الرئيس بري تسلم جائزة الهراوي

10.07.2012

“فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان،
السيدة الأولى السيدة وفاء سليمان،
السيدة منى الهراوي،
السيدات والسادة لجنة احياء ذكرى الرئيس الياس الهراوي،
الحضور الكريم، مساء الخير،

يوم ودعتنا ايها الرئيس الصديق الى الغياب وقد انهكك المرض الذي قاومته بكل الحب للوطن والناس، لم تنطفىء في نفسي ضحكتك ، وبقيت اراك تلاطف حزن الجميع ، واراني اخفي عيني عنك واحاول ان انجو الى اوراق ذكرياتنا المشتركة ، ولكن اذ ذاك يباغتني نزيف في الشمال او الجنوب وقلق في بيروت او البقاع وشكوك و حزن في صيدا ، واشتعال دواليب اعمارنا على مسار هذا الطريق او ذاك ، فأترك حبري خلفي واخلع عني ثوب الكتابة واقوم الى امانتك : لبنان ، احاول ما امكنني ان انجو به من ان يرميه ابناؤه او اشقاؤه في الجب ثانية .

ثم ها اني هذا المساء وبدعوة كريمة من لجنة احياء ذكراك اسعى الى يومك وانا احاول القول فأدخل الى لبنان من بابك .

للبنان اذن ، بيت الارز وحديقة اشجار الحرية و البرية.

للبنان وطن الضوء رغم تقنين ضوء الشمس والكهرباء ووطن الماء في ارضه العطشى .

للبنان وطن الاشياء البسيطة ، وطن السهل الممتنع في البقاع ، وطن الشمال العصي على الفتنة ، وطن الجبل الذي يرتفع بثقة فوق مد البر ، ووطن جنوب نغم الدمع المتصاعد على الكارثة المشدود بعزيمة البطولة ، ووطن بيروت السيدة الجليلة المقيمة لؤلؤة على تاج الشاطىء وعاصمة ابدية للغة العربية المذهبة .

ولرئيس من لبنان ،من تراب زحله وماء البردوني ، وهبط علينا حاملا” معه احاسيس الناس العاديين العمال والمزارعين و المياومين نعم المياومين والفلاحين ، الذين يحملون الشمس على عرباتهم ويفتحون باب الصباح ، احاسيس اولئك الذين يصنعون حياتنا اليومية بقوة عملهم وانتاج عرق جبينهم .
لرئيس من لبنان كان في داخله ثائرا ” ومتمردا” و شجاعا لا أشجع من رئيس رأيته حتى الفوضى التي تستقيم على طريق الدولة .

لرئيس من لبنان ترك كما الشجر صورته متوهجة في قلوبنا وعلى اوراق الصلصال في السهل الذي احب.

الياس الهراوي الذي كان يرى النهار في الضوء وليس مؤامرة دبرت في ليل ، والذي كان ينظر بأسى الى اولئك الذين ينظرون ولا يرون وينصتون ولا يسمعون .

للرئيس الحبيب اللطيف الذي كان يؤمن ان السلام ينبجس من كل مكان ، من فزع المدن من حكام الخوف ، ومن فزع القرى المعلقة على الحدود من العدوان ، ومن فزع الناس مما تخبئه الايام .

وللرئيس الصديق الذي ظل يحاول ان لا تنطفىء شمس النهارات لتنير الطريق للايدي الممدودة للتلاقي ، وكي يرى بأم العين شجرة السلام تصعد في السهل كنوز جذورها في الارض وفروعها في السماء ، والعصافير تعرج منها الى فضاء لا ينتهي ، وتسافر الى جهات الوطن تحمل بذور المحبة الطيبة الى ارضنا الطيبة .

للرئيس الكبير الذي لم يكن متسامحا” في قضايا الحياة والمصير ، والذي تصدى للمسؤولية الوطنية يوم كان لبنان يحاول سلامه بعد حروب صغيرة على حدود بيت بيوته ، وحروب كبيرة على حدود لم تزل لا تنتهي مع عدو طامع في ارضنا ومواردنا الطبيعية .

للرئيس الياس الهراوي الذي كان يعرف ان السلاح للدفاع عن الوطن وليس لحراسة المواويل والخرافات وللسيطرة ، وان سلاح الانظمة بعيدا عن حدود السيادة سيصدأ تحت مطر الحرية .

للبنان ولذكرى فخامة الرئيس الياس الهراوي ولكم الف تحية و تحية وبعد ،

يستحضرني الرئيس الهراوي اليوم وكل يوم وكذلك ” كلما دق الكوز بالجرة ” وهو لا يتوقف عن هذا الفعل ، فأعود اليه ابحث عن الاجوبة او عن طريقة لتدوير الزوايا ، وهو كان الخبير في الحياة السياسية اللبنانية وتناقضاتها ، والذي سعى طوال عهده الى اعادة الجميع الى الواقعية انطلاقا من احترام صيغة العيش المشترك وتقديم الجميع تنازلات لمصلحة الدولة وارتكازا على اتفاق الوفاق الوطني ، وعلى ان يكون الدستور هو الحكم وان يكون القانون هوالحاكم .
يستحضرني لأكون منتبها الى اولئك الذين يتصرفون وليكن من بعدهم الطوفان ، والذين يضعون الوطن امام خيار اما ان يكون في قبضتهم وإما ان يقع فينكسر كآنية الزهر .
اتذكره وانا لا انساه وهو يتابع بدقة ترجمة اتفاق الطائف الى نصوص دستورية ، ويتابع عملية توحيد الجيش ، واستعادة مرافق الدولة ، وارى ضحكة عيونه المعبرة عن فرح غامر وقد استعاد لبنان حياته البرلمانية واجريت اول انتخابات نيابية عام 1992 بعد عشرين عاما من اقصاء صوت المواطن عن المشاركة في كل ما ينتج حياة المجتمع والدولة .
لقد ربح الياس الهراوي رهاناته بالوقت والصبر ، واسس لنهاية الحرب الاهلية وقيامة لبنان الوطن العصي على الفتنة اليوم ، والعصي على كل محاولة لاعادة انتاج الحروب .
ها اني اسمعه في هذه اللحظة السياسية وفي كل لحظة يتهدد فيها الوطن ،اسمعه وليسمعه معي لبنان وهو يقول : ” يا جيش لبنان انت القدوة ،الخلقية ،المناقبية والانضباطية والتضحية من اجل الوطن والمواطن ، واسمعه يؤكد فهل تسمعون معي : ” نريد جيش الدولة لا جيش الاشخاص او الطوائف ، جيشا” يصون الدستور ويذود عن الديموقراطية فيحمي المعارضين في حدود حمايته للدولة والمواطن والوطن وسلامة لبنان ” .
هل سمعتم؟

هل انتبهتم والاوطان من حولنا وفي عمق اعماقنا من المحيط الى الخليج تتخبط وتهيم وتكاد تضيع وتكاد تتفتت وتتكسر؟

هل انتبهتم الا اننا لا يمكننا ضمان رسوخ الوحدة واستمرار حفظ السلم الاهلي بالقبول بتجزئة الامن او الامن بالتراضي، بل بقيام الجيش بواجباته لصون حدود السيادة وحدود المجتمع .

اتذكره وكيف انساه وهو يقف في الطليعة لمقاومة لبنان الرسمية والشعبية على خط النار بمواجهة عناقيد الجريمة والاجتياح الاسرائيلي للبنان بكرة النار الجوية والبرية والبحرية في اعوام 1993 و 1996

اتذكره ولن انساه يوم وقف على منبر قانا لرعاية الجلسة الختامية للاتحاد البرلماني العربي ، التي انعقدت تضامنا” مع لبنان وشهداء قانا عندما قال: “لا نريد لقانا ان تتحول الى حائط مبكى، لأن لبنان اكبر من ان يتحول الى ضحية مهما توهموا انه ارض سائبة او فرق حساب.

واذكره على منبر الشهادة والعرس وهو يقول حرفيا أيضا:
“اذا كانت قوة اسرائيل في سطوتها العسكرية فإن قوتنا هي في وحدتنا، بتمسكنا بالحق، بتعلقنا بالشرعية الدولية، بإيماننا بالشرق العربي، بتجذرنا في ارضنا التي صمدنا عليها في وجه اسرائيل”.

وأرى بعيني الرئيس الهراوي صورة المشهد العربي نفسه منذ يوم 17 ايار 1996 غداة مجزرة قانا الى اليوم عندما حدثنا رؤياه الى البعيد قائلا” أيضا وأيضا حرفيا:
” ان اسرائيل تنتهك سيادة لبنان بينما متاعب الداخل تنهك بعض الدول الشقيقة” ، مضيفا” ان التحديات التي تواجه العرب لا تعالج بإجراءات السياسة وحدها ولا بد من صحوة عربية متجددة”.

لقد رأى فخامته ان اول هذه الصحوة تكون بتحرير الارض وان تعزيز الديموقراطية والحرية هو المقدمة للتنوير ولبناء المؤسسات ولتطوير المجتمعات وتحقيق النهوض لا سيما في الشرق الاوسط مشدودة الى ترتيبات اقتصادية وامنية ومائية ونفطية وسياسية وتنافسية قد تخلق انقلابات جذرية في اوضاعه.

هل ترون ما اصدق تلك الرؤية التي تضمنها كتاب قانا قبل ستة عشر عاما؟
ان اسرائيل اليوم لا تزال تنتهك سيادة لبنان برا وبحرا وجوا، تحتل اجزاء عزيزة من ارضنا وتسرق من ثرواتنا الطبيعية الاقتصادية في المتوسط وتخرق مجالنا الجوي.
وها هي تشن الغارات وتعتدي على حق الفلسطينيين في الحياة بعد ان اعتدت على حقوقهم في ارضهم وشردتهم.

كل ذلك فيما متاعب الداخل تنهك الدول الشقيقة.
وها نحن وقد عجز النظام العربي عن معالجة المشكلات والتحديات ، يقف مأخوذا” امام صحوة عربية متجددة .

ها هي مصر العزيزة تدخل عهدا من الديموقراطية ، فإذا ما استطاعت صنع سلامها واستقرارها وبناءهما نكون جميعا” امام سبع سنوات سمان بعد السنوات العجاف.

اما نحن فأشهد، ايها الرئيس الراحل، اننا ما زلنا، مع الأسف، لم نتعلم من الدروس والعبر.
ما زلنا نذهب الى الوفاق والحوارالذي يرعاه فخامة الرئيس ميشال سليمان “رجلا الى الامام ورجلا” الى الوراء.

ما زلنا نحمل على اكتافنا احمال هواجسنا ومخاوفنا ولا نبادر الى بناء ثقتنا بأنفسنا وببعضنا.

ها نحن لازلنا نقف امام متاريس عصبيتنا وطائفيتنا و مجدداً مذهبيتنا .

ها نحن لا زلنا على جهاتنا وفئاتنا

ها نحن لازلنا على ” حطت ايدك ” لا نبادر الى قيامتنا .

ها نحن حمى الله لبنان منا ما زال فينا بعض الامل ونحن نتمسك بإيماننا بأن لبنان سينتصر على انانيتنا، وبأن تاريخ لبنان وتراثه الانساني والحضاري الكبيرين كبر مستقبله نفسه، سيأخذان بيدنا نحو سلام انفسنا وسلام وطننا الذي لا بد ان يكون انموذج العيش المشترك في هذه القرية الكونية.

فخامة الرئيس،
الحضور الكريم،

تحت قبة البرلمان وهو البرلماني العريق والسياسي المخضرم، منح الرئيس الراحل الياس الهراوي البرلمان اللبناني وسام الاستحقاق اللبناني برتبة وشاح الاكبر الى مجلس النواب في اطار تشجيعه تعزيز النظام البرلماني الديموقراطي .

وتحت قبة البرلمان، وقف الرئيس الراحل في ذكرى 14 اذار 1995 الذكرى السوداء للاجتياح الاسرائيلي عام 1978 بعنوان “عملية الليطاني”، والتي استنهضنا خلالها ذاكرة لبنان والعالم عبر ديبلوماسية برلمانية للفت الانتباه الى تنفيذ القرار 425، والا فإن المقاومة كفيلة تنفيذه. في تلك المناسبة، وقف فخامته ليؤكد في مطلع كلمته رفض لبنان التنازل عن ذرة واحدة من ترابه وسيادته، وليؤكد بإسم لبنان ان بلدنا لم يعد يقبل ان يدفع من رصيده في رد افتراءات اسرائيل ومناوراتها، وان لبنان لم يعد فرق حساب في لعبة الصراع والسلاح في المنطقة ، لم يعد ساحة لتصفية حسابات احد.

قال الرئيس الهراوي: “السيادة لا تتجزأ ولا تقتطع”.

الآن، ايها الحضور الكريم، اقول على منبر الرئيس الهراوي ان الاستراتيجية الدفاعية يجب ان تبنى استنادا الى هذا المبدأ الذي يمنعنا من التفريط بحدود سيادتنا البرية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر، ومياه انهارنا وفي حدود سيادتنا البحرية على منطقتنا الاقتصادية وثرواتنا الطبيعية وعلى سيادتنا على مجالنا الجوي.

إننا في بناء استراتيجيتنا الدفاعية ومن اجل انعاش الذاكرة الوطنية نؤكد ثوابت الرئيس الراحل الياس الهراوي:

اولا: لا تنازل عن حبة تراب واحدة من ارضنا في الجنوب والبقاع الغربي واضيف لا تنازل عن ترسيم حدودنا وثرواتنا البحرية والنفطية.

ثانيا: لا تسليم بإستمرار اهلنا وارضنا والكرامة فريسة للاستباحة والتسيب والقهر.

ثالثا: من لا يريد المقاومة عليه ان يضع حدا للاحتلال، ونحن مع الأسف لا يمكننا قبول النصائح بوقف المقاومة وهم يغضون النظر عن قيام رئيس وزراء اسرائيل وحوله كل أسبوع معظم وزرائه بتفقد قوات جيشهم لدعم الاحتلال لارضنا ومناورات يبنون عليها ما يشبه الجنوب. هم يقولون لنا الحرب من اجل وطنكم لم تنته بعد.

فخامة الرئيس ميشال سليمان
السيدة منى الهراوي
لجنة احياء هذه الذكرى
الحضور الكريم
طيلة عهد الرئيس الهراوي كنت فخورا” وسأبقى بأني احد ثلاثي الهرم الذي ضمني الى الرئيس الياس الهراوي والرئيس الشهيد رفيق الحريري، واننا سويا” عبرنا بلبنان من ساحة الحرب الى ساحة السلام والاعمار .

سأبقى فخورا” بأني احد ثلاثي الهرم وليس “الترويكا”، لأننا سويا” سرعان ما غادرنا هذا العنوان بحيث اردنا ان نكون رؤساء لمؤسسات الوطن المفصولة السطات المتكاملة والمتعاونة في المهمات .

اليوم، سيدتي، أقبل التكريم معتبرا انه للرئيس الراحل وليس لي فقط تحية لدوره الوطني الميثاقي وتحية لاخلاصه للبنان.
عشتم، عاشت ذكرى الراحل الكبير، عاش لبنان”.

هذه التدوينة نشرت في خطابات. الإشارة المرجعية.