جلسة عامة 6/4/2004 (مسائية)
تتابع الجلسة.
الرئيس: الكلمة للزميل فريد الخازن.
فريد الخازن: دولة الرئيس،
إذا كان لا بد من وقفة ضمير وإذا كان لا بد من وقفة حقيقة وإذا كان الواجب الوطني مقياس الكلام والمواقف فيجب أن نقول يا دولة الرئيس إن الحالة السياسية التي حكمت لبنان في مرحلة ما بعد الطائف قضت على لبنان أو كادت. نعم، قضت على نظامه السياسي الديمقراطي وأمعنت فيه قتلاً وتشويهاً حتى حولته إلى هيكل عظمي فاقد للتوازن والاتزان. فما مورس من خطايا وطنية خلال هذه الفترة أجهز على مقومات لبنان الاقتصادية ما دفع المواطنين إلى مقارنة بحبوحة الحرب ببؤس مرحلة السلم الأهلي، وهنا يا دولة الرئيس لا بد وأن نستحضر هواجس الناس الذين مارست عليهم الحكومات المتعاقبة حتى اليوم بما فيها الحكومة الحالية أبشع أنواع الظلم الاجتماعي حتى وصلت إليه الأمور إلى هذا الدرك الخطير.
دولة الرئيس،
الجوع كآفة كما يقال، لا بل الجوع سبب النقمة والغضب والثورة، والحروب الأهلية يمكن أن تنتج نفسها على أبواب الأفران إذا ما تهدد الأمن الغذائي للناس، فالآمن السياسي على أهميته إن لم يقترن بالأمن الاقتصادي والمعيشي يتحول إلى قمع سياسي، واستمراره يولد الانفجار وهذا ما نخشاه يا دولة الرئيس، انفجار الأزمة الاقتصادية في وجه مشعليها، وعندها لن ينفع أمن سياسي وستدفع الطبقة السياسية ثمناً باهظاً على خطاياها.
دولة الرئيس،
ما أشعر به اليوم كنائب يمثل الأمة اللبنانية جمعاء، يجعلني لا أشعر بالشرف بل بالخيبة والخجل كأننا نتحول إلى شهود زور، نشاهد ونشهد على خراب لبنان على أيدي حكامه وجلاديه، والأسوأ يا دولة الرئيس، هو فقدان الأمل من أي تغيير أو إصلاح، فما أضيق الأوطان على شعوبها بغياب فسحة الأمل، وهي فسحة حل محلها الشعور بالخيبة والانهزام والشلل.
دولة الرئيس،
وننظر إلى السلطة، إلى الحكومة، إلى الوزراء، إلى المؤسسات، إلى الإدارة العامة، نرى أن الأشخاص أنفسهم الذين أوصلونا إلى الهاوية لا يزالون في السلطة، يسلكون أسوأ أداء سياسي شهده لبنان في تاريخه الحديث، والأسوأ تأكيدهم أنهم خير من أنجبتهم بطون الأمهات وأنهم المرسلون الملهمون لإنجاز رسالة الخلاص الوطني، يا لسخرية القدر والويل لهم من حكم الناس والتاريخ. وإني أسأل: هل تدرك الحكومة مدى اليأس الذي وصل إليه شعبنا؟ هل حاولت أن تصغي يوماً إلى ما يقوله الناس عنها من عبارات الاحتقار والاستهزاء؟ هل حاولت يوماً إرسال أزلامها ومحاسيبها لاستفتاء الناس حول الأداء الحكومي والنيابي والقضائي والإداري؟ لن أنقل إلى مسامعكم يا دولة الرئيس ماذا يقول الشعب بأغلبيته الساحقة لأن الرئاسة الكريمة ستلجأ إلى شطب أقوال الشعب من محضر الجلسة.
لقد وحد الجوع والقلة كل اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم، وإذا جاز التعبير أصبحوا جميعاً من طائفة المحرومين وإذ يسألون على الوفاق الوطني يرون أنه تحول إلى نفاق وطني في ظل تشويه فاضح في تطبيق الدستور، دستورنا المبني على فلسفة الديمقراطية التوافقية.
الديمقراطية التوافقية تقضي بأن يكون لبنان وطناً للجميع لا شركة تجارية لبعض اللبنانيين ولا لفئة منتصرة دون فئة مهزومة.
الوفاق يجب أن يترجم بحكومة وفاق وطني حقيقي لا بحكومة توافق بين أرباب السلطة. والوفاق يجب أن يترجم بقانون انتخاب عادل يؤمن صحة التمثيل لا بقانون ظالم يؤمن علة التمثيل، والوفاق يجب أن يترجم إلى تفاعل كل التيارات السياسية الموالية منها والمعارضة وبالتساوي، وأن يعطى المسلمون ما يعطى للمسيحيين، دون منّة ودون هيمنة ودون تبعية ودون خوف، والوفاق يجب أن يترجم فصلاً للسلطات وتعاوناً فيما بينها، لا فصلاً للسلطات عن الدستور وتعاوناً فيما بين رموزها تحقيقاً لمآربهم وطموحاتهم الصغيرة.
فأين نحن من هذا كله في زمن باتت فيه المؤسسات الدستورية، التشريعية والتنفيذية والقضائية مؤسسات أشبه بشركات خاصة مرتبطة بالأشخاص أكثر من ارتباطها بالشعب اللبناني.
فإذا كنا نريد وفاقاً وطنياً حقيقياً، فعلينا أن نقبل بقانون يعطي الضعيف نفس ما يعطيه للقوي فيتساوى الاثنان في القانون.
وإذا كنا نريد دولة تعكس الوفاق الوطني فيجب أن يشعر المسيحيون أنهم ممثلون بالتساوي أسوة بالمسلمين والعكس بالعكس، دون أن يلجأ الأوائل إلى تسمية الثواني واختزال زعاماتهم أو يلجأ الثواني إلى تسمية الأوائل واختزال زعاماتهم. الوفاق الوطني عنوانه عفا الله عما مضى.
وهنا دولة الرئيس، لا بد من كلمة حق ففي وزارة الدفاع سجينان سياسيان بامتياز هما الدكتور سمير جعجع والمصالحة الوطنية. نعم الدكتور جعجع يتشارك مع المصالحة الوطنية الزنزانة نفسها، وما لم يطلق الأول لن تطلق الثانية وعلينا لأول مرة أن ننظر بالعين المجردة للحقيقة لنرى أن أغلبية المسيحيين يشعرون أنهم معزولون عن قياداتهم وأن أغلبية القيادات البديلة التي فرضت عليهم قيادات مؤقتة إلى حين خروج القيادات الأصلية، فلنقلع عن وضع المبررات والتذرّع بالقانون ولنضع نصب أعيننا هذه الحقيقة، عندها نتيقن أن خروج سمير جعجع من السجن سعيني دخول لبنان إلى المصالحة الوطنية.
وما أقوله عن الدكتور جعجع أقوله عن العماد ميشال عون، فكلنا نعرف أن العماد عون أكثر من ضابط سابق، وأكثر من رئيس حكومة سابق، أنه فكرة السيادة والحرية والاستقلال في ضمائر شريحة كبيرة من اللبنانيين، فهل يعقل أن تفتح له الحكومة باب الترشح عن الانتخابات النيابية الفرعية، وعلى الانتخابات البلدية وغداً على الانتخابات التشريعية، وتستمر في تسليط سيف العدالة عليه لثنيه عن العودة؟
إذا كان العماد عون مذنباً في شرع القانون فليحاكم غيابياً، وهذا ما قلتموه يا دولة الرئيس، أما ألا يحاكم طوال خمس عشرة سنة ويهدد بالمحاكمة إذا دخل الأراضي اللبنانية فهذا لن يشرف القضاء ولن يشرف لبنان الديمقراطية والحرية.
والمجلس النيابي يا دولة الرئيس هو المؤسسة الوحيدة القادرة، وسط هذا الشلل المتنامي في أوصال السلطات، على حمل شعلة الإصلاح والتغيير.
نعم الثورة الإصلاحية تبدأ من البرلمان، منا نحن أيها الزملاء، إذا كنا حقاً نحمل هم المواطنين وآمالهم. لذلك استنهض هممكم لنأخذ المبادرة لنجنب لبنان كارثة حرب أهلية جديدة ستسببها بوسطة الفقر والعوز والبؤس.
دولة الرئيس،
أيها الزملاء،
نحن على عتبة 13 نيسان والذكرى المشؤومة للحرب الأهلية، وعلى هذه العتبة نشهد على حرب أهلية بين أهل السلطة، فما اتّعظ منه الناس بعد تجربة 13 نيسان 1975 لم تتعظ منه السلطة بعد 29 سنة، فإذ بنا نرى في زمن السلم الأهلي حرباً ضروساً بين أهل الحكم في الحكومة وخارج الحكومة، وإذ بـ 13 نيسان 2004 يعود مع خطوط تماسه وميليشياته: وزراء يقنصون على وزراء ومسؤولون يستعملون مذاهبهم وطوائفهم مرابض مدفعية وقودها وقذائفها الناس.
فالحكومة حكومات وجبهات وإن رفض. وزير الإعلام التكلم باسمها وباسم رئيسها أبرز دليل على فقدانها توازنها ووحدتها.
دولة الرئيس،
لقد انتقلنا من خطر التقسيم الوهمي الذي كانت متهمة به بعض القوى في الحرب إلى حالة تقسيم فعلي في الدولة وفي المؤسسات، تنسحب على كل المؤسسات، وفي هذا مؤشر خطير على انهيار النظام على رؤوس الجميع.
ويحدث ذلك يا دولة الرئيس وسط تنعم متّخم بالسلطة والمال والنفوذ من قبل المسؤولين، هم في سياراتهم الفخمة، والعمال المزارعون والسائقون العموميون في أسوأ حال.
دولة الرئيس،
أنا أتهم الحكومة بتجويع وتشريد 50.000 عائلة لبنانية يعتاش أربابها من قطاع النقل 50.000 ألف عائلة غاضبة تنادي بالخبز والمدرسة والضمان والعمل الشريف، فيما الحكومة تتنزه في مطارات العالم وتجول على المعالم السياحية وتعقد مؤتمرات الكلام الفارغ.
لا يجوز يا دولة الرئيس أن نرى الحكومة تشل قطاع النقل بأكمله وأن نبقى مكتوفي الأيدي، وأنا أدعو من على هذا المنبر، كل السائقين العموميين، كل سائقي الكميونات والحافلات وباصات النقل والسيارات العمومية، أدعوهم جميعاً ومعهم سائقو الباصات المدرسية والفانات إلى إعلان إضراب عام مفتوح، لا يعلق إلا عندما يعود الجميع إلى السير وإلى العمل.
نعم أدعو السائقين إلى أن يتوحدوا وأن يوقفوا شاحناتهم وآلياتهم في الشوارع، وليشلوا حركة السير وليضغطوا على هذه الحكومة التي تسرق أرغفة أبنائهم، وإني أدعوهم إلى عدم الخوف لأننا سنمشي إلى جانبهم وسندعم حقوقهم في البرلمان وفي الشارع، وعندها فلتعتقل الحكومة الجائعين والغاضبين.
هل تستطيعين أيتها الحكومة حبس حليب الأطفال وحبس الدواء وحبس الرغيف وحبس الأمهات الغاضبات؟
دولة الرئيس،
طالما أن قطاع النقل مشلول طالما أن الدورة الاقتصادية مشلولة، فقطاع البناء كله في حالة يرثى لها، وأنا أسأل معالي وزير النقل: لماذا تدخل الشاحنات الأجنبية إلى الأزقة والزواريب الضيقة والقرى النائية والورش الصغيرة ولا يعطى أصحاب الكميونات فرصة نقل مواد البناء من الحدود اللبنانية ليعيلوا عائلاتهم؟
ما هذا الاستهتار؟
ما هذا الظلم؟
ما هذه الجريمة النكراء بحق اللبنانيين الشرفاء؟
في لبنان، أفضل نوعية بحص ورمل وبأسعار تفاضلية، فلماذا الاستيراد؟
لقد كلّت منّا الألسن ونحن نقول تشددوا في تطبيق القانون على الكسارات ولكن لا تقصفوا عمر الناس ولا تفقروهم ولا تقطعوا أرزاقهم وأعناقهم.
أعود وأكرر يا دولة الرئيس، قطاع النقل يهدد بانفجار ستطال شظاياه الأمن السياسي والاقتصادي، والعجلة الاقتصادية لن تسير إلا مع عجلات السائقين العموميين، وهم لا ينادون سوى بالعدالة، بالمازوت للجميع، والقانون على الجميع والمساواة مع الجميع.
لقد أصبح سعر صفيحة البنزين حوالي 25 ألف ليرة لبنانية، وبعض السائقين يعودون إلى بيوتهم مع ربطة خبز والبعض الآخر يستدين ليأكل، فلا بنزين مدعوم، ولا مازوت للجميع، ولا طرقات سليمة، فكأن الحكومة بلا مبالاتها تدفع هؤلاء إلى العصيان المدني والثورة.
دولة الرئيس،
إن أقسى ما يمكن أن يقال في هذه الموازنة هو أنها لا تشبه الموازنة في شيء وبالتالي فإنها لا تستحق النقاش: أتوقف فقط عند قانون ضريبة الأملاك المبنية (المادة 30) خصوصاً بجهة أمرين أساسيين: احتساب الضريبة لكل عقار على حدة، وزيادة معدل الضريبة على الشطر الأول (المادة 54 معدلة)، ثم إلغاء التصاعدية والنسبية في احتساب الضريبة (المادة 75 معدلة). إن محاولة تمرير هذه الصيغة هي بمثابة ضربة قوية لكل مفاهيم العدالة، ولأسس السياسة الضريبية السليمة، وهي أيضاً ضربة للفقراء الذين زادت الضرائب عليهم (من 2 إلى 4%) في مقابل إعفاء صارخ لكبار المالكين والأغنياء، بجعل الضريبة لكل عقار على حدة وبإلغاء النسبية والتصاعدية. إننا نطالب بإعادة صياغة هذه المادة من المواد وتفعيل جباية ضريبة الأملاك المبنية بما هي ضريبة مباشرة فعّالة.
دولة الرئيس،
تبقى علة العلل، وكارثة الكوارث كارثة الدين العام التي تؤدي إلى ركود خطير في ظل غياب كامل لأي سياسة مالية، وهذا ما يعكس يوماً بعد يوم تفكك الدولة.
وعلى رغم تشكيكنا بالأرقام المتداولة، لا سيما منها الأرقام الرسمية، حول حقيقة حجم الدين الفعلي، أو حول حقيقة حجم الناتج، فمن الواضح أن الدين العام بات يقرب من حدود 180 إلى 200 بالمئة من حجم الناتج، وهي حدود قياسية تاريخية على المستوى المالي العالمي.
وعلى رغم كلام تردده مصادر مختلفة، وتتبناه الحكومة، للتخفيف من وطأة الكارثة، ومنه أن كل الدول مدينة وأن الدين شأن طبيعي، على رغم كل ذلك فإن حقيقة الكارثة أنها باتت تتجاوز كل الحدود المنطقية وأن آثارها السلبية بدأت تتفاقم على مستوى الإنتاج، حيث يتراجع حجم الاستثمار بوضوح، وعلى مستوى المعيشة حيث يصيب الفقر المرتفع أو النسبي نحو ثلثي الشعب اللبناني، وحيث تتسع الهجرة لتصيب الفئات الشابة والمنتجة بأكثرية عناصرها، وعلى المستوى الوطني حيث باتت معالجة الكارثة ترتبط، في مذهب البعض، بتسويات وتنازلات قد تنال من سيادة الدولة ووحدتها.
ليس هذا الكلام كلام معارضة فحسب، حتى الجهات الرصينة، وحتى المؤسسات الدولية تقول هذا الكلام، وقد سمعنا في الأيام الأخيرة معطيات وتحليلات شارك بها خبراء لبنانيون وأجانب في إطار مؤتمر شامل حول الدين العام في جامعة الحكمة.
وبين الأبحاث المهمة لفتنا ما ورد على لسان أحد خبراء ومسؤولي البنك الدولي، وقد ورد فيها أن المهم ليس حدود المؤشرات الرقمية حول الدين العام بل الأهم أن يكون هذا الدين يمكن الدفاع عنه Soutenable وخلص إلى أن مستوى الدين العام في لبنان لم يعد ممكناً الدفاع عنه Insoutenable، بما ينطوي على مخاطر حقيقية واسعة (مصطفى النابلي).
والأشد إيلاماً أن الأيام المقبلة، بما تنطوي عليه من استحقاقات ومناسبات، تضع البلاد أمام مجموعة من الحقائق والأسئلة الخطرة. ومن الحقائق أن الدين مرشح للتوسع ثلاثة إلى أربعة مليارات دولار إضافية، وأن الركود يستمر ويزداد، خصوصاً مع توسيع قاعدة ضريبة القيمة المضافة إلى المؤسسات الوسطى والصغيرة التي تعيش معاناة لا وصف لها، وأن الصعوبات المعيشية تتعمق مع البطالة والهجرة واستمرار ارتفاع الأسعار، بينما الأجور مجمدة، مع تعطيل الحركة المطلبية النقابية وشلها منذ أكثر من ثماني سنوات. ومن الأسئلة: كيف نواجه ديناً بات فوق حدود الاحتمال؟ ماذا تفعل الحكومة إزاء استحقاق مدفوعات واجبة في نهاية هذه السنة؟ من أين يأتي التمويل الجديد خصوصاً أن التمويل الداخلي يزداد صعوبة، مع اتجاه المصارف لخفض اكتتاباتها بمعدل النصف كما يتردد، في سندات الخزينة تطبيقاً لقواعد «بازل 2»؟
كيف نواجه احتمال الانهيار الواسع؟
أطالب يا دولة الرئيس بانتفاضة شاملة،
انتفاضة المزارعين والعمال والسائقين العموميين،
انتفاضة الطلاب والشباب والنساء،
انتفاضة حقيقية ترسم طريق الخلاص. وشكراً.
الرئيس: الكلمة للزميل محمد الصفدي.
محمد الصفدي: دولة الرئيس،
الزملاء النواب،
نجتمع اليوم لمناقشة مشروع قانون الموازنة العامة الذي أعدّته حكومة لم نتمكن بالأمس من محاسبتها على الرغم من فشلها وانعدام الثقة بها.
إنها حكومة موحدة في المظهر مفككة من الداخل، سميت يوم مولدها بحكومة مواجهة الأزمة فأصبحت هي الأزمة.
نحن لم نعد ننتظر من هذه الحكومة خيراً لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
والموازنة التي قدمتها هي «موازنة الاعتراف بالأزمة» فلا هي قادرة على إدارتها ولا هي قادرة على حلها.
أيها الزملاء،
لم تحدد الحكومة هدفاً واضحاً لهذه الموازنة، ولسنا ندري إذا كانت الغاية منها ضبط الإنفاق أو تشجيع النمو. وتزداد الصورة غموضاً لأن الحكومة وسابقاتها أفرغت المفاهيم الاقتصادية من مضمونها لكثرة ما استخدمتها في غير مكانها، والكلام الجميل عن الإصلاحات وعصر النفقات يقابله في الواقع هدر وفساد في الممارسات.
لم نعد نستغرب أن تخالف الحكومة قانون المحاسبة العمومية بإحالة قطع الحساب خارج المهلة القانونية.
لم نعد نستغرب أن تستخدم الحكومة قانون الموازنة لتمرير تعديلات على قوانين أخرى كان من الأسلم أن يناقشها مجلس النواب بصورة منفصلة.
لم نعد نستغرب المشهد الحكومي ومن ورائه مشهد السلطة التي يدافع كل طرف فيها عن جزء من الموازنة ويلعن الجزء الذي يدافع عنه الطرف الآخر،
أيها الزملاء، يا ممثلي الشعب،
تكاد هذه الحكومة التي تعكس تركيبة السلطة في لبنان تغرقنا في تفاصيل أرقام الموازنة الهزيلة وتنسينا أرقاماً أخرى فقبل أن نسأل عن الأموال الموجودة في الخزينة وطريقة إنفاقها دعونا نسأل عن حق الخزينة العامة من الأموال التي لم تدخل إليها ولماذا لم تدخل؟
دعونا نسأل عن أموال الأملاك البحرية والعائدات الحقيقية للكهرباء وللهاتف الثابت والنقال، عن رسوم تراخيص البناء التي لا ترد في دفتر الجابي.
دعونا نسأل عن الأموال التي كان يمكن أن تدخل إلى الخزينة لولا حماية المتنفذين لعمليات التهريب ومضاربات السوق السوداء وهي تكاد بحجمها تشكل اقتصاداً يوازي الاقتصاد الشرعي.
ومن ثم نسأل من داخل أرقام الموازنة عن أسباب الهدر الحاصل في الإدارات العامة التي تتفق عليها الأموال قبل إصلاحها، نسأل عن العقود الاستثمارية التي استفادت منها الشركات على مدى سنوات وجاءت تقارير هيئات المحاسبة لتفضحها من دون جدوى، لأن صوت الرقيب أسكتته مصالح أهل القرار فاستقال ثم تراجع عن الاستقالة.
الزملاء الكرام،
هل أنتم راضون عن مجلس الإنماء والإعمار صاحب الموازنة الحقيقة الآتية من القروض؟
هل تريدونه أن يبقى مستقلاً في وضع الخطط والتنفيذ بعيداً عن الرقابة المسبقة لمجلس النواب؟
نحن في طرابلس لا يرضينا هذا ا لوضع وأجزم أنه لا يرضي عكار ولا الضنية ولا الهرمل ولا جبيل وغيرها.
لقد استكثروا على طرابلس مبلغ ملياري ليرة لإنشاء كاسر للموج في مرفئها.
لم يجدوا ضرورة لمشروع سكة الحديد فحرموا طرابلس هذه السنة أيضاً مبلغ 11 مليار ليرة.
مشاريع طرابلس ترد أرقامها دائماً في خانة التأجيل حتى أن مؤتمر طرابلس ـ 2 تأجل ولم تكلف دوائر القصر الحكومي نفسها عناء إبلاغنا.
وفي العناوين العريضة لموازنة زيادة الإنفاق دون ضبط الهدر نلفت إلى أن موازنات وزارات الصحة والتربية والشؤون الاجتماعية تزداد سنوياً لكن أحوال الناس تتراجع إلى الأسوأ وتشير الأرقام إلى أن 40% من الشعب اللبناني يعيشون عند خط الفقر أو تحته.
وعلى الرغم من ارتفاع الفاتورة الصحية لا يزال لبنان في المرتبة 96 عالمياً من حيث مستوى التقديمات الصحية ولا تزال نسب الوفيات بين الأطفال ترتفع ولا سيما بين الفقراء لتصل إلى 75 بالألف في الهرمل وعكار حيث تتدنى كثيراً نسبة المضمونين. والسبب في هذا هو غياب مخطط وطني للصحة يحدد الأولويات ويوحد الصناديق الضامنة ويشدد الرقابة على المستشفيات وينشر مبادىء الوقاية الصحية تلافياً لارتفاع فاتورة الدواء وهي تصل في لبنان إلى 138 دولاراً سنوياً للفرد الواحد فيما لا تتعدى في دول الخليج العربي الـ 40 دولاراً للفرد الواحد سنوياً.
وكما في الصحة كذلك في التربية، زاد الإنفاق بلا مردود فخطة النهوض التربوي لم يتحقق منها إلا القليل منذ العام 1995، فالمدارس الرسمية بحاجة إلى إعداد المعلمين للمناهج الجديدة، ومشروع تجميع المدارس لم ينفذ على الرغم من الأموال التي يوفرها على الخزينة. ولا تزال الدولة تمول تعليم أولاد موظفي القطاع العام في مدارس القطاع الخاص. وفي قلب الملف التربوي، تبرز قضية الجامعة اللبنانية التي تحرمها السلطة السياسية استقلاليتها وتتحكم وزارة المال بموازنتها وينتظر طلابها وأساتذتها الإفراج عن الأموال لتشييد الأبنية الجامعية العصرية وفقاً للحاجات الديموغرافية والمناطقية.
ومن طرائف الموازنة، إن وزارة الثقافة تخصص مبلغ 560 مليون ليرة بدل إيجارات سنوية لمبانيها وتكتفي بمبلغ 620 مليوناً لدعم المسرح والسينما والكتاب.
أما وزارة العمل التي تتحمل في الدولة المتقدمة مسؤولية مكافحة البطالة وخلق فرص للعمل وحماية اليد العاملة الوطنية، فهي مستقيلة من هذا الدور في لبنان حيث تصل معدلات البطالة إلى 40% في بعض الفئات دافعة بالشباب إلى الهجرة بحثاً عن لقمة العيش.
إننا لم نسمع يوماً بخطة وضعتها وزارة العمل لتأهيل اليد العاملة أو لتشغيل المعوقين والمهمشين ممن حرمتهم الحياة فرصة تحصيل الكفاءة العلمية.
أيها السادة،
لقد ضجر الناس من سماعنا نكرر القول نفسه ولكننا ملزمون:
لبنان ذاهب إلى الهاوية إذا لم نبادر إلى تنفيذ مجموعة مترابطة من الإصلاحات السياسية والقضائية والإدارية والاقتصادية والمالية. نحن ذاهبون إلى الحائط المسدود إذا لم نجلس ونفكر ونقرر بجرأة وضع رؤية اقتصادية جديدة وسياسة ضرائبية جديدة.
نحن ذاهبون إلى الحائط المسدود.
إذا بقيت إدارات الدولة ملجأ للتوظيفات السياسية يحصد المرشحون بفضله أصواتاً انتخابية ويدفع المواطن من ماله معاشات التوظيف الوهمي، لدرجة أن مجلس الخدمة المدنية أحصى 15 ألف وظيفة لا حاجة للدولة بها.
نحن ذاهبون إلى نادي باريس للدول المفلسة إذا لم تشكل هيئة مستقلة تتمتع بالكفاءة العلمية والنزاهة، نوكل إليها إدارة الدين العام المرشح للازدياد بأرقام مخيفة.
وبصراحة أقول لم تعد لنا ثقة بمن يديرون الدين العام فهم ساهموا في ما وصلنا إليه وأظهروا عجزاً عن إخراجنا منه. وهل من المقبول أن تستمر إدارة القروض موزعة بين مصرف لبنان ومجلس الإنماء والإعمار من خارج رقابة ديوان المحاسبة؟
هل من الجائز بعد أن نعطي وزير المال صلاحية إصدار سندات خزينة من دون تحديد السقف المالي للعجز الفعلي؟
أيها الزملاء،
لكل موازنة برنامج وأهداف، وهي أداة لتنفيذ السياسة الاقتصادية والاجتماعية للحكومة. وفي الموازنة المطروحة أمامنا لا شيء يشير إلى إمكانية تحقيق النمو الاقتصادي.
أما النمو السليم فيبدأ بالإنماء المتوازن للمناطق والقطاعات، أي بمعايشة أوضاع الناس في القرى والمدن، وفي الحقول والمصانع، والمتاجر والجامعات والمنازل لتحديد حاجاتهم وضمان استمرارهم في أرضهم أحراراً كرماء فلا يهاجرون من اليأس ولا يقعون ضحايا شرور البطالة والتعصب والتهميش.
أما الموازنة التي بين أيدينا فقد وضعتها حكومة المتاريس الداخلية التي ندعوها إلى وقفة حياء ونطلب منها أن تخصص مبلغاً بسيطاً لإجراء استفتاء عام للشعب اللبناني وتطرح عليه سؤالاً واحداً:
هل أنت تريد أم لا بقاء هذه السلطة برؤسائها ووزرائها ونوابها وإدارتها؟
سؤال واحد ولننتظر جواب الناس، والناس قادرون على تمييز الحق من الباطل.
أزمتنا الحقيقية ليست في المال والاقتصاد بل إنها نتيجة لمرض آخر.
الأزمة الحقيقية هي في الإدارة السياسية للبلاد، في قانون الانتخابات الذي أنتج سلطة أساءت إلى الناس وحصّنت نفسها ضد جميع أنواع المحاسبة.
دولة الرئيس،
أيها الزملاء،
نحن في التكتل الطرابلسي إذ نعلن أننا ضد هذه الموازنة ندعو الناس إلى التوقف عن الشكوى وأخذ المبادرة بالتغيير من خلال الاستحقاقات الانتخابية ونقول لهم:
لا تصدقوا أن السلطة القائمة قدر محتوم، فإرادتكم أقوى على الرغم من مساوئ قوانين الانتخابات، فإنكم قادرون على التغيير في البلديات وفي النيابة وفي التعبير عن مشيئتكم في الاستحقاق الرئاسي.
الانتخابات فرصة لمحاسبة من تولى المسؤولية على كل صعيد، فإذا كان ناجحاً استحق تجديد الثقة به وإذا كان فاشلاً ترك المسؤولية لغيره.
لقد حان وقت التغيير الحقيقي الذي ينبع من الداخل ويخرج من عمق المعاناة، ويفرز بيده وسائل خلاصه.
إن اللبنانيين جديرون بالحكم الصالح وبرجال دولة يفكرون بالأجيال المقبلة، لا برجال سياسة يقتصر همهم على الانتخابات المقبلة وشكراً.
الرئيس: الكلمة لدولة الرئيس عمر كرامي.
عمر كرامي: دولة الرئيس،
حضرات الزملاء المحترمين،
لقد ترددت كثيراً قبل أن أتكلم في جلسة مناقشة الموازنة العامة لسببين:
السبب الأول، شعوري بأن الرأي العام قد مل الكلام، ولأن النواب قد ملوا الكلام، وأكبر دليل على ذلك الحضور اليوم، ولأن رئيس الحكومة والوزراء قد ملوا الكلام، والطامة الكبرى أن دولة رئيس مجلس النواب قد مل الكلام أيضاً.
والسبب الثاني، إننا يا دولة الرئيس منذ عشر سنوات نتكلم ونسأل ونتساءل ولا أحد يجيب أو يستجيب، ويا ليتهم استمعوا لنا لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من هذه الحالة المأساوية.
دولة الرئيس،
في هذه الظروف الصعبة التي تمرّ على المنطقة ولبنان في صلبها هو جزء لا يتجزأ منها، وحيث نرى ما يحدث في العراق الشقيق من احتلال وتدمير وفوضى لا بد أن تؤدي إلى تداعيات لا يعرف إلا الله مداها ومدى تأثيرها على دول المنطقة، وفي فلسطين احتلال وقتل وتدمير وتجريف وتجويع وإذلال. فالشعب الفلسطيني البطل يقاوم ويصمد وحيداً بعد أن تخلى عنه الجميع وأيضاً فإن في فلسطين ستحدث تداعيات كبيرة لا يعلم إلاّ الله مداها ومدى تأثيرها على دول المنطقة. أمام هذه الأوضاع، وأمام هذه التداعيات نجد بأن الشعب اللبناني يعيش هواجسه ويعيش الخوف والفقر واليأس ولكم حذرنا منذ العام 1992 بأن الطريقة التي تسير بها حكومات الإنماء والإعمار والمصروف الذي سيؤدي إلى دين كبير لا يتحمله اقتصادنا، كنا نحذر بأنه إذا استمر الوضع على هذا المنوال فإننا سنصل إلى مديونية كبيرة ستنعكس حتماً على أوضاعنا المعيشية والاجتماعية، وأن هذا سيؤدي إلى إفقار الناس وسيؤدي إلى إضعاف مناعة المجتمع اللبناني في مواجهة الأخطار والأحداث عندما تهد المفاصل الأساسية من أجل الحلول أو عندما تهب العواصف على لبنان وعلى المنطقة.
عام 1992 بدأت حكومات الإنماء والإعمار برئاسة دولة الرئيس رفيق الحريري، وكان الدين العام لا يتجاوز مئات ملايين الدولارات وكان موضوع السلام يخيم على المنطقة، وكان دولة الرئيس الحريري مؤمناً بأن السلام واقع لا محالة وأن لبنان بعد السنوات الطويلة من الأحداث يحتاج إلى إعادة البناء وخاصة بناء البنية التحتية من أجل أن نكون حاضرين ومستعدين عندما تفتح المنطقة على بعضها البعض. وعندما قلنا من على هذا المنبر وفي كل المحافل، وعندما كنا نلتقي بدولة الرئيس الحريري في أروقة هذا المجلس ونبث له شكوانا ومخاوفنا من الصرف غير الطبيعي، ومن إنزال المشاريع كلها دفعة واحدة، كان يقول لنا، ألا تريدون أن تبنوا البلد؟ «طولوا بالكم»، السلام واقع وغداً نجد من يسدد لنا ديوننا. فمنذ العام 1992 ولغاية العام 1998 ترتب على لبنان من الدين العام 18 مليار دولار. وهنا بدأت المشكلة، لأن خدمة الدين العام كانت تتضاعف سنوياً إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم وأصبح الدين العام يساوي 34 مليار دولار أميركي.
كيف كانت المعالجات؟ كنا نحن وغيرنا نطالب بخطة واضحة من أجل معرفة كيفية معالجة الحكومة لموضوع الدين العام والموضوع الاقتصادي والاجتماعي إلى آخر ما هنالك. ولكن دولة الرئيس الحريري كان دائماً يرفض ويقول إن الخطط هي من مخلفات العالم الاشتراكي البائد، المهم أننا وصلنا اليوم إلى ما وصلنا إليه.
واستمعنا إلى معالي وزير المالية الأخ فؤاد السنيورة للكلمة أو المداخلة التي ألقاها أمام الهيئة العامة بالأمس، يلمح الوزير السنيورة ولا يصرّح، فيقول إنه وعلى الرغم من الممانعة بالسير قدماً بالبرنامج المتكامل للإصلاح، طبعاً فإن كلمة ممانعة يشير بها إلى الخلافات الرئاسية، ونحن بالأمس تكلمنا ولم يسمعنا أحد ولا أدري لماذا لم يستمعوا إلينا، يا أخي (احك، وضّح) هذا مجلس للنواب يجب أن يطلع على كل شيء، ويجب أن يعالج كل الأمور ويحاسب على كل الأمور، ولكن على من تلقى مزاميرك يا داوود، منذ زمن بعيد وفي جلسات عديدة كنا نشير إلى هذه الخلافات ولم تكن قد ظهرت على السطح بعد، وكان دولة الرئيس الحريري دائماً ينفي ذلك، وكنت أقول له أنا أعرف كل الخفايا والخبايا، نعم توجد خلافات. المهم الوزير السنيورة ـ طبعاً هذا لسان حال الرئيس الحريري ـ يقول إن عدم المعالجة وعدم تنفيذ باريس (2) تعود أسبابه للخلافات الرئاسية.
إن ما سأقوله وليس دفاعاً عن أحد، وأرجو أن لا يقرأ كلامي في كل سياق هذه الكلمة بأنني أدافع عن أحد، لأنكم تعرفون بأنني دائماً مع المصلحة العامة ومع مصلحة الوطن وكل من يحسن ويجهد في هذا السياق فنحن معه، ولكني أريد أن أقول للحقيقة أنه منذ العام 1992 ولغاية العام 1998 كان الوفاق الرئاسي على أتمه، وكانت الحكومة منذ العام 1992 ولغاية 1998 من أفضل الحكومات المتجانسة والمتجاوبة والفعالة، وكان مجلس النواب يصادق على كل اقتراحات القوانين. فهذا الوفاق الرئاسي وكل هذه التركيبة أوصلتنا إلى 18 مليار دولار من الديون.
أتينا إلى المرحلة الثانية، اتفاقية باريس (2). في يوم قال أحد الزملاء النواب: أصبحت مثل «راجح». لا شك بأن باريس (2) أعطى دفعاً معنوياً كبيراً للبنان (كتر ألف خيرك يا دولة الرئيس)، ولكن باريس (1) لم يحل أية مشكلة. إني أقرأ الذي قاله بالأمس الوزير السنيورة وقد عودنا من حين استلم وزارة المالية بعدما كان «قائمقام» إلى أن أصبح وزيراً أصيلاً، عودنا أن يقف ويتحدث بلباقة وبطلاقة ويفخم الكلمات: ترشيد القطاع العام، وترشيد الإنفاق و… يدوخنا ويدوخ المواطنين. تصوروا بالأمس كان يحكي عن إنجازات، وكأن الاقتصاد بألف خير، وكأن الدولة بألف خير.
يقول إن هناك فائضاً كبيراً في ميزان المدفوعات وعندما يسمع المواطن غير المختص، وأنا منهم، أنه يوجد فائض في ميزان المدفوعات يقول (والله هذه شغلة مهمة). سألنا ما هو ميزان المدفوعات فتبين أنه عبارة عن سجل، فما يدخل إلى البلد يسجل فيه، نتدين فيسجل أنه فائض. أطلعنا على ميزان المدفوعات فوجدنا أنه أتى بمليارين وستماية مليون دولار من الدول المانحة أو الدول المقرضة وتوجد بعض السلع والخدمات، هذا صحيح ولكنها بمبالغ بسيطة جداً، وأتت وديعة من ماليزيا ومن بلد عربي آخر، كل هذا سجل في ميزان المدفوعات، فأصبح بذلك عند الوزير فائض كبير في ميزان المدفوعات.
ويقول معاليه أيضاً إن الوضع الاقتصادي على تحسن. كيف هو التحسن الاقتصادي وما هو المقياس للتحسن الاقتصادي؟ القطاعات الإنتاجية؟
أين الزراعة؟ منذ شهرين عقدنا جلسة في هذا المجلس وهي جلسة استجواب بما يخص القاطع الزراعي، وسمعنا كلاماً ممتازاً من قبل معالي الوزير، ولكن أين أصبح التنفيذ؟ ونسمع يومياً شكوى المزارعين وجميعهم يطالبون بدعم من الدولة والدولة بحد ذاتها بحاجة إلى الدعم. نقطف المحاصيل، ولكن يجب على الدولة شراءها مثل التفاح والبطاطا، وننظر إلى أسواقنا فنجدها مفتوحة ولا توجد أية حماية وأية مساعدة. ويقول لنا إن الاقتصاد على تحسن.
أما الصناعة، فحالتها أسوأ من الزراعة. من منا لم يقرأ كم مصنعاً أقفل وأحسن المصانع في لبنان جميعها أقفلت، من المصانع الكبيرة حتى المصانع الصغيرة. كيف تحسن الاقتصاد؟ أنه عنوان عام أدرج، وأطمئن أيها المواطن.
الوضع المالي كيف تحسن؟ عندما ننظر إلى موازنة 2004 نجد أن الوزير السنيورة هو الذي نعاها وكل الناس قالت إنها «ورقة نعوة» وأنها انعكاس للوضع الاقتصادي والمالي للبنان، وهي في 90% منها أجور وتقاعد وخدمة دين، والـ 10% هي للتنفيعات والمشاريع التي تمر. فكيف تحسن الوضع المالي ونحن نرى بأن العجز هو 36% والحبل على الجرار، ولم نبدأ بعد، ولا ندري غداً ماذا سيفتح من اعتمادات، وماذا سيحصل من طوارىء، والأمور أو الديون التي لم تسجل إلخ…
وفوق كل ذلك، وقبل أن نبدأ، يوجد 3 مليارات دولار وما يزيد خدمة دين، أي أن هذا المبلغ سيزيد على الدين العام، فكيف تحسن الوضع المالي؟ أهكذا تطرح العناوين؟ وكيف سيصدق الناس؟ أريد أن أقول أمراً يا دولة الرئيس، أنت في تصريحاتك، قلت أولاً: لماذا تحملوني المسؤولية لوحدي، فالكل وافق، وهذا صحيح، وقلت ثانياً: إن كلفة الإعمار لم تكن أكثر من عشرة مليارات دولار.
رئيس الحكومة: لم تكن أقل من خمسة مليارات ونصف، وهذا حدث في الـ 1998.
عمر كرامي: حسناً، ولكن أنت رئيس وزارة لبنان، لماذا تحصر نفسك بالإعمار؟ أنت مسؤول. أنا أجيبك، لماذا تحصر الدين الكبير بموضوع الإعمار الذي كلف خمسة مليارات ونصف، أنت وافقت على كل المصاريف، وأنت تقول أن الفاتورة التي صرفت على الأجهزة الأمنية أو على الوضع الأمن فاتورة كبيرة جداً.
رئيس الحكومة: موازية للإعمار.
عمر كرامي: وأنا أعرف إنك قمت بزيارة إلى وزارة الدفاع وأعطيتها ثلاثة أضعاف المطلوب. كم هو الرقم الذي دفع، وكم هو الرقم الذي كان مطلوباً.
رئيس الحكومة: في نهاية الـ 1998 أصدرنا كتاباً وقلنا إن كلفة الإعمار على ما أذكر في الست سنوات حوالي خمسة مليارات ونصف، والأمن يصل إلى نفس المبلغ تقريباً والشأن الاجتماعي أقل من ذلك بقليل، وحوالي 10% من المجموع لتسيير شؤون الدولة. هذا الكلام صدر يا دولة الرئيس سنة الـ 1998، وقلنا إن المبلغ الذي كانت الدولة مديونة به سنة الـ 1998 هو عبارة عن الفارق ما بين الإيرادات والمصروفات بالإضافة إلى المبالغ التي كانت الدولة مديونة بها وتجمعت مع الفوائد.
عمر كرامي: على كل حال يا دولة الرئيس، أنا أصر على القول، أنت رئيس وزارة لبنان وأنت مجبر على الموافقة على الصرف لكل القطاعات سواء كانت اجتماعية أو تربية وطنية أو جيش أو أمن عام أو أسلاك عسكرية. الدولة دولة، والحكومة يجب أن تصرف على الدولة كلها، ولذلك أنت مسؤول عن كل المبالغ.
فرجاء، لا تحصر نفسك فقط بموضوع الإعمار.
ننتقل إلى الموازنة، يوجد شيء جيد في هذه الموازنة والحمد لله، أتدري ما هو؟ إنه لا يوجد فيها ضرائب جديدة، فلأول مرة نرتاح من الجدول رقم «9». ولكن يا دولة الرئيس، بالفعل الناس كفروا، فهم في ضائقة معيشية كبيرة. الناس جائعون، الناس وصلوا إلى اليأس وأصبحوا يبحثون حتى عن إمكانية الهجرة من الوطن من أجل لقمة العيش الشريفة. وأكثر ما يوجع الناس، هذه الضرائب الهائلة. وأنا سأقول يا حضرة الوزير السنيورة، ماذا فعلت بالضرائب؟ وهنا في مجلس النواب وقف الرئيس الحريري يقول بإننا سنجعل من لبنان جنة ضرائب، وبأننا سنفتح الأجواء، وفتحها، وبأننا سنخفض الجمارك لتصبح مثل دبي، فماذا كانت النتيجة؟
الضرائب المحققة عام 1993 توازي 1495 مليار ليرة، وأصبحت تقدر بـ 4650 مليار ليرة في سنة 2004 أي بزيادة العبء بأكثر من ثلاثة أضعاف في فترة عشر سنوات. أسوأ من ذلك، حصل ارتفاع للضرائب غير المباشرة من 863 مليار ليرة عام 1993 إلى 3700 مليار ليرة عام 2004 أي بزيادة تفوق أربعة أضعاف ما كانت عليه سنة الـ 1993.
زادت الرسوم والضرائب على خدمات الهاتف والكهرباء بشكل كبير في الفترة نفسها. الكهرباء هي أغلى تسعيرة في العالم، ومع ذلك، لا تزال وحسب الأرقام الواردة في الموازنة تخسر حوالي 350 مليون دولار في السنة. واليوم سمعت أحد الزملاء يقول إنه من أصل 6500 مليار يوجد خمسة آلاف مليار ضرائب، فكيف لا يكفر الناس وكيف سيعيشون ومعالي الوزير السنيورة ينوي أن يضع ضريبة الـ TVA على الناس الذي يعملون بما يقارب الـ 150 مليون ليرة في السنة. لكن لجنة المال لم تقبل معه، فأجلها ورحمنا للسنة القادمة، ومعنى ذلك أن هذه الضريبة إذا لم يلغها هذه السنة، فسوف ينجزها السنة القادمة ويقفل الأبواب بوجه هؤلاء الناس ليضعهم مع العاطلين عبن العمل، وأنا أعدك يا معالي الوزير.
لقد جاء لزيارتي تجار الأسواق الداخلية في طرابلس، وقالوا لي، إذا دخل موظفو الوزير السنيورة سنضربهم ونرسلهم محملين، فقلت لهم اخبروني حينها لأذهب معكم لنضربهم وأكيد نواب طرابلس جميعهم سيأتون معي لضربهم، هذا غير معقول! تصور يا دولة الرئيس الحريري، جاء لعندي وفد من الصيادلة يوم السبت أحد أعضاء الوفد وهو دكتور صيدلي عليه ضريبة دخل بـ 13 مليون و800 ألف ليرة، وضع الوزير السنيورة عليه غرامة تحفظ بـ 19 مليوناً وغرامة تحصيل تأخير أسبوعين 22 مليوناً، فماذا تقول للناس، وكيف لا يشكو الناس ولا ييأسون؟
ننتقل إلى الضريبة التصاعدية. معروف أن نظامنا الضريبي ليس عادلاً وليس جيداً ونحن نتمنى على مجلس النواب أن يعدل في القوانين الضريبة لتصبح عادلة ولتربح الناس، وتغني الخزينة.
إذا كانت الضريبة التصاعدية على الدخل العام، غير موضوعة بالتساوي فهي ضريبة غير عادلة. الضريبة على الدخل 15% يدفعها الفقير مثل الغني، الضريبة التصاعدية تصيب كل الناس وأكبر شريحة هي الشريحة الفقيرة والكادحة. وهذه الضريبة تشمل البنزين، ومن كان يخطر له أن سعر الصفيحة قد يصل إلى 24 أو 25 ألف ليرة، وأنا منذ زمن قلت للسنيورة، أنت تخطط لإيصال سعرها إلى الـ 30 ألفاً، هذا غير معقول. نحن كل يوم نملأ سياراتنا وندعو للسنيورة، بينما كلفة تنكة البنزين خمسة آلاف ليرة وأنتم تأخذون 19 ألف ليرة على كل تنكة كضرائب ورسوم، ارحموا الناس.
بعد ذلك الهاتف، من المليون و200 ألف مشترك في الهواتف الثابتة أصبح الرقم 800 ألف، وبعد ذلك سيصبح الرقم 600 ألف وخذ من كلامي، الناس ليس معها لتدفع. وأنت تعرف القواعد التجارية، كلما كثرت الزبائن وخفضت الأسعار يصبح ربحك أكثر.
في الخليوي، يدفع اللبناني أغلى تعرفة، وقضايا الاتصالات أمر أساسي في اقتصادنا وفي حياتنا، ولا أحد قادر على التخلّي عنها.
لا يجوز كل هذا الغلاء، لم يعد الناس يستطيعون التحمل.
أعيدوا دراسة هذه الأمور وارحموا الناس. أنا أعرف أن الحكومة أصبحت اليوم حكومات بفضل التجاذبات وبفضل الخلافات والاتهامات إلخ… أعرف أن الحكومة دخلت في مرحلة الكوما، والآن لم تعد تستطيع الاستفاقة من غفوتها إلا بعد الاستحقاقات الآتية تباعاً. لذلك لم يعد بإمكاننا طلب شيء ولو كانت إدارة أعمال.
تستطيعون العمل رحمة بالناس لتجعلوهم يترحمون على آبائكم وأجدادكم. لا يجوز يا أخي فؤاد أن تضعوا مزيداً من الرسوم وتحمل الناس أعباء لم تعد تستطيع تحملها.
الـ TVA، تذكرون أنه في السنة الماضية وفي إحدى الجلسات، جاء أحدهم ليخفض قليلاً منها، فقام الوزير السنيورة وقال: أرجوكم لا تمسوا عذرية الـ TVA، وعندما أقرّت الـ TVA كانت توقعات الإيرادات 800 مليار. السنة الماضية حصدت 100 مليار و360 مليوناً، وهذا من أين جاء؟ من خلال ملاحقة الناس. إذا دققت بالـ TVA يا دولة الرئيس، تجد براعة السنيورة ونحن نشهد بذلك ولكنها حرقت الناس، وهذا كله يأتي من الجمارك يا دولة الرئيس. القيمة المضافة تلحق السلعة، مثلاً إذا كانت «خشية» فتلحقها الـ TVA ثم يتم تصنيعها إلخ… لكن ماذا يعني استيراد سلعة والدفع عليها مرتين؟ يدفع الجمرك ثم يدفع الـ TVA على الجمرك؟ 60% من ضريبة الـ TVA تأتي من الجمارك. لماذا هذا التدويخ للناس، ضعوا كل الضريبة على الجمرك لنرتاح. لكن لا أعرف لماذا أنت تتوقع في ميزانية الـ 2004، 1200 مليار، ماذا تتوقع يا معالي الوزير، لماذا ستنخفض؟ ألا تريد الرد؟
ماذا في الموازنة أيضاً، النفقات الاستثمارية التي ستفيد البلد كلها برامج ترحل من سنة إلى سنة ولا شيء استثماري إطلاقاً.
وبعد ذلك، نريد أن نلفت النظر إلى المخالفة الدستورية التي تحصل كل سنة في الموازنة، وهي تتعلق بمخالفة قانون المحاسبة العمومية. واليوم قوانين الضرائب هي قوانين دائمة، وكلنا نعرف أن الموازنة قانون مؤقت ينتهي بانتهاء السنة، فعندما تضع اليوم تعديلاً لقانون ضريبة الدخل، وتعديلاً لقانون الأملاك المبنية وتعديلاً لقانون الـ TVA فأنت تخالف الدستور أو أنك تتوقع أنك تتوقع أن تسقط هذه الاقتراحات، فتقوم بزيادة الضريبة في سنة الـ 2005.
يا دولة الرئيس،
نعود إلى كلمة الوزير السنيورة بالأمس أمام مجلس النواب، نحن نريد أن نأكل العنب لا أن نقاتل الناطور. لقد استشرنا كل الخبراء الاقتصاديين، وأعتقد أن الكل مجمع على كيفية معالجة أزمتنا المالية والاقتصادية، وذلك بتكبير الاقتصاد، بالنمو وبمزيد من الاستثمارات، هل هذا صحيح؟ ثانياً، من خلال ضبط العجز وتخفيضه، وكيف ذلك؟ من خلال وقف الهدر ووقف السرقات، وبالإصلاحات في الإدارة، ونستعمل كلمتك المحببة «بترشيق الإنفاق»، هل هذا صحيح؟ أنا يا دولة الرئيس، ولا تأخذها يا دولة الرئيس الحريري من أي خلفية سياسية أو أي حرتقات، ولكن أنا سأعطي أمثلة عن حصول الهدر في الدولة، الأمثلة: «سوكلين»، ومجلس الإنماء والإعمار. وأنا أؤكد أنه في كل الوزارات، وفي كل المجالات إذا مارس التفتيش المركزي ومارست هيئات الرقابة عملها، سنجد أموراً كثيرة، وهذه الأمور يمكن ضبطها ويمكن توفير مبالغ هائلة، لنأخذ «سوكلين».
«سوكلين» تقوم بعمل مهم، وهو تنظيف بيروت الكبرى كلها، أليس كذلك؟ ونحن أصبحنا ملحقات نعاني الحرمان، بينما أنتم يحالفكم الحظ، بما في ذلك الجنوب وصيدا.
يا دولة الرئيس، في الإنماء والإعمار تحصل أمور نتمنى أن تقوم هيئات الرقابة بالتحقيق حولها وضبطها، مثلاً: الرواتب أعلى رواتب، رئيس مجلس الإنماء والإعمار يقبض 14 مليون ليرة والأعضاء كل واحد يتقاضى راتباً شهرياً هو 13 مليون ليرة، ويجتمع ذلك المجلس، فيأخذ قراراً بإعطائهم ساعات إضافية كل شهر، والتي تساوي لكل واحد 8 ملايين ليرة، فإذا أضفنا الـ 8 إلى الـ 14 أو الـ 13، يصل الراتب الشهري إلى حوالي الـ 15 ألف دولار.
ثانياً: وكما بلغني فقد بيعت سيارات الإنماء والإعمار كلها واستأجروا سيارات تكلفهم أجرتها 80 ألف دولار في السنة، وعددها 5 سيارات.
ثالثاً: رئيس مجلس الإنماء والإعمار الجديد، لديه مكتب من أفخم المكاتب، وكان يشغله الفضل شلق ومن جاء بعده، ولكن الرئيس الجديد قام بتغييره ودفع من أجل ذلك 45 ألف دولار.
وهذه الأمور التي نتكلم عنها ربما تكون بالنسبة للمبالغ الإجمالية مبالغ تافهة لا يتكلم عنها، ولكنها مهمة في دولة مفلسة مثل دولتنا.
وكما يحصل في الإنماء والإعمار أؤكد أن هذا يحصل في الكثير من دوائر الدولة، هناك هدر ونحن نعطي أمثلة.
ثانياً: معروف في أوساط المقاولين أن الأسعار التي يعطيها مجلس الإنماء والإعمار للالتزامات هي أسعار عالية جداً، تختلف عن بقية الأسعار سواء كانت في الدراسات أو في التنفيذ.
وفي التنفيذ، هناك أصحاب حظ من الملتزمين، فما الذي يحصل؟
يقولون فلان يجب أن يأخذ المشروع المعين، ولكن هناك مناقصة فكيف سيأخذها؟ يطلبون منه أن يخفض أسعاره، بشكل لا يستطيع الآخرون منافسته وبعد ذلك وخلال التنفيذ، يقولون له، أنهم سوف يزيدون من حجم المشروع ويقومون بزيادة الأسعار دون أو يكون الأمر في إطار مناقصة أو سواها. وسأعطي مثلين على ذلك:
أصدر مجلس إدارة الإنماء والإعمار قراره رقم 1071، تاريخ 12/9/2003 بترسية مشروع إنشاء بعض الطرق في الشمال بقيمة 8 ملايين و989 ألف دولار أميركي، بالرغم من أن القيمة التقديرية للمشروع هي حوالي 6 مليون دولار ونصف، وقد رفض البنك الإسلامي ممول المشروع، هذه الزيادة، وطلب إعادة المناقصة بين كل الشركات، ولاحظ البنك أن إعلان المناقصة نشر ليوم واحد، وفي صحف غير مقروءة على نطاق واسع. رفض مجلس الإدارة في مجلس الإنماء القيم على أموال الناس هذه التبريرات، وأصر على تلزيمها بالسعر العالي، وأصر البنك الإسلامي من ناحيته على عدم تمويل المبلغ الإضافي، فقام مجلس إدارة الإنماء والإعمار عندها بتأمين المبلغ الإضافي من موازنة الدولية الداخلية.
مشروع آخر: مياه مدينة صور. جاءت الموافقة على الملحق رقم «1»، العائد لمشروع تطوير وتأهيل أنظمة المياه في صور المدينة ولن نقول اسم الملتزم، بحيث تبلغ قيمة العقد 9 ملايين و927 ألف دولار بدلاً من قيمة العقد الأساسي البالغة 2.602 ويتم التمويل بنسبة 85% من الأموال المتوافرة من قرض الصندوق العربي، هذا ما قرره مجلس الإدارة. بينما رفض الصندوق العربي تمويل هذه الزيادة وأبدى ملاحظات عديدة منها غياب دراسة فنية تفصيلية تستند إليها هذه التعديلات، وطلب الصندوق أن يقوم المجلس بتكليف استشاري لإعداد هذه الدراسة قبل اتخاذ أي قرار بهذا الشأن، وبالفعل كلف المجلس بالتراضي استشاري المشروع الأساسي والذي كان موافقاً على الزيادة في الأصل، وكان من المفروض أن تتم استشارة مكتب هندسي آخر ولكن ولضيق صدرهم تحول التمويل من قرض الصندوق العربي الغيور على ما يرصده لبنان إلى خطة النهوض، أي من موازنة الدولة حيث لا حسيب ولا رقيب حتى تاريخه.
نحن نعطي أمثالاً، ونتمنى على التفتيش المركزي أن يمارس دوره ويحقق في كل الالتزامات التي حصلت، ونتمنى أن تأتينا إجابة على كل ذلك، وإلا فنحن سنقدم استجواباً، لنرى أين أصبحت هذه الأمور.
في أعمال مجلس الإنماء والإعمار، لديه ملياران ونصف مليار دولار لم تستعمل. مثلاً، خصص للزراعة قروضاً تبلغ 636 مليون دولار أميركي لم يصرف منها سوى 22%، هذه هي الزراعة التي «تشكي وتنعي». النفايات الصلبة 752 مليون دولار أميركي صرف منها 28% الملحوظ للمياه المستعملة 1152 مليون دولار أميركي ولم ينفذ منه سوى 36% فلماذا هذا التقصير؟ ولماذا عدم التنفيذ؟
نحن تصلنا هذه الأخبار، قد تكون صحيحة وقد لا تكون صحيحة، وكنواب نحن من واجبنا أن نحاسب ونراقب وننبه الحكومة ونحن نتكلم من دون أية خلفية. إذا لم يكن الأمر على هذا النحو فنحن أول الشاكرين ولكن إذا كان غير ذلك فهذا حرام.
يا دولة الرئيس،
سأورد أمثالاً أخرى على الهدر:
المباني التي تستأجرها الدولة بمبالغ هائلة، مثلاً «الاسكوا» تدفع الدولة كل سنة 8 ملايين دولار أميركي إيجاراً لسوليدير، هذا والله حرام.
وزارة الثقافة التي كانت في «ستاركو» تم نقلها إلى بناية «حطب» ولكن جاءتني الأخبار أن الدولة لا تزال تدفع الإيجار للمبنى الذي كان في «ستاركو».
وزير الثقافة: «مش صحيح».
عمر كرامي: أنت لا تعرف ما يدفعه وزير المالية.
وزير الثقافة: أنا لست جاهلاً وأعرف جيداً.
عمر كرامي: هذه قصة مالية لا علاقة لك بها، أنت نقلت ولا دخل لك بالموضوع.
وزير الثقافة: لا، لي دخل بالموضوع وسأوضح الأمر.
عمر كرامي: لا علاقة لك.
وزير الثقافة: كان الإيجار للمتر 120 دولاراً وأصبح 72 دولاراً وتحملنا الكثير وإذا كنت تريد الاطلاع على الأمر فباستطاعتي تزويدك بتقرير كامل عن الموضوع.
عمر كرامي: أنا لا أريد جواباً منك، أريد الجواب من وزير المالية. ماذا يقول وزير المالية؟
الرئيس: أنه يقول لم يعد يتم الدفع هناك.
عمر كرامي: نحن نعطي الأمثال وفي الوقت نفسه نتمنى أن تفعل هيئات الرقابة ولا تعطل.
لقد عطلنا هيئات الرقابة وبات مجلس النواب لا يحاسب الحكومة وأصبحت الحكومة لا تجاوب النواب لأنها تعرف أن هذا المجلس عاجز عن إسقاطها، فبهذه المناسبة تقدمت الجبهة الوطنية باستجواب يتعلق بموضوع الخليوي وطلبت طرح الثقة وطار النصاب ولكن هذا لا ينهي الجلسة. لذلك نحن لا نستطيع أن نطالب الآن إلا بعد أن تنتهي الموازنة ونتمنى أن يصار إلى استئناف الجلسة بعد ذلك، إذا أمرت يا دولة الرئيس.
الرئيس: اجتهادنا في هذا الموضوع مختلف عن اجتهادك.
عمر كرامي: لم أفهم كيف؟
الرئيس: أقول، إنه عندما يطير النصاب فهذا هو من ضمن اللعبة البرلمانية.
عمر كرمي: هذا حق.
الرئيس: تستطيعون أن تطلبوا مرة أخرى في أمر آخر فأنا حاضر.
عمر كرامي: هل هذا ينهي الجلسة أم أنها تبقى مستمرة.
الرئيس: هذا أحد الأساليب.
عمر كرامي: نحن في مناسبات عديدة يا دولة الرئيس، كنا نقول بأن طرابلس خصوصاً والشمال عامة أصبح من أكثر المناطق حرماناً في لبنان.
ولدي إحصاءات قامت بها مديرية الإحصاء المركزي ووزارة الشؤون الاجتماعية، تقول هذه الإحصاءات: «تعيش طرابلس خاصة والشمال عامة حالاً من الركود الاقتصادي الحاد ينعكس توتراً اجتماعياً متصاعداً تغذيه الرسوم والأعباء الضريبية التي تنهال على كاهل المواطنين والتي يقف بعضها بين أعلى المستويات في العالم».
ورغم كل المحاولات الهادفة للفت انتباه السلطة إلى تفاقم الأوضاع شمالاً فإن حجم المعالجات الهادفة إلى إطلاق حركة إنمائية توقف المسار الانحداري للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لا يبدو قريب المنال مع ما يحمله ذلك من محاذير ومخاطر على الاستقرار الاجتماعي، ويكفي للدلالة على تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أن نشير إلى عدد من المؤشرات الشمالية التي تحمل بذاتها ما يكفي من الدلالات.
أولاً: متوسط حجم العائلة في الشمال يبلغ 5.3 شخصاً وهو الأعلى في لبنان كله.
وفيات الأطفال دون سن الخامسة تبلغ 44 بآلاف في حين أنها في بيروت تبلغ 25 بالألف.
معدل أمية البالغين بين الذكور في الشمال تصل إلى 15.6% وهي أعلى معدلات لبنان في حين أنها تصل في بيروت إلى 6.1% من عدد السكان.
ويرتفع معدل الأمية بين الإناث إلى 24.3% بينما هو نصف هذا المعدل في بيروت.
ويبلغ الدخل الوسطي الشهري في الشمال 145 ألف ليرة لبنانية وهو الأدنى في لبنان كله، في حين بلغ هذا الدخل في بيروت 283 ألف ليرة لبنانية.
ينخفض حجم التسليفات المصرفية للقطاع الخاص في الشمال كله إلى 3.6% وفي طرابلس إلى حدود 2% من إجمالي التسليفات في لبنان في حين يتركز أكثر من 90% من هذه التسليفات في بيروت الكبرى.
إن المؤشرات والارقام الكبرى تكفي وحدها للدلالة على موقع ا لشمال بأدنى سلم النمو الاقتصادي اللبناني في الوقت الذي يشغل فيه الشمال حيّزاً يقارب 22% من مساحة لبنان وسكانه في آن معاً وأضحى يشكل حزام بؤس يحد لبنان.
منذ سنة وستة أشهر وبمبادرة كريمة من دولة الرئيس الحريري دعانا إلى مؤتمر إنماء طرابلس.
وقدمت طرابلس بكل هيئاتها وفعالياتها مذكرة بكل المشاريع المطلوبة ووعدنا خيراً، ويومها قبل الرئيس الحريري التحدي وقال بعد ستة أشهر سنعقد مؤتمراً جديداً لمعرفة ما تم تنفيذه.
بالنسبة للبناء الجامعي الموحد، وزارة الدفاع نقلت لملكية الجامعة أي لوزارة التربية 69 ألف متر مربع، وجرى وضع 12 ألف متر مربع بتصرف البناء الجامعي لمنشآت نفط العراق، مدة الاستثمار 99 سنة، يعني 82000 م.
الرئيس الحريري مشكور لأنه اقترح استملاك 55000 م إضافية حتى تصبح القصة «حرزانة»، فوقعنا في مشكلة الاستملاكات والصراع بين الرئاسات فتوقف كل شيء.
أنا أتمنى أن نبدأ بالبناء على 82000 م وبعد أن تحل مسألة الخلاف حول الاستملاكات نعود ونستملك الـ 55000 م لأن وضع البناء الجامعي في طرابلس من أسوأ ما يكون.
هذا ما لدي يا دولة الرئيس، وشكراً لدولتك.
الرئيس: شكراً. الكلمة بالنظام للزميل وليد عيدو.
وليد عيدو: دولة الرئيس،
استعمل الرئيس كرامي كلمة «نضربهم».
الرئيس: ماذا استعمل؟
وليد عيدو: الرئيس كرامي قال: «بيضربوا» الموظفين ونحن سننزل ونضربهم معهم، يجب أن نشطبها من المحضر.
الرئيس: لا، لا، هذا الكلام قيل على سبيل الدعابة وليس كلاماً جدياً. قد يقول أحدهم مثلاً: «اعمل لي هذا الأمر وإلا سأذبحك»، فهذا لا يعني أن الذبح سيتم.
وليد عيدو: أنت تقوم بإخراجات كثيرة مع العلم أن الرئيس كرامي يقول إنه مصر.
الرئيس: يسجل الأمر على أنه من باب الدعابة.
الكلمة للزميل أنطوان غانم.
أنطوان غانم: دولة الرئيس،
أيها الزملاء الأفاضل،
بادئ ذي بدء كنت لا أريد التكلم يقيناً من الرأي العام ومني أن الكلام مع سلطة صماء لم يعد يجدي نفعاً ولكنني رجحت المداخلة فيما بعد على الصمت، كي لا أنعت في هذه الجلسة بمندوب اليمين الصامت ولأن التشويه الحاصل في تطبيق وثيقة الوفاق الوطني والخروقات الدستورية المتمادية والقضايا الوطنية الخلافية الملحة العالقة والأوضاع الإقليمية التي سيكون لها حكماً وحتماً، ارتداداتها على الساحة العربية والوطنية الخطيرة لدرجة أن تصويب بعض العناوين ولو عن طريق التكرار والترداد قد يخدم المصلحة الوطنية العليا ويفي بالحاجة لكي نواجه متحدين ولبنانيين كل الأخطار المحتملة على الوطن مردداً القول المأثور: «اللهم اشهد مجدداً وتكراراً أني قد بلغت».
دولة الرئيس،
سأتوقف عن المناقشة في هذا الجلسة وأعتذر منكم ومن الزملاء الكرام.
دولة الرئيس،
أيها الزملاء،
أراني مجدداً، وبعد انقضاء نيف وثلاث سنوات، من عهد مجلسكم الموقر، في حالة دوران، منطوياً على ذاتي، طارحاً مكرراً لذات الشؤون والشجون التي لا تختلف بشيء عن شؤون وشجون الناس وهمومهم الحياتية اليومية التي تقض مضاجعهم، دون أن أغفل بالطبع هواجس الوطن الكبرى، لا سيما في العناوين القومية والوطنية التي ما برحت لتاريخه مواضيع خلافية، تلك العناوين والمضامين التي تثير المخاوف والقلق على المستقبل والمصير.
وإذا كنا هنا في مجلسكم الموقر لا نثير هذه العناوين فأين إذن تريدونا أن نثير هذه العناوين الوطنية وبتخصيص أدق تلك التي لها علاقة بصميم وجودنا كالوفاق الوطني والانماء المتوازن والمصالحة الوطنية والعيش المشترك والوحدة الوطنية وعودة المهجرين التي لم تزل لتاريخه لأسباب مالية وليس لأسباب سياسية متعثرة في بعض بلدات الشحار الغربي وبلدة وبريج وبلدة المريجة والليلكي وتحويطة الغدير.
إذا كان اللبنانيون قد تفاهموا من خلال وثيقة الطائف على بعض المسلمات والثوابت الوطنية المشتركة كالانتماء والهوية ونهائية الكيان وعلاقة لبنان بمحيطه العربي، فلماذا يا ترى لا يزال التعثر بادياً وقائماً في الموضوعات الأخرى التي أسلفت والتي مهما أجلنا مقاربتها وتغاضينا عن معالجتها هرباً بها إلى الأمام، تبقى هذه العناوين مشاريع جاهزة للفتنة والتفجير في كل حين وأمام كل منعطف.
إضافة لمشكلاتنا الوطنية المتعثرة المشار إليها، يعاني لبنان اليوم حرباً من نوع جديد، هي مسلسل حرب الرؤساء والوزراء في مجلس الوزراء، فبعد أن تجاوزنا الحرب الدامية المدمرة، التي أسميناها حصراً بحرب الآخرين على أرضنا، للتملص كلياً من تبعتها ولغسل أيدينا كما فعل بيلاطوس البنطي تبرؤوا منها، وبعد أن أسهم لبنان إلى حد بعيد في التصدّي لمقولة صراع الحضارات، بفضل حكمة ووعي قياداته الدينية والمدنية، ولا سيما بالموقف التاريخي الرائع الذي وقفته الكنيسة في العالم ولبنان وعلى رأسها هنا، غبطة أبينا البطريرك، الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، تطالعنا أسبوعياً الحرب العبثية الجديدة، بحيث أن الصراع بين أهل السلطة، والذي إذا ما استمر على هذه الوتيرة من شأنه أن يزلزل الاستقرار الأمني والسياسي النسبي القائم في البلاد، ويقضي بالتالي على بوارق بصيص الأمل المتبقي لإخراج لبنان من محنه السياسية والاقتصادية الخانقة.
يبقى السؤال: على ماذا يتقاتل المسؤولون والرؤسْاء يا ترى؟
وإلى تحقيق أي انتصار شخصي وعلى ماذا يتسابقون، وأية بقايا أشلاء وطن يتقاسمون؟
أيها السادة،
أخشى ما أخشاه، وإذا لم نسرع للتعالي عن صراعاتنا وصغائرنا الشخصية وإذا لم يتوقف أهل السلطة عن تقاسم المغانم والأسلاب وتوزيع الحصص على المحاسيب والأزلام من أن يأتي يوم، لا أراه بعيداً، أن يقال لنا فيه كما قيل لغيرنا في التاريخ: «لا تبكوا كالنساء وطناً لم تحافظوا عليه محافظة الرجال».
أيها السادة،
فبعد الإنجاز التاريخي بالتحرير الذي يسجل في خانة الحكم والسلطة القائمة وبفضل عضد المقاومة وساعدها والشعب الحاضن لها ودعم سوريا، فلنعترف بصراحة أن لبنان اليوم يعاني من أزمة نظام وليس من أزمة حكم كما يحلو للبعض تندراً وتخفيفاً في التوصيف… وإن كانت أسباب هذه الأزمة متعددة، يبقى أن أحد أسبابها الرئيسية هو التطبيق السيئ لوثيقة الوفاق وإلى الممارسات المشوهة لروحيتها ولمضمونها من قبل من تعاقب من مسؤولين ورجال سلطة على حكم البلاد والعباد منذ توقيع هذه الاتفاقية لتاريخه… أن بعض أهل هذه الطبقة السياسية، فاسدة ومفسدة هي، ويعاني الشعب من جرائهم الأزمات الكبرى بدءاً بأزمة رجال وأزمة قيادات وأزمة تعدد ولاءات وحال إفلاس رهيبة موصوفة، أين منهم رجالاتنا الوطنية العظام أِطال الاستقلال وحقبة ما بعد الاستقلال…
ذلك، فبدل أن يؤسس بعض هذا الطاقم السياسي لدولة عصرية قادرة غير مطواعة وغير اتكالية، أسسوا لذواتهم «مزارع» شتى (أين نحن من المزارع حتى) وأقاموا لأنفسهم عروشاً وثبتوا لهم كراس يتربعون عليها إلى ما شاء الله، وذلك من خلال الخرق ومحاولات الخرق المتمادية للدستور ولتفسير الدستور واجتراحهم القوانين الانتخابية لمزيد من الاجترار الذاتي، تلك القوانين، التي يتباكون عليها اليوم، كالتماسيح، بعد أن أوصلوا البلاد إلى حالة الانهيار التام السياسي والاقتصادي، ما أفرزت هذه القوانين إلا المحادل والفانات والبوسطات التي عطلت إلى حد كبير الحياة البرلمانية والسياسية في البلاد وأساءت بالتالي إلى جوهر الناظم من حيث المساءلة والمراقبة… ناهيكم هنا إقدام السلطة الراهنة على وضع اليد على الأحزاب والنقابات ومصادرة الأحزاب وضرب الحريات والتعرض بالعنف لفلذات الأكباد واستعمال القسوة مع الطلاب وممارسة الاستدعاءات الموسمية بحقهم من قبل الأجهزة، لألف سبب وذريعة، والإملاء عليهم بالتوقيع على كتب وتعهدات الإذعان والإذلال…
وبعد هذا كله، يتساءل البعض، عن حسن نية، والآخر تهكماً لماذا ينتحر، يا ترى، أولادنا يومياً أمام السفارات طلباً للهجرة والاسترزاق في ديار الله الواسعة؟
كل هذه الأمور تجري أمام أعين السلطة الحاكمة، دون أن يرف لها جفن ودون أن تحرك ساكناً لوقف هذه الممارسات والاعتداءات، ولكي أكون منصفاً، منذ التسعينات حتى اليوم، وكيف لها أن يرف لها جفن وهي التي نحرت الوفاق الوطني وأجهضته في كل حين، وهي المتكلة كسلطة سياسية وأمنية حاكمة في أمورها وشجونها اليومية، الخاصة منها والعامة، على تدخل أو طلب إدخال الرعاية الإقليمية المشكورة الحاضنة دوما لفض الاشتباكات والتراشقات الإعلامية والمطلوب أن تبقى مستنفرة من خلال موفديها، من سياسيين وأمنيين، وكأني بهؤلاء الكرام لا هم إقليمياً لديهم ولا هم لهم سوى التأهب الدائم لرفع خطوط شعبنا الطيب، والحال هذه، يئن من الجوع وحالة الفقر المدقع تنساب كالدم المجمد في عروقه.
أيها السادة،
ولعل أغرب وأخطر ما نعيشه اليوم هو إثارة قضية تعديل الدستور وهل تقتضي المصلحة الوطنية العليا اليوم العودة إلى إثارة النزاع حول الصلاحيات الرئاسية التي حسمها اتفاق الطائف وطرح مقولات الغبن والخوف والحرمان والغالب والمغلوب والتمترس وسواها من الأمور التي كانت من أهم أسباب الحرب اللبنانية المشؤومة التي حسمها اتفاق الطائف.
إن اتفاق الطائف الذي أصبح جزءاً من الدستور أوجد الحلول لكيفية ممارسة السلطة في لبنان من داخل المؤسسات، وأرسى الوطن على قواعد ثابتة وكرس الديمقراطية التوافقية وحقق التوازن بين السلطات وأناط الصلاحية الإجرائية بمجلس الوزراء مجتمعاً وإذا كان هذا الاتفاق تعتريه بعض الشوائب في الممارسة فليست من الأمور الملحة التي تستوجب تعديل الدستور، ولا سيما أن اتفاق الطائف لم ينفذ حتى اليوم بجميع بنوده ولا بد من استكمال تنفيذه قبل الحكم له أو عليه. أجل إن العلة لا تكمن حصراً في بعض نصوص اتفاق الطائف بل في عدم تطبيقه كاملاً ودقيقاً… فحكومة الاتحاد الوطني لم تبصر النور لتاريخه واللامركزية الإدارية لم تتحقق وقانون الانتخاب الحديث والمتوازن الذي يؤمن التمثيل الصحيح لا يزال من الأحلام. إن التطبيق الانتقائي والاستنسابي والمفصل على قياس المصالح الآتية هو الذي يدفع الأمور إلى الوراء فتعود نار الطائفية بل المذهبية إلى الاندلاع، فكأنما لبنان لم يكتوِ بنارها وكأنما الرهان على طائر الفينيق الذي ما إن يموت حتى ينتفض من رماده يجب أن يتكرر إلى ما لا نهاية في لبنان، وكأنما اللبنانيون كذلك لا يستحقون أن ينعموا بالاستقرار الدائم ويوظفوا طاقاتهم لآجال كبيرة فيهدموا اليوم ما بنوه في الأمس.
دولة الرئيس،
إن المنتدين في الطائف قد اتفقوا على أن يعاد النظر في التقسيم الإداري، وأن يتم الانتخاب على أساس المحافظة، بعد تحويل الأقضية إلى محافظات، أي على أساس الدائرة الصغرى، فلماذا ينقلب البعض على الطائف، ولماذا يطالب بعض هؤلاء باعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة أو اعتماد المحافظة أو المحافظتين هنا دائرة انتخابية، أو اعتبار القضاء هناك والقضائين هنالك دائرة انتخابية واحدة؟ فأين هو العدل، وأين هي المساواة؟ وهل إن المبرر الذي يكمن وراء ذلك، هو تأمين البوسطات للركاب، والقفز فوق إرادة الناخبين، وحرمان بعض المناطق والطوائف من التمثيل النيابي الصحيح، ووضع اليد على الأكثرية المطواعة في المجلس النيابي، لتعطيل دور وسلطة مجلس النواب بما يخالف مبدأ فصل السلطات التي كفلها الدستور.
من هنا ضرورة تطبيق الطائف تطبيقاً كاملاً ودقيقاً لتراعي فعلاً لا قولاً مقتضيات العيش المشترك. ألم يرد في مقدمة الدستور لا سلطة لشرعية تناقض العيش المشترك؟ أن الظروف الإقليمية الخطيرة المحدقة بنا كشعب واحد موحد وهذا التماسك لن يتعزز فعلاً إلاّ عبر المصالحة الوطنية الحقيقية والوفاق الوطني الحقيقيين اللذين أجهضا لتاريخه وعودة المبعدين وإطلاق المعتقلين السياسيين وفي طليعتهم الدكتور سمير جعجع والإفراج عن الأسرى اللبنانيين في أية سجون كانوا، لتكتمل فرحة اللبنانيين. وهنا أود أن أوضح أنه لا يكفي أن يقال إن هؤلاء غير موجودين في السجون السورية لأن التأكيدات التي أوردتها بعض الجهات الرسمية لا تكفي ليقال ذلك، لأن التأكيدات أيضاً التي أوردتها بعض الأمهات اللواتي شاهدنا بأم العين وعصارة القلب وفلذات أكبادهن تبقى بنظرنا وحتى إشعار آخر الأصدق والأصوب كدليل ساطع على أن هؤلاء الأسرى لا يزالون أحياء فعلاً، من هنا يحدونا الواجب الوطني والإنساني إلى العناية القصوى بموضوع هذا الملف وعلى الله الاتكال علهم بربهم يرحمون.
دولة الرئيس،
إن جولتكم الناجحة على بعض بلدان الانتشار في القارة الأفريقية مؤخراً فتحت من جديد على مصراعيها قضية الانتشار اللبناني، فالمغتربون هم ثروة لبنان الكبرى وهم سفراءه في الخارج، يولدون في الدساكر والأكواخ كما يقول «جبران» ويتربعون على عروش الحكم والعلم والمال والثقافة في العالم تأميناً لرسالة لبنان الكونية.
إن الانتشار اللبناني، هو نعمة خلاقة، فقدر هذا الشعب الذي فطر على حب المغامرة والاكتشاف والتفوّق منذ القدم، أليست قرطاجة هي ابنة صور، سيدة البحار، التي كادت أن تقضي على رومة وتكون الأمبراطورية البديلة التي حكمت العالم القديم، فإلى متى نهمل هذه الثروة الضخمة وإلى متى نبخل عليها بوزارة خاصة بها؟
ان الاهتمام بالانتشار اللبناني لم يعد يقتصر اليوم حصراً على إنشاء وزارة خاصة بهم بل يستوجب تمثيل المغتربين ليؤدوا دور لبنان الرسالة، لبنان المختبر الفريد للحضارات والمعتقدات الدينية والإنسانية على تعدديتها من ضمن الوحدة.
أيها الزملاء،
فعسى أن نعي مصلحة لبنان ومصلحة أجياله الطالعة، ونكون على مستوى ما تتطلبه منا المرحلة التاريخية الدقيقة الراهنة التي يقف فيها العالم بأسره، وليس منطقة الشرق الأوسط وحدها على مشارف عالم متغير محتمل جديد، والسلام عليكم.
الرئيس: ورد في كلامك فقرة تتعلق بموضوع المعتقلين، علماً أنه أثناء زيارتي لغبطة البطرك، قلت إنه يوجد عدد من المعتقلين، حوالي 40 معتقلاً وتمّ إخلاء سبيلهم. دائماً يقال إن هناك أمهات وجدن أولادهن في السجون فليأتوا إلينا بهذا التقرير. لأنه دائماً يصار إلى سمسرات بهذه المواضيع، بعض الناس يقولون إننا رأينا فلان في السجن ويقولون إنه من خلال الأموال يستطيعون الإفراج عنهم، وهذا الكلام نفته سوريا بحزم حتى على المستوى الرئاسي وعلى مستوى الكل. إذا كان هناك أي شيء فليأتوا به كي نرى ما هي القصة لأن هذا الكلام غير دقيق على الإطلاق.
الرئيس: الكلمة للزميل جورج افرام.
جورج إفرام: دولة الرئيس،
إن اعتلاء منبر مجلس النواب له هيبته وحرمته. إن ما سمعناه بالأمس كلام مخالف للأعراف اللبنانية نربأ به وهو يرتد على صاحبه وفيه خروج على ما تعوّدناه في هذا المجلس الكريم.
إن رئيس الدولة هو رمز البلاد وحرصنا على مركز رئاسة الجمهورية ينبع من تحسسنا بالمسؤولية الوطنية ومن روحية ونصوص الدستور، هو حرص نلتزم به أيضاً، حيال المقامات الأخرى لا سيما رئاستي المجلس النيابي والحكومة. لا شك أن ما حصل أمس هو موضوع استهجان واستنكار لأنه ظهر بوضوح أن دافعه مصلحة شخصية ولا يصب في إطار خدمة الصالح العام.
هناك يا دولة الرئيس، أمر آخر أود لفت النظر واهتمام الحكومة إليه، يخص الرأي العام والخزينة إلا وهو استثمار مرفق طبيعي سياحي لبناني مميز وهو مغارة جعيتا التي تم تلزيمها بقرار من الوزير بينما مراجع قانونية تجزم بوجوب استصدار قانون من المجلس النيابي. لذلك لا بد من متابعة هذا الموضوع الذي يحوذ على اهتمام بالغ من قبل نواب منطقة كسروان وفعاليتها والذي سنلتزم بمتابعته قضائياً حسب الأصول.
دولة الرئيس،
منطقة الشرق الأوسط تواجه مرحلة مفصلية، ولبنان يغرق في بحر الخلافات وأخبار الفضائح عوض التركيز على المسائل الحياتية للناس من أجل النهوض الوطني والاقتصادي.
فما أحوجنا إلى رص الصفوف ووحدة الرأي للتصدي للفساد المستشري ولهدر المال العام. إن من يسمع صوت الشعب يدرك دون عناء مدى تزايد الهوة بين الدولة والناس. فالناس تعتقد أن مناقشة الموازنة هي لزوم ما لا يلزم. فلا المناقشة تفيد ولا أحد يسمع. وحديث الناس أنه مهما اشتدت المناقشات، فغداً يكون التصويت ولا شيء يتغير. فلا نعجب إذاً، إن كانت الأجيال الجديدة شباباً وصبايا وطلاباً، لا يبالون بالواقع السياسي ويفقدون الثقة بالطبقة السياسية، ويعتقدون أنه ليس في الأفق مسار تغييري يبدل في أسس العمل السياسي لمواجهة المسائل الاقتصادية والقضايا الوطنية. لقد ضاعت برأيهم الأخلاق والقيم السياسية في خضم الفساد والصفقات. فأنّى لنا الخروج من هذا الواقع الأليم الذي تعيشه أجيالنا القلقة في حاضرها وعلى مستقبلها.
إن التطورات المحيطة بنا والمترافقة مع تقدم العولمة سنة بعد سنة، وهي لا ترحم، تشكل مناسبة لنغير في نمط ممارستنا الشأن العام وبالأخص في معالجة الوضع المالي للدولة، وننخرط في مشروع تحديثي نابع من تجاربنا وتراثنا.
إن مشروع التقدم والتغيير ينشده اللبنانيون قبل أن يطرحه الآخرون. وهو طموح وطني واجتماعي يتعدّى اللعبة السياسية الداخلية. إنه يطال النهج والذهنية والأخلاق والموقف الوطني. وأساساً، لا نستطيع الفصل بين الأخلاق والوطنية حين يتعلق الأمر بالشأن العام، كما لا نستطيع فصل الأخلاق والوطنية عن الإقدام حين يتعلق الأمر بمبادرات كبرى ترسم مستقبل الأجيال.
فما بالنا لا تتضافر الجهود للتصدّي لكل ما يضعف الدولة اللبنانية بمؤسساتها وأجهزتها لأن لا وحدة وطنية ولا استقلالاً وسيادة من دون دولة قوية، عادلة ومهابة.
إن الانتخابات البلدية والاختيارية استحقاق إنمائي ووطني، وهو موعد مع اختيار الشرفاء للمسؤولية العامة، ومساحة تنافس المواطنين في القرى والمدن حول الخير العام بمنأى عن الفساد ورموزه.
دولة الرئيس،
أيها الزملاء،
في ضوء الكلمات التي وردت على لسان الحكومة والزملاء والنواب، برز إجماع على أن هذه الموازنة لا تلبي طموحات اللبنانيين. لكن نقصها الأساسي هو أنها لا تؤدي إلى تحفيز النمو ورفع معدلاته طبقاً للفرص المتاحة والإمكانيات المتوافرة، كما لا تركز على خلق فرص عمل يفترض أن تكون في صلب أهداف أي موازنة. نعرف أن هذه الموازنة هي مرآة لأداء الحكومات المتعاقبة منذ 1992. ونسلم أنها موازنة الممكن. لكن هذا لا يكفي، فكل الموازنات في الدول المتقدمة توضع في إطار الممكن ومن صلبها خلق فرص العمل ومكافحة البطالة، إلا أن التحدي يكمن في رفع حدود هذا الممكن ليصبح بموازاة رفع مستوى المعيشة والنمو.
نحن اليوم أمام مفترق مهم: فإما أن نغرق في دوامة الدين المتزايد، وإما أن نتفاعل مع التطورات الاقتصادية العالمية المتسارعة، ونركز أيضاً على الاستفادة من البوادر الإيجابية التي بدأت تظهر في اقتصادنا. وهذا يتطلب اعتماد نهج المشاركة والعمل بذهنية علمية لاستنباط الحلول الناجعة للمسائل التي تواجهنا تحقيقاً لأفضل النتائج.
دولة الرئيس،
إن أرقام الموازنة المطروحة تظهر أنها موازنة الدين المتفاقم حيث إن خدمة الدين بلغت 46% من النفقات. واعتراف الحكومة قبل المعارضين بعدم رضاها عليها لا يعفي من المسؤولية، فنحن نحصد ما زرع بالأمس من سياسة استسهال الاستدانة بفوائد مرتفعة، ومن عدم إعطاء الأولوية للاستفادة من القروض المتوفرة لدى مجلس الإنماء والأعمار، وهي قروض ميسرة طويلة الأمد وبفوائد منخفضة وبشروط تفرض الشفافية والمنافسة في تلزيم المشاريع وتنفيذها بوتيرة أسرع ضمن المهل المحددة.
الفائدة/ الدين العام:
إن معدل الفائدة المدفوعة على الدين العام خلال 2003 بلغت 10.8% أي أن كل واحد بالمئة فائدة يساوي 304 مليون دولار لعام 2003 والواحد بالمئة عام 1993 كان يساوي 29 مليون دولار. إن أداء الحكومة في خدمة الدين العام يجوز تقييمه على أساس الفارق الحاصل بين معدل الفوائد التي تتحملها الدولة وفائدة LIBOR على الدولار. ومن هنا يتبين أن في 1995 بلغ هذا الفارق 13.3% وثم انخفض عام 1997 إلى 11.08% ومن ثم إلى 6.5% في العام 2000. واستمر هذا الفارق بالارتفاع خلال السنوات الثلاث حتى بلغ 9.6% وذلك على أساس أن معدل LIBOR انخفض في العام 2001 من 6.4% إلى 3.6% سنة 2001، و2.1% عام 2002 وعام 2003. إذاً LIBOR اليوم هو 1.2% ونحن في لبنان اليوم ندفع فرقاً 9.6%.
هناك إذن فرصة لتحسين وتخفيض الفوائد في لبنان وذلك من خلال خلق مناخ ثقة في البلد من خلال توفر السيولة في لبنان والمنطقة والعالم من أجل توفير نقطتين أو ثلاث في الفارق، مما يؤدي إلى توفير بحدود 700 مليون دولار سنوياً من خدمات الدين.
النمو الاقتصادي:
لقد حقق الاقتصاد اللبناني نمواً عام 2003 بلغ 3% بالرغم من الأداء الحكومي المتعثر والخلافات السياسية وانعكاساتها السلبية على المناخ العام. فلذلك إن إمكانيات لبنان توفر أمامنا وضع رؤية جديدة للنهوض الاقتصادي ضمن خطة خمسية تهدف إلى تحقيق معدل نمو سنوي لا يقل عن 8% في حال استقامة العمل السياسي واستمرار انخفاض معدل الفارق بين LIBOR والفوائد المدفوعة.
من هنا وإن كنا نواجه أزمة صعبة فلسنا أمام طريق مسدود لا سيما إذا شمل النمو جميع مناطق لبنان وفعل كل الطاقات وحفز قطاعاته الإنتاجية وخفضت كلفة المعيشة لزيادة الإنتاج والقدرة التنافسية وزيادة الصادرات وتخفيض العجز في الميزان التجاري.
الصناعة:
أيها الزملاء،
أخيراً، تكتفي الحكومة بالكلام عن الصناعة الوطنية بإيلائها بعضاً مما تستحق. فهل لنا أن نرى في ذلك تباشير بداية لصحوة وطنية، في الوقت الذي أصبحت الصناعة في لبنان قضية، فنصدر مما ننتجه بإبداع، بدلاً من أن نصدر أولادنا؟ ولكن متى تتحول الأقوال إلى أفعال؟
إن الصناعة اللبنانية دخلت نهضة جديدة وشاملة، على رغم كل إهمال ومعاكسة. وهي سجلت نمواً سنوياً في الاستثمار بلغ 15% في السنوات الثلاث الأخيرة، وإن الصادرات حققت ارتفاعاً من 456 مليون دولار عام 2000، إلى مليار و87 مليون دولار عام 2003، أي أن الصناعة اللبنانية نمت بنسبة 77.3% خلال ثلاث سنوات. فهل من مستجيب، يا دولة رئيس الحكومة ويا معالي وزير المالية، لإقرار ما وعدت به الصناعة تكراراً خلال السنوات الثلاث؟ لكن، حتى الآن، كان التأجيل نصيبها، وإن كان وعد الحر ديناً. وكان العذر ضيق الوقت، تارة بسبب القمة العربية، وطوراً القمة الفرنكوفونية، ومن ثم مؤتمر باريس ـ 2، رغم استكمال الملفات وتحليل المواضيع.
أيها الزملاء،
هناك إجحاف في تحميل الصناعة والسياحة سعراً للطاقة لا يتناسب مع أي معدل دولي أو عربي، نتيجة الفساد والعجز عن معالجة ملف الكهرباء المزمن، مما يعيق قدرتهما التنافسية ويؤثر على معدلات نموها المرتفع والمتسارع لا سيما صادراتنا اللبنانية.
لقد وافق الرئيس الحريري وحكام مصرف لبنان على تحفيز الصادرات اللبنانية من خلال ترشيد الفوائد المرتفعة التي تدفعها الصناعة على رأسمالها التشغيلي العائد إلى الصادرات. وذلك لارتفاع مديونية الدولة ولكن وزير المالية يمتنع عن التجاوب مع ذلك، علماً بأن أي مساهمة في هذا المجال لها مردود أكيد مضاعف على خزينة الدولة. وقد شرحت لك مراراً أيها الصديق هذا الكلام. هذا الكلام قلته أنت وليس أنا. هذا الموضوع وافق عليه دولة الرئيس الحريري وجاءك مكتوب من حاكم البنك المركزي. ليس أنت من يقرر سياسة الحكومة.
أيها الزملاء،
اسمعوني جيداً، لقد ولّى زمن الأفكار المسبقة التي عانينا نتائجها منذ عهد الانتداب، والتي زعمت أن الاقتصاد اللبناني هو اقتصاد الخدمات المتلازم مع الهجرة الكثيفة لأبنائنا. ولا بد من أن ننتقل من نظرية مجتمع الاستهلاك إلى المجتمع المنتج الذي يقوم في لبنان على القطاعات الإنتاجية إلى جانب الخدمات التي يتميز بها لبنان، والاستثمارات الخارجية من خلال الانتشار اللبناني المتزايد في الأصقاع المختلفة. لذا ندائي إليكم ألا تقبلوا بعد اليوم رحمة بشبابنا وبأولادكم الذين يفتشون عن فرص عمل، ألا تقبلوا بعد اليوم بأن تهمل صناعتنا الوطنية بل أن نركز عليها وعلى قطاعي الزراعة والسياحة وهي الكفيلة بتحقيق معدلات النمو التي نحتاج إليها للخروج من حلقة المديونية وخدمتها.
تأملوا أن الموازنة في الحكومة اللبنانية المخصصة سنة بعد سنة لقطاعات الزراعة والسياحة والصناعة مجموعها 1% «يا جماعة هذا شيء معيب جداً».
وفي الختام سأتناول موضوع الكهرباء، إن قطاع الكهرباء له علاقة مباشرة بعجز الموازنة وقيمة الدين العام، إذ حمل الخزينة 10 مليارات دولار من الدين العام وذلك بموافقة وزير المالية على هذا الرقم. هذا المبلغ هو ما كلفتنا إياه الكهرباء منذ العام 1992 وحتى اليوم لأننا لا نريد حل المشكلة أو لأننا لا نعرف حلها. هذا المبلغ نضيفه إلى خدمة الدين العام التي بلغت 35594 مليار ليرة لبنانية أي ما يعادل بالدولار 23 ملياراً ونصف المليار دولار إذا ما تم احتساب سعر صرف الدولار على أساس 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد.
إذاً، يجب أن يفهم الرأي العام اللبناني قوة اقتصادنا اللبناني وأن ليس عنده وهن عضوي لأن خدمات الدين وحدها كلفت 23 ملياراً والكهرباء كلفت 10 مليارات فيكون المجموع 33 ملياراً من أصل الـ 35 ملياراً.
لو تمّت معالجة كهرباء لبنان سنة 1993 كما تمت معالجة موضوع الخليوي اليوم، لكان تأمن للبنان تيار كهربائي مستمر مدة 24 ساعة في مطلع عام 1994 مع توازن مالي عام 1995، هذا دون احتساب الأرباح الصافية التي كانت ستجنيها الدولة. وذلك بموجب الخطة الموضوعة عام 1992 بتكلفة فقط 450 مليون دولار كانت مؤمنة بموجب قروض ميسرة من الصندوق الكويتي، وكانت مخصصة 300 مليون دولار لشراء مجموعتين بخاريتين، واحدة في الجنوب وواحدة في الشمال تسلم خلال 6 أشهر مع جهاز يمنع التلوث لأنه مع التطور التكنولوجي فإن المولدات البخارية تسلم مع أجهزة ضد التلوث وتحافظ على نظافة البيئة.
ومبلغ الـ 150 مليون دولار كانت ستخصص 50 مليون دولار سنوياً لتأمين اكتمال التأهيل وهذا المبلغ كان أكثر مما هو مطلوب، لأنني عندما تركت الوزارة كنت قد صرفت فقط 10 ملايين دولار فقط تم صرفها وأمنا بواسطة ذلك 24 ساعة كهرباء في شهر أيار 1993 في مدينة بيروت و17 ساعة كهرباء في كافة المناطق في لبنان وكانت الخطة قادرة أن تحقق الـ 24 ساعة لكل لبنان في مطلع الفصل الأول من عام 1994.
المهم أن نعرف أيها الزملاء، وأنا مسؤول عن كلامي، كيف أن النقل والتوزيع في لبنان لم يكن يتطلب أكثر من 50 مليون دولار في أقصى التقديرات الموضوعة. لكن ماذا فعلنا؟ لزمنا التأهيل «من هالك لمالك لقباض الأرواح» From a contractor to sub contractor، أي أننا انتقلنا للبناني الذي نفذ وقبض فقط مبلغ الـ 20% من قيمة التأهيل، وحتى الآن لا يوجد عندنا كهرباء لمدة 24 ساعة. «عيب علينا» يوم كانت مؤسسة كهرباء لبنان تؤمن، كانت حتى عام 1987، رغم أحداث عام 1975 تبيع فائضها إلى الشقيقة سوريا. لنتأمل ماذا صنعت أيادينا بالنسبة لقطاع الكهرباء في لبنان.
إن اعتماد الخصخصة لإدارة الخليوي عن طريق مناقصة دولية شفافة نتج عنه توفير للدولة بحدود 43 مليون دولار سنوياً، إضافة إلى ازدياد الإيرادات الصافية للدولة بقيمة 270 مليون دولار سنوياً بعد أن تسلمت الدولة الخليوي بعد تاريخ 31/8/2002. هذه الأرقام تأكدت من دقتها وأريد أن يسمعها الزملاء ومن خلالهم لتنوير الرأي العام بالحقيقة، ومنعاً لكل تشويش إن خصخصة إدارة الخليوي هي برهان ساطع، لقد ذكرت الهاتف الخليوي لأقول إن ذلك برهان ساطع على ضرورة خصخصة إدارة مؤسسة كهرباء لبنان لشركات ذوات اختصاص. ذلك أنه لا يمكن في عالم اليوم إدارة هذا المرفق التجاري الثانوي بموجب النظام العام للمؤسسات العامة المنصوص عنه بالمرسوم رقم 1517، لا نستطيع أن ندير هذا القطاع الصناعي التجاري بروتين ونظم بيروقراطية، ولذلك كان القانون العصري رقم /472/ تاريخ 2/9/2002 الذي يهنأ عليه مجلس النواب، ومن ثم صدر قرار مجلس الوزراء بتاريخ 19/9/2002 بشأن تأسيس شركتين واحدة مخصصة تملكها الدولة لنشاطات الإنتاج والتوزيع وأخرى لنقل الطاقة الكهربائية. إن التأخير في تنفيذ هذه اقرارات يلحق ضرراً مباشراً بالخزينة لا يقل عن 300 مليار ليرة لبنانية تتحملها الخزينة بالإضافة إلى ما تتحمله القطاعات الاقتصادية نتيجة عدم توفر الاختيار الدائم بالكلفة المنافسة. وإني أترك بين أيدي الزملاء لا سيما لجنة الأشغال العامة مسؤولية متابعة ملف الكهرباء نظراً للنزيف الدامي الذي يصيب خزينة الدولة والاقتصاد الوطني.
وفي الختام أتقدم من الحكومة بأسئلة ثلاث راجياً الرد عليها يا دولة الرئيس رفيق الحريري.
السؤال الأول، لماذا لم يتم تنفيذ قرار مجلس الوزراء رقم /4 تاريخ 19/9/.2002
بطرس حرب: ما هو هذا القرار؟
جورج افرام: القرار رقم /4/ الذي أقرّ تأسيس شركات متخصصة تملكها الدولة أي الشركتين.
السؤال الثاني: هل هناك ما يمنع التسنيد وما هو المبلغ المقدر لهذا التسنيد ومتى؟
السؤال الثالث: عام 1999 أثناء اجتماع مجلس الجامعة العربية في بيروت على أثر الاعتداء الإسرائيلي، اتخذ قرار بتكليف الأمين العام في حينه السيد عصمت عبد المجيد لمتابعة استحقاقات لبنان المقررة في قمة تونس، أين أصبحت؟ وشكراً.
الرئيس: الكلمة للزميل نقولا فتوش بالنظام.
نقولا فتوش: بالنظام، وفقاً لأحكام المادتين /75/ و/76/ من النظام الداخلي الجديد وكون الزميل الكريم تعرض لمن تعرض، حكى أولاً، إني تعرضت لمقامات، هذا الأمر لا أعرف لماذا جاء مبرمجاً كي يتكلم بهذا الشكل، تكلم عن مغارة جعيتا وأنه هو سيلاحقها. يا دولة الرئيس، أعود بالذاكرة لأمر جيد، أنه الزميل الكريم لا يعرف أن يكون إلا في العربة الأخيرة، فقد سبقه النائب كميل زيادة وتقدم باستجواب إلى المجلس الكريم حول قضية تلزيم مرفق جعيتا وكان يومها الرد من المجلس النيابي أن هناك قضية عالقة أمام القضاء ونحن بانتظار ما يقرره القضاء، يلتزم المجلس النيابي بالحكم القضائي. وهكذا وبتاريخ 9/5/1996 وبرقم /585/ أصدر مجلس شورى الدولة قراراً قال فيه إن وزير السياحة بقراره حقق النفع المحلي والوطني وأن التلزيم تم بصورة قانونية.
دولة الرئيس،
نحن أمام حكم مبرم. أنبه الزميل الكريم بأن لا يقدم على مخالفة حكم قضائي حتى لا يقع تحت أحكام المادة /371/ من قانون العقوبات.
الرئيس: لا ضرورة. وهو لم يقل أي شيء. كل ما هناك أنه يوضح لك. وأنا لا أريد أي أمر…
نقولا فتوش: بتاريخ 19 شباط 2004 وبرئاسة قضاة نشهد لهم وعلى رأسهم سمير عالية، أصدروا حكماً قالوا فيه بأن كل ما قيل حول هذا الأمر هو موضع افتراء وتجن وجرت إدانتهم بمبلغ 15 مليون ليرة كتعويض لي.
الرئيس: لا أريد هذه المحاضرة. المسألة مسألة توضيح كلمة.
نقولا فتوش: لي حق الرد.
الرئيس: لك حق الرد وتأخذه فيما بعد. أيها الزميل، نحن بصدد مناقشة الموازنة وقد قال كلمة وأجبت عليها.
نقولا فتوش: لا يجوز، يا دولة الرئيس، فقد تعرض لكرامتي.
الرئيس: لقد أجبت.
نقولا فتوش: أريد أن أتابع لدقيقة. على كل النسيان نعمة يا دولة الرئيس. أنا كنت وزيراً في الحكومة يوم أقيل الأستاذ جورج افرام ولم يقف إلى جانبه إلا سليمان فرنجية ونقولا فتوش، وكان كالذبيح في مجلس الوزراء. أراه اليوم ينسى ما أقسمت عليه من عرفان للجميل.
الرئيس: كنت تقوم بواجبك.
الكلمة للزميل مصباح الأحدب باسم حركة التجدد.
مصباح الأحدب: شكراً دولة الرئيس.
دولة الرئيس،
أيها الزملاء،
إن من يقرأ في هذه الموازنة، يمكن أن يتوهم للحظة أنها لبلاد مرتاحة لا تحتاج إلى أي إصلاح. بلاد لا ترزح تحت ديون تبلغ ضعفي ما تنتج لسنة كاملة. بلاد تسمح لها أوضاعها بالتوسع في العجز بدلاً من تخفيضه. بلاد يزدهر فيها الاقتصاد وتنمو فيها القطاعات المنتجة من سياحة وزراعة وصناعة وتخلق فرص عمل وفيرة ولا يفكر أي من أبنائها بالهجرة. بلاد لا تعرف البطالة، والضمان الاجتماعي فيها بألف خير. بلاد الإدارة فيها حديثة ومستقيمة وفعالة وغير مضخمة ولا مشلولة. بلاد تجبي ضرائب عادلة وإنفاقها ليس بحاجة إلى أي ترشيد. أخيراً وكأنها بلاد يعاد فيها توزيع الثروات بشكل عادل.
هذه هي الصورة التي يمكن أن تعطيها الموازنة. لكن للأسف الشديد، كلنا يعلم أن الحقيقة مغايرة تماماً.
فكل ما يمكن أن يحكى عن هذه الموازنة قلناه وقاله غيرنا منذ ستة أشهر، أي منذ تاريخ دخولها إلى مجلس الوزراء وخروجها منه. هي هي، موازنة عاجزة، لا بل متفاقمة العجز، موازنة خالية من أي بعد تنموي، موازنة خالية من أي هم اجتماعي، وموازنة خالية من أي بند إصلاحي.
دولة الرئيس،
أيها الزملاء،
لم يتغير شيء في هذه الموازنة، لكن الديون لم تتوقف عن الازدياد والمراكمة.
سجلوا أيها الزملاء. منذ ذلك التاريخ، أي منذ ستة أشهر، فضلاً عن تفاقم الدين العام وزيادته ملياري دولار، أقفلت ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة، وفقدت مع إقفالها خمسة آلاف وظيفة، في حين نزل إلى السوق 15 ألف طالب عمل لبناني جديد. منذ ستة أشهر، أربعة آلاف أسرة توقفت عن إرسال أبنائها إلى المدارس لوقوعها تحت خط الفقر.
منذ ستة أشهر، هاجرت من لبنان نحو ألف عائلة معظمها من أصحاب الكفاءات والخبرة، طبعاً لأن التأشيرات لا تمنح لسواهم وإلا لكانت الأرقام أبلغ بكثير.
ستة أشهر ازدادت فيها المناطق المحرومة حرماناً وإهمالاً، ومع الأسف أكثر من كل تلك المناطق تراكمت في طرابلس المعاناة من البؤس والبطالة المستشرية وتراجع مستوى المعيشة.
دولة الرئيس،
لن أستفيض بالتفاصيل لأن زملاءنا في طرابلس «كفوا ووفوا» ولا نريد أن نقيم حفلة ندب هنا، إنما نحاول أن نرى الإمكانيات لكي ننهض.
أتوجه بصدق إلى جميع القوى السياسية في طرابلس كما توجهت بالسابق، وذلك رأفة بالمواطنين ومعاناتهم، لاستغلال فرصة الاستحقاقات المقبلة للتضامن كلنا معاً من دون استثناء من أجل أن نكون على مستوى طموحات المواطنين، أن نأتي على المواطنين بسلطة تنفيذية تكون على مستوى طموحاتهم وعلى مستوى طموحات مدينتهم. المواطنون في طرابلس أصبحوا يرفضون أي تدخل سياسي لتعزيز مواقع انتخابية خاصة بهذا أو ذاك وذلك على حساب وضعهم المعيشي، فكفانا، كفانا، كفانا…
هذا في الستة أشهر الماضية، فماذا عن الستة أشهر المقبلة؟
إن هذا الأمر إن دل على شيء فهو أننا لم نعد نكتفي بإهدار المال. بل وقد انتقلنا من إهدار المال إلى إهدار الوقت! وفي هذه الظروف، إن إهدار الوقت هو أخطر بكثير من إهدار المال يا دولة الرئيس.
بعد باريس ـ 2، بادرنا إلى الترحيب بهذا الجهد المحلي والاهتمام الدولي الخاص بلبنان وبهذا الاستعداد لمساعدته على النهوض من أزمته، لكننا في الوقت نفسه حذرنا من استخدام باريس ـ 2 لمجرد كسب الوقت. أكدنا أن الحلول الحقيقية تكمن هنا في لبنان، أي في الإصلاح الجذري للمقاربات النقدية والمالية والضريبية والإدارية المعتمدة، وفي الإصلاح السياسي المستند إلى تثبيت الخيار الديمقراطي للبنان كجاذب للاستثمار وكضمانة أساسية للاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني.
مرّت سنة وأكثر على باريس ـ 2 واستهلكت كل مفاعيله الإيجابية تقريباً وأهدرت على مذبح التناحر الرئاسي، والإصلاحات مؤجلة إلى أجل غير مسمى. كم هي كلفة التأجيل؟ لا أحد يجرؤ حتى على التكهن. في هذه الظروف، إن إهدار الوقت يا دولة الرئيس، أخطر بكثير من إهدار المال.
دولة الرئيس،
أيها الزملاء،
العبرة من كل ذلك هي أن العلة ليست في غياب الحلول والأفكار والبرامج للخروج من هذه الأزمة. فالبلاد والحمد لله ما زالت قابلة للإصلاح والاقتصاد ما زال قابلاً للنمو، على الرغم من كل ما نعانيه من مشاكل وأزمات. والحلول والأفكار والبرامج كانت دائماً موجودة ومطروحة، وهي ما زالت موجودة ومطروحة اليوم لدينا ولدى غيرنا. العلة هي في شلل هذه السلطة وفي عجز هذه التركيبة عن المبادرة والإنجاز نتيجة طلاقها من الرأي العام ونتيجة افتقادها للمصداقية وللشرعية. وأنا لا أتحدث هنا عن الشرعية القانونية والشكلية بل أتحدث عن الشرعية الشعبية.
حتى الشرعية الشكلية لا تصمد كثيراً أمام الوقائع. أما الشرعية الشعبية، فكلنا يذكر أن ما من فضيحة مدوية خلال الأشهر الماضية، وقد حفت البلاد بالعشرات منها، إلا وارتبط اسمها عن حق أو عن باطل باسم مسؤول سياسي أو جهة سياسية نافذة. وكلنا يدرك كذلك إن فقدان الشرعية الشعبية جعل من التحريض الطائفي المتوارث الوسيلة المستحدثة للتعويض والتمويه ولتلميع الصورة.
باختصار، نحن لم نعد أمام حكم بالمعنى الدستوري للكلمة سوى بالشكل. أما في الجوهر وفي المضمون، نحن أمام تشكيلة سلطوية متنافرة يفاخر بعضها في تجاوز الدستور ويمعن بالالتفاف حول اتفاق الطائف باسم استعادة الصلاحيات. أما ممارسة الحكم ومعالجة الملفات المصيرية والحياتية الملحة، فقد تحولت إلى مبارزات صورية بين أهل الحكم وإلى جولات ميدانية «فلكلورية».
فلنأخذ الخليوي نموذجاً. نحن في حركة التجدد، زميلي نسيب لحود وأنا، كنا أول من حذر أن هذا الملف يزخر بالخروقات والتجاوزات وأنه مشوب بطغيان المصلحة الخاصة على المصلحة العامة وبتسخير المرفق موارده لمصلحة نافذين في السلطة ومن يقف وراءهم. لكننا أكدنا أنه هناك ثلاث شوائب أخرى تشوب هذا الملف الحيوي: التناحر الرئاسي والسياسي، النزعة الاحتكارية، والتخبط في الرؤية الاستراتيجية.
لذا لن أحكم الآن على شفافية المناقصة الأخيرة لتلزيم الخليوي، فما زلنا جميعاً لا نملك المعطيات الكافية للتأكد من أن أياً من المسؤولين أو أقاربهم ليسوا شركاء مباشرة أو بالواسطة في الشركات الرابحة. كذلك لا أعترض على توفير 40 أو 80 مليون دولار أو أكثر على الخزينة.
لكن السؤال الاستراتيجي يا دولة الرئيس هو أين أصبحت الخصخصة من برنامج احتواء الدين؟ أين أصبحت الخصخصة من باريس ـ 2؟ ألا يفترض بالخصخصة أن تؤمن مبلغاً محترماً من المال يخصص لإطفاء الدين؟
المسألة إذن ليست توفير 40 أو 80 مليون دولار أو أكثر على الخزينة يا دولة الرئيس، ولا أحد يعترض عليها. المسألة هي أنه تم تجميد ورقة الخليوي لأربع سنوات، وفي العام المقبل، أي في عام 2005 يستحق على الخزينة، دفعة واحدة، خمسة أو ستة مليارات دولار من الدين.
هذا ما نقصده عندما نقول إنه تمت التضحية بالمستوى الاستراتيجي على مذبح الخلافات الرئاسية والمزايدات وتسجيل النقاط.
هذا ما قصدناه عندما طالبنا بتأجيل بتّ موضوع الخليوي بضعة أشهر ريثما يتم الاتفاق على وجهة الاستخدام الاستراتيجي لهذه الورقة.
إذن في العام المقبل، يستحق على الخزينة دفعة واحدة خمسة أو ستة مليارات دولار من الدين، فضلاً عن استحقاقات أخرى اقتصادية واجتماعية وسياسية، إقليمية ومحلية، لا تقل أهمية.
فكيف تستعد البلاد لمواجهة هذه الاستحقاقات؟
فريق في الحكم يرى أن أفضل السبل لمواجهة هذه الاستحقاقات الداهمة هو في تجميع السلطة في قبضة واحدة تكون لها وحدها الكلمة الفصل في شتى الأمور والبقاء في السلطة بأي ثمن، وهذا طبعاً يعني عملياً تجاوز الطائف والاعتداء على الدستور ووضع أعراف دستورية جديدة.
وفريق ثانٍ يرى أن الأزمة يمكن أن تعالج فقط عبر الهندسات النقدية والمالية وترشيق الإدارة وتخفيض الإنفاق وزيادة الواردات. وما بينهما أفرقاء أصيبوا بصحوة سياسية مفاجئة، يطرحون أنفسهم كبدائل للنهوض بالبلاد في حين أثبتت مشاركتهم في الحكم، ماضياً وحاضراً، بأنهم شركاء في المصالح وفي صنع الأزمة وإدارتها.
نحن بصدق وصراحة لا نشارك هؤلاء رؤيتهم المنقوصة. نحن مع وحدة الحكم، لكننا ضد التفرد والتسلط والاستئثار، ومع قيادة جماعية للبلاد أرسى قواعدها الميثاقية اتفاق الطائف وتجسّدت بالتالي مواد دستورية واضحة لا ينقصها إلا الاحترام والتطبيق، نصاً وروحاً.
نحن لا شك مع المعالجات التقنية والنقدية الضرورية للأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية، لكن نحن لا نراها كافية من دون إصلاحات بنيوية سياسية واقتصادية واجتماعية وإدارية وتربوية ومن دون تنمية مستدامة وإنماء متوازن للمناطق.
طبعاً، نحن نولي أهمية لتغيير الأشخاص ونفهم جيداً محاولتهم تحسين صورتهم لدى الرأي العام. لكننا نولي أهمية كبرى لصدقية الأشخاص ولتجربتهم الديمقراطية ولتشبثهم بالنظام الديمقراطي وبالحريات العامة والخاصة وبمبدأ تداول السلطة. وأخيراً، نحن نولي أهمية أكبر لتغيير المنهجية ولتفعيل المحاسبة والمساءلة والمشاركة وتحسين الأداء ولمدى فهم هؤلاء الأشخاص وتفهمهم لحاجات الشباب اللبناني ولتطلعاته المستقبلية.
لكل هذه الأسباب، نحن في حركة التجدد الديمقراطي، زميلي نسيب لحود وأنا، لا نستطيع سوى التصويت ضد الموازنة، وشكراً.
الرئيس: الكلمة للزميل مسعود الحجيري.
مسعود الحجيري: بسم الله الرحمن الرحيم،
دولة الرئيس،
الزميلات والزملاء الكرام،
أي موازنة نتكلم عنها؟ أهي موازنة الأمر الواقع أم موازنة الزمن الرديء والأيام القاسية التي يعيشها السواد الأعظم من اللبنانيين؟ المواطن أصبح حائراً في كيانه وأسباب معيشته ومغلوباً على أمره لأن عليه أن يتعايش مع الفقر والعوز وليس باليد حيلة، مكره على الصبر والتأقلم مع الشقاء عملاً بالقول المأثور الصبر مفتاح الفرج. ولكن أين الفرج والموازنة خالية من أبواب الفرج. والجوع كافر لا دين له ولا مذهب بل أصبح له طائفة رقم 20 أي طائفة الفقر والعوز وأجزم بأنها الطائفة الكبرى في لبنان حالياً فيها تتجلى وحدة المواطنين في الفقر والعوز مع تموضع بقاعي بعلبكي هرملاني وعكاري بامتياز.
يهم المواطن أن يتفق الرؤساء والوزراء والنواب لعلهم يحلون الأزمة المعيشية، يهمه أن يأكل ويشرب وأن يعيش بكرامة، يهمه أن يرى دولة المؤسسات تقوم. يريد ويدعو أن يرى كل المسؤولين من القمة إلى القاعدة كل يعمل لإنقاذ البلد، لوقف نمو الدين والهدر والفساد.
دولة الرئيس،
هذه الموازنة جاءت ضعيفة شكلاً ومضموناً، نستطيع أن نسميها مثلاً موازنة تصريف أعمال أو موازنة أقل من عادية أو موازنة الأمر الواقع أو موازنة اثني عشرية أي خدمة دين ورواتب ومعاشات. هذه الموازنة جاءت مبتورة حيث إنها تخلت عن معظم البنود الإصلاحية. في موازنة عام 2003 والتي أقرّها مجلس الوزراء سابقاً، معالي الوزير السنيورة في خبرته وتجربته وبشيء من الدهاء، رمى هذه الموازنة على مجلس الوزراء ومجلس النواب وهو يعلم بأنها ستمر وتبصر طريقها إلى النور. ولكن لإحقاق الحق وللحقيقة، فإن اللجان النيابية وخاصة لجنة المال والموازنة، أجرت تخفيضات هامة على الكثير من الرسوم والضرائب والغرامات شعوراً منها ومن المجلس النيابي بالضائقة التي يعيشها المواطن وإعطاء الوطن فرصة لالتقاط أنفاسه عبر تخفيف الغرامات والضرائب.
وكذلك هذه الموازنة فيها إيجابية. فيها زيادة على ميزانية الوزارات التي تعنى بالإنفاق الاجتماعي. ولكن للأسف، مع نمو مضطرد للدين العام. لقد تم زيادة على موازنة العديد من الوزارات منها الصحة العامة، الأشغال العامة، الطاقة والمياه، الشباب والرياضة، الزراعة والشؤون الاجتماعية. كل هذه الزيادات على ميزانية الوزارات التي تعنى بالشأن الاجتماعي تخفف عن عبء المعاناة عن كاهل المواطن ولكنها مع الأسف تزيد نسبة الدين العام وهي دون المطلوب بكثير.
ترى ما هو السبب أن هذه الموازنة جاءت موازنة تصريف أعمال، هل إن هذه السنة من سنة الاستحقاقات والانتخابات؟ من انتخابات بلدية إلى استحقاق رئاسي مع ما يرتبط به من مناكفات وتجاذبات نشهدها يومياً على شاشات الفضائيات وأسبوعياً في مجلس الوزراء هذا إذا قدر له أن يعقد لأن مجرد عقد جلسة مجلس الوزراء أصبح يعتبر إنجازاً.
ويليهم في مطلع العام المقبل الانتخابات النيابية مع تعسر ظهور قانون انتخابي جديد يرضي طموح اللبنانيين جميعاً.
هل إن الوضع الإقليمي والغليان والمتفجر في المنطقة من دموية شارون وجداره للفصل العنصري مع التنكيل بالشعب الفلسطيني وآخره اغتيال الشيخ المجاهد أحمد ياسين إلى الاحتلال الأمريكي البريطاني لأفغانستان والعراق إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير سبب؟
هل إن الركود الاقتصادي العالمي والأمريكي مع التخبط السياسي الأمريكي مع كون هذه السنة هي سنة الانتخابات في أوروبا وأميركا وجاءت بداية التغيير من إسبانيا لكل من طغى وتجبر فذهب أزنار المتأمرك وجاء شاباكارو العاقل، كل هذه الأسباب متداخلة مع بعضها هي السبب؟
وفي دراسة أولية للموازنة يبدو أن:
خدمة الدين العام 4.3 مليار سنة 2004ّ منها: 2.450 مليار خدمة دين داخلي و1.850 مليار خدمة دين خارجي. بينما بلغت خدمة الدين الحقيقية 4.874 مليار في سنة 2003 أي بزيادة 874 ملياراً عن الموازنة في سنة 2003 والبالغة 4.000 مليار، حسبما كان مقدراً جمود هذا الرقم في موازنة 2004 عند 4.300 مليار هو بسبب باريس (2) وغيرها من الإجراءات، مع تحسين الجباية والإصلاح الضريبي التي لو لم تكن لكانت قيمة خدمة الدين بلغت 5.800 مليار سنة 2003ّ و6.500 مليار سنة 2004 وطبعاً الرقم مخيف جداً. وهذا دليل على أن مفاعيل باريس (2) لم تنته لغاية الآن.
المخصصات والرواتب والأجور، معاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة والعطاءات كلها تبلغ 3.408 مليار أي أن مجموع خدمة الدين والأجور والعطاءات يبلغ 7.700 مليار، فماذا تبقى من الموازنة؟ إنه شيء يدعو إلى الحسرة والإحباط لأن ما تبقى من الموازنة هو جزء يسير يصرف بمعظمه على الشؤون الاجتماعية والصحية وإدارة شؤون الدولة. والمؤسف أنه لم يتبق للإنفاق الاستثماري إلا الجزء اليسير وذلك حياء وخجلاً للالتزام بالحد الأدنى من المبالغ الملحوظة في القوانين البرامج وضرورة تنفيذ بعض المشاريع الإنمائية من جهة والاستفادة من القروض الميسرة وذلك بدفع حصة الدولة من جهة أخرى.
دولة الرئيس،
يبدو أن اللبناني لا يعرف أن يعيش فقيرا ولا يعرف إلا أن يعيش بكرامة.
آخر إحصائية لوزارة العمل، أنه يتخرج سنوياً من الجامعات اللبنانية 30.000 خريج، 8000 فقط يجدون العمل والباقون يبقون عاطلين عن العمل، أي أن هناك هجرة للأدمغة والعقول النيرة. هؤلاء معظمهم يدقون أبواب السفارات بحثاً عن الهجرة للارتزاق. وأصبح تقريباً كل بيت في لبنان يعتمد بشكل أو بآخر على المهاجرين كمصدر دخل، وفي تصوري أن زحمة المطاعم والمقاهي وحمل الخليوي والسيارات المزدحمة وهذه البحبوحة والمظاهر التي نعيشها في الوسط التجاري والأماكن السياحية قسم كبير منها فيما خص اللبنانيين مصدرها أموال المهجر.
إلى متى السكوت على هجرة الأدمغة والطاقات وخسارة البلد لعقول أبنائه ومواهبهم وأي مصير ينتظرنا، ومتى نواجه الطلاب الجامعيين إلى متطلبات العمل في السوق؟
دولة الرئيس،
رغم هذه الصورة القاتمة للوضع العام للموازنة، هناك أشياء إيجابية لا بد من ذكرها والتفكير فيها ملياً لعلها تكون المدخل لحل الأزمة المعيشية والاجتماعية التي نحن فيها:
1 ـ إن نظامنا المصرفي يعتبر من أفضل الأنظمة في العالم وقد حقق وحظي هذا النظام باحترام الجميع في الداخل والخارج وأكبر دليل على ذلك هي كيفية إدارة أزمة بنك المدينة من المصرف المركزي والنظام المصرفي بشكل عام فقد أثنى السيد أوغستين كارتر الرجل الثالث في رئاسة صندوق النقد الدولي والسيد جورج العابد مدير دائرة الشرق الأوسط أثناء زيارتهم للبنان على الطريقة الحكيمة التي عالجها بها مصرف لبنان أزمة بنك المدينة فحصرها ضمن أزمة بنك واحد لا غير، وبسرعة فائقة أمن حقوق المودعين وأحال التحقيقات إلى القضاء ليأخذ مجراه هذا التصرف عجزت عنه دول كبرى مثل بريطانيا في أزمة بنك بركينر وفرنسا وأزمة بنك كريدي ليونيه وأمريكا وأزمة الأنرون والورلد كوم حيث دفعت الأموال المسروقة من خزائن هذه الدول ومصارفها وأحياناً من أموال المودعين. وحصل هزات مالية في أسواقهم بينما مر القطوع عندنا بسلاسة وهدوء وسلام.
هذه الشهادة من صندوق النقد والبنك الدولي والتي حصل عليها مصرف لبنان بشكل خاص ونظامنا المصرفي بشكل عام أعطيت لبنان زخماً قوياً في الخارج وثقة واحتراماً سوف تنعكس على الثقة بلبنان وتعطيه زخماً قوياً لمعالجة سائر القضايا المالية والاقتصادية بالإضافة إلى الشهادة التي حصل عليها لبنان ومصرفه المركزي ونظامه المصرفي من منظمة (جافي) الدولية ومقرّها روما على كيفية تصرفه في مكافحة تبييض الأموال الناجح مع المحافظة على السرية المصرفية التي يتمسك بها لبنان. هذه العوامل أدّت إلى زيادة ثقة المودعين المحليين والعرب والأجانب في لبنان ونظامه المصرفي وزيادة ثقة المستثمرين في التوجّه إلى لبنان وسيظهر ذلك جلياً في السنوات القادمة ضمن هذا العالم المضطرب.
وبلغة الأرقام يفوق احتياطي العملات الأجنبية لدينا الآن 12 مليار دولار مقابل أقل من مليار دولار سنة 1992 ويشهد النظام المصرفي نمواً لا سابق له وأصبح مجموع الودائع لدى المصارف التجارية 48.6 مليار دولار سنة 2003 بدلاً من 6.5 مليار دولار سنة 1992. هذه الأموال المودعة والمخزنة في المصارف اللبنانية هي علامة مضيئة في الاقتصاد اللبناني وضمانة ضد ا لانهيار الاقتصادي الذي يبشر به بعض المتشائمين ورصيد يمكن استغلاله في إصلاح الوضع الاقتصادي وتحريك عجلة الاقتصاد والعمل على خفض الدين العام مشكلتنا الرئيسية حالياً.
2 ـ لقد حظي لبنان بعناية خاصة وواضحة من أشقائنا العرب ومن أصدقائنا في المجتمع الدولي فقد تم تنظيم ثلاثة مؤتمرات دولية لمساعدة الاقتصاد اللبناني مؤتمر أصدقاء لبنان في واشنطن ومؤتمر باريس واحد وأهمهم بدون شك مؤتمر باريس (2) في العاصمة الفرنسية. جلب مؤتمر باريس وخاصة باريس (2) الأموال الضرورية لاستبدال دين فائدته مرتفعة وقصيرة الأجل بدين فائدته منخفضة وطويلة الأجل بالإضافة إلى مساعدات سخية من الأصدقاء وخاصة دول الخليج وماليزيا وفرنسا.
لقد كان من أهم الانعكاسات الإيجابية لمؤتمر باريس (2) تجدد الثقة بالاقتصاد اللبناني وبمستقبله وبماليته العامة ولقد كان من تداعيات نجاح هذا المؤتمر إحداث ردة فعل إيجابية ومرحبة في الأسواق المالية المحلية والدولية فقد بادر المصرف المركزي بخفض 1.8 مليار دولار من دين الدولة اللبنانية وبادر القطاع المصرفي إلى الاكتتاب بسندات خزينة 3.6 مليار لمدة سنتين وبدون فائدة كل ذلك أضاف علامة ثانية مضيئة على طريق تحصين الوضع الاقتصادي في لبنان وأعطى مدخلاً لخفض الفوائد بشكل كبير وخفض الدين وتحريك الاقتصاد وإعطاء معدل نمو بنسبة 3% في عام 203 وهناك اتفاقيات لم نستفد منها شيئاً حتى الآن مثلاً اتفاق الشراكة الأوروبية المتوسطية وغيرها.
لقد وقع لبنان على اتفاقات لتشجيع الاستثمارات وحمايتها مع أكثر من ثلاثين دولة. إن تفعيل هذه الاتفاقات يعود بالخير على لبنان. وماذا بعد وإلى متى وكيف الخلاص؟
مما تقدم نجد أن طريق الإنقاذ والخلاص موجود إذ صلحت النوايا وتوافقنا وتوحّدنا في سبيل كلنا للوطن، ولمصلحة الوطن، فالثقة بلبنان موجودة ومفاعيل باريس (2) لم تنته والقطاع المصرفي ممتاز والبنية التحتية أصبحت جاهزة لاستقبال واحتضان لبنان الغد الذي نحلم به مركزاً للنشاط الاقتصادي والأعمال الثقافية والإعلام والطب والتربية والسياسة مع عودة الإصلاحات المقترحة في ميزانية 2003 من خصخصة وتسنيد والوفاء بتعهداتنا في باريس (2).
ـ نريد مؤسسات وسلطة مسؤولة متماسكة قوية.
ـ نريد تخطيطاً وخطة واضحة ومبرمجة للإنقاذ مع الالتزام بها بدفة ومخططاً لجدولة الديون والوفاء به.
ـ نريد وحدة وطنية حقيقة ومصارحة فيما بيننا بعيداً عن التكاذب والفولكلور الاستهلاكي.
ـ نريد وقف الإنفاق غير المجدي والهدر.
ـ نريد إعادة هيكلة كل الدولة.
ـ نريد تشريعات حديثة تتماشى مع مصلحة الاقتصاد والبلد وللحقيقة إن هذا المجلس كان أنشط مجلس في سن التشريعات.
ـ نريد حلاً لما نحن عليه من ضائقة وبطالة وهجرة للأدمغة فإلى متى السكوت وحذار إن صبر الناس سينفذ يوماً وإن للصبر حدوداً.
ـ نريد إنماء متوازناً يعم كل لبنان يشمل عكار وبعلبك والهرمل.
دولة الرئيس،
بالنسبة للإنماء المتوازن ووصوله إلى منطقة محافظة بعلبك الهرمل الجديدة لم يعد الناس يصدقون ذلك وصاروا يرددون أن المشاريع والتمويل يصل إلى حدود المحافظة في رياق ويتبخر بقدرة قادر. سنعرض لما يجري في عدد منها. هذه المشاريع وعدنا بها منذ سنوات وراجعنا بها وعقدنا الاجتماعات المتعددة عليها تهل علينا.
أولاً: عتبنا على الرؤساء الثلاثة:
فخامة الرئيس لحود كان من المفترض أن يضع حجر الأساس لسد العاصي هذا الصيف ولم يحصل ذلك، يبدو أن الظروف لم تسمح بذلك، هذا السد هو حلم منطقة الهرمل القاع رأس بعلبك. يقال إن جزءاً من المشروع قد لزم وهو مشروع الري والسد مؤجل حالياً بين سد صغير سعته 37 مليون م3 وسد كبير سعته 70 مليون م3 نحن بالانتظار.
دولة الرئيس نبيه بري يوم زار منطقة بعلبك ـ الهرمل في الصيف الماضي وأطلق تصريحه الشهير عن منطقة بعلبك، الهرمل، عكار تفاءل الناس خيراً.
يا دولة الرئيس لم يظهر هذا الدور جلياً حتى الآن نسألك ونطالبك أن تتابع هذا الدور لأن البيروقراطية والعادة جرت أن تقف المشاريع عند حدود المنطقة فلكي تنفذ تحتاج إلى متابعة وتكرار (في الإعادة إفادة) ونحن واثقون بأنك عند وعدك والأمل كبير في أن يتغير الحال على أيديكم.
دولة الرئيس رفيق الحريري يوم طالبنا في ميزانية 2001 بمجلس إنماء بعلبك الهرمل وحصلت مشادة تم تفاهم في مكتب الرئيس بري بأن المنطقة ستعوض بمشاريع بدل هذا المجلس واجتمعنا دولة الرئيس الحريري ونواب بعلبك الهرمل مع مجلس الإنماء والأعمار ومدراء الوزارات إلخ… ودرست العديد من المشاريع والوعود وطبعاً لم ينفذ شيء حتى الآن أو اليسير فقط. كان طلب نواب بعلبك 300 مليون دولار للسدود والري و300 مليون دولار للطرقات. والطريق الدولي لمنطقتنا كان له الأولوية أقلّه طريق نمشي عليه وتمت دراسة الطريق من دار الهندسة وقسم على خمسة أجزاء وجاءت ساعة الحسم: لا يوجد تمويل وبعد مراجعات واجتماعات مع مجلس الإنماء والإعمار قيل لنا يوجد تمويل وبعد ومراجعات واجتماعات مع بعد البحث والتداول والاطلاع على الأسباب الموجبة، مجلس الإنماء والإعمار قيل لنا يوجد 11 مليار ليرة سنلزم جزءً من الطريق وبعد أيام قيل لنا تم التلزيم وزفينا البشرى للناس وكأنه إنجاز كبير وإذا بنا نكتشف فيما بعد أنه لا تلزيم ولا من يحزنون وإذا سارت الأمور بهذا الشكل من 2001 حتى 2004 ولم يلزم أي جزء من الطريق تصوروا متى سينتهي الطريق بعد 25 سنة؟ نسألك يا دولة الرئيس الحريري ارحمونا بهذا الطريق فقط أسوة ببقية المناطق اللبنانية.
ـ المدارس: تم وضع حجر الأساس لحوالي 16 مدرسة ومهنية منها أظن 4 لزّمت والباقي بعلم الغيب نريد أن نسأل متى ستبنى هذه المدارس مع العلم أن مدينة بعلبك مركز المحافظة يوجد فيها بناء مدرسي واحد فقط ملك الدولة وإذا كان هذا حال المركز فما بالكم في الأطراف.
ـ المستشفيات: يوجد في قضاء بعلبك مستشفى حكومي واحد فقط مع أنه أوسع قضاء مساحة في لبنان (ماشي الحال) ويوجد في قضاء الهرمل مستشفى. المستشفيان تم تجهيزهما وتأهيلهما ونحن بانتظار أن يفرج عن مجالس الإدارة حتى يبدأ العمل بهما فمتى سيحصل ذلك؟
ـ المدينة الرياضية: كانت مقررة سابقاً مع مدينة رياضية أخرى في طرابلس وصيدا وبعلبك إلخ… نفذ بعضها ومدينة بعلبك الرياضية لزمت وتحوّلت إلى ملعب بلدي قبلنا نواب بعلبك بذلك مكرهين لئلا يضيع المشروع برمته قالوا سنلزمها لا يوجد تمويل كافي كالعادة. قسم التلزيم على جزئين قبلنا ومن حوالي سنة حتى الآن لم يباشروا بالجزء الواحد المقترح، لماذا؟
ـ المياه: في الجزء الشمالي الشرقي من منطقة بعلبك، التموين مؤمن لدى مجلس الإنماء والإعمار من قانون ماء المناطق المحرومة (150 مليار ليرة) أظنه ورد في ميزانية 96، الدراسات مستمرة أو هكذا يقولون المهم لا شبكات مياه حتى الآن باستثناء بلدة النبي عثمان.
أكبر بلدة في هذا القطاع النائي هي بلدة عرسال. عدد سكانها حسب وزارة الداخلية 25.400 مجلسها البلدي 21 عضواً، يعني مدينة شبكة مياهها صغيرة ومهترئة عمرها منذ 1960 يوم كانت قرية صغيرة، المياه تأتي يوماً في الأسبوع في الشبكة هذا إذا أتت والأهالي يشترون المياه بالسترن ويجمعون مياه الأمطار في الشتاء في خزانات. المشكلة الخطيرة هي التلوث، فحدث ولا حرج. لا يوجد مجارير بل حفر أرضية المسافة بين خزان المياه وحفرة المجارير والمراحيض لا تتجاوز أحياناً مترين أو ثلاثة والغريب أنه حتى الآن لا يوجد دراسة لمجارير هذه البلدة ـ المدينة.
راجعنا مجلس الإنماء والإعمار فقال هناك 25 بلدة خارج نطاق التخطيط العام للمجارير وهي بحاجة لدراسة خاصة.
راجعنا إدارة التخطيط فقالت بأن هناك دراسات مع منظمة الأمم المتحدة ومن ثم توقفت.
طلبنا أقله دراسة لوضع المجارير المأساوي في هذه المدينة ونأمل أنه في القرن 21 سنحصل على محطة تكرير وشبكة مجارير مع العلم أن هذه الكيلومترات العشر من طريق حمص إلى بلدة عرسال شقها أهالي البلدات بأيديهم وعلى حسابهم الخاص كي يتصلوا بلبنان والعالم فهل لهم أن يحصلوا يوماً على شبكة مياه وشبكة مجارير؟ والسلام عليكم.
الرئيس: شكراً حضرة الزميل.
أرفع الجلسة إلى الساعة العاشرة والنصف من صباح الغد.
رفعت الجلسة الساعة التاسعة والنصف ليلاً.