أيها الأخوة والزملاء،
موازنة هذا العام لا تختلف عن سابقاتها لا من حيث الشكل ولا المضمون، وجاءت متأخرة من حيث التوقيت، وفي ظرف دولي صعب حيث تمر المنطقة العربية بأخطر مراحل حياتها بظل الاحتلال الأمريكي للعراق والاحتلال الإسرائيلي لأكثر من 80% من أراضي فلسطين وحصار وتدمير وقتل ما تبقى بهدف تهويد كل فلسطين.
موازنة هذا العام تتزامن مع انكشاف المخطط الصهيوامريكي من خلال رفع شعار نظام عالمي جديد وشرق أوسط جديد بهدف التسلط على العالم بما فيه الدول العربية والإسلامية بهدف فرض أنظمة تخدم مصالحه السياسية والاقتصادية والتجارية…
وجاءت الموازنة متأخرة بسبب الخلافات السياسية، واستمرت التجاذبات في مجلس الوزراء عدة جلسات وبشكل لم تشهده من قبل، ولكنه بنظري ظاهرة صحية ومن حق كل مسؤول ووزير في الحكومة تقديم دراسة عن حاجات وزارته والدفاع عن وجهة نظره.
ولكن المعركة كانت سياسية بلباس مالي وتنموي، ولهدف كان من أجل تأمين الحصص والمغانم وليس إنجاز تنظيم وإصلاح بنود الموازنة حسب الأولويات لوطن مهدد من عدو متربص وطامع، ومواطن يرزح تحت أعباء وتكاليف لم يعد معها يستطيع تأمين أبسط متطلبات العيش الكريم…
والسؤال اليوم، المسؤولية على من تقع؟
لا شك أن المسؤولية لا تقع على جهة بعينها، فالكل مسؤول، وجميع السلطات شريكة في تحمل مسؤولية التردي الذي وصل إليه لبنان.
دولة الرئيس، ماذا تقول عن موازنة خاطبتم بها الوزير فؤاد السنيورة لا هكذا ترد الإبل يا فؤاد ولا هكذا تعد الموازنات، فمشروع الموازنة جاء ليكرس العجز عن مواجهة أزمات البلاد، واستمرار الصراع على المواقع والنفوذ بتجاهل شؤون الوطن والمواطن.
موازنة وصفها دولة الرئيس رفيق الحريري بأنها تمثل الواقع ولا تمثل الطموحات…
وبعد كل هذا ماذا نقول نحن عن موازنة تسعة أعشارها معاشات وعلاوات وساعات إضافية للمحاسيب، الذين لا يعملون حتى أوقات الدوام والنفقات الاستهلاكية من تنظيفات ومحروقات وأسفار ونثريات مختلفة وأسفار متواصلة.
أما العشر الأخير من الموازنة جاء بمشاريع غير منتجة ومفصلة على قياس واضعيها ومخالفة لأبسط قواعد الإنماء المتوازن.
كيف يمكن بواسطة هذه الموازنة وقف الانهيار الاقتصادي وإنهاء مشكلة العجز البالغ 32% ودون أن نحسب الأشياء غير ظاهرة أو التي لم توضع على طريق التنفيذ. وكيف السبيل لحل مشكلة الدين العام المتفاقم الذي وصل إلى حوالي 35 مليار دولار وفوائد الدين التي وصلت إلى ما يعادل 4300 مليار ل.ل. أي ما معناه أكثر من 80% من الواردات البالغة 6400 مليار ل.ل. هذا الوضع يفرض علينا السؤال:
كيف يمكن مواجهة الاستحقاقات المالية وتعهدات لبنان تجاه الدول المانحة وباريس 2 التي اشترطت على لبنان إجراء خصخصة بعض المرافق وكلكم تعرفون الخصخصة وخضم الخصخصة وما انتهت إليه المحاصصة بعد سنوات طويلة من عهد حكومة الرئيس الحص التي أقرّت عملية الخصخصة ووافق عليها المجلس ولا زلنا حتى اليوم في مخاض الخصخصة، وأظن أننا بهذه الأساليب الجارية اليوم لن نصل إلى خصخصة شفافة ترضي ضمير المواطن اللبناني وترضي كل مسؤول حر وشريف.
باريس 2 قلنا كان يفرض على لبنان التزامه بالخصخصة وتخفيض العجز والدين. لن نلاحظ اليوم في هذه الموازنة والآتي أعظم في عام 2005 لا نعرف إلى أين سنصل بالدين وبفائدة الدين وبالعجز وبالخلل في ميزان المدفوعات. الاستيراد على التصدير الذي هو أكبر عائق في طريق التنمية وفي طريق البناء والإعمار وفي طريق الحفاظ على النقد ووقف التضخم المالي.
دولة الرئيس، هذه الحالة الخطيرة التي وصلنا إليها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
إذا أردنا تحليلها وحصرها ووضع الحلول لها فإنها تحتاج إلى مجلدات وساعات طويلة من الشرح والبحث ولكن لا بد من تسليط الضوء على بعض المشاكل واقتراح بعض الحلول…
أولاً: نبدأ بالمشكلة السياسية التي هي بنظري تجاوزت كل الحدود في تردي العلاقات بين الرؤساء والمسؤولين وبين الوزراء والرؤساء وبين الوزراء والوزراء، وبين بعض الوزراء وكبار الموظفين.
لدرجة نقول بأنها تجاوزت الأزمة السياسية. بالطبع تجاوزت أزمة الحكم وأصبحنا نعيش أزمة نظام تتطلب بعد هدوء العاصفة التي نعيشها اليوم وبعد الانتهاء من تنفيذ اتفاق الطائف، التفكير باعتماد نظام حكم جديد أساسه الديمقراطية شبه المباشرة للتخلص من دولة تعدد الرؤوس، رؤوس الطوائف واعتماد قانون انتخاب عصري جديد تتحدد دوائره بشكل يساعد على الانصهار الوطني الحقيقي، وتنظيم حياة سياسية في إطار أحزاب تعتمد خطاباً وفكراً وطنياً لا طائفياً…
وتحدد سقفاً مالياً لنفقات الحملات الانتخابية لتثبيت وتطوير الديمقراطية إلى جانب العمل على تطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة.
واليوم وكما كنا دائماً، نطالب بالفصل بين النيابة والوزارة، والفصل بين العام والخاص، أي عدم الجمع بين العمل السياسي والمقاولات والتجارة على أنواعها وألوانها المقنعة منها وغير المقنعة، لأنه في الحقيقة أعتقد حسبما أرى أنه لا توجد صفقة ولا يوجد التزام ولا أي عمل في هذا البلد.
هناك أموال تصرف سدى والكل غاطس بنهب المال العام لا أحد يتبرأ وإذا أردنا تطبيق قانون المحاسبة أي قانون من أين لك هذا، أعتقد أنه يطال عدداً كبيراً من اللبنانيين من سياسيين وأزلام ومنتفعين ومحاسيب..
ثانياً: الإصلاح الاقتصادي: من المعروف لكل بلد في العالم خصائص بشرية وطبيعية جغرافية ومناخية وثروات وموارد أساسية يعتمد عليها في بناء اقتصاد ثابت ومستمر.
ولبنان البلد الصغير جغرافياً والمنتشر بشرياً لا يملك ثروات استراتيجية كالمعادن والنفط…
ولكنه يملك ثروة إنسانية وعلماً وثقافة وانتشاراً لأصحاب الأدمغة حيث تمكن لبنان من تطوير البحث العلمي في كافة الحقول خاصة في مجال تكنولوجيا الإلكترونيات والمواصلات، ومنافسة إسرائيل المتقدمة على جميع الدول العربية مجتمعة، حيث إن إسرائيل تأتي ضمن مجموعة الدول المتقدمة بعد الولايات المتحدة الأميركية والهند… كلنا نعلم بأن الولايات المتحدة والهند هما الدولتان اللتان تسبقان العالم كله في مجال التكنولوجيا والاتصالات والإلكترونيات وهذا شيء من الممكن أن يدخل فيه لبنان وذلك لقدرات أبناء لبنان العلمية وللتهيئة الموجودة له في الداخل وفي الخارج. من الممكن أن يكون هذا مصدراً من مصادر الدخل لحل مشكلة الدين والعجز في هذه الموازنة.
وفي موضوع الزراعة، نحمد الله بان، كبار المسؤولين في هذا البلد يركزون على الزراعة ويهتمون بها. وبالفعل الزراعة عنصر أساسي من العناصر التي تحل لنا مشاكلنا الاقتصادية والمالية لأن لبنان يمتاز بمناخ بيئي جيد وأرض خصبة ومياه عذبة ومن الممكن أن يستفيد من تصدير الزراعة. كلنا نعلم أنه في الستينات والخمسينات كان الإنتاج اللبناني في طليعة الإنتاج في المنطقة الذي يصدر إلى أوروبا الشرقية والغربية من حمضيات وتفاح وهذا كان بفضل مكتب الفاكهة، أما اليوم فعندنا «ايدال» نحن لا ننكر بان «ايدال» نشطت عملية التصدير إلى حد ما لكن لم تحل مشكلة الزراعة والمزارع ومشكلة تأمين مصادر الأموال بالعملات الصعبة لأن «ايدال» ركّزت على تشجيع التجار ورديات التجار وهذا الأمر أنا كنت ضده في اللجان النيابية عندما وضعنا هذا القانون وقلنا يجب أن يعود التشجيع بشكل مباشر للمزارع كي يستطيع أن يصمد في أرضه وكي يتمكن من متابعة تطوير زراعته.
كان من الممكن أن يعود قسم من رديات «ايدال» للمزارع بعدة وسائل من التشجيع والتسليف وتخفيض أسعار المبيدات والأسمدة… الخ.
ولكن بكل أسف أقول نحن في هذا لا نرى إلاّ وجه البحر هذا ما نعيشه.
دولة الرئيس،
الصناعة هي العنصر الثالث وهذا ليست من عندي على ما أعتقد.
فلسفة الموازنات وآراء المسؤولين بالدولة تقول بأن العناصر الأساسية لبناء الاقتصاد والتنمية هي الزراعة والسياحة والصناعة.
فالصناعة اليوم في أسوأ حالاتها والمصانع التي كنا نفتخر بها في الستينات أغلقت اليوم والعمال والصناعيون يتسكعون في الطرقات ويركضون إلى أبواب السفارات بغية الحصول على فيزا.
اليوم أصبحت الفيزا مشروع تهنئة، من يأخذ الفيزا تتهافت الناس لتهنئته على السفر. اليوم الصناعة تتطلب تشجيعاً ومساعدة وتأميناً للمناطق الصناعية، وهذه المناطق يجب أن يرفع عنها الغبار وأن تعتمد في كل المناطق لإيجاد صناعات زراعية وإنتاجية غذائية كي لا نستورد كل البودرة للمواد الروحية والعصير على أنواعه.
بكل أسف إنتاجنا من الفواكه كله يتلف ونحن نستورد البودرة التي تذاب وتقدم للضيوف. هذا خطأ كبيرة.
دولة الرئيس،
تكثر في هذه الأيام المؤتمرات الدولية في لبنان في ظل أجواء النظام الجديد الذي تحدثنا عنه من حرية التجارة والتسهيلات أمام الأسواق الأوروبية والعربية. نحن لسنا ضد أن يرتفع لبنان إلى هذا المستوى وأن لا يتأخر عن الركب، إذا كانت العولمة التي خوفنا زميلنا منها والتي تحدثنا عنها أمام هذا المجلس عدة مرات وتحدثنا عن مخاطرها ومخاطر الاحتكار الدولي المتمثل اليوم بالاحتكارات الأمريكية الصهيونية في العالم والتي هي اليوم سبب هذا النظام وسبب تدخلها في قضايا الشعوب وفي مصير الشعوب فنحن نقول بأن هذه المؤتمرات التي تصير في لبنان نحن لسنا ضد التطور معها لنصل إلى مستوى رفع إنتاجنا الزراعي والصناعي والسياحي لأن السياحة قطاع مهم كي نستطيع مواجهة الأسواق الخارجية والغزوة الكبيرة التجارية والثقافية والسياسية التي تلف على العالم كله بهدف احتوائه وبهدف جعله سوقاً استهلاكياً لها وبشكل أن تفرض كل وارداتها وهيمنتها على كل مقدراته وقراراته السياسية وغير السياسية.
دولة الرئيس،
لنا كلمة في موضوع الإصلاح المالي:
الإصلاح المالي يتطلب بدءاً باتباع سياسة التقشف وترشيد الإنفاق للعمل على الحد من النزيف المالي وخاصة في نفقات القطاع العام وتأمين موارد متنامية عن طريق قانون ضريبي موحد. نحن نريد قانوناً ضريبياً موحداً، تجربة (T.V.A.) تجربة لسنا ضدها ولكن ينبغي تنظيم النظام الضريبي في البلد ليطال الأغنياء قبل الفقراء ويطال أغنياء الحرب والناس الذين أثروا بسرعة البرق، لقد أصبح هناك خلل وخطر اجتماعي، هناك 2% من أصحاب الثروات العالية الكبيرة في البلد وهناك الأغلبية الساحقة من اللبنانيين أصبحت تحت خط الفقر لدرجة أن الطبقة الوسطى انعدمت كلياً ولم يعد في لبنان طبقة وسطى، وأعتقد كل واحد يعرف بأن الطبقة الوسطى في البلد كانت هي الضمانة الكبيرة لاستقرار المجتمع.
هذا الشيء يا دولة الرئيس، يتطلب إلى جانب ذلك إصلاح المؤسسات العامة، لكي تعتمد على أنفسها ولا تعتمد على السلفات والمساعدات والمساهمات التي تضمنها الدولة لها باستمرار وكلكم يعرف كم تضخ الدولة سلفات ومساعدات لمؤسساتها محشوة بالموظفين غير العاملين.
في الحقيقة يجب أن يوضع حل نهائي لهذا الأمر لكي نتمكن من الحد نوعاً ما من عجز الموازنة وإطفاء الدين العام وتثبيت سعر صرف العملة اللبنانية كما قلنا منذ قليل عن طريق زيادة الإنتاج ومضاعفة الدخل الوطني بدلاً من تدخل البنك المركزي. كل يوم، البنك المركزي يضخ من احتياط العملات الصعبة كي يثبت سعر صرف العملة اللبنانية. هذا الوضع لا يجوز أن يستمر على ما هو عليه.
رئيس الحكومة: من أين أتيت بهذا الكلام؟
البنك المركزي لا يتدخل بل العكس تماماً، أنه يتدخل كمشتري.
من يسمعك تقول هذا الكلام يظن بأن، البنك المركزي يتدخل.
صالح الخير: بالنسبة للإصلاح القضائي.
إن القضاء صمام الأمان، فإذا صلح تم الأمان وإذا فسد كل شيء (فالعدل إذا عم عمر والظلم إذا دام دمر) هذا من أقوال المرحوم صائب بك سلام كان دائماً يقولها في المجلس النيابي.
والمطلوب هنا، هو العمل على استقلالية القضاء وتحصينه من كافة المداخلات بشؤونه، وإجراء إصلاحات ضرورية عن طريق تقوية جهاز التفتيش القضائي، والعمل على سد الحاجة من القضاة للبت في عدد كبير من القضايا العالقة أما المحاكم في كل المحافظات اللبنانية.
كلمة أخيرة عن الإصلاح الإداري.
دولة الرئيس،
الإصلاح الإداري: لم يعد سراً على أحد والفساد الذي انحدرت إليه الإدارة، وصل إلى درجة يتطلب إعادة النظر في الهيكلية الإدارية كماً ونوعاً بتحديد الحاجة في كل قطاع وبوضع الموظف المناسب في المكان المناسب، وصرف من لا نفع منهم وتطعيم الإدارة بأصحاب الخبرات والاختصاصات المتطورة.
وهنا نسأل عن جيش الموظفين غير العاملين، خاصة موظفي الفئة الأولى منهم الذين وضعوا بالتصرف حيث يقبضون رواتب ومساعدات وساعات إضافية ولا يقومون بفعل شيء منذ سنوات طويلة، علماً بأن البعض منهم قد كسبوا دعاوى أمام مجلس شورى الدولة والقضاء العادي ببراءتهم مما نسب إليهم…
وأظن أنه آن الوقت لإنهاء حالة الوضع بالتصرف لوقف هدر المال العام بدون مقابل فإما أن تعطوهم تعويضاتهم أو تضعوهم في أماكن تناسب أوضاعهم لكي يعطوا ويأخذوا ما يستحقون مقابل عملهم.
وهنا نسأل أما حان الوقت لإنهاء بدعة المجالس على أنواعها؟
وهل ستستمر التبريرات وأسباب وجودها على هامش الوزارات؟ لا بل أصبحت هي الأساس والوزارات على الهامش.
طبعاً، يجب أن تبقى ليستمر صرف الأموال والهدر والسرقات والسمسرات وكي تبقى المحاصصة في كل دواوين الدولة وإدارات الدولة وفي كل مواقعها، كلها سمسرات ومحاصصات وسرقات وفساد ونسأل، إما آن الوقت لإغلاق ملف المهجرين وإنصاف مهجري الشمال أسوة بغيرهم، هذا الصندوق أعني صندوق المهجرين، أعتقد أنه منذ عشر سنوات وإلى اليوم الزمن كاف كي نسدل الستار ونسكر هذه الحنفية للانتهاء من مشكلة المهجرين لأن هذه تعني أولاً بأن البلد سياسياً وضعه سيء من جهة، ومن جهة أخرى تبين بأن الناس لم يتفاهموا مع بعضهم البعض. مع العلم أن اللبنانيين رجعوا من أول يوم متفاهمين مع بعضهم البعض.
أنا لا أفهم لماذا ملف المهجرين لغاية اليوم لم ينته ولا يزال مستمراً.
ما هو السبب؟ هل هو بقرة؟ لا أدري ما إذا كان بقرة حلوباً!!
وفي قضية الكسارات والمخطط التوجيهي للكسارات، والتعدي على الأملاك البحرية منذ 15 عاماً في هذا المجلس وإلى اليوم جاءت مشاريع قوانين ومن ثم أعيدت إلى الحكومة أي جاءت من الحكومة وعاد إليها.
أعتقد بأن هذه المشاريع والمخططات التوجيهية، اعتبرها امتيازات فيها مداخيل ونحن بحاجة إلى مداخيل.
أتمنى أن نصل إلى نهاية سعيدة كي تساعدكم على تكريس موازنة بالمستقبل وتكون موازنة متوازنة بعيدة عن العجز وعن إرهاقات الديون.
وبعد مخاض طويل، نحمد الله تعالى على إنجاز مناقصة تشغيل محطتي دير عمار والزهراني اللتين اشتراهما لبنان على أساس أنهما محطتان جديدتان ولكنهما في الحقيقة لم تكونا إلا آلات مستعملة تم تجميعها في لبنان تماماً كما حدث لطائرات البوما الرومانية التي اشتراها لبنان على أساس إنها فرنسية.
هذه المحطات اشتريناها إيطالية تبينت أنها ململمة ستوكات من عدة دول.
وبالمناسبة نؤكد للمسؤولين بأن المهندسين والفنيين اللبنانيين يستطيعون إدارة هذه المحطات ونطالب وزارة الطاقة بدفع أجور العاملين في محطة دير عمار الذين لا تدفع رواتبهم منذ شهرين حتى اليوم.
وأخيراً، فإنني أطالب بإعادة الثقة بين المواطن والدولة لأنها مهمة جداً فإذا انعدمت هذه الثقة فعلى الدولة والدنيا السلام.
المواطن لم يعد اليوم مؤمناً بنوابه وحكوماته ولا بمسؤوليه. فلنكن واضحين في هذا المجال ونضع الإصبع على الجرح.
المطلوب إذا كنا نغار على لبنان فلنفتش على الوسائل والأساليب التي تعيد الثقة إلى المواطن اللبناني بوطنه وأن نعمل على بناء دولة المؤسسات وننتهي من دولة المزارع والأشخاص وأزلام الأشخاص.
إذا كنا نريد البقاء في هذا البلد فلنعمل فوراً على بناء دولة المؤسسات التي يحترم فيها الإنسان ويحترم فيها القانون وتحترم فيها الحقوق لنتمكن من القيام بدورنا على المستوى الخارجي الذي اعتبره دوراً جيداً لنستطيع استكمال مشوارنا على المستوى الدولي لمواجهة كافة الاستحقاقات والمخططات والضغوطات التي تمارس اليوم على لبنان وسوريا وعدد من الأقطار العربية وشكراً.
الرئيس: الكلمة للزميل أسامة سعد.
أسامة سعد: دولة الرئيس،
سوف أحذو حذو بعض الزملاء وأقول خير الكلام ما قل ودل، وذلك لاعتبار اختصار الوقت هذا في المقام الأول ولاعتبار آخر أنه لم يعد من المجدي والمفيد توجيه سهام النقد كحكومة لا تسمع ولا تعالج ولا تحكم بل هي على العكس من ذلك فإنها تستولد الضجيج الفارغ والأزمات الطاحنة والفوضى الشاملة.
ولاعتبار جوهري آخر، أن قوى التغيير أو حتى قوى الإصلاح في البلد غير جاهزة وغير مستعدة وأمامها من المعوقات التي تبدأ مع أداء الحكومة السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولا تنتهي مع أوضاع طائفية ومذهبية معيبة ومميتة تلقى رعاية وتلقى استثماراً وتوظيفاً، ومروراً بمنظومه أوضاع مختلفة لقوى سياسية ونقابية واجتماعية وشعبية وإقليمية وغيرها من المعوقات التي لا حصر لها.
أيها السادة، أمامنا حكومة رعاية الفساد والإفساد، حكومة التنكر لمصالح الناس وهموم الناس وآلام الناس. حكومة تجيد الخلط، خلط العام بالخاص، فإذا بشركات الأزلام والمحاسيب والأقارب أقوى من الدولة والوطن والناس، حكومة تتناحر فيما بينها ويستبد بعضها ببعض، ولكنها في النهاية تنحر الوطن وتستبد بالناس أجمعين، حكومة العجز والفشل، وبلسان وزير ماليتها في بيان شاعري بعيد عن الواقع يعلن عجز الحكومة عن ولوج الإصلاح ويقدم لنا موازنة هي أقل من الحد الأدنى الضروري في هذه المرحلة وينسب ذلك لأسباب سياسية لا يفصح عنها وكأننا أمام حكومة تجيد المقاولات وتجيد التلفيقات ولا تجيد السياسة ولأن السياسة باتت مقاولة وتلفيقاً.
دولة الرئيس،
الأمر لم يعد قضية تسجيل نقاط للمعارضة أو للموالاة فالناس قد ملت المعارضة والموالاة على حد سواء، ولم يعد لها ثقة بأن أحداً يستطيع إخراج البلاد من أوضاعها السيئة، مما يضع هذا الأمر كأولوية وطنية علياً لا تحتمل المساومة أو التأجيل. إن حالة اليأس والإحباط التي تسود الشارع اللبناني بين مختلف الفئات والهيئات والقوى والمناطق واتجاهات الرأي وانعدام كل أمل في إصلاح أو تغيير إنما ينذر بعواقب خطيرة لا يعلم مداها إلا الله.
قضية وطنية عليا وكبرى هي أكبر من حكومة مرتكبة وأكبر موازنة تجترها عاماً بعد عام وأكبر من ديون تتضاعف سنة بعد سنة مسلطة فوق رقابنا، وهي أكبر من كل الاستحقاقات الدستورية المرتقبة، هي قضية إيمان بوطن وقانون ومؤسسات، هي قضية مستقبل ومصير أجيال، هي قضية مواجهة عواصف عاتية مقبلة علينا من كل اتجاه.
دولة الرئيس،
هل المطلوب أن يكفر المواطن بكل مؤسساته الدستورية.
هل المطلوب أن نعلن جميعاً كما الحكومة عجزنا عن معالجة آلام وشجون وشؤون الناس؟ هل المطلوب أن نقضي على ما تبقى من أمل في وطن حر عزيز كريم تتوجه إليه وتحلم به أجيال واعدة من شباب لبنان؟
هل العلة والمرض قد استولدا فينا العقم؟ كلا دولة الرئيس.. ليضع المجلس الكريم يده على القضية وليضع إصبعه على الجرح فإن مسؤولية ممثلي الشعب كبيرة وكبيرة جداً، ونحن على يقين أن المجلس قادر على تجسيد إرادة الناس وتوق الناس واشتياق الناس لدولة العدالة والمساواة ودولة القانون والمؤسسات. ولعل الخطوة الأولى تكون بإسقاط حكومة تعادي القانون وتخرب المؤسسات وتجافي العدالة والمساواة، وهي حكومة مترنحة لا تحتاج إلا لرصاصة رحمة، فليطلق ممثلو الشعب هذه الرصاصة ولننهي الأمر قبل فوات الأوان ولعل في ذلك عبرة لمن يعتبر.
وشكراً.
الرئيس: الكلمة للزميل غسان مخيبر.
غسان مخيبر: دولة الرئيس، السيدات والسادة الزملاء،
لقد قيل وكتب الكثير عن موازنة 2004، وأكتفي إيجازاً بما يأتي:
* هي موازنة تشغيلية عادية لظروف استثنائية خطيرة.
* موازنة تصريف أعمال لحكومة شبه تصريف أعمال.
* موازنة فارغة من أي مضمون إصلاحي في زمن رديء هو أحوج ما يكون إلى الإصلاحات الجذرية في السياسة والإدارة والقضاء والاقتصاد والمال.
* موازنة متأخرة جداً، تجري مناقشتها في جو سياسي ملبد من المشاحنات والخلافات، تضيع معه فرص الإصلاح والإدارة العامة السليمة.
كان بإمكاني الاكتفاء بهذا القدر وإعلان إنني لهذه الأسباب أصوت ضد هذه الموازنة، لكن المناقشة من على هذا المنبر تحتم علي تجاوز الأرقام إلى مناقشة السياسات التي ترتكز عليها، وسوف أسعى أن لا يتحول كلامي مجرد «فشة خلق» أخرى لنفسي وللناس، تلقى أمام الزملاء والمواطنين، لتسجل في محضر هذه الجلسة وفي وسائل الإعلام.
لقد بات كل مواطن لبناني يعلم تماماً ما يوجعه، وأسباب هذا الوجع كثيرة تكاد لا تحصى، في السياسة والحريات والاقتصاد والتربية والصحة والمال والضرائب. وبات كل مواطن لبناني يعلم تماماً أين الأخطاء وأسبابها، وقد قيل وكتب ونشر الكثير من التحليلات والتعليقات واقترحت استراتيجيات وبعض من خطط العمل… لكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟
للتعبير عن الألم والاعتراض، ربما بات الأجدى بنا توزيع المناشير البيضاء أسوة بما حصل لذلك المواطن الناقم في إحدى دول العالم الثالث «المعترة» في الديمقراطية والاقتصاد، حيث اعتقل وهو يوزع مناشير ضد الحكومة ، فتعجب رجال الأمن حين لاحظوا أن المناشير كانت أوراق بيضاء ليس فيها أية عبارة، فسألوه عن السبب قال: «أسباب الاعتراض كثيرة إلى حد أنني أترك لكل مواطن حرية كتابة انتقاده الخاص».
وفي ما يتجاوز التعبير عن الوجع والاعتراض، بات علينا واجب التقليل من الكلام والإكثار من الأفعال عبر البدء بإطلاق ورشة إصلاح وإنقاذ وطني تتناول أولاً مجمل الملفات السياسية الأساسية التي لم تعالجها السلطات المعنية بعد، وفي مقدمتها المواضيع الآتية:
* تحقيق دولة القانون والمؤسسات، بالفعل لا بالشعارات ،المبينة على أسس احترام الحريات وحقوق الإنسان.
* تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية وتعزيزها وإقفال ملفات المخففين قسراً في أية دولة كان ذلك، أن في سوريا أم ليبيا أو في غيرها، وتنقية ذاكرة الحروب اللبنانية الدامية، والخروج من زواريب الطائفية إلى رحاب المواطنية والعلمنة.
* إصلاح العلاقات اللبنانية ـ السورية في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية.
* إصلاح النظام الانتخابي في وقت مبكر وأن لا نترك ذلك إلى ربع الساعة الأخير كما حصل في الماضي وكما يحصل بالنسبة لقانون البلديات وإصلاح هذا النظام بما يكفل شروط التمثيل الصحيح.
* مكافحة الفساد المستشري وتحقيق الشفافية في التعامل السياسي والإداري، وإصلاح الإدارة العامة لتكون فاعلة ومنصفة في أدائها، والخروج من دوامة المحسوبيات السياسية والطائفية التي تعرقل كل محاولة إصلاح، وكذلك وضع قواعد فاعلة لمنع تعارض المصالح بين من يتولى الإدارة أو الوزارة والتعامل مع الدولة، المباشر أو المستتر.
وجدير التذكير بأن تحقيق جميع هذه الإصلاحات السياسية لا يرتب أي عبء مالي على الخزينة يذكر، بل إرادة سياسية وعمل جاد يشكل المدخل الحقيقي والضروري لتحقيق الإصلاحيات الاقتصادية والمالية المنشودة، واستعادة ثقة المواطن والعالم بالدولة ومؤسساتها.
أما في المجال الاقتصادي والمالي والاجتماعي، يجب أن تتضمن ورشة الإصلاح والإنقاذ وضع السياسات المتكاملة مع برامجه التنفيذية (تشريعياً وإدارياً ومالياً) في الملفات الاقتصادية والاجتماعية الشائكة العديدة ومنها:
* تحصين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتطوير خدماته وإدارته بما في ضمان الشيخوخة والضمان الصحي.
إصلاح مصلحة كهرباء لبنان، وحماية الأملاك العامة البحرية والنهرية، وتطوير قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة ومساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المتعثرة بسبب الأوضاع الاقتصادية والمالية الضاغطة. والعديد منها شارك على الإفلاس.
* تطوير سياسات وبرامج واضحة في المجالات البيئية، بما فيها عملية إدارة النفايات الصلبة. ضبط وتطوير إدارة الثروة المائية والكسارات وإيجاد الحلول اللازمة لاستعمال المحروقات الأقل تلويثاً في وسائل النقل العام وتطوير هذا الأخير، بما فيه تطوير سكك الحديد.
* متابعة التزامات لبنان ضمن ما عرف بمؤتمر باريس 2 بما فيه الاتفاق على آليات واضحة وشفافة لعمليات الخصخصة والتسنيد، ومراجعة السياسات المالية والضريبية، وتطوير خطة واقعية لإدارة الدين العام إدارة «سليمة تمهيداً» لإطفائه.
إن النجاح في مثل إطلاق هذه الورشة الإصلاحية الإنقاذية لمعالجة جميع الأوضاع التي أسلفت بيانها، رهن بمدى ثباتها واستمرارها، ذلك ما يتطلب وضعها بمنأى عن التجاذبات السياسية الشخصية، بما فيها فصلها ما أمكن عن الاستحقاقات الانتخابية على كافة المستويات، من رئاسية ونيابية وبلدية. كما أن النجاح رهن أيضاً بضبط هذه الورشة ضمن آلية عمل تشترك فيها كل من الوزارات واللجان النيابية المعنية وجميع القوى السياسية من داخل ومن خارج المؤسسات الدستورية، بما فيها هيئات المجتمع المدني المتخصصة وفق آلية «الحوارات الوطنية» التي كنت أقترحها من على هذا المنبر في السابق، ليتناول كل حوار وطني ورشة عمل من ورشات العمل في كل موضوع من تلك التي تحتاجها عملية الإصلاح.
دولة الرئيس، السيدات والسادة الزملاء،
لا يمكن أن تستقيم إدارة الشأن العام من قبل أية سلطة كما لا يمكن أن تستقيم أية آلية للحوارات إذا لم تقم في موازاتها هيئات رقابية فاعلة، لأن أي عمل يجر معه نصيبه من الأخطاء، لذلك لا بد من تعزيز دور وفاعلية مؤسسات الرقابة والمساءلة والمحاسبة.
يأتي في مقدمة هذه الهيئات مجلس النواب، وهو أم المؤسسات الدستورية التي تتولى وظيفة مراقبة ومساءلة ومحاسبة الحكومة، بما فيه مراقبة الإدارة المالية للدولة عبر الموازنة وقطع الحساب.
لا بد لنا من الملاحظة في هذا المجال أن دولة الرئيس هذا المجلس والزميلات والزملاء النواب يؤدون، إفرادياً أو عبر الكتل النيابية المختلفة، أعمال المراقبة والمساءلة في بعض جلسات اللجان النيابية في مكاتب المسؤولين المعنيين وفي وسائل الإعلام.
إنما لا بد من الملاحظة أيضاً أن مجلس النواب كسلطة دستورية عبر هيئته العامة التي تؤدي دورها من خلال الجلسات العامة العلنية تحت قبة هذه القاعة الجليلة، يبقى دوره في المراقبة والمساءلة والمحاسبة في مستوى الحد الأدنى لأسباب عديدة: منها مشاركة عدد من الكتل النيابية في مجلس الوزراء الذي يتحول إلى شبه مجلس النواب مصغر، إضافة إلى العدد القليل جداً من الجلسات العامة التي تخصص للاستجوابات (ثلاثة عام 2003)، ناهيكم عن الجلسات العامة المخصصة للمناقشة العامة وللأسئلة الخطية التي لم تعقد أي منها خلال عام 2003 أية جلسة.
إن هذا الواقع يضطرنا كما يضطر الزميلات والزملاء النواب إلى حشر جميع الآراء والمواقف وهموم الناس الكثيرة والمختلفة في مستهل الجلسات السنوية المخصصة لمناقشة الموازنة وهذا بالتمام ما نحن ماضون في فعله البارحة واليوم بالكلمات التي تلقى من على هذا المنبر كما نحشر جميع ملاحظاتنا ضمن بضع الدقائق المتاحة وكأنها «فشة خلق» بمثابة مناقشة الأوراق الواردة في مستهل جلسات التشريع العادية.
فالمطلوب إذاً اتخاذ مجموعة من التدابير التي تؤدي إلى تعزيز وتفعيل دور مجلس النواب في هيئته العامة كسلطة أناط بها الدستور مسؤولية المراقبة والمساءلة والمحاسبة، ومن هذه التدابير على سبيل المثال:
* انعقاد المجلس في جلسات عامة دورية أسبوعية مخصصة لمناقشة كل من الوزراء في سياسات وزارته،
* وشهرياً لمناقشة الحكومة ورئيسها في السياسات العامة والمستجدات.
* وجلسات خاصة بالأسئلة الخطية والاستجوابات.
والمطلوب أيضاً اتخاذ مجموعة من التدابير التي تؤدي إلى تطوير آليات صياغة الموازنة وقطع الحساب ومناقشتهما، (والدليل الساطع على مثل هذه الحاجة العدد القليل جداً من الزملاء والزميلات ا لنواب الذين يشاركون في جلسات المناقشة) ومن هذه التدابير على سبيل المثال:
* التشدد في آليات تجهيز الموازنة وقطع الحساب ضمن المهل الدستورية، وكان في تقرير لجنة المال بعض من التفاصيل الآيلة لتحقيق هذا الهدف.
* وتحويل جلسات لجنة المال والموازنة إلى جلسات علنية،
* وتضمين الموازنة أرقام التمويل الخارجي من هبات وقروض،
* وتعديل قانون المحاسبة العمومية لجهة وضع الموازنة وفق آلية تسمح بتقييم فعالية الأموال المحصلة والمصروفة قياساً على الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المقررة، ما يعرف «بموازنة الأداء» (ونشير إلى أن مشروع القانون لهذه الجهة ما زال عالقاً في مكان ما).
كما يفترض بي أن أذكر ولو بعجالة سريعة الحاجة إلى تفعيل دور ديوان المحاسبة الذي علينا أن نولي تطويره وتعزيزه اهتماماً خاصاً خاصة بعد استقالة رئيس ديوان المحاسبة الذي طويت استقالته لأسباب كانت معروفة وجزء منها اشتراك هذا الرئيس بقنوط وبإحباط المواطنين لجهة فعالية الدور الذي يقوم فيه هذا المجلس:
لا سيما إذا ما اطلع بالمهام الجسيمة التي سوف تلقى على عاتقه في مراقبة البلديات وسائر الهيئات اللامركزية الأخرى، أو إذا ما أوليناه صلاحية مراقبة تنفيذ الموازنة تنفيذاً لاحقاً خاصة لجهة التثبيت من فاعلية الإنفاق وجدواه. هناك حاجة حقيقية لإعادة النظر بكيفية مراقبة هذه الحكومة ودور هذا المجلس وفي المناقشة ليعتبرها حقيقية غير مجدية كما هي تحصل اليوم. ولا ننسى الحاجة التي باتت ماسة إلى تعيين الأعضاء المنتهية ولا يتهم في المجلس الدستوري والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والهيئة الوطنية للإعلام والعمل على تعزيز دور هذه الهيئات واستقلاليتها في جميع المجالات الممكنة.
دولة الرئيس، السيدات والسادة الزملاء،
في غياب خطة للإصلاح والإنقاذ تضع لبنان على طريق شاق من التطور السياسي الإيجابي يؤدي إلى النمو الاقتصادي، سوف يزداد الوضع العام في الانزلاق الخطير نحو التدهور على كافة المستويات، ويزيد ذلك سوء قرف وقنوط المواطن وإحباطه من كل ما يرتبط بالسياسة والسياسيين وباتت الإجراءات المطلوب اتخاذها أكثر من إصلاحية.. تدابير إنقاذية تؤدي إلى بناء الوطن المنشود على أنقاض مؤسساته الحالية المهترئة الفاسدة.
في الختام، نردد مع ذلك السياسي الفرنسي المخضرم في إحدى فترات الضياع السياسي لديهم الذي قال:
Le pouvoir est tombe si bas, qu’il ne s’agit plus de le reprendre, mais de le ramasser
وبالعربية: «لقد سقطت المؤسسات والسلطات إلى مستوى لم تعد الحاجة إلى استعادتها بل إلى التقاطها ولملمتها».
وبالرغم من كل شيء أؤمن أن العمل الدؤوب الجدي والعنيد يمكن أن يكون وسيلة من وسائل التغيير المنشود لما فيه خير وطننا،
فلنفعل كثيراً ولنقلل من الكلام قبل فوات الأوان. وشكراً.
الرئيس: الكلمة للزميل محمد برجاوي.
محمد برجاوي: دولة الرئيس،
ثلاث ملاحظات أساسية عن مشروع الموازنة 2004.
الأولى: أنها موازنة عادية في مرحلة استثنائية.
الثانية: أنها موازنة أكثر من ينتقدها هو من أعدّها.
الثالثة: أنها موازنة تكرّس الاتجاهات السلبية لنمو الدين العام وخدمته.
في الملاحظة الأولى نعتبر هذه الموازنة عادية لأنها لا تختلف بشيء عن الموازنات السابقة إذ تقتصر على بنود الإنفاق والإيراد التقليدية وتخلو من أي تدابير تتناسب مع صميم الاستحقاقات المتراكمة وهذا العام وما بعده وهي استحقاقات تجعل من الوضع استثنائياً إذ يتوجب على الدولة إيجاد الوسائل والطرق المناسبة لتسديد حوالي 13.7 مليار دولار هذا العام من أصل الدين وفوائده وهو مستوى قياسي من الاستحقاقات بالمقارنة مع السنوات الماضية والأخطر أن استحقاقات العام المقبل ستتجاوز 15 مليار دولار أي أن على الدولة أن تبتدع الوسائل لتسديد ديونها بما يساوي نسبة 90% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي. واستثنائية الوضع تقتصر على هذه الناحية بل أنها تتعدى ذلك إلى محدودية الخيارات المطروحة، إذ أن الخصخصة لم تعد تشكل طوق النجاة كما يعتقد البعض، وحصيلتها في أحسن الأحوال لن توفر أكثر من خمسة مليارات دولار، كما أن العبء الضريبي بات في طاقته القصوى في ضوء هشاشة الاقتصاد وضمور الاستثمارات وتراجع القدرات الشرائية وضعف النمو.
تأتي هذه الموازنة في ظل صرخات متعالية من معظم قطاعات المجتمع التي تواجه ظروفاً صعبة لا سيما في القطاع الصناعي والتجاري الذي يشهد حالات إفلاس كبيرة إذ تكفي الإشارة إلى أن القروض المتعثرة لدى المصارف اللبنانية تتجاوز ملياري دولار وتصل في تقديرات التجار والصناعيين إلى أكثر من ذلك بكثير ومعظمها تراكم بسبب معدلات الفائدة المرتفعة ومنذ فترة أعلنت نقابة مصانع النسيج والملبوسات عن إقفال مئات المصانع وتشريد عمالها بسبب ما تعتبره إغراقاً ومنافسة غير مشروعة بالإضافة إلى إقفال مئات المؤسسات التجارية.
إن الأزمة الخانقة التي يتعرض لها القطاع الصناعي والتي تنعكس تراجعاً واضحاً في القدرة المعيشية لآلاف اللبنانيين لا سيما وأن ثمانين في المائة من العاملين في هذا القطاع هم لبنانيون يقابلها أزمة مماثلة في قطاع التجارة العامة حيث يتعرض هذا القطاع لإجراءات ضريبية وجمركية خانقة هي أيضاً.
أين الحوافز والإعفاءات للصناعة والصناعيين؟ أين المناطق الصناعية أو إعفاءات المعدات الصناعية من أي رسم أو من الضريبة على القيمة المضافة أو قيمة الكهرباء المرتفعة وغيرها وحتى التراخيص؟ وكيف يتم التعامل مع أصحابها، أليس كذلك يا معالي وزير الصناعة؟ والسؤال الأساسي في هذا السياق كيف لنا أن نوسع رقعة الاستثمار وكيف لنا أن نحفز على التوظيف في القطاعات المنتجة في الوقت الذي لا هم لدى الإدارة المالية والضريبة سوى فرض المزيد من الرسوم الضريبية بأشكال مختلفة وتحت عناوين جديدة. ندخل إلى المصانع أو إلى المؤسسات التجارية وعندما نرى خطأ بفاتورة ما، إن كان لعدم وجود الهاتف أو لأن العنوان خاطىء أو غير مدوّن على الفاتورة، كيف نعاقب هؤلاء الناس؟ هناك بعض المطاعم والمؤسسات، التي تتعاطى بالطعام مليار و200 مليون ليرة محضر ضبط. هناك بعض المؤسسات، محضر ضبط فيها يتجاوز 500 مليون ليرة كيف لهذه المؤسسات أن تستثمر؟ هذا بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة. إذا كان هناك من خطأ هل المطلوب إعدام الصناعيين والتجار في تلك المؤسسات الصغيرة أو الكبيرة، إلى أين نضم هذه المؤسسات وإلى أين نضم موظفيها إلى جيش العاطلين عن العمل؟ أو أن نهرب هؤلاء إلى الخارج وهناك الآلاف والآلاف شهرياً يطلبون التأشيرة إلى الخارج.
إن استثنائية الوضع تظهر أيضاً من خلال ارتفاع درجة المخاطر وهو ما حذر منه تقرير صندوق النقد الدولي الأخير الذي قال بوضوح «إن موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تكفي لدرء أي ضغوط على الليرة على المدى القصير فقط، وأن القطاع المصرفي لا يزال يعاني من درجة مخاطر عالية بسبب تركز توظيفاته بالدين العام وإن كانت درجة التركيز انخفضت قليلاً بعد اجتماع باريس فأرباح المصارف لا تزال تتأتى من فوائد الدين العام بشكل شبه مطلق وبالتالي فإن الحلقة المقفلة تنطبق على القطاع المصرفي الذي سيبقى مضطراً للقيام بدور مستجلب للودائع بكلفة عالية وإعادة توظيفها في الدين العام بكلفة أعلى (نشر التقرير في صحيفة البلد).
في الملاحظة الثانية أن من وضع هذا المشروع سارع إلى انتقاده واكتفى بالتذكير أنه سبق أن أقترح إجراءات إصلاحية ولم يوافق عليها في موازنة 2003 (المقصود أعضاء من مجلس الوزراء) والإجراءات كالدوام والتعويضات وغيرها.
هذا الأمر يعفي واضعيه من مسؤولية اقتراح جديدة تحظى بإجماع عام فما رفضه المجلس النيابي في العام الماضي جاء انطلاقاً من الحرص على عدم تكبيل اللبنانيين بالمزيد من الإجراءات الموجعة والتي لا تقدم ولا تؤخر في الوضع القائم.
إن ما يعتبره البعض إصلاحاً قد يكون بنظر الآخرين مناقضاً للإصلاح وحتى لا «يهدم الخلاف رأياً» نرى أن المطلوب نقاش وطني حول مسألة الدين العام وكيفية مواجهتها انطلاقاً من أن نتائج الوضع القائم سترمي بأعبائها على الجميع دون استثناء وبمعزل عن النقاش حيال الجهة المسؤولة عن ذلك الذي يبقى نقاشاً سياسياً تترتب عليه نتائج أخرى.
في الملاحظة الثالثة تأتي هذه الموازنة كما سابقاتها تكرس الاتجاهات السلبية التي بدأت منذ العام 1994 على صعيد الدين العام ومعدلات نموّه.
فالدين العام في أحسن الأحوال سيرتفع حوالي مليارين ونصف المليار هذا العام لتغطية عجز الموازنة في حين أن نظرية الفائض الأولي تبقى من دون أي معنى طالما أن العمليات الإجمالية تسجل عجزاً يتوجب تغطيته بالدين. فالمشكلة أصلاً تكمن في خدمة الدين العام أكثر من أبواب الإنفاق الأخرى فلا تزال خدمة الدين العام تستنزف معظم الإيرادات وتمثل نسبة عالية من الإنفاق وبالتالي فإن أي معالجة لمشكلة العجز والدين يجب أن تنطلق من معالجة حقيقية لكلفة خدمته.
إننا أمام تجربة تثير التساؤلات وتنمي الشك في مجمل الأداء الحكومي إذ أن الدولة استطاعت في العام 2003 الحصول على موارد ميسرة بقيمة 10.3 مليارات دولار في حين أن الدين العام ارتفع بنسبة 8% وزاد في خدمة الدين العام أكثر من 800 مليار ليرة عما كان مقدراً لها في الموازنة في حين أن العجز الفعلي بلغ 34% بدلاً من 26% ويمكن تأكيد ذلك من خلال حجم الزيادة في الدين العام الصافي التي تمثل قيمة العجز الفعلي المحقق بحسب بيانات مصرف لبنان.
وحتى لا نبقى أسرى الحلقة المفرغة عينها وابتعاداً عن السلبية في مقاربة الشأن الاقتصادي والمالي نرى وجوب وضع آلية أو برنامج عمل للتصحيح المالي يبدأ بوضع سقف للدين العام يحصر الدين بمشاريع من شأنها توسيع وتطوير رقعة الإنتاجية وينتهي بوضع سلم أولويات إنمائية وطنية مروراً بالبحث الجدي بسلة الفوائد المرتفعة لدى المصارف التي أدّت وتؤدي إلى نمو مشوه إذا كان ثمة كلام عن معدلات نموّ معيّنة.
دولة الرئيس، السادة الزملاء،
كثيرة هي الملفات التي يمكن التحدث عنها وهي تتصل بشكل أو بآخر بموضوعنا اليوم وسأحاول بإيجاز أن أعرج على الأساسي منها معبراً بذلك عن هواجس غالبية اللبنانيين وتساؤلاتهم.
في موضع الضرائب والرسوم، أن ميكانيك السيارات الذي يتوجب على اللبنانيين دفعه في الوقت الذي تستقيل كافة إدارات الدولة من تأمين أبسط شروط السلامة العامة على الطرقات مثلاً والذي ارتفع أضعافاً منذ عام 92 حتى الآن كما أن الارتفاع المتصاعد لأسعار السلع الغذائية حتى الأساسي منها يمر دون أي توقف أمام القدرات الشرائية الفعلية لدى غالبية الشعب اللبناني الأمر الذي يستوجب إعادة دراسة مؤشرات غلاء المعيشة مع التأكيد على أهمية تصحيحها بما يزيل عن كاهل المواطنين الأعباء الكبيرة. بالإضافة إلى أسعار المحروقات الأساسية بالأخص منها البنزين.
وفي الرسوم والضرائب أيضاً نسأل لماذا الارتفاع المستمر لرسوم المياه السنوية في الوقت الذي لم تعالج فيه مشكلة انقطاع المياه بصورة شبه دائمة ونحن على أبواب الصيف في حين يقتضي دفع الاشتراك السنوي تأمين المياه بشكل مستمر، والذي ينقطع بشكل مستمر. وفي الكهرباء هل يجوز قطع الكهرباء عن عموم الناس بحجة معاقبة البعض كما حصل في حادثة الجناح الأوزاعي وكل التقديرات تشير إلى نسبة الذين يقومون بواجباتهم ودفع الفواتير هم بنسبة 60% كما هي الحال في كثير من المناطق. والانقطاع الدائم، بالإضافة إلى سعرها المرتفع.
وفي الكسارات نسأل ماذا جنت الحكومة من قرار وقف الكسارات سوى رفع مستوى مواد البناء ثلاثة أضعاف فتوقفت الورش وأضيف إلى جيش العاطلين عن العمل إعداد جديدة، وهل ثمة ضمانات أن لا يتحول الموضوع إلى الاحتكار من خلال حصر التراخيص بأصحاب النفوذ، وهي فعلياً تحوّلت احتكاراً يخص أصحاب الشأن والمحاسيب.
وهل يجوز بحجة عدم قدرة على الرقابة أن نستقيل من مسؤولياتنا ومتى تنجز تعديلات الخطط التوجيهي وتحت عنوان عدم وجود قدرة على الرقابة وكذلك موضوع الرقابة واحتكارها بأسعار خيالية ولمصلحة ارتفاع صناعة البناء في لبنان.
وهل يجوز استمرار تجاهل الأزمة التي يعاني منها أصحاب الباصات العاملة على المازوت وكذلك التعاونيات وحل أزمتها التي تجاوز عمرها الخمس سنوات ومن وعد إلى وعد وهناك من يموت وهناك من لا يوجد له أي مدخول شهري من أي مصدر آخر سوى هذا الأمر وهنا أوجه كلامي بشكل خاص إلى دولة رئيس الحكومة وإلى معالي الوزير فؤاد السنيورة لحل هذه الأزمة التي تطال آلاف العائلات.
لقد تعهدت الحكومة في بيانها الوزاري بتاريخ 24 نيسان 2003 بمتابعة المعالجات لمشاكل الإدارة والعمل على تطويرها تحديثاً وعصرنة ومكننة وتدريباً وكذلك زيادة إنتاجيتها وضبط وتبسيط أساليب الإدارة وتفعيل هيئات الرقابة ووضع هيكليات جديدة للوزارة والمؤسسات العامة وتحسين أدائها ودرس مشروع قانون وسيط الجمهورية.
ودرس مشروع قانون وسيط الجمهورية.
نحن نسأل ماذا تحقق من كل ذلك؟
لا مشاكل الإدارة حلت ولا التطوير المرتجى تم ولا إنتاجية تحققت ولا تبسيط أساليب الإدارة حصل ولا حجمه تقلص ولا فعلت هيئات الرقابة وق المطلوب ولا تحسن أداء الإدارة ولا تم درس مشروع قانون وسيط الجمهورية والأهم أن رئيس ديوان المحاسبة قدم استقالته ولهذا الأمر دلالاته الكبيرة وطويت على الطريقة اللبنانية ولم يعرف اللبنانيون لماذا كانت الاستقالة ولماذا أهملت وإلى متى ستبقى الهيئات الرقابية تمارس نصف دورها وترهن النصف الآخر.
وفي الختام، أقول إن المخاطر التي تهدد منطقتنا وخاصة في فلسطين والعراق والتهديدات الصهيونية للبنان يستدعي تضافر الجهود والابتعاد عن كل أنواع التجاذبات السياسية والمضي في نهج واحد لخدمة لبنان واللبنانيين.
دولة الرئيس،
إن أخطر ما يواجه لبنان اليوم تلك النزعة الطائفية التي يسوق لها البعض ويحاول أن يبني حولها اصطفافات سياسية.
إن قوة لبنان في وحدته الوطنية فلا يجوز التهاون أمام بعض المحاولات التي تحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء من خلال رهانات خارجية معينة.
إننا نعتقد وبصدق إن المواطنية الواحدة خيار لا بد أن ينتصر على خيارات الانقسامات الطائفية وهذا الأمر مسؤولية القوى السياسية كما أنه مسؤولية الدولة باعتبارها المسؤولة عن المناخ النظيف الذي يشجع شبابنا على المجاهرة في انتمائهم الوطني والدفاع عن قضايا الوطن في وجه الاحتلال الصهيوني.
تغليب المصالح الخاصة في مقاربة الملفات الداخلية من شأنه توليد حالات من السلبية المطلقة لدى الرأي العام.
أما آن لنا أن نستفيد من تجاربنا السابقة فنتوحد جميعاً باتجاه إعادة الاعتبار للدستور والقوانين الناظمة لحياتنا العامة ولعمل المؤسسات العامة وشكراً.
الرئيس: الكلمة للزميل سليم سعادة.
سليم سعادة: دولة الرئيس،
سوف أتكلم عن خلاصة الأرقام، حتى لا يقال إن جلسات الموازنة هي جلسات طقسية أو طقوسية وكي لا نصبح مثل «الستار أكاديمي» لأنه من الضروري التكلم عن بعض الأرقام. ففي أوائل التسعينات، كان يوجد كلام لدى الرأي العام عن الإحباط المسيحي، وفي أواخر التسعينات انتقل الإحباط إلى جميع اللبنانيين والحمد لله قد وحدنا الإحباط وهذه من البوادر الجيدة. الآن في العام 2004 انتقل الإحباط إلى الطبقة السياسية، لم نعد نعرف من هو ا لسائل ومن هو المسؤول، ومن هو الشاكي ومن هو المشكو منه. والسؤال هل هذا الإحباط هو محق ومشروع أم لا؟
أنا سوف أنظر إلى أرقام الموازنة يا دولة الرئيس، وأحكي عن واقع الحال وعن تطورات المستقبل لأنه يا دولة الرئيس الحكومات ليست ملزمة بأن تعمل لنا تصوراً طويل الأمد وليس بمقدورنا أن نطلب من حكومة عمرها سنة أو سنة ونصف أن تعمل تصوراً لخمس سنوات أو عشر سنوات.
إنما يا دولة الرئيس هذه مسؤولية المجلس النيابي، وطالما كل شيء «فرنجي هو برنجي» كما يقال ففي الولايات المتحدة مثلاً مجلس النواب لديه مكتب موازنة، يمسك أرقام الموازنة ويمشي بها إلى الأمام لمدة عشر سنوات كي يرى اتجاهها وإلى أين سيصل. أما نحن وللأسف في مجلس النواب في لجنة المال ليس لدينا مساعدة كل شخص يعمل ضمن طاقته. فلقد قمت بذاتي نيابة عن اللجنة المالية بهذا التصور المستقبلي لعشر سنوات كي يكون لدى جميع الناس فكرة إلى أين سيصلون. نبدأ بموازنة سنة 2004 وهي تتطلب دولة الرئيس تصحيحاً بما لا يقل عن 500.000.000 دولار خمسماية مليون دولار والسبب في ذلك عدم دخول سلف الكهرباء فيها ولا القروض الخارجية أو بمعنى آخر إذا نظرنا إلى عمليات الخزينة أعني حساب الخزينة عام 2002 و2003 نرى أن هناك فرقاً بين ما هو مرتقب بعمليات ا لخزينة وبين ما هو محقق. فكان سنة /2002/ 540.000.000 مليون دولار (خمسماية وأربعون مليون) دولار وسنة 2003، 630.000.000 دولار (ستماية وثلاثون مليون) دولار.
إذا نحن أضفنا على الموازنة الحالية 500.000.000 دولار (خمسماية مليون دولار) فبذلك تصبح موازنة متفائلة وأقرب إلى الواقعية، هذا يعني أن عجز سنة 2004 يا دولة الرئيس، هو بحدود 38% وإن الدين في سنة 2004 يكون مليارين وثمانماية مليون دولار، أي العجز، وتكون في سنة 2004 نسبة الدين للناتج المحلي للاقتصاد 178%. ولقد أخذت هذه الأرقام التي أجريت عليها التصحيح بمبلغ خمسماية مليون دولار استناداً إلى التاريخ وغيره ومشيت بها عشر سنوات نحو الإمام مع فرضيات بسيطة جداً شبيهة بما هو واقع الحال بل متفائلة إلى حد ما.
يعني أخذت نمو الاقتصاد بنسبة خمسة في المائة 5% أي 3% كنمو حقيقي و2% تضخم وأخذت الإنفاق الذي ينمو 5% في السنة وأخذت مداخيل الدولة التي تنمو 5% في السنة وتركت الفائدة على الدين العام يعني معدل أكلاف الدين العام بنسبة 9% وأقول وأشدد هنا أن هذه الفرضيات متفائلة لأننا يا دولة الرئيس في سنة 2004 إذا وضعنا جانباً الدين العام يكون إنفاقنا قد زاد 20% عن السنة الماضية والمداخيل قد زادت 3% عن السنة الماضية بينما كنت قد افترضته في المستقبل 5% و5% كي نعرف إلى أين سنصل.
بعد عشر سنوات يا دولة الرئيس سيبلغ الدين العام 73 مليار دولار، وسيبلغ العجز 6 مليارات دولار وستبلغ أعباء الدين 6 مليارات دولار. ونسبة الدين إلى الناتج المحلي سترتفع إلى حوالي 250% والفائض الأولي سيختفي بكامله هذا هو أكثر سيناريو متفائل ضمن الواقع الحالي.
الرئيس: معالي الوزير السنيورة إنني أسمع مناقشة موازنة حقيقية مع احترامي لكل ما قاله الزملاء إنما أتكلم عن لغة أرقام وما هو رأيك بالذي يقوله؟
وزير المالية: دولة الرئيس،
أولاً هذه عملية تبسيطية مغرقة في التبسيط. يوجد فرضيات مختلفة عن هذه الفرضيات وأعتقد أنه من غير المفيد على الإطلاق لا من الناحية العلمية ولا من الناحية الإعلامية بالقول بأن هذا الكلام يفيد. أما ما يقال الآن فهو على سبيل الاستئناس أمام النواب بأننا نصدر أرقاماً. فهذه النظرية لا تمشي ولا يمكن أن تفترض هذه الفرضيات وتبقى الأمور على مستواها الصحيح، لا يمكن ذلك. لماذا نحن نقول إن هذا الموضوع يجب أن ينظر إليه من زاوية كيف يمكن أن نغير الوضع الحالي بإدخال إصلاحات تؤدي إلى ترشيق الدولة وتخفيض الإنفاق وزيادة الواردات وتعزيز النمو وبالتالي أتقدم وأقول إنني أريد أن أجعل النمو 3% وذلك مستحيل لأنه من غير الممكن الاستمرار على 3% والإنفاق يزيد 5% والمداخيل 5% هذه الفرضيات كلها غير صحيحة ولا تستقيم أبداً.
سليم سعادة: دولة الرئيس،
إن ما يحكيه معالي الوزير هو صح وخطأ في نفس الوقت، فمعالي الوزير يتكلم عن خطة بينما أنا لا أتكلم عن خطة فإذا كانت خطة فليضعها وليرينا خطة أفضل. إنني أتكلم وأقول إذا استمرت الحال على ما هي الآن وأتكلم عن فرضيات أفضل مما هو حاصل الآن، لقد زادت نفقاتنا 20% في عام 2004 خارج الدين العام ولقد كان افتراضي 5% بالمستقبل ومداخيلنا تزيد 3% وافترضتها 5% وبذلك لم أضع خطة عمل إنما أضع تصوراً للفائض وإذا كان لديه خطة فليتفضل ويعطينا الخطة عندها نناقشه لمعرفة ما إذا كان علمياً أم لا وأنا لا أريد أن تعلمين الاقتصاد يا معالي الوزير.
على كل ماذا يعني ذلك ونحن نعلم كل المخاطر، فسياسة نسبة الدين للناتج المحلي فيها مخاطر عديدة يا دولة الرئيس، يبدأ أولها بإفقار الدولة وبيع مواردها وهو يعني التسنيد ويبدأ بتضييق هامش الحركة للموازنة. ومعالي الوزير يقول بأن هامش الحركة للموازنة 17% وهو على حق نظرياً إنما الهامش الحقيقي يا دولة الرئيس، إذا حذفنا العطاءات الاجتماعية وإذا حذفنا الكلفة التشغيلية. هو أقل من 5% نحن بهذه الموازنة لدينا هامش حركة لا يتعدى 5% ومع الوقت يا دولة الرئيس سوف يتناقص هذا الهامش عندها تصبح جلسات الموازنة طقسية مئة في المئة 100%.
فائدة الدين يا دولة الرئيس، إذا لم يتواجد بعض بيع مداخيل الدولة ومواردها لا نستطيع أن نحافظ عليها بنسبة 9% وذلك إذا استطعنا تأمين سيولة مطلوبة حتى نبقي فائدة الدين كما هي وإلا سوف نقع في فخ الربى حين نأخذ المال بفائدة غير معقولة كما حصل في السابق.
طبعاً ذلك يؤثر على الاقتصاد، ويؤخر الاقتصاد حتى النسب التي نفترضها نحن ستصبح أقل. وسأعطي مثلاً على ذلك في الأرجنتين حين عجزت الدولة عن الوفاء بالتزاماتها. أدى الأمر إلى تدهور السعر المحدد بين الدولار والعملة الأرجنتينية وأدى إلى هبوط الناتج المحلي بنسبة 20% ووقعت الأرجنتين تحت الأعباء وكانوا ويعدون أصحاب السندات بأن يعطوهم نسبة 10% من سنداتهم هذا بالأرجنتين.
أما باكستان فلم تستطع أن توفي التزاماتها أيضا القرش ربعه. هذه أمثلة حقيقية.
وزير المالية: ما هي الفائدة العلمية والاقتصادية والإعلامية أمام الناس وما الفائدة عن الحكي في موضوع الأرجنتين؟ وهذا الأمر فيه فروقات شاسعة. فلا يوجد داعي للتكلم عن الأرجنتين.
سليم سعادة: إنني أتلكم عن المستقبل أي إذا لم نفعل شيئاً وتركنا الأمور كما هي. حتى الاستقرار النقدي دولة الرئيس يجب أن يعكس نسبة الدين للناتج المحلي فيبين مقدار التحسن في المديونية تجاه الاقتصاد فالاستقرار النقدي هو استقرار ظرفي ومؤقت إلا في حال بدأت تنحدر نسبة الدين إلى الناتج المحلي الذي هو ظرفي ومؤقت.
في ذلك نقول ما هي فائدة الكلام، دعونا نبدأ بالقدرة على الوفاء بالالتزامات حيث نبدأ بالمصارف التي أعطتنا ثلاث مليارات وستماية مليون دولار وأؤكد لك يا دولة الرئيس، إن المصارف ليست جمعية خيرية لأن لديها شكاً بقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها حتى أعطت هذا المبلغ دون فائدة ولا يوجد ترجمة غير هذه الترجمة لأنها مصارف تجارية وقطاع خاص وهي ملزمة أمام أسهمها وودائعها فكيف تعطينا أموالا بفائدة صفر إذا لم يكن عندها شك بقدراتنا على الوفاء بالتزاماتنا. هذا للرد على الوزير السنيورة. كل ذلك يا دولة الرئيس قد وضع الآن لأننا لم نلتزم بباريس 2 الذي أصبح مثال «راجح». وأريد أن أعرف ما هو الذي لم نلتزم به. وضع في باريس (2) تصور خلاصته أنه في سنة 2004 قدر عجزنا بـ 880.000.000 مليون دولار، وفي عام 2005 450.000.000 مليون دولار و/2006/260.000.000 مليون دولار وننتهي. هذا هو تصور باريس وهو متفائل جدا ومضخم جدا وهذا أحد أسباب عدم التزامنا بموضوع باريس 2.
فمن يصدق أنه في السنة المقبلة سيكون العجز لدينا 450.000.000 مليون دولار فقط بينما الحقيقة أنه سيكون 3 مليارات دولار يا دولة الرئيس فهناك فرق بين 500 مليون دولار و3 مليارات دولار. لا يجوز أن تبقى الأرقام وجهة نظر، فهناك أرقام يجب أن تقال.
فعلى سبيل الإصلاحات، ماذا ردينا من الاصلاحات؟
نجيب إنه تم رد موضوع الدوام للموظفين.
إني أوافق رأي فؤاد السنيورة أننا نحن دولة Part time والذي يعمل بهذا وليس فقط دولة Part time لأن الذي يعمل بهذا الشكل يتقاضى Over time وهذا هو الواقع إنما ذلك لا يمر في بند في الموازنة وإنما يجب أن يكون مشروعا من الحكومة دقيقا ومنفصلا حتى نبحثه مع النقابات والمعنيين في الموضوع ولا يتسرب بمادة في الموازنة. ما هو الشيء الذي تراجعنا عنه في الاصلاحات؟ وضعنا ضريبة على الأموال المنقولة مقابل عدم تدفيع القطاع العام والمتقاعدين بعض الضرائب ولا شيء غير ذلك. وليس لدي أدنى فكرة أنه يوجد اصلاحات أخرى وإذا كانت هناك نتكلم يا دولة الرئيس، عن الأسباب الحقيقية لواقع هذه الموازنة، فلقد دخلنا بشيء اسمه الوقت الضائع أو الوقت الحرام. هناك انتخابات بلدية انتخابات رئاسية وانتخابية نيابية، وخلال هذا الوقت أشك في أن يكون هناك أي إصلاح مالي أو إداري أو اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي، وذلك من أهم الأسباب المفسرة لعدم قيامنا بالاصلاحات التي مشينا بها سنة 2003 ولم تأت مبتورة على الاطلاق وأنا مصر على ذلك.
أن يوضع الحق على مجلس النواب أنه هو من قلص الاصلاحات التي تقدمت بها الحكومة هذا ليس صحيحا.
خاصة وأن الحكومة سنة 2004 لم تضع هذه المواد.
الاصلاح يا دولة الرئيس لا يأتي ظرفيا إنه عملية مستمرة. في كل اجتماع لمجلس الوزراء هناك إصلاح وليس فقط في الموازنة نضيف مادتين أو ثلاثا ونقول إننا قمنا الإصلاح في البلد وأن البلد أصبح عظيما. هذا منطق لا يجوز في موضوع التخصيص والتسنيد، وإننا تأخرنا بهما. دعونا نبدأ بالخليوي فإن مداخيل الخليوي الصافية بعد تصفيتها من مداخيل الدولة والـ 6 سنس والـ (T.V.A) وكلفة المخابرات الخارجية والكلفة التشغيلية وحتى كلفة تطوير الخليوي أكثر من 300 مليون دولار وكان يحكى أننا نريد بيعها بمليار دولار أو مليارين دولار، وفي رأيي أن الخليوي لا يستحق أكثر من 3 مليارات دولار إذا كانت مداخيله الصافية أكثر من 3000 مليون دولار. وإذا بعناه فإننا نفقد الموارد ونخفف بعض الفوائد. إذا بيع الخليوي أو تأجيره نحتاجه فقط إذا كان عندنا أزمة سيولة حينها يكون هناك ضغط على الفائدة وعندها فإن البيع يؤمن بعض السيولة غير الموجودة.
وغير ذلك لم نر شيئا من الحكومة لا فيما يختص بالتخصيص ولا غير التخصيص.
نتكلم عن التخصيص كهدف للاحتكارات أو كامتياز للحكومة على أنها ذات فائدة مالية وبرأيي أن تسنيدها أو تخصيصها هو نفس الشيء ويكون مفيدا عندما لا يكون لدينا سيولة. أما خارج هذا الاطار، فالمرافق العامة لمفلسة والمديونة كيف سيتم بيعها ونحن بحالة انتظار لنعرف كيفية بيع شركة الكهرباء.
هل نحن نؤخر بيع الكهرباء والمياه؟ وأريد أن أعرف ذلك؟ حتى اللحظة لم يتوضح شيء لا في المجلس النيابي ولا في مجلس الوزراء، هذا فيما يخص التسنيد والتخصيص.
هناك حدود في وزارة المالية لحل المشاكل، فالوزير السنيورة مشكور على عمله. رغم أمه يبقى معظم وقته يطفئ الحرائق، ونحن لا نتطلع لمعرفة سبب الحرائق إنما نرصد الحرائق ونطفئها وعملية إطفاء الحرائق مستمرة في وزارة المالية. والوزير السنيورة قام في هذا المجال بواجبه على أكمل وجه، هذا رأيي الشخصي.
الأزمة المالية يا دولة الرئيس، ما هي أسبابها الحقيقية؟
أسبابها تنتج عن حالتين:
نتيجة النظام السياسي والطبقة السياسية.
واني أتكلم دون خلفية سياسية لأنني أتكلم دون خلفية سياسية لأنني أتكلم بلغة الأرقام ولا أريد التكلم عن الخلفية السياسية. نبدأ يا دولة الرئيس بالطبقة السياسية.
معظم الطبقة السياسية حتى لا نعمم لأن التعميم لا يجوز على الاطلاق كل فرد فيها في جيبه ثلاثة مشاريع. ولبنان هكذا بطبيعته. هناك مشروع دولي وآخر فئوي أو محلي أو مناطقي أو مذهبي وهناك مشروع شخصي. فإذا كان مشروع الدولة لا يتناقض مع المشروع الشخصي أو الفئوي توافق الطبقة السياسية. وإذا كان هناك تناقض بين مشروع الدولة والمشروع الفئوي أو الشخصي فتتشابك الطبقة السياسية وتتداخل في بعضها، هذه هي الحقيقة.
وللأسف يا دولة الرئيس أنه حين يبتعد السياسي عن المشروع الدولي ويلتصق بالمشروع الشخصي أو الفئوي تصبح الموافقة عليه من الناس أكثر، وهذا جزء من الأزمة السياسية في لبنان وكل من يتكلم عكس ذلك لا يكون يتكلم الصدق مع الناس.
وللأسف يا دولة الرئيس أنه حين يبتعد السياسي عن المشروع الدولي ويلتصق بالمشروع الشخصي أو الفئوي تصبح الموافقة عليه من الناس أكثر، وهذا جزء من الأزمة السياسية في لبنان وكل من يتكلم عكس ذلك لا يكون يتكلم الصدق مع الناس.
وهذا هو الواقع وهذه هي الطبقة السياسية. ثم نأتي إلى النظام السياسي، أيضا الأزمة سببها النظام السياسي. لقد ألغيت مركزية السلطة بعد الطائف يعني تمت شرذمة السلطة المركزية التي كانت تتمحور حول رئاسة الجمهورية. أصبحت الآن السلطة بيد مجلس الوزراء يعني تحولنا إلى يعني لابس كرافات {loy-a-geur gravatee} فبشرذمة القرار المركزي لم نعد نعرف من هو المسؤول ومن هو الشاكي ومن هو المشتكي.
هذا عدا عن أن وضع السلطة في يد مجلس الوزراء يعني أننا نلغي التخطيط للمدى المتوسط، فالعهد كان يخطط لمدة ست سنوات بغض النظر عن أنه عهد جيد أو عهد مخابرات أو عهد إصلاح. بينما الحكومة تخطط لسنة لأن عمرها يتراوح بين السنة والسنة والنصف ومن غير المعقول أن تأتي حكومة وتخطط لخمس سنوات. هذا ما أسميه أزمة النظام السياسي. وهناك اقتراح من الزميل صلاح حنين بأن تجعلوا هذه الرئاسات مداورة مرة سني ومرة شيعي ومرة ماروني كي نخرج من قصة أن كل رئاسة لها علاقة بطائفة معينة وكل معركة تنتهي بالصلاحيات تكون محلا للخلاف في المجتمع.
بالنسبة لسقف الإنفاق إذا لم تلتزم الحكومات المستقبلية بسقف إنفاق ضيق جدا هو 5% فلا شيء يمنع مجلس النواب من أن يشرع للحد من سقف الإنفاق كي تستقيم أمور الدولة المالية. هذه هي الأسباب الحقيقية للأزمة المالية يضاف إليها قانون الانتخاب. نحن هنا في مجلس النواب كل منا يختلف عن الآخر هناك من وزنه 200 كيلو وآخر 50 كيلو. أي أن الأوزان غير متساوية اطلاقا إذا لم ننتقل إلى التمثيل النسبي مع الدوائر الكبيرة أو الوحدات الصغيرة فكل نائب يبقى وزنه مختلفا عن الآخر هناك رطل وهناك أوقية. على الأقل يزيد موضوع المساءلة والمحاسبة عند المواطن للنائب حين يكون الموضوع نسبيا ودوائره صغيرة.
هذه هي الاصلاحات الأساسية يا دولة الرئيس، إذا كنا نريد الخروج من الأزمة المالية. لأنه لا تحل الأزمة المالية فقط القرارات المالية وكل إصلاح لا يبني على قواعد المساءلة والمحاسبة هو إصلاح شكلي وتجميلي قطعا. وليس له ديمومة على الإطلاق.
ثانيا: ما هي سياسة الحكومة في الإنفاق الاستثماري المحلي؟
الآن عندنا 400 مليون دولار كإنفاق استثماري محلي، ما هي سياسة الحكومة في هذا المجال؟
في رأيي يا دولة الرئيس من الآن فصاعداً كل إنفاق استثماري محلي يجب أن يكون إما في مشاريع نكون عاجزين عن تمويلها بقروض خارجية ميسرة أو ستكون لمشاريع تكمل المشاريع الخارجية لأن لدينا مشاريع كثيرة، لا تزال متوقفة. يجب أن تحدد الحكومة سياسية بالنسبة للإنفاق الاستثماري المحلي، ولا يجوز أن نمول أي مشروع نستطيع تمويله بقروض خارجية ميسرة بأكلاف وفوائد عالية داخليا.
دولة الرئيس، بالنسبة لموارد الدولة لدينا 24% حسب قول الوزير السنيورة من الناتج المحلي إنما الضرائب والرسوم 19%.
الخليوي حين يؤمن 300 مليون دولار يعني أن هذه هي ضرائب يا دولة الرئيس مثلها مثل الميكانيك. هل المفروض بالخليوي أن يربح؟ ربح الخليوي هو ضريبة تماما مثل رسم الميكانيك. في أوروبا أن الدولة ليست دولة ريعية بل دولة راعية. حدود موارد الدولة تبدأ بـ 30% وتتصاعد. وفي بريطانيا 35% وفي أميركا 33%. فإذا أضفنا موارد دولتنا 5% أو 7% ننتقل من دولة ريعية إلى دولة راعية؟ هذا هو السؤال.
ثم الدولة يا دولة الرئيس، في النهاية هي «أم» اعتبرنا الدولة حسب الأحرف هي: «أجهزة» و«مالية» يعني «أم» بمعنى أنها راعية للجميع. ولدينا وحدة مركزية بالأجهزة وبالمالية. يعني أن هناك وحدة للدولة خارج هذا الاطار. كل إدارات الدولة إما مهترئة أو صدئة أو مخصخصة أو نائمة أو معطلة ولا وجود للدولة المركزية فيها. وقبل أن نقول بأية إصلاحات مؤلمة يجب أن يعرف معالي الوزير وهو يوافق سواء على القطاع العام أو على المكلف اللبناني، كل إصلاح مؤلم قبل القيام به وقبل أن تستعيد الدولة ثقة المواطن بها فلن تستطيع أن تمرر أية إصلاحات مؤلمة على الناس. وشكرا.
الرئيس: الكلمة للزميل جورج نجم.
جورج نجم: دولة الرئيس،
أيها الزملاء الكرام،
ترددت كثيرا قبل أن أطلب الكلام لمناقشة مشروع قانون موازنة العام 2004
لأن الوقت ليس وقت الكلام خصوصاً وأن المعطيات الاقتصادية والمالية تظهر بأن الحكومات المتعاقبة منذ العام 1992 وحتى اليوم أخفقت في تصحيح المالية العامة واحتواء الدين العام ووقف تناميه نسبة للناتج المحلي، وتشير المعطيات بحسب أخصائيي الاقتصاد، إلى عجز الحكومات في تحفيز الاقتصاد وتحقيق معدلات نمو مرتفعة بالإضافة إلى أنها تلحظ تجاهلاً للتنمية الاقتصادية، وإغفالاً تاماً للشؤون الاجتماعية والمعيشية. وتشير دراسة الموازنات المتتابعة للسنوات 1998 وحتى 2004 إلى المعطيات التالية:
1 ـ بلغ مجموعة خدمة الدين في موازنات 1999 وحتى عام 2004 نحن 17.2 مليار دولار بالإضافة إلى أن خدمة الدين ارتفعت من 3352 مليار ليرة لبنانية عام 98 إلى 4874 مليار ليرة عام 2003 وقد اصبحت تمثل 16% من الناتج المحلي بدلا من 13.6 في المائة.
2 ـ اتبعت الحكومات المتعاقبة سياسة خفض الانفاق الانمائي والاستثماري ومن ثم الاعتماد على القروض الخارجية لتنشيط الحركة الاقتصادية وادت هذه السياسة الى تراجع حصة النفقات الانمائية من 8.7 في المائة من الناتج المحلي عام 98 الى 2.2 في المائة عام 2004.
3 ـ خلال سنوات 98 وحتى عام 2000 ارتفع العجز في المالية العامة من 18.5 إلى 24.5 في المائة من الناتج المحلي كما إن العبء الضريبي زاد أكثر من 50 في المائة وأصبح يشكل 18 في المائة من الناتج المحلي سنة 2004 بدلاً من 12 في المائة في سنة 2003.
4 ـ تفاقم الدين العام خلال السنوات 98 حتى عام 2004 حتى بدا أن الحكومات المتعافية غير قادرة على احتوائه فارتفع من 18.5 مليار دولار عام 1998 ليصل إلى نحو 36 مليار دولار في سنة 2004، بحيث أصبح يشكل 200 في المائة من الناتج المحلي بدلاً من 118 في المائة عام 1998.
5 ـ يمكن الملاحظة أن الدين العام سجل تغيرات ملموسة خلال سنوات 98 حتى عام 2004 ويظهر ذلك يمكن عبر البنية ومصادر التمويل:
ـ استمرار الحكومات المتعاقبة باتباع سياسة إعادة هيكلية الدين العام بغية خفض التكلفة، مما أدى إلى ارتفاع حصة الدين العام الخارجي من 21.5 في المائة عام 1998 إلى نمو /50/ في المائة عام 20054.
6 ـ انخفاض حصة المصارف التجارية في تمويل الدين العام الإجمالي من 69 في المائة عام 98 إلى 47 في المائة عام 2003، يستخلص من ذلك أن الاقتصاد اللبناني سيواجه مستقبلاً تحديات رئيسية تتعلق بالمديونية والمالية العامة من شأنها إعاقة البرامج الإنمائية والاجتماعية وتهديد الاستقرار النقدي، كما أنه يلاقي استحقاقات مالية توازي (11.3) مليار دولار عام 2005. أنه يا دولة الرئيس، المأزق المتفجر إذا لم تتوفر الإرادات والخطة الإصلاحية للخروج منه.
كيف لنا أن نطلب من هكذا حكومات أقول حكومات لأن الحكومة الحالية تبدو لنا كأنها مجموعة حكومات متنافرة لا يمكن أن تستقر على رأي؟
كيف يمكن أن نطلب منها التقديمات للمواطنين؟ وكيف لنا يا دولة الرئيس أن نواجه أهلنا في الجنوب؟ وماذا نقول لهم بعد التحرير ـ بعد أربع سنوات من التحرير؟ ماذا قدمنا لأهلنا في الجنوب؟ ماذا أعطينا لهؤلاء الذين صبوا وناضلوا وضحوا بدماء أبنائهم في سبيل التحرير؟
كيف سنواجههم وماذا يمكن أن نقول لهم؟
لا يفهم المواطن، يا معالي الوزير، لا يفهم المواطن كيف تتصرف وزارة المالية وكيف تتصرف الحكومة. المواطن همه فقط أن يعيش بكرامته في أرضه، وهمه فقط أن توفر له الحكومة الأسباب الشريفة والكريمة للعيش في أرضه بعد أن تحررت هذه الأرض من رجس الاحتلال الإسرائيلي.
ماذا نقول لدماء الشهداء الذين سقطوا في الجنوب من أجل تحرير الأرض؟ الأجل هذه الحكومة ولأمثالها ضحى هؤلاء بدمائهم في سبيل التحرير؟
إننا نواجه كل يوم شعبنا في الجنوب ويقولون لنا ويشكون لنا مصائبهم وهمومهم ومشاكلهم ونحن نقف أمامهم وكأننا لا ندري ماذا يحصل في المستوطنية.
نحن يا دولة الرئيس، أمام تحديات كبيرة حتى أصبح أهلنا في الجنوب، وأقولها صراحة من على هذا المنبر، يترحمون على أيام الاحتلال.
هذه الحكومة وغيرها من الحكومات المتعاقبة ماذا قدمت للجنوبي؟ وماذا أعطت للجنوبي؟ هل البنى التحتية متوفرة في الجنوب أو هل توفرت؟
هل الطرقات شقت والأوتوسترادات شقت؟ نحن مع دولة الرئيس بري، كم وكم منذ عام 2001 وحتى اليوم نتكلم عن أوتوستراد صيدا ـ جزين ونتكلم عن طريق الناقورة ـ صور ولا من يجيب ولا من يستجيب.
صحيح يا دولة الرئيس، وكما يقولون «رضينا بالفقر ولكن الفقر لم يرض بنا» قبلنا أن تكون الطرقات سبعة أمتار ونصف.
ماذا هناك يا معالي الوزير؟
الرئيس: أيضاً لقد نسي أمراً أساسياً أهم من كل ذلك، أين هي التعويضات للمنازل المرممة؟ القوانين صدرت ولم يدفع أي قرش. «خلينا ساكتين أفضل».
جورج نجم: حتى الآن يا دولة الرئيس لم يتقاض من دمرت منازلهم تعويضات. طريق صيدا ـ جزين والتي هي منطقتنا الاستملاك يا دولة الرئيس الحريري.
صيدا ـ جزين والتي هي منطقتنا الاستملاك يا دولة الرئيس الحريري.
الرئيس: توقف عن الكلام حتى يستمعوا إليك فهذه الأشياء لا يودون سماعها، لماذا؟ الأوتوستراد يتوقف لماذا؟ دعونا لا نفضح الأمور الآن ولكن على الأقل استمعوا.
جورج نجم: أوتوستراد صيدا ـ جزين، وأنا زرتك مرتين يا دولة الرئيس، مرسوم الاستملاك هو بـ 16 متراً، صيدا ـ جزين رضينا به سبعة أمتار ونصف المتر، ومثل ما يقول المثل «رضينا بالفقر والفقر لم يرض بنا» وحتى السبعة ونصف المتر توقف العمل بها في بلدة عين المير وعادت وزارة الأشغال وفسخت التعهد مع المتعهد والآن عادوا ولزموه. أخذوا قراراً بتلزيمه من مجلس الوزراء ونحن على أبواب الصيف وما زال الطريق غير سالك إلى جزين.
كيف سنطلب من أهلنا في صيدا على الأقل نحن لا نتكلم عن السياحة في جزين ولا نتكلم عن السواح الأجانب ولكننا كيف سنقول لأهلنا في صيدا أصعدوا واصطافوا في جزين.
كيف سنقول لهم ذلك والطريق غير سالكة وغير صالحة لعبور السيارات.
الرئيس: هو لا يريد لأهل صيدا أن يصطافوا.
جورج نجم: نحن متمسكون بهم. هذا عدا عن مستشفى جزين الحكومي. نحن نسمع عن مستشفى في جزين. اليوم أهلنا في جزين يقولون لنا هذا ليس مستشفى إنما هو أقل من مستوصف في قرية نائية في الجنوب اللبناني أو في عكار.
يوم دشنت يا دولة الرئيس، التكميلية في لبعاً طلبنا منكم السعي لبناء مستشفى في لبعا، لأن لأهل المنطقة الحق بوجود مستشفى حكومي هناك.
وإذا كان مستشفى جزين لم يبدأ العمل وكذلك مستشفى مرجعيون فكيف سنتجرأ ونطلب من الحكومة أن تبني مستشفى آخر في لبعا؟
الصرف الصحي: أنتم تعلمون يا دولة الرئيس، بوجود بنى تحتية في جزين ولكن في جزين المدينة لا يوجد معمل لتكرير الصرف الصحي. هل يجوز أن يكون في مدينة سياحية اصطياف بدون وجود معمل لتكرير الصرف الصحي؟ عدا عن منطقة جزين ككل، فإذا وجدت بنى تحتية ونحن نتعامل مع مجلس الإنماء والإعمار كي يشمل 5 أو 6 قرى في شرق صيدا وعدنا أن يبدأ في شهر تموز بمشروع الصرف الصحي في شرق صيدا، نتمنى أن يكونوا صادقين معنا.
وضمن البيئة يا دولة الرئيس، سأصل إلى جبل النفايات في صيدا، فاليوم هناك مساع حثيثة والحكومة قامت بمساعي ونحن نعتبر أن صيدا وجزين منطقة سياحية واحدة.
صيدا مدينة ضاربة في التاريخ لها من العمر 6000 سنة، في الدول الغربية يخلقون آثاراً لجلب السائح للتفرج عليها، ونحن لدينا صيدا القديمة وهي مدينة ضارية في التاريخ مسيحياً وإسلامياً يوجد لدينا أمكنة مقدسة مسيحية في صيدا القديمة والسائح الأجنبي يأتي إليها.
منذ أسبوع أو أسبوعين زارني صديق لي وصعدنا إلى سيدة المنطرة في مغدوشة ونحن في طريق النزول التفت وقال ما هذا الجبل القريب من البحر أنه أمر جميل.
ماذا أقول له يا معالي الوزير؟
هل هو جبل طبيعي؟ هل هو جبل النفايات؟ هل هو جبل خرب البيئة في صيدا وآثاره لا تصل فقط إلى صيدا فهي قد تصل إلى النبطية وقد تصل إلى جزين وقد تصل أيضاً إلى إقليم الخروب. فنحن نتمنى على الحكومة أن تعمل ما بوسعها لتحسين الأوضاع في هذه المنطقة.
بقي أنه اكتشفت مغارة يا دولة الرئيس في بلدة الريحان وهي من أجمل المغاور وقد تضاهي بجمالها مغارة جعيتا. فلا وزارة الآثار ولا وزارة السياحة ولا الحكومة تعلم بأمرها.
نحن ندعو هذه الحكومة إلى أن تقوم بدورها كاملاً في هذه المنطقة نحن اليوم يا دولة الرئيس في أسبوع الآلام ومن لم يشاهد فيلم آلام المسيح نتمنى أن يشاهده ليرى اليهود ماذا فعلوا بالسيد المسيح. أبناؤهم وأحفادهم اليوم يفعلون نفس الشيء في فلسطين.
فيصلبون الشعب الفلسطيني على خشبة العار العربي على الأقل في ظل صمت ليس عربياً فقط وإنما يقابله صمت دولي، نعم فالولايات المتحدة الأميركية تتفرج على المجرم شارون كيف يصلب الشعب الفلسطيني على خشبة العار العربي. في هذا الظرف العصيب.
ماذا يمكن أن نقول لأهلنا في فلسطين؟ اصبروا؟ على ماذا سيصبرون هل سيصبرون على قتل أطفالهم وأبنائهم ونحن ننتظر؟ في أسبوع الآلام نتمنى أن يتخلص الشعب الفلسطيني من الأسود المتربصة به شراً كما وأننا في لبنان نتمنى أن يبزغ فجر جديد للبنان الموحد بجميع سياسيه على الأقل لأنه لا يمكن أن نخلص من هذا البعبع ومن هذا الخطر الداهم لنا إلا بالوحدة. ونحن لنا تجربة كيف أن اللبنانيين عندما توحّدوا خلف المقاومة استطاعوا أن يدمروا العدو الإسرائيلي ويخرجوه من لبنان.
بالوحدة الوطنية نعمل المستحيل وبالتفرقة نصبح لقمة سائغة في فم الأعداء.
وشكراً يا دولة الرئيس،. الرئيس: الكلمة للزميل أنور الخليل.
أنور الخليل: شكراً يا دولة الرئيس.
وطالما جميعاً نتكلم في برامج إصلاحية مكثفة فنتمنى أن نبدأ في برنامج إصلاحي بسيط وذلك بخصوص الميكروفون. فالصوت يصدر غير واضح، كما وأنني أعتذر من الإخوان إذا كانت الأصوات غير واضحة في القاعة.
دولة الرئيس في البداية لا بد من إشارة واضحة للإيجابية في تعاطي وزير المالية مع لجنة المال والموازنة لكل ما أثاره الأعضاء من اقتراحات وتعديلات وإضافات خلال مناقشتنا المشتركة لموازنة 2004.
ولا يسعني إلا التنويه بدور لجنة المال والموازنة رئيساً وأعضاء لاتساع صدورهم في مناقشات تواصلت خلال فترة ما يقارب الأربعة أشهر.
أنتجت بحصيلة ذلك إضافات وتعديلات هامة كلها في اتجاه التخفيف من عبء المواطن الضريبي وتخفيفاً أو توضيحاً لإجراءات إدارية ممثلة.
في مناقشتي، دولة الرئيس، لمشروع قانون موازنة عام 2003 أمام مجلسكم الكريم بتاريخ 22 كانون الثاني من العام المنصرم قلت عن الخطوات المتفائلة لتلازم الدعم الدولي والمحلي الذي أعقب مؤتمر باريس 2 وتداعيات هذا الأخير على السوق المالية والنقدية، والتي أوردها تقرير وزير المالية قلت ما حرفيته:
يجب أن لا نؤخذ بالصدمة الإيجابية التي رافقت تداعيات باريس 2 واتفاق المصارف اللبنانية لإيداع 3.6 مليار دولار دون فائدة لمدة سنتين، وإعفاءات مصرف لبنان لبعض ديون الدولة. إذ أن تحول السوق المالية والانعكاسات على الوضع النقدي، وتماسك الحكومة في قرارها السياسي لتنفيذ برامجها الإصلاحية والمالية والاقتصادية، يجب أن يستمر كل ذلك في المدى المتوسط والطويل، ولذلك قلت آنذاك فما زال باكراً جداً أن نتنفس الصعداء.
وإذ بمعالي وزير المالية يؤكد صحة هذه الرؤية من خلال ما أورده في تقريره عن مشروع موازنة عام 2004، لهذه التوقعات آنذاك قبل 15 شهراً من تقريره الحالي. يشير تقرير الوزير في الصفحة 5 منه إلى أن عدم ملاءمة الظروف السياسية والاجتماعية القائمة حالياً لم تسمح بتضمين مشروع موازنة العام 2004 أياً من البنود الإصلاحية الضرورية لاستكمال الإصلاحيات المالية والاقتصادية التي يحتاجها لبنان والتي أوردها في برنامجه المالي للمشاركين في مؤتمر باريس 2 ولذلك فإن مشروع موازنة عام 2004 هو في الواقع أقصى حدود الممكن، ولكنه أقل من الحد الأدنى الضروري في الوقت الحاضر.
بعد هذا الإيضاح في تقرير وزير المالية عاد في كلمته التي ألقاها في افتتاح جلسة المناقشة ليتكلم بتأكيد متواصل عن الممانعة التي اتّصفت بها جلسات مجلس الوزراء في السير قدماً بالبرامج المنشودة للإصلاح المالي والإداري والاقتصادي وتتردد كلمة «الممانعة» مرة بعد مرة، بعد مرة…
دولة الرئيس،
أمام هذا المشهد الذي يرخي تداعياته على حياة المواطن وقدرات الوطن، وتحت وطأة من الانتقاد الواضح والصريح والعنيف لتصرف وآداء الحكومة من قبل وزير ماليتها، فمن نحاسب ومن نسائل؟ وكيف كنواب في مجلس الأمة، لنا أن نفسر هذا التعثر الواضح في آداء الحكومة وفي تحمل مسؤوليتها الدستورية؟
دولة الرئيس، أود أن أعود قليلاً إلى الوراء وإلى مشروع موازنة عام 2003 الذي ارتكز على جملة من الإجراءات الأساسية كما ورد في تقرير وزير المالية لعام 2003 وأود أن أراجعها معكم من حيث واقع تنفيذها لكي نتذكر.
المرتكز الأول: مواصلة خفض إنفاق الدولة في عام 2003 ـ 9% عن عام 2002. والواقع أنه ارتفع من 5517 إلى 5719 أي بفارق 13% عما خطط له.
المرتكز الثاني: استكمال برنامج خصخصة واسع النطاق يساهم في خفض الدين وبفعل القطاعات التي ستخصص ويؤمن المشاركة للمواطنين في ملكية هذه المرافق.
لم يستكمل في عام 2003 أي خصخصة بالمعنى الذي ورد في التقرير أعلاه، ولم نر أثراً لمشاركة المواطنين في ما يقوم اليوم من عمليات تخصيص محدودة.
المرتكز الثالث: تخفيض حجم الدين العام وتخفيض كلفته.
كان الدين العام الصافي دولة الرئيس، في آخر عام 2002 بالليرة 44260 مليار ل.ل فأصبح 47213 مليار ليرة لبنانية في آخر عام 2003.
وكانت خدمة الدين الفعلي 4622 مليار ل.ل. في العام 2002 فأصبحن 4874 مليار ل.ل. في آخر عام 2003.
فما انخفض الدين ولا انخفضت كلفته.
المرتكز الربع: متابعة الإصلاحات الاقتصادية توصلا إلى رفع مستويات النمو وزيادة فرص عمل المواطنين.
أجل، دولة الرئيس، لقد ارتفع معدل النمو ارتفاعاً خجولاً إلى 3% وهي ما زالت نسبة بسيطة لما يحتاجه من ارتفاع لمعدل النمو لتغطية هذه الإشكالات الاقتصادية الكبيرة التي تحل بنا، غير أن نسبة البطالة التي أشار إليها هذا المرتكز، هي في الواقع في ازدياد وليست على انخفاض، وهجرة الشباب والأدمغة تتسارع يوماً بعد يوم وهكذا نرى أن أكثر المرتكزات التي اعتمدت في سياسة الحكومة المالية لعام 2003 لم تتحقق كلياً.
أما موازنة 2004 فإن الجديد فيها هو تواضعها، وهي الموازنة الأولى التي تخرج عن إطار الغلو والتبجح إلى ما يشبه الاعتراف بأنه لم يعد من الممكن زيادة الإيرادات أو تخفيض النفقات وذلك بعكس كل الموازنات الحريرية الثلاث السابقة لها. وتكاد أن تكون صورة مستنسخة عن موازنة عام 2003 في مجمل أبوابها من نفقات وواردات.
كما أنها أي هذه الموازنة بقيت موازنة «كلاسيكية» لم تتعداها إلى ما كنا نرجوه وطالبنا به منذ سنوات أي تطويرها إلى موازنة آداء، ترصد النتائج لأرقام موازنات الإدارات المختلفة بدلاً من أن ترصد وجود الرقم، أي الإذن بالصرف دون التحقق من إنتاجية وفعالية الآداء في استعمال هذه الأموال.
أما الرقمان الأساسيان في موازنة 2004ّ فهما:
أولاً: الرواتب والأجور وملحقاتها والمعاشات التعاقدية وتعويضات نهاية الخدمة والبالغة 3408 مليار ليرة في مشروع قانون الموازنة لهذا العام مشكلة نسبة 36.3 من مجموع مبالغ الموازنة.
والرقم الثاني: هو خدمة الدين العام والبالغة 4300 مليار ليرة والتي تشكل نسبة 45.7 من مجموع المبالغ الملحوظة في الموازنة.
وبالتالي فإن مجموع هذين البندين يشكل ما نسبته 82% من مجموع الموازنة، وكل ما تبقى للجدل الطويل وممارسة الجدل الفكري والعلمي كل ما تبقى منها 18% في جميع بنود الموازنة بما في ذلك البنود الاستثمارية.
دولة الرئيس، سأرجز على موضوع الدين العام وخدمته لأن الموضوع الأول، أي ما يتعلق بالرواتب والأجور والملحقات هو أمر ليس اليوم على ما يظهر من تقرير معالي الوزير في حساباته لترشيد الإنفاق في أوسع مجال من مجالات الإهدار في المال العام ولكنني سأركز على موضوع الدين العام لما ينطوي عليه من مخاطر ما زلنا لا نعطيها الاهتمام الكافي.
هذه المخاطر، دولة الرئيس تنطلق من أمرين متلازمين: أولهما سهولة الاستدانة وجشع الحكومة في آن وفي ولوج هذا الباب لتمويل عجز موازناتها، وبالتالي تنامي الدين وخدمته بشكل لم يعد مقبولاً على الإطلاق.
لقد تطور الدين العام منذ عام 1996 من 20188 مليار ليرة لبنانية إلى 50192 مليار ليرة في آخر عام 2003. وكان من مجموع هذا المبلغ في عام 1996 ملياراً دولار فقط بالعملات الأجنبية بينما أصبح حجم الدين الخارجي الإجمالي 15.5 مليار دولار في آخر عام 2003 وقد بات يشكل ما نسبته 46.5 من مجموع الدين الإجمالي في نهاية عام 2003. بينما كان في عام 1996 لا يتجاوز ما نسبته 14.5% من مجموع الدين الإجمالي.
ويتعاظم خطر تنامي الدين بالعملات الأجنبية كلما تنامى الدين الإجمالي العام بسبب إجازة مجلس النواب للحكومة ـ في التزام شفهي سابق ـ بالاستدانة بالعملات الأجنبية إلى حدود 50% من مجموع الدين العام الإجمالي، أي بكلام آخر دولة الرئيس يتعاظم الدين العام الإجمالي كلما تعاظم الدين بالعملات الأجنبية، وهذا أمر خطير جداً.
إن تغاضي مجلس النواب عن هذا الخطر المداهم في اعتقادي لم يعد جائزاً. ومن واجبنا، اليوم ـ قبل غد ـ أن نضع سقفاً رقمياً للدين العام الإجمالي حيث لا تعود الحكومة قادرة على تخطّي هذا السقف مهما كانت الظروف، وفي الوقت ذاته أن نضع سقفاً رقمياً ـ للدين بالعملات الأجنبية الذي لا يجوز للحكومة أن تتخطاه بعد اليوم أي لا نحدد نسبة، يا دولة الرئيس، أي لا نعود إلى الكلام عن نسبة للدين بالعملات الأجنبية من مجموع الدين الإجمالي لأن هذه النسبة متحركة.
أما إذا وضعنا رقماً، أعني سقفاً، لهذه المديونية فمن الممكن أن نبدأ بعملية ضبط لهذا الوضع الخطير. أن مخاطر الدين بالعملات الأجنبية ظاهرة للعيان، وها هي مستحقات الدولة لسداد ديونها في عام 2004 و2005 و2006 تصل إلى 9.3 مليار دولار منها 2.5 مليار دولار للسنة الحالية.
لذلك لا أرى مهرباً من ضبط هذا الخطر الداهم على اقتصادنا ومالية الدولة والذي، إن لم يعالج سيكون العامل الأكثر تأثيراً في انعكاسه سلباً على الوضع النقدي والمالي.
من ناحية أخرى يا دولة الرئيس أود أن أبدي بعض الملاحظات:
أولاً: من المفيد أن نذكر بمعدل نمو الاقتصاد إذ ما زال خجولاً جداً بحدود 3% بالأسعار الحقيقية. ويكاد لا يكون كافياً لتلبية احتياجات النمو الطبيعي للسكان في لبنان، ناهيك عن المساهمة في خلق فرص عمل جديدة لاستيعاب ولو جزء يسير من البطالة المرتفعة التي يعاني منها الوطن، وليس متوقعاً بحسب التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي أن تسجل السنوات القليلة القادمة معدلات نمو أعلى من 3% علماً أن معدلات النمو المطلوبة لاستيعاب الأزمة في سوق العمل يجب أن لا تقل عن 7% لفترة من السنوات المتتالية.
ثانياً: إن استمرار تواضع معدلات النمو يعني كذلك أن نسبة إجمالي الدين العام إلى الناتج المحلي ستظل ليس فقط عند مستويات مرتفعة كما هي الحل حالياً 185% (الناتج المحلي 18.04 مليار دولار والدين العام 33.3 مليار دولار) بل ستكون مرشحة للتفاقم ما دام معدل نمو الدين العام الإجمالي أعلى بكثير من معدل نمو الاقتصاد. ويستدعي ذلك مجموعة من الملاحظات الإضافية:
1 ـ إن الاستمرار في تدهور المعدل المشار إليه يعني استمرار إعطاء لبنان درجات تقويم متدنية ـ Standard & Poor (B) مما يستتبع كلفة متزايدة لتمويل لبنان قطاعاً خاصاً وقطاعاً عاماً بالرغم من الانخفاض الذي شهده العام 2004 على صعيد خدمة المديونية بفعل باريس ـ 2 ـ.
2 ـ ليس من أفق للخروج من دوامة الحلقة المفرغة. وليس من برامج عمل تطرحها الحكومة على المجلس النيابي لمعالجة هذا الوضع، فالتخبط سيبقى هو السمة المميزة والبارزة للمعالجات كما أوضح وزير المالية في تقريره ولاحقاً في كلمته.
لقد أكّدت الحكومة لنا سابقاً أن الحل يكون بإعادة هيكلة الدين العام من الليرات العالية الكلفة إلى العملات المنخفضة الكلفة. فارتفعت حصة الدين العام بالعملات إلى إجمالي الدين العام من 30% عام 2000 إلى ما يقارب 47% مع نهاية العام 2003، وظل الحل بعيد المنال.
وهنا يا دولة الرئيس أريد أن أؤكد على بعض الكلام الذي قاله الزميل سليم سعادة وهو، إن لم يكن بمقدورنا أن نرى (وأنا في ذلك أوافق الوزير فؤاد) المستقبل الطويل في فترة عشر سنوات بمعادلة حسابية بسيطة وهذا كلام سليم، إنما يمكننا أن نراه بمعادلات سابقة، من عام 2000 وحتى العام 2003 زاد يا دولة الرئيس تنامي الدين بالعملات ا لأجنبية من 7 مليارات إلى 15 ملياراً ونصف المليار يعني كل أربع سنوات لدينا تقريباً Multiple of two أي الضرب باثنين، هذه خبرتنا في السابق وهذا ما يخيفنا وقد يجوز أن يكون هنالك حلول إنما إلى الآن لم نرها، ولكن يجب ألا نستهين بهذا النمو المستفحل في مديونية الدولة بالعملات الأجنبية.
كما ذهبت الحكومة إلى التأكيد أن العلة تكمن في عدم كفاية مستوى الجهد الضريبي في البلد. فزادت كل أنواع الضرائب والرسوم بما فيها الضريبة على القيمة المضافة فارتفعت إيرادات الخزينة من 4552 مليار ل.ل. عام 2000 إلى ما يزيد عن 6655 مليار ل.ل. مع نهاية عام 2003 وبات معها العبء الضريبي على الناس مقاساً بالإيرادات إلى الناتج المحلي الإجمالي يساوي 25% بعد أن كان أدنى من 20% عام 2000، أي أن الاقتصاد يوفر اليوم مداخيل للدولة تقارب 5 مليارات من الدولارات. وهو جهد كبير قياساً إلى حجم الاقتصاد علماً أنه لا يتضمن كلفة الضمان الاجتماعي الذي يتحمله الاقتصاد كذلك. وهذا أمر يجب أن يعلن: اللبنانيون يمولون الدولة بشكل كبير. أليس كذلك، طبعاً وهذا ما نقوله وهذه قراراتكم الصعبة يا فؤاد التي نتكلم عنها ولا نراها، يعني أنكم تأتون إلى هنا وتشتكون وكأنكم من المعارضة. أين القرارات الصعبة وأنا قلت هذا الكلام في مطالعتي عندكم مشكلة أساسية ويجب أن تروها وأن تحزموا أمركم وأن تأخذوا القرارات الصعبة التي لا زلنا لسنوات نتكلم عنها. أين أصبحت هذه القرارات الصعبة؟
كذلك أكّدت لنا الحكومة مراراً وتكراراً أن معالجة الأزمة المالية العامة تحتاج إلى تخفيض خدمة الدين وكلفة الدين بالإضافة إلى زيادة العبء الضريبي على المواطنين بالشكل الهائل الذي رأيناه وكان لمؤتمر باريس 2 النتائج المتوقعة بل وأكثر من المتوقع فقد ساهمت الدول المانحة بما يقارب 2.5 مليار دولار بفائدة لا تتجاوز 5%. وألغى مصرف لبنان ما يقارب ملياري دولار من دينه على الدولة وأعاد تقسيط ما يقارب المليارين أيضاً بفائدة قدرها 4% وساهمت المصارف بما يزيد عن ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار بفائدة قدرها صفر% لمدة سنتين فتراجعت خدمة الدين ولم تتراجع النفقات الأولية خارج خدمة الدين وبقيت المشكلة المتمثلة بحجم الدين إلى حجم الاقتصاد في تزايد.
بكلام آخر فإننا من خلال المعالجات الأساسية الثلاث التي ذكرتها أعلاه أي:
إعادة هيكلة الدين لمزيد من الدين بالعملات.
وزيادة العبء الضريبي بشكل غير مسبوق.
وأخيراً اللجوء إلى تخفيض محسوس في خدمة الدين من خلال الدول والجهات المانحة.
إننا من خلال هذه المعالجات التي ذكرتها فقدنا حيّز المرونة والحركة والمناورة وظلت الأزمة المالية العامة في تفاقم.
دولة الرئيس،
لقد آن الأوان لوقفة تأمل وضمير وضنا بما تبقى من مقدرات الاقتصاد والبلد والعلاقة مع الدول الصديقة والشقيقة ومصداقيتنا في المحافل والأسواق الدولية، وهذا لا يمكن أن ينجز إلا إذا توحدت جهود المسؤولين، كل المسؤولين، في ورشة عمل متواصلة. لقد آن الأوان لهذه الوقفة من تأمل وضمير لأننا إذا لم نقم بذلك فإننا لا نرى حلاً لمشكلاتنا المتعاظمة، وبالتالي فإنني أقول بأن هذه الموازنة ستكون هي أيضاً آلية أخرى لكسب الوقت الضائع دون أي تحسن ملموس في حلحلة مشاكلنا الأساسية وأهمها تفاقم الدين وخدمته، وشكراً يا دولة الرئيس.
الرئيس: الكلمة للزميل عبد الله قصير.
عبد الله قصير: دولة الرئيس،
كنا نشكو في السابق من أن الحكومة تسمع شكوى السادة النواب ولا تفعل شيئاً، اليوم ستصبح الشكوى في أن الحكومة غائبة حتى لا تزعج خاطرها بالسماع.
الرئيس: لماذا؟
عبد الله قصير: أين هم الوزراء؟
عبد الله قصير: دولة الرئيس،
ينعقد المجلس النيابي الكريم ليناقش مشروع الموازنة المقدم من الحكومة في ظل التطورات الخطيرة التي تمر بها المنطقة، لا سيما في فلسطين حيث الهجمة الصهيونية الشرسة على الانتفاضة والمقاومة وقادتها والتي كان آخر فصولها اغتيال الشيخ أحمد ياسين، وعلى الشعب الفلسطيني الصابر والمحتسب والمجاهد، في ظل صمت عربي مطبق وتداعي خطير للمؤسسة العربية الجامعة تمظهر في انفراط عقد القمة وتأجيل انعقادها.
وفي العراق حيث القتل والإرهاب الأميركي اليومي المنظم ضد الشعب العراقي الأعزل الرافض للاحتلال، وتداعياته المقيتة التي تريد فرض الإملاءات الأميركية ومنع خياراته الحرة.
وفي ظل الضغوط الأميركية المستمرة على سوريا الصمود ولبنان المقاومة وإيران الداعمة للحق الفلسطيني والعربي في المقاومة والصمود. هذه التطورات الخطيرة من المفترض أن تشكل حافزاً لنا نحن اللبنانيين لتقوية لحمتنا الداخلية ووحدتنا الوطنية والالتفاف حول خيارنا المقاوم ووقف كل أشكال المشاحنات والسجالات لا سيما الرئاسية منها، التي لا تؤدي سوى إلى مزيد من التأزم في أوضاعنا المالية والاقتصادية الصعبة.
وتجعل المواطن يفقد الأمل في إمكانية المعالجة ويفقد الثقة بدولته ومسؤوليته.
ولعل أبرز ما يجب أن نعمل له جميعاً في الحكومة والمجلس النيابي، هو المعالجة الجادة والمسؤولة للأوضاع الاقتصادية والمالية المنعكسة بصورة مباشرة على الأوضاع المعيشية والحياتية للمواطن اللبناني، والتي يفترض بالسياسة الحكومية أن تتصدى لمعالجتها من خلال برامج مدروسة للإصلاح الجاد ومن خلال السعي لتكوين إرادة وطنية جامعة حول هذا البرنامج الإصلاحي، يوقف التدهور والتراجع ويعمل لإنقاذ البلد من أزماته المستمرة.
ألا وإننا مع الأسف لا نرى في مشروع الموازنة الذي بين أيدينا أية بنود إصلاحية حقيقية يمكن أن تعبر عن مثل هذه الرؤية أو الإرادة، فإرادة الإصلاح غير موجودة والموازنة والمقدمة من الحكومة لا يمكن أن نصفها إلا بكونها موازنة العجز الحكومي عن ملامسة الإصلاح، موازنة استمرار الأزمة والمعضلة، موازنة المراوحة في وسط بقعة الدين العام المتنامي والمتزايد والمكلف (حسب تقرير لجنة المال والموازنة فإن نسبة تنامي الدين ستفوق 8%، والعجز تجاوز 4 آلاف مليار ليرة لعام 2004.
إنها موازنة التعديل المستمر في قوانين البرامج التي تحولت إلى ما يشبه الكذبة المستمرة على الناس، والوعود العرقوبية بالإنماء المتوازن، والتي تتبخر في مطلع كل عام عند وضع الموازنة ومناقشتها المتضمن تأجيلاً سنوياً مستمراً لتنفيذ هذه البرامج والقوانين والتي كانت قد قررت في هذا المجلس الكريم خلال السنوات الماضية.
وهنا نسأل على سبيل المثال لا الحصر، لماذا التأجيل المستمر لتطبيق قانون البرنامج 326/2001 الخاص بترتيب منطقة الضاحية الجنوبية الغربية لمدينة بيروت المعروف بأليسار، وهل الأوضاع المزرية لهذه المنطقة المحرومة من الإنماء ومن أي نوع من أنواع التأهيل في بنيتها لا يكفي لإثارة اهتمام المسؤولين في الحكومة؟ نتساءل يا دولة الرئيس والكلام موجه لرئيس الحكومة، هل القاطنون في هذه المنطقة لبنانيون أم أننا نسينا أنهم ينتمون إلى هذا الوطن؟
لماذا إلغاء الأرصدة المقررة لإكمال أعمال الضم والفرز في معظم المناطق اللبنانية؟
لماذا يلغي الرصيد المقرر لحصة الحكومة في تنفيذ مشروع طريق صور ـ الناقورة رقم 392/2002، علماً بأن هذا الطريق وبعد متابعات مستمرة من قبلنا ومن قبل دولة الرئيس أقدم مجلس الإنماء والإعمار مؤخراً على إجراء مناقصة جديدة ونأمل أن تكون أخيرة ونهائية لنقل هذا المشروع إلى حيّز التنفيذ، بعد انتظار ومطالبة شعبية وإلحاح نيابي استمر أكثر من خمس سنوات.
لماذا التخفيض الكبير في رصيد برنامج مرافىء الصيد والنزهة الذي يشكل حاجة ملحة للصيادين ليتمكّنوا من تحصيل لقمة عيشهم بكرامة؟
ثم لماذا أخيراً وليس آخراً إلغاء الأرصدة للعام 2004 والبالغة 51 مليار ليرة والمخصصة لأبنية الجامعة اللبنانية، وهل هذا الأمر جزء من خطة حكومية لخصخصة الجامعة الوطنية ومحاصرتها وضربها، وهل هذه الخطوة هي إكمال للخطوات الحكومية السلبية الأخرى تجاه الجامعة في عدم إقرار أنظمتها المتعلقة بمجلس الجامعة وصلاحياته وعدم فتح باب التفرّغ لأساتذة الجامعة المتعاقدين، ووقف الدخول إلى الملاك للمستحقين من الأساتذة الجامعيين المتفرغين؟. ولإكمال صورة الحصار والظلم والاستهانة بالجامعة اللبنانية وأساتذتها وطلابها نجد الحرمان الكبير لفروع الجامعة من التجهيزات والموظفين في إدارة هذه الفروع، فعلى سبيل المثال وليس الحصر فقط فرع الآداب في صيدا والذي يضم 6500 طالب ليس فيه سوى جهازي كومبيوتر وعدد بسيط من الموظفين ـ هناك حاجة ملحة لـ 15 موظفاً بحسب رأي مدير الفرع ـ مما يؤدي إلى عرقلة كل الأعمال الإدارية العائدة للطلاب في الحصول على الإفادات أو على أي وثيقة يحتاجها الطالب من إدارة الفرع (زيادة الموظفين وتعزيز المكننة هما مطلبان ملحان في هذا الفرع).
وهل المس بالمكتسبات المالية للأستاذ الجامعي التي هي حق طبيعي له هي جزء من خطة لتهريب أساتذة الجامعة اللبنانية ودفعهم للسفر أو العمل في القطاع الخاص، وتشجيع على هجرة الأدمغة اللبنانية إلى الخارج بعد أن جرت هجرة الشباب إلى الخارج؟
دولة الرئيس: إن الأستاذ الجامعي ليس صنماً أو آلة صماء، بل هو منتج للمعرفة ومن حقه أن يحصل على كل الفرص والظروف المؤاتية للإنتاج المعرفي والإبداع العلمي.
دولة الرئيس:
لا يكفي أن تقول الحكومة على لسان وزير المالية أن هذه الموازنة هي أقل من الحد الأدنى الضروري في الوقت الحاضر، لتعفي نفسها وتتهرب من المسؤولية، بل إن هذا الاعتراف بالعجز يستدعي رحيلها بعد أن اعترفت بعجزها عن معالجة الأوضاع وإصلاحها.
نريد أن نعرف ما هي المعوقات التي منعت الحكومة من تنفيذه برنامج إصلاحي أو اقتراح بنود إصلاحية ملائمة في مشروع الموازنة هذا، ولماذا التحجج الدائم بالظروف السياسية وأوضاع المنطقة التي يجب أن تكون دافعاً للإسراع في الإصلاح وليس لتأجيله.
ونتساءل من جهة أخرى: أين هي الأهداف العامة للسياسات الاقتصادية والمالية للحكومة التي وضعتها في بيانها الوزاري؟
أين العمل على تحديث الاقتصاد ومؤسساته وتعزيز اندماجه
في الاقتصادين العربي والعالمي، فهل أعطيت الصناعة اللبنانية الاهتمام اللازم للوقوف على إقدامها والقدرة على التنافس في ظل هذا الاندماج المتوقع؟
وهل أعطيت الزراعة حقها من العناية لتخفيض كلفة الإنتاج وتحسين نوعيته ليستطيع أن ينافس الإنتاج الخارجي في ظل اتفاقات الاندماج العربي والعالمي، وأين السدود، المائية وأين الزراعة البديلة، وأين صندوق التعويض على المزارعين الذين تتعرض مواسمهم للتلف والدمار نتيجة العوامل المناخية والعواصف والفيضانات.
هنا أورد على سبيل المثال: راجعني العشرات من المزارعين في منطقة صور الذين حرموا من تعويضات الهيئة العليا للإغاثة رغم أن خسائر كل منهم تقدر بعشرات الملايين من الدولارات، وعند مراجعتهم للهيئة كانت الأجوبة غير مقنعة وغير مبررة وهي أن أسماءهم غير واردة في كشوفات الجيش اللبناني الذي قام بمسح الإضرار، علماً أن هؤلاء يملكون صوراً وأفلام فيديو تثبت حجم الأضرار. والكارثة التي أصابتهم وأصابت مواسمهم في العواصف المناخية، وعلماً أن فرق الكشف عاينت الأضرار ميدانياً وأطلعت على حجم الكارثة التي أصابت مواسمهم الزراعية.
دولة الرئيس،
ونسأل في نفس سياق تنفيذ الأهداف في السياسة الحكومية:
لماذا هذا التعثر المستمر في أوضاع مؤسسة كهرباء لبنان، ولماذا يبقى التقنين العشوائي عقوبة مستمرة لمعظم المناطق اللبنانية، ومتى ستنتهي سياسة التقنين في التيار الكهربائي التي تدفع المواطنين إلى دفع فاتورة الكهرباء مرتين، مرة لشركة الكهرباء وأخرى لأصحاب المولدات والاشتراكات.
إلى متى ستبقى كلفة فاتورة الكهرباء على المواطن اللبناني أعلى كلفة في كل المنطقة، وإلى متى ستبقى قطاعات الصناعة والزراعة تشكو من ارتفاع كلفة الإنتاج نتيجة عوامل أهمها سعر الطاقة التي تدفعها الصناعة والزراعة في هذا المجال.
ألا يكفي ما أنفق على هذا القطاع منذ العام 1992 وقد بلغ أو تجاوز حوالي ملياري دولار لتأهيل هذا القطاع، وهل ما نسمعه اليوم من مسؤولي الشركة حول عدم اكتمال الربط بين المعامل في لبنان وعدم كفاية الإنتاج لتغطية الحاجة في ساعات الذروة يكفي للسكوت على هذا الأمر؟
إن هذا الأمر، أو أن هذا الجواب يفتح الباب واسعاً أمام السؤال التالي:
لماذا هذا التأخير في الربط وفي رفع القدرة على الإنتاج رغم صرف كل هذه الأموال على هذا القطاع منذ عشر سنوات أو ما يزيد؟
والسؤال الذي يفرض نفسه أيضاً، أين أصبح التحقيق المفتوح في أوضاع المؤسسة منذ العام 1992، وأين هي تحديد المسؤوليات على مجالس الإدارة والمدراء الذين تولوا إدارة هذه المؤسسة منذ حينه؟
الرئيس: لحظة يا دولة الرئيس، من سيجيبني عن هذا الموضوع؟ لماذا تأخر هذا الربط؟
رئيس الحكومة: أتقصد الربط الكهربائي؟
الرئيس: نعم، ما الذي يؤخره؟
رئيس الحكومة: هناك أعمدة لا تزال إلى الآن غير مشيدة لأسباب يمكن أن تقول بأنها سياسية.
الرئيس: ماذا؟
رئيس الحكومة: لأسباب سياسية…
الرئيس: هل أصبحت السياسة تشمل الأعمدة أيضاً؟
رئيس الحكومة: نعم.
عبد الله قصير: المفترض أن تحل هذه المشكلة في مجلس الوزراء.
الرئيس: دعني أفهم، ماذا ستقول؟
رئيس الحكومة: هذا هو الواقع، هذا الموضوع مضى عليه سنة.
الرئيس: لم نفهم شيئاً، أين تقف الأعمدة؟ ومن الذي أوقفها؟ وما معنى «السياسة».
وما هي السياسة في هذه القصة؟
رئيس الحكومة: إذا أردت فسأحضر لك غداً صباحاً «تقريراً» عن الأعمدة التي لم تركب لغاية الآن وذلك فقط لكي ترى مواقعها وعندئذ تعرف.
الرئيس: هل تحزرنا حزازير؟
رئيس الحكومة: لا، لست أفعل ذلك.
الرئيس: ماذا إذن؟
رئيس الحكومة: هذه هي الحقيقة.
الرئيس: الزميل يسأل سؤالاً، لنا الحق في معرفة الجواب.
رئيس الحكومة: السبب، هو أن هناك أعمدة كان يجب أن تركب قبل بضعة أشهر أو بالأحرى قبل سنتين في أماكن معيّنة، ولغاية الآن لم يتم تركيبها.
عبد الله قصير: منذ سنتين يا دولة الرئيس.
رئيس الحكومة: تفضل يا أستاذ عبد الله.
الرئيس: لا أحد يجرؤ على الكلام، لماذا؟
رئيس الحكومة: لقد حركت الموضوع، فتفضل بالكلام.
الرئيس: سنتصل بالوزير أيوب حميد ونسأله ليعطينا الجواب، وأنا سأقول لماذا؟
عبد الله قصير: الربط بين منطقتي بصاليم والجمهور.
الرئيس: وما الإشكال في ذلك، لماذا لا نتكلم؟
رئيس الحكومة: ليس هناك أي إشكال؟
عبد الله قصير: الأموال التي دفعت في مجال تأهيل قطاع الكهرباء، تحولت إلى ديون على عاتق المواطن، ومن حق هذا المواطن أن يعرف كيف هدرت أو سرقت هذه الأموال، بل من حقه أن يطالب بمحاكمة المسؤولين عبن ذلك.
دولة الرئيس،
بعد انتظار استمر لأكثر من عشر سنوات هي التاريخ الذي يفصلنا عن إقرار قانون تسوية الأبنية المشادة على أملاك الدولة والبلديات والمشاعات، جاء الفرج في هذه الموازنة ليقول بإمكانية فرز هذه العقارات وإجراء تسوياتها، الأمر الذي يستولد سؤالاً ملحاً نابعاً من المعاناة عند أصحاب هذه الأبنية، هل كان الأمر يحتاج على عشر سنوات لحل هذه العقدة، وكم من الوقت سيحتاج إجراء التسوية الآن بعد حل هذه العقدة القانون؟
دولة الرئيس،
ليس هناك أبلغ من عبارة قالها رئيس ديوان المحاسبة عندما سئل عن سبب تقديم استقالته «بأنه قرفان» هذا التعبير البسيط الصادر عن قاض مشهود له بالاستقامة يدل على حجم وخطورة المخالفات والتجاوزات المرتكبة من قبل المسؤولين في الإدارة والتي يطلع عليها ديوان المحاسبة كجهاز رقابي، ويشير إليها في تقاريره، دون أن يهتز لأهل السلطة جفن أو يتحرك ضمير أو يحول أي من هذه المخالفات إلى القضاء المختص ليصار إلى محاسبة هؤلاء المرتكبين والمخالفين للقانون.
فهل تعتمد الحكومة سياسة (عفا الله عما مضى) لتغطية هذه الارتكابات والجرائم بحق المال العام، أو أن سياسة الهدر والسرقة للمال العام هي الثابتة الرئيسية التي لا تتغير عند أهل السلطة؟
لقد سلمت هنا بنفسي ملفاً كاملاً لوزير المالية قبل سنتين حول فضيحة فرش مكتب لمدير عام في إحدى الوزارات كلف 350 ألف دولار، فماذا فعل وزير المالية والأجهزة الرقابية بهذا الملف؟ ولماذا لم نسمع أو نرى أي تحرك قضائي بهذا الملف، أو أية نتيجة له؟
الحديث حول الهدر والسرقة يجرنا إلى ملف الخلوي الذي رغم كل ما قيل فيه لم يتحرك ساكن حكومي ولا قضائي للتحقيق أو لاستعادة الأموال أو لتحديد المسؤوليات.
وهنا لا بد من وضع النقاط على الحروف:
1 ـ إن الارتكابات الأولى كانت في عقد الخلوي B.O.T عام 1994 مع الشركتين، حيث سجل أحد موظفي وزارة المال 39 مخالفة في العقد، بينما سجل رئيس ديوان المحاسبة الحالي القاضي رشيد حطيط في تقريره حول العقد 52 مخالفة، ألا يكفي هذا الكم الهائل من المخالفات لأن يحال الملف إلى القضاء؟
ثم كيف يوقع رئيس ديوان المحاسبة (السابق) على هذا العقد دون أي تحفظ ولدي هنا ملف كامل حول هذا الموضوع (رغم وجود هذا الكم الهائل من المخالفات) وهل المواقع والمسؤوليات التي تولاها المذكور هو وابنه وأحدها تعيينه مستشاراً قانونياً شركة أوجيرو هي الثمن المدفوع لقاء تمريره وموافقته على العقد دون تحفظ، وابنه عين مديراً لمديرية غير موجودة في مصرف لبنان (ملحق بالحاكم) هي أيضاً جزء من هذا الثمن؟ نتساءل هل تغيرت مقاييس ديوان المحاسبة بين عهد رئيس ورئيس آخر ليكون الرئيس ليس لديه أي تحفظ على هذه العقود والرئيس الآخر له 52 مخالفة.
الرئيس: هل هي نفس العقود يا عبد الله؟
عبد الله قصير: نعم، نفس العقد يا دولة الرئيس، عند مراجعته من قبل رئيس ديوان المحاسبة الحالي سجل 52 مخالفة.
الرئيس: إني أقول عن العقد الأول.
عبد الله قصير: العقد نفسه وهو الأول.
الرئيس: هذه القصة غريبة.
عبد الله قصير: 2 ـ لماذا وافق وزير الاتصالات الأسبق في 2/11/1994 على إعفاء الشركتين من دفع رأس المال قبل فترة التشغيل، كما نص عقد الـ B.O.T وغطى تهربهما من دفع رأس المال بحسب العقد وابالغ لكل شركة 30 مليون دولار قبل بداية تنفيذ خدمات الخلوي؟
وكيف يوقع الوزير آنذاك على كتاب مقدم إليه من شركة F.T.M.L ولم يسجل هذا الكتاب لا في وارد ولا في صادر الوزارة المذكورة؟ طبعاً إن الكتاب موجود هنا وينص على موافقة الوزير والكتاب غير موجود في سجلات الوارد والصادر في الوزارة، يعني أنه سلك الخط العسكري.
أما شركة ليبانسيل فهي لم تدفع من رأس المال المذكور في العقد شيئاً، بل عمدت إلى تجزئة تحرير رأس المال من خلال تحويل قسم من أرباح الشركة (من دهنوا قليلو) الجماعة اشتغلوا بأموال الناس بالـ 500 دولار التي أخذوها بدل اشتراك من المواطنين.
وركبوا أجهزتهم وأداروا الشركات دون أن يدفعوا مليماً واحداً كرأسمال لهذه الشركات.
3 ـ تواطؤ مفوض المراقبة المتمثل بشركة بوش. أند. ديليت والذي لم يشر إلى المخالفات في العقد وتنفيذه، علماً أن شركة K.P.M.G المكلفة من الوزارة التدقيق في صحة الإيرادات خلال عقد B.O.T أوردت أكثر من عشر مخالفات في كتابها المرفوع إلى الوزارة وأيضاً لدينا نسخة منه بتاريخ 6/2/2003 ورغم ذلك لم يصار إلى محاسبة الشركات على كل هذه المخالفات.
4 ـ في البطاقات المسبوقة الدفع: أعطي الامتياز لبيع هذه البطاقات إلى شركة ليبان نت ورأس مالها (خمسة ملايين ليرة فقط) وأصحابها هم مالكو ليبانسيل أنفسهم.
كل هذه الأمور التي تحدثنا عنها موثقة بالمستندات والأرقام التي بحوزتنا. هذا غيض من فيض تآمر أهل السلطة مع الشركتين لنهب قطاع الخلوي وحرمان الدولة وخزينتها من الاستفادة الصحيحة من هذا القطاع في الوقت الذي يقال بأن الخلوي هو بترول لبنان إذا أحسنا الاستفادة منه، وما حصل في الحقيقة أن هاتين الشركتين وضعتا أيديهما على هذا البترول بتواطؤ مفضوح من بعض أهل السلطة في لبنان، والمواطن والوطن هما اللذان دفعا الثمن مزيداً من النزف من جيوب المواطنين ومزيداً من العجز والديون في خزينة الدولة.
قد يقول البعض أن هناك تحكيماً تجارياً في جنيف بخصوص بعض هذه المخالفات، ولكن الحقيقة هي أن التحكيم لا يشمل سوى المسؤولية المدنية، وتبقى المسؤولية أو المخالفات الجزائية غير خاضعة للتحكيم وعلى الحكومة اللبنانية لتحرك لوضع يدها على هذا الملف ومحاسبة المرتكبين مهما كانت مسؤوليتهم ومواقعهم (هناك كتاب لمحامي الوزارة الموجود في جنيف وقد أرسل الكتاب لوزير الاتصالات قبل أسابيع ينصح فيه بضرورة التحرك جزائياً في المخالفات غير الخاضعة للتحكيم) ماذا ننتظر بعد؟
الرئيس: هل أعطى الوزير الخبر إلى النيابة العامة أم لا؟
عبد الله قصير: لا أعرف، المفترض أن يعطي خبراً.
الرئيس: طبعاً.
عبد الله قصير: أنا أمامي حكومة وأطالبها.
إن مشروع موازنة لا يتضمن أي بند إصلاحي، ولا يرقى إلى الانسجام مع أهداف وسياسات الحكومة المالية والاقتصادية الموضوعة من قبل نفس الحكومة هذه، ولا يفتح باباً للمعالجة الجادة للأوضاع المعيشية والحياتية للمواطنين، ولا يوقف تدحرج كرة الثلج للدين العام، لا يمكن أن ينال منا سوى الرفض والرد وعدم الموافقة عليه لنكون منسجمين مع الامانة التي نحملها بوكالة المواطنين لنا لتمثيلهم في هذه الندوة التشريعية. وشكراً.
الرئيس: نطلب من الزميل محمد قباني أن يعقد اجتماعاً للجنة الأشغال العامة من أجل موضوع الكهرباء ويتم دعوة وزير الطاقة ورئيس مصلحة الكهرباء والمدير العام لكي نطلع على الأمور ولكي يعرف الرأي العام اللبناني كل هذا الأمر وتوضع توصيته لإلزام الحكومة بهذا الأمر.
وإذا اقتضى الأمر تقديم سؤال واستجواب فنحن جاهزون لذلك.
والآن أرفع الجلسة إلى الساعة السادسة مساء على أن تكون في حال عدم ورود أسماء جديدة لطالبي الكلام، تكون الجلسة الأخيرة للمناقشة العامة. رفعت الجلسة الساعة الثانية والدقيقة الخامسة والأربعين من بعد الظهر.