سيدي الإمام الصدر لحضورك الذي سكن صوتنا وصمتنا، وأخذ بيدنا وكفكف دمعنا، وأدرك عطشنا وجوعنا، وانتزعنا من النسيان. لكفيك، اللتين تستضيفان الله في الآذان والصلاة والدعاء. لصوتك المكيّ الذي يرن كجرس الزهر والمدرسة والكنيسة، والذي يورق في لغتنا أملاً مكابراً ويبوح بالمجد. للقرى التي بينها وبينك خبزاً وملحاً ووعداً، وتنام على صدرك وتحرسك في صدرها. لكل أسماء وعناوين الوطن التي تحتشد اليوم في يوم الصدر مشاهدة وشهيدة، تحية افواج المقاومة امل. وبعد… ها نحن ننتهي مرة كل عام الى الحزن، ونحن نحاول ان نستعيد خطو الامام الصدر حتى لا يغادرنا الى العواصم المسكونة بالظلام، وحتى لا تكسر الخرافة والجنون والوساوس حلمه العذب. فإلى متى سيبقى اختفاء الإمام الصدر معلقاً على عيون العرب يحتمون من حله بالنعاس؟ وإلى متى هذا التجاهل العربي والإسلامي لقضية إخفاء شخصية عربية وإسلامية، لم تترك سانحة للقيام بدور من أجل زيادة التضامن والعمل العربي المشترك، ومن أجل زيادة التنسيق بين الدول الإسلامية ومن أجل استعادة لبنان لسلامه الأهلي وترسيخ الاندماج الوطني وبناء صورة لبنان كوطن للتعايش مقابل إسرائيل العنصرية؟ وإلى متى تستمر معاقبة المقاومة والصامدين في الجنوب والبقاع الغربي والمحرومين في كل لبنان من النظام الليبي، عبر استمرار اختطاف سماحة الإمام القائد السيد موسى الصدر ورفيقيه فضيلة الأخ الشيخ محمد يعقوب والصحافي الاستاذ عباس بدر الدين وبالمناسبة، القضية ليست مجهولة وليست لغزاً على الإطلاق كما قال سماحة الأخ الشيخ محمد مهدي شمس الدين. لقد وجهت للإمام الصدر دعوة رسمية إلى ليبيا فلبّاها، وغادر إلى ليبيا، وأقام في فندق الشاطئ وشوهد من قبل الأحزاب والقوى الوطنية التي كانت تحضر آنذاك ما يسمى بالفاتح من سبتمبر. ادعى بعد ذلك ان الامام الصدر غادر إلى ايطاليا، وفتح تحقيق من قبل القضاء اللبناني، وارسل آنذاك نائب مدير المخابرات اللبنانية الى ليبيا، وقدم تقريراً وصدرت مطالعة من القاضي الأستاذ طربيه رحمة تؤكد ان الإمام الصدر لم يغادر ليبيا على الإطلاق. فتح تحقيق في إيطاليا ولدى المدعي العام في روما وقدم تقريره كاملاً يؤكد ان الإمام الصدر لم يغادر ليبيا. الامام الصدر في عهدة معمر القذافي، الامام الصدر مسؤولية معمر القذافي، مسؤولية هذا النظام الذي اعلن ثماني وحدات عربية ولم تنجح وحدة واحدة على الاطلاق. هذه هي الحقيقة بالنسبة للموضوع. الأمر ليس بحاجة إلى لجان، فلنتنبّه جيداً، إذا أردنا أن ننهي موضوعاً ما نؤلف له لجنة، إذا أردت ان تدفن موضوعاً ما فألّف له لجنة، لا نخدع ولا نُغش على الاطلاق. ان الامام الصدر ورفيقيه مسؤولية امام معمر القذافي عليه ان يظهرها، وعلى الأنظمة العربية والإسلامية وعلى لبنان بالتحديد والجمهورية الإسلامية الايرانية الصديقة ان تعنى بهذا الموضوع كل العناية للمطالبة بجلاء قضية الامام الصدر من شخص معمر القذافي لا أكثر ولا أقل. والموضوع ليس حادث سير لنؤلف له لجنة ونحدد له المسؤولية. لا بد اليوم من التأكيد على الثوابت التي شكلت مشروع الإمام الصدر، وتشكل برنامجنا للبنان الذي نريد وهي: أولاً: وطن متطور عصري في مستوى أماني المواطنين. ثانياً: رفع الحرمان بالاستثمار على الثروات الوطنية، وخلق الكفاية الاقتصادية والاجتماعية. ثالثاً: مواجهة الخطر الذي مثلته وتمثله اسرائيل على لبنان والعرب في الماضي والحاضر والمستقبل. ان مفهومنا للدولة ودورها يتفق تماماً مع خطاب القسم في تجسيد ثقة المواطن بالدولة. ان حركة امل هي اول من نادى بدولة المؤسسات ودولة القانون، وعملت وتعمل بإخلاص باتجاه بناء دولة سماوية لا دولة دينية، دولة لا تمثل مصالح الأكثرية ولا الأقلية بل دولة تمثل مصالح جميع المواطنين، تترفع لتقترب من السماء وتكون بعيدة عن الحزب والطائفة والفئة والمنطقة. لقد أشرنا بإصبعنا علانية إلى مكمن العلّة في الدولة وإلى ما نسميه في الدارج القطبة المخفية في الطربوش، التي لا يعرف سرّها سوى الكوى، وقلنا ان العلّة ليست في الصلاحيات ولا في دور السلطات ولا في النظام البرلماني الديموقراطي، بل هي وكلنا نعترف والكل لا يقاوم هذا الامر العلة في الطائفية السياسية في هذا الاختراع البغيض الذي يبقي لبنان متخلفاً ومحكوماً بعوامل القلق على المصير. إن إلغاء الطائفية السياسية هو الخطوة الأكثر وطنية في بناء ثقة المواطنين والعالم بالدولة، والأكثر إلتزاماً بتقدم وازدهار الإنسان والحياة في لبنان. اننا نراهن على ان مجلس النواب سيتجرأ في ظل العهد الحالي على اتخاذ الاجراءات الدستورية الملائمة لتحقيق الغاء الطائفية السياسية، وفق خطة مرحلية بدءاً بتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس البلاد لدراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية ومتابعة تنفيذ الخطة المنتظرة. ان هذا الامر وحده هو الذي يؤسس لاعتماد الكفاءات في المراكز والوظائف بمعزل عن الانتماءات الطائفية والسياسية والمناطقية، كما ان الامر وحده هو الذي يلغي التمييز الطائفي والفئوي والمناطقي. اننا وبانتظار تشكيل الهيئة الوطنية لدراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية فان برنامج حركة أمل سينحاز في الممارسة الى جانب بناء الثقة بشفافية الدولة عبر: أ- رفض اختصار مؤسسات الدولة بأي من أشخاصها. ب- بتأكيد تصميمنا على التزام مؤسسات الدولة لمهماتها وفق الدستور وتطبيق القوانين المرعية الاجراء والتزام الانظمة الداخلية لعملها، بما يضمن التقيد بمبدأ فصل السلطات وتعاونها وتوازنها. ج- مقاومة التوظيفات من خارج دور الاجهزة المختصة في امتحان المرشحين اعتماداً على ان الوظائف ليست منصباً بل ادارة لتخطيط المشاريع وتحقيقها في اطار خطة الدولة. و- اننا مع اعادة هيكلية وظائف الادارات اعتماداً على التوصيف الوظيفي وعلى تقييم الاداء الوظيفي وعلى المراقبة والمحاسبة الشاملة ودون تمييز. اما على مستوى رفع الحرمان باستثمار الثروات الوطنية فقد وجهت ايها الاعزاء عناية الدولة دائماً في يوم الامام الصدر حيث اقيم في صور وبعلبك والنبطية وبيروت الى الآلام والكوارث المترتبة على الوقائع الاقتصادية والاجتماعية والى ضرورة وضع الخطط لتحرير لقمة عيش الفقراء ورفع الحرمان. لقد حاول الامام الصدر قبل ان يصيب لبنان ما أصابه بفعل تلك السياسات وبفعل حروب اسرائيل ضد بلدنا، وقف التدهور وصياغة علاقة الدولة بالمناطق المحرومة، وخرج برجل الدين الى عالم الحياة والحركة فحبا في توحيد الجهود الخيرة وتجنيد الطاقات الانسانية، وكانت حركة المحرومين من أجل تأسيس مشاركة وطنية في بناء وصنع لبنان، وكانت أفواج المقاومة اللبنانية من أجل التصدي لما تخطط له اسرائيل ضد بلدنا. ولان بناء الصمود الوطني ومواجهة التطبيع وسياسات الجدار الطيّب وشابهها لا تنتظر، فقد عملنا تحت شعار كل الجهات الجنوب، لان لبنان لا يمكن ان يبتسم وجنوبه متألم. وانطلقت الاقلام الصفراء والالسن المخادعة تتناول هذه المهمة الوطنية ونقول جواباً على ذلك كله اليوم: كيف كان يمكن مطالبة الناس في الجنوب والبقاع الغربي بالصمود دون بناء شبكة مواصلات واتصالات وكهرباء وماء؟ كيف كان بالإمكان ان يصمد العطاش في اكثر من مئة وخمسين بلدة وقرية دون مشروع وادي جيلو وابار فخر الدين ولوسي وغداً مياه تفاحتا. كيف كان بإمكان الجنوب ان يتصل ببعضه البعض وبالوطن دون شق الطرقات وتسوية الطرقات القديمة واقامة الجسور. كيف كان يمكن مطالبة الناس بالصمود دون بناء شبكة المدارس او توسيع ما هو قائم والذي تجاوز المئتي مدرسة، ودون تعزيز المستشفيات الحكومية في صور وصيدا وتبنين وانشاء مستشفى النبطية؟ هل كان علينا القبول برشوة تشكيل هيئة عليا للإغاثة عند كل حدث او كلما دق الكوز بالجرّة؟. هل كان علينا ان ننتظر ان تنتبه الدولة الى انشاء مشروع للطوارئ الصحية حتى الآن لم يوجد لمواجهة اخطار حروب اسرائيل ضد بلدنا، ام ان نبادر الى تعزيز شبكة الدفاع المدني والاسعاف الصحي التي مر ارتال منها امامكم اليوم التي اقامتها المؤسسات الاهلية الانسانية والكشفية؟ هل كان علينا ان ننتظر مبادرات وزارات الخدمات للقيام بدورها، وهي كانت لا تعرف جهة الجنوب، وثقافة بعضها لا تقترب من حد معرفة اسماء البلدات المحررة من المحتلة؟ اني اعلن انه وعلى مسؤوليتي الشخصية انطلقت مبادرات وزارة الجنوب ومجلس الجنوب وبعض الادارات، والا لكان تعرض صمود لبنان للاهتزاز، ولتعرض امن بيروت الى الاهتزاز. وقال : نحذر الرأي العام اللبناني والعربي من الانسياق وراء حملة التفاؤل والرهان على ان باراك سيسلك الطريق نحو سلام عادل وشامل. كما ان اي رهان على خطوة اسرائيلية الى الخلف من الاراضي اللبنانية المحتلة هو رهان في غير محله، اذا لم تفرضه المقاومة. اننا نتوقع خطوات اسرائيلية للانتشار الى الخلف نحو مواقع تبادلية في اطار له معنى عسكري يرتبط فقط بالتقليل من ثمن الوجود الاسرائيلي في الاراضي اللبنانية، ولا يعبر عن حسن نية اسرائيل في تأكيد انه ليس لها اطماع مائية في لبنان، وهي تسرق مياه الوزاني وتسحب مياه الليطاني، وتستفيد الى الحد الاقصى من مياه الحاصباني، وفي تأكيد انه ليس لها اطماع ارضية في لبنان وقد استولت على مساحات شاسعة من ارضنا خاصة مزارع شبعا. ان اسرائيل مقابل اي خطوة الى الخلف ستقوم بخطوات عسكرية وامنية الى الامام داخل لبنان. اننا نحذّر من عمليات اسرائيلية عسكرية وامنية لإرباك النظام العام في لبنان. ان اسرائيل تزيد من استخدام التاسك فورس الجوية في اطار حربها المستمرة ضد لبنان. اننا نتوقع ذلك لان فترة السنة التي حددها باراك للانسحاب من لبنان هي مهلة مصممة لانهاك وكسر المقاومة من جهة، وتطويع الموقف اللبناني عبر محاولات ترهيب مماثلة لوقائع ليلة 24 ـ 25 حزيران المنصرم. ومن اجل افشال السلام الاسرائيلي نؤكد: أ- ان السلام حاجة لبنانية كما هو حاجة سورية وعربية، ولكن ما نرمي اليه هو السلام العادل والشامل المبني على قرارات الشرعية الدولية وفي طليعتها القرارات 242 و338 و425. ب- اننا نؤكد ايماننا بأن مقاومتنا ستزداد وهي سلاح السلام اللبناني وعلينا فعلاً، ومشكورة الدولة وكل الشعب اللبناني بالانضواء تحت لواء المقاومة. ج- التأكيد على وحدة المصير المشترك مع سوريا وعلى التمسك باستراتيجية السلام التي رسمها الرئيس الاسد كخيار مشترك. ايها الاعزاء اننا في يوم الوفاء لقائد مسيرتنا الامام الصدر نعاهده على الاستمرار في ترسيخ صيغة العيش المشترك، وتعميق الوحدة والاندماج الوطني، وفي الحفاظ على لبنان حديقة للحرية وموقعاً لتلاقي الحضارات، وفي جعل بلدنا نموذجاً للدولة العصرية ودولة القانون، وفي الوفاء لسوريا التي كانت الشقيق وقت الضيق والتي لا زالت تعمر مقابل اسرائيل التي تدمر، والتي تواصل تقديم التضحيات من اجل ضمان استقرار لبنان وازدهاره.