الرئيس بري خلال افتتاح مهرجان “لبنان السنوي للشعر العربي” في الأونيسكو

القى  الرئيس بري الخميس 24/10/2008 بمناسبة افتتاح  مهرجان “لبنان السنوي للشعر العربي” الكلمة الاتية: “بعد ان عبر لبنان معمودية النار الى استعادة وفاقه في الدوحة وبعد  ان عاد وسلك طريق الديمقراطية التوافقية كما في الطائف والدستور وانتخب رئيسا  للبلاد وتشكلت حكومة وحدة وطنية ونهض مجلس النواب بمسؤوليته التشريعية وكان من  بواكير انتاجه قوانين تخص الثقافة.

وبعد ان دبت الروح في جسد المجلس الدستوري وبعد ان اقتنع الجميع بسلوك طريق  المصالحة الى المصافحة والمصارحة وبالتالي العودة الى الحوار لبحث سبل الدفاع عن  لبنان بمواجهة العدوانية والاحتلال الاسرائيليين.

وبعد التصميم الوطني على مواجهة تحدي الارهاب بعد كل ذلك لم يكن ينقصنا سوى الشعر  كي لا يبقى الشعراء وحدهم يحتكرون الشعر لنتأكد اننا نتمتع بحق الحياة وباحساس  متزايد بالحرية وبقوة على التمرد والمقاومة وبأننا نملك دائما مساحة وزمنا للحب  والجمال.

اقول لم يعد ينقصنا سوى الشعر العربي الناضج لا الاختباء في لغة من يضطهدنا رغم  اليأس الذي يزحف ببعده وببطء ويكاد يلتهم ارادتنا ويأخذنا الى حد الاحباط وصولا الى  نعي الشعر لذلك ايضا اعلن افتتاح مهرجان لبنان السنوي للشعر العربي.

وارحب بداية بالشعراء العرب من محيط الامة الى خليجها الى قبس من سوق عكاظ الشعر  الذي ينفخ عواصف الوجد والشوق عند شبابيك احلامنا والذي يدق على ابواب قلوبنا  بالنسوة اللواتي يسرحن على رقصة ضوء سراج الرغبة الى قطاف التبغ.

واهلا بكم الى الشعر قصيدة حرب وخندقا للمقاومة وكلمة حق وميناء اسرار ومواسم الالم  وعيون الامل وصمت المعنى وسرير الحب.

اهلا بالشعراء الذين يأتون الى شمس بردنا وسلامنا على رؤوس اصابع الكلام يتسللون  الى ارواحنا ويسلبون منا بكل تمهل وتواضع انتباهنا ويديرون رؤوسنا ويشبعون جوعنا  الى اللغة ويسقون كربلاء امتنا المستمر ثم يمشون في نومنا على زيح الاحرف ويذوبون  في سكر اللغة.

اهلا بالشعراء الذين يقولون احزاننا المعبرة عن سعادة شقائنا ويقولون خيبات املنا  من الانظمة ويقولون اخفاقاتنا في المكاشفة ويقولون عروبتنا (واعرباه) ويقولون  فلسطيننا (واقدساه) او يقولون جنوننا او سكتنا وحناننا وتحناننا وطفولتنا وفرحنا  ورماد حزننا واعمارنا والوقت الذي لا يستريح ويقولون جنوبنا ومقاومتنا وشهادتنا  وموتنا حتى على الموت لا تخلو من الحسد وشموخ ارزنا وحكمة جبالنا وقلق شمالنا  وامتناع سهلنا ويقولون ما قاله محمود درويش: بيروت خيمتنا.

واهلا بالشعراء الذين يعترفون بالجهة السادسة وبدالية الضوء, واغاني المطر وبالشلال  الذي يصعد الى النبع, اهلا بالشعراء الذين يعرفون ان لبنان هو كلمة السر التي نفتح:  باب الزمان وباب المكان وباب الزيتون وباب التين وابواب الرمان على لغة الشعر.

اهلا بهم وهم يأتون الينا ليأخذونا اليهم, فنحث الخطى خلفهم ولا ندركهم, وهم  يسابقون فرس الريح الى مدن حنونة دون برد, ويطلقون عفاريت قوافيهم في برية القصيدة  راكضة كغزال, قوية كزلزال, لطيفة كفراشة, طليقة مثل حرية الشمس, انيقة مثل اليوم  الآخر. ودائما اهلا بكم في لبنان حديقة ومشتل الارز الخالد وبيت القصيد. واهلا بكم  في عروس بقاعه زحلة حيث تحتفلون غدا بأمسيتكم الشعرية الثانية على مسمع من شوقي  وقيثارة البردوني.

واهلا بكم بعد غد الى عاصمة الانتفاضات والتحرير والمقاومة بنت جبيل بيت بيوت  العروبة, حيث تنشدون اشعاركم تحت قباب تلالها وعلى منبر مربع الصمود.

واهلا بكم هذا الموسم في هذا العام في عيد الشعر اليوم وفي العام القادم حيث يحتفل  لبنان ببيروت عاصمة عالمية للكتاب.

وبعد وبعد, اود بداية ان اتقدم بالشكر من الجهات الداعية التي شرفتني رعاية هذا  المهرجان, وهو امتحان ادخلتني به امام اهل الكلمة الذين يحاولون اصطيادي على ما  فعلوا دائما في مياه الكلام العكرة, والذين سأحاول اصطيادهم ماحييت وهم يضغطون على  جرحي بمطلع كلامهم: السلطة يا والدي قفص من ذهب.

الحضور الكريم, في هذه العجالة والموقف لا يحتمل الا الشعر, اعيد التأكيد من جهتي  ان استقرار النظام الثقافي في لبنان على كل ما يقال ان الاساس هو النظام السياسي او  الاقتصادي كما في اي مكان آخر, هو الاساس الراسخ لاستقرار النظام العام السياسي  والاقتصادي والاجتماعي والامني, وانما اعاكس المنظرين الذين يزعمون ان النظام  الاقتصادي هو الاساس, وكذلك الذين يزعمون ان النظام السياسي هو الاساس, لاننا في  الانموذج الدولي نرى ان السياسة كما الاقتصاد غير محكومين الى ضوابط اخلاقية, كما  اننا رأينا ان لبنان الذي سلك شارع المصارف والذي يتعايش الآن مع ازمة مديونية  هائلة وسبق وتخطى ازمة سعر صرف العملة الوطنية, دخل رغم ذلك في توترات دائمة, كما  ان لبنان الذي رفع اعلام ورايات وبيارق وشعارات كل المشاريع الايدولوجية في العوالم  الراسمالية والشيوعية. والاشتراكية، وكذلك المشاريع القومية والمشاريع الدينية كان  ولا زال يصطدم مع صورته في المرآة، ويقف على محاور الاختلاف واحيانا على خطوط تماس  متقاربه الى حد الاختناق، واحيانا كان يحاول الانتحار عبر حروب الاستتباع الاهلية،  والتي كاد ان يقع في آتون فتنتها الطائفية والمذهبية خلال ازماته الاخيرة، تلك  الازمات التي هي في كل ابعادها ناتجة عن عدم وجود مناعة مكتسبة بالتربية والثقافة  تجاه عناوين اساسية ابرزها: الديمقراطية – المشاركة – الحوار- التعايش- الوحدة  الوطنية.

لهذا السبب مثلت الثقافة بالنسبة لي ثروة وطنية باعتبارها وحدها كفيلة بصياغة  المفاهيم الموحدة والموحدة للوطن والمواطن والمواطنية والعاصمة والحدود.

لذلك فاني وبوجود معالي وزير الثقافة الصديق الاستاذ تمام سلام وبوجود ممثلي مؤسسات  الرأي العام الثقافية وعلى رأسها ملتقى الهيئات واتحاد الكتاب اللبنانيين ادعوكم  الى عقد مؤتمر للرأي العام حول هذه العناوين لبناء وصنع مفاهيم موحدة وموحدة لها.

وفي مسألة الثقافة في لبنان اوجه عنايتكم الى ان المجلس النيابي وضع في اولويات  مهامه منذ العام 1993 احداث وزارة للثقافة، من اجل مواكبة الدور المميز الذي يحتله  بلدنا على الصعيدين العربي والدولي وبصفة خاصة تجاه لبنان المغترب.

الا ان هذه الوزارة تعرضت فيما تعرضت له وزارات اخرى مثل وزارات المغتربين والتربية  والتعليم العالي والسياحة والبيئة الى عمليات فرز وضم وبقيت هيكليتها التنظيمية  تعاني من ضغوط من يريدها على شاكلة لبنان السياسي والامني ومن يريدها وزارة حديثة  وعصرية لهذه الاسباب بقيت جملة مشاريع وقوانين ثقافية تعاني من العرض والطلب والاخذ  والسحب و”الحيلكة”، الى ان شكلت الحكومة الحالية التي بامكانها المثول امام المجلس  في اطار التشريع والى ان تولى مقاليد وزارة الثقافة معالي الصديق تمام سلام الذي  لمسنا ان وزارة الثقافة لا تشكل بالنسبة له هامشا لوزارة اخرى كوزارة الخارجية  بالنسبة للمغتربين وانه يعتبر هذه الوزارة مهمة وطنية وهكذا اتخذ مجلس النواب  بتاريخ 8 تشرين الاول 2008 مبادرة تشريعية باقرار ثلاثة مشاريع قوانين تشكل وحدة  متكاملة لترابط عناصرها والتكامل في ما بينها، هي هيكلية وزارة الثقافة والمؤسسات  العامة المرتبطة بوزارة الثقافة والممتلكات الثقافية وعقبال قانون تنظيم المهن  الفنية والثقافية الذي وضعناه على نار حامية بعد ان ” فلقني ” رفيق علي احمد بالطلب  وبعد ان اتفق اصحاب الدار على بنائه.

اخيرا وليس آخرا في المجال الثقافي اقول، ان انشاء وزارة للثقافة والقوانين الجديدة  التي اقرت، كل ذلك لن يكون كافيا، الموازنة على الطريق، وطالما ان هذه الوزارات لا  يمكنها القيام بفعل ممكن لتحقيق المطالب والتوصيات التي رفعت لمعالي وزير الثقافة  باسم ملتقى الهيئات الثقافية قديما الذي انعقد في مركزنا في المصيلح بتاريخ 12 تموز  2008، وطالما لا توجد موازنة ملموسة، وطالما لا نعتبرها وزارة اساسية ولا تتوفر  الاعتمادات اللازمة لوزارة الثقافة للاسهام في طرح وانشاء فعاليات وانشطة ثقافة،  ومساعدة مؤسسات الرأي العام الثقافية على تحقيق برامجها في وقت يكاد فيه لبنان  يتحول الى (بيست) للفن الهابط نصا ونغما وروحا، ويتحول معه الفن الى اجساد مفرزة  للبيع.

ومن لبنان الى صورة المشهد الفلسطيني حيث تزداد الاطواق الاستيطانية حول القدس،  وحيث يزداد جدار الفصل العنصري ارتفاعا، وحيث تحاصر اسرائيل حق الحياة في غزة، وحيث  يضغط جلادوها في المعتقلات على صدور ما يزيد عن اثني عشر الف فلسطيني، بينهم اطفال  ونسوة – ان هذا المشهد – يستدعي الشعراء الذين كانوا منذ ضمير الامة منذ النخلة  الاولى في الصحراء لملء فراغ محمود درويش مرة اخرى والى عدم السماح لراية الفكرة  التي هي فلسطين بالسقوط.

مجددا ابارك هذا المهرجان للبنان – لوزارة الثقافة – للجهات الداعية والمنظمة –  ولكل من عصر عنقودا في خوابي القصائد التي تنتظر، ولكل من يحسنون الاستماع الى  بلابل المجاذيف التي تتضاحك مع الموج.

ختاما يستحق اللبنانيون ان يزدهر بلدهم بفصول الشعر الاربعة وان يتفاخروا على  العالم بقصيدة: لبنان. ”

ثم تحول المهرجان الى امسية شعرية شارك فيها الشعراء: الدكتور محمد علي شمس الدين  من لبنان، الاستاذ متوكل طه من فلسطين، عبدالقادر حصني من سوريا، ومحمد ابراهيم ابو  سنة من مصر

هذه التدوينة نشرت في خطابات. الإشارة المرجعية.