الرئيس نبيه بري لـ”الشراع”: لبنان “حارة كل مين إيدو الو” والرهان الصحيح والوحيد هو على تفاهم سعودي – ايراني

_HIM8

“نعم هناك أزمة، ولبنان حالياً يراوح مكانه وهو واقع في الفراغ ويبدو ان حالنا يشبه حال القطبة المثقوبة التي كلما رتيناها من مكان انثقبت في مكان”. بهذه الكلمات المعبرة، يشخص رئيس مجلس النواب نبيه بري الواقع القائم في لبنان، في حوار شامل وطويل مع “الشراع”، فرضه كم الأسئلة المطروح عن واقع المنطقة برمتها وحجم المخاطر التي تتعرض لها و”تسونامي” الثورة في مصر كما يصفه بري لإصلاح غلطة السماح بسرقة أو خطف الثورة، وصولاً الى مآل ما سمي “الربيع العربي” والمخاوف من تقسيم سورية وفق النموذج الكوري مع دولة عرقية وحزام أمني اسرائيلي، والإنعكاسات الخطرة للتداخل بين الأزمتين في لبنان وسورية.

هذا الحوار مع الرئيس بري، لا يختص بيوميات السياسة في لبنان، وإن كان يجملها بتوصيفات يبرع فيها عادة بحكم امتلاكه ناصية البلاغة في الإيجاز، واسقاطه ما في الذاكرة من أقوال مأثورة وأمثلة شعبية تنطق بما لا تنطق به المطولات.في هذا الحوار الرؤيوي البعيد عن حرتقات السجالات والحملات الضيقة .

يستفيض الرئيس بري في تشخيص مكامن الداء إسلامياً وعربياً ولبنانياً، بدءاً من الحديث عما هو مكتوب ومحضر من مشاريع تستهدف تقسيم المقسم في دول المنطقة وتعميم نموذج تقسيم السودان، مروراً بالإضاءة على أسباب ما أصاب النظام العربي الرسمي من تفكك وتراجع وسبل الخروج من ذلك عبر استعادة مصر وسورية دورهما واستعادة تفاهمهما مع المملكة العربية السعودية وصولاً الى التحذير من مخاطر الفتنة المذهبية وأهمية الحوار والتفاهم بين السعودية وايران لمصلحة المسلمين، منوهاً بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز بين المذاهب الإسلامية، والتأكيد بأننا: “اليوم أحوج ما نكون الى تفعيل مبادرة خادم الحرمين الشريفين بإنشاء لجنة حوار بين المذاهب الإسلامية”.

في هذا الحوار، يقف بري في قلب الحدث اللبناني والعربي، قارئاً لأبعاده من زواياه العديدة والمختلفة، نابذاً قوالب المواقف الجاهزة الدارجة هذه الأيام لدى السياسيين والزعماء والقادة، مقدماً لصورة “الأستاذ” الذائع الصيت بها، المفكر، صاحب الرؤية، مستعيناً بما يختزنه من تجارب وخبرات راكمها كزعيم سياسي لبناني – عربي مخضرم صاغ لنفسه هوية عابرة للخلافات والإنقسامات والحدود عندما قال أنه سني الهوى وشيعي الهوية وعربي الإنتماء، ليس بهدف توسل مشروعية ما بل لتقديم نموذج للوحدة كمواطن عربي أثقلته عوامل التفرقة والإنقسام والإملاءات الخارجية ويتطلع الى نيل حقه كعربي بين الأمم.

لا يملك بري عصا موسى وهو القائل في هذا الحوار ان “العطار لا يستطيع ان يصلح ما يفسده الدهر، الا أنه مثل الكوى الذي يعثر على القطب المخفية في الطرابيش” ولهذا فإن الأنظار تبقى شاخصة إليه من الحلفاء والخصوم على السواء لابتداع مخارج تفضي الى حلول ولو مؤقتة أو جزئية لمشاكل وخلافات مستعصية.

وعندما يتحدث بري عن مشكلات الداخل يسهب في توصيفاته اللاذعة، خاصة عندما يقول أن لبنان “حارة كل مين إيدو الو” وتبدو فيه “كل عنزة معلقة بكرعوبها” مشيراً الى أن هناك من يدير حرب عصابات سياسية وأمنية ضد وحدة البلد وفي الوقت نفسه يبدو كمن يملك خارطة طريق للإنفراجات المنشودة رسم خطوطها بحرفية لشق دروب مفتوحة بديلة للطرق المسدودة أمام عودة الحوار والتفاهم بين اللبانيين، قبل أن يؤكد بثقة لدى الحديث عن الفراغ أن يكون للبنان رئيس للجمهورية وأن عقدة الرئاسة في لبنان لها حل.

ولا يفوت الرئيس بري التحذير من مخاطر استمرار الأزمة السورية على الوضع في لبنان، مشدداً على انخراط لبنان في المسألة السورية لن يحدث خرقاً ولن يغير المعادلات لأن جغرافية الحرب السورية لا تتأثر بتقدم أو تراجع في محور، أكد أن إعلان بعبدا ما زال صالحاً للتقليل من انعكاس الأزمة السورية على لبنان.وفي ما يلي نص الحوار:

س:  شكل الغزو الأميركي لبغداد عام 2003 بداية لحقبة جديدة في المنطقة نجمت عنها الزلازل التي تضرب عدداً من دول المنطقة اليوم بعناوين مختلفة منها ثورات الربيع العربي وهي عناوين مواربة لمفهوم الفوضى الخلاقة أو الهدامة مثلما أسس الغزو بنتائجه ضربة للزعامة الأحادية التي حكمت العالم لمصلحة قيام عالم متعدد الأقطاب، هل توافقون أولاً على أن ما نعيشه اليوم هو من نتائج الغزو الأميركي وتداعياته؟ وهل نحن أمام اتفاقية جديدة غير معلنة من نوع سايكس بيكو. هل نحن بالتالي على أعتاب اتفاق يالطا جديد لتقسيم العالم الى مناطق نفوذ بين القوى العظمى؟

ج: الغزو الأميركي لأفغانستان ومن ثم للعراق لم يأت من دون مقدمات، ولا اقصد بالمقدمات الاسباب والنوازع والمبررات التي استخدمتها الولايات المتحدة وتحالف الراغبين لغزو افغانستان لتصفية ما وصف بقواعد ارتكاز الارهاب فيها ومن ثم العراق تحت ستار ازالة أسلحة الدمار الشامل، وهو الأمر الذي ثبت فيما بعد أنه غير صحيح، اذن ما اقصده بالمقدمات، هو وجود مشروع اميركي مكتوب بل مشاريع غربية مكتوبة للسيطرة على المنطقة جاء الغزو في إطارها  للتمهيد لتحقيقها.

اود في هذا السياق أن أعود قليلاً الى الوراء، لأذكر ان نفعت الذكرى، بالمندرجات التي أدت الى تفاهم الدول الصناعية الكبرى وتحديداً الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا الغربية على مشروع الشرق الأوسط الكبير وهو الأمر الذي لم تكن اسرائيل بعيدة عنه بل تستطيع التأكيد أن فكرة المشروع والمشروعات الإقتصادية في سياقه هي إسرائيلية مئة بالمئة طبعاً باستثناء سيطرة الولايات المتحدة على مصادر النفط وطرق إمداده.ربما يكون رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز هو أول من كشف عن هذا المشروع في مطلع السبعينيات ثم بعد سنوات طويلة (عام 2002) أطلق وزير الخارجية الأميركي آنذاك كولن باول مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط ثم تبع ذلك عام 2004 إعلان الرئيس بوش مبادرة لإقامة منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط.

عربياً قد يكون الفضل لمركز الدراسات الفلسطيني الذي كشف في إحدى نشراته عن مشروع إسرائيلي للشرق الأوسط ممول أميركياً أو مدفوع بمشروع مارشال أميركي وتبع ذلك جريدة “الحياة” في 13/3/2013 في تقرير من باريس تحدث عن ملامح مشروع أميركي لشرق أوسط موسع ثم بدأت تنكشف شراكة بعيدة المدى عما وصف بالتنمية البشرية العربية في إطار مشروع أميركي يجري توليده.

في هذا الوقت كانت أوروبا تواكب حركة المشروع الأميركي قبل أن يصبح المشروع مشتركاً حيث ظهرت عام 2002 ورقة المفوضية الأوروبية بعنوان “أوروبا الوسطى والجوار الجديد” ثم مبادرة دانماركية وبعدها ألمانية وبعدها ألمانية – فرنسية مشتركة ثم إقرار المجلس الأوروبي عام 2003 مشروع أوروبي للشرق الأوسط ثم ورقة بريطانية لإصلاح الشرق الأوسط والعالم العربي ثم مبادرة يابانية للتقريب بين العالم العربي وواشنطن وصولاً الى توافق (سي ايلاند) بين الدول الصناعية حول الشرق الأوسط الكبير والضمانات الأميركية لحضور اسرائيل في الشرق الأوسط وبداية طرح مشاريع التشابك الإقليمي في إطار نظام الشرق الأوسط الجديد.كان لا بد من هذه الذاكرة من أجل توجيه الإنتباه الى أن غزو العراق لم يكن بداية لحقبة بل كان خطوة في إطار مشروع مطروح منذ مطلع السبعينيات تعمل مراكز دراسات أميركية عليه بالتعاون مع اسرائيل صاحبة المصلحة في هكذا مشروع ثم جاءت فيما بعد استتباعات غزو العراق والحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006 والحرب المماثلة على غزة، ثم بدء تفكك النظام العربي تحت وقع ما وصف بالربيع العربي أو تحت ضغط ظل الفوضى الخلاقة التي جرت في إطارها كإستراتيجية معتمدة إثارة التوترات السياسية والعرقية والطائفية والمذهبية.

الآن نحن في ذروة مواجهة التحديات التي يطرحها المشروع الذي يموه نياته بتعزيز الديمقراطية وبناء المجتمع المدني وحكم القانون والشفافية والمحاسبة وسد فجوة المعرفة ومشاركة المرأة.. الخ، ونحن على مساحة حركة الربيع العربي وققنا أمام سؤال: هل أن ما يجري حركة تثوير غربية لمجتمعاتنا وهل أن التغيير مهمة امبريالية؟ أم ان التغيير مهمة وطنية وأن المطلوب صناعة الديمقراطية والحكم الرشيد لوطننا؟أنا أعتقد أنه تم المزج بين الخيارين وفرض بدائل للنظام العربي الرسمي عن طريق تركيب المعارضة الرسمية للنظام العربي مما أدى الى عدم استقرار النظام العام وهذا ما نلمسه في مصر وتونس وليبيا و.. غداً؟أعتقد أن “التسونامي” الشعبية التي شهدتها مصر في 30 حزيران / يونيو الماضي ثم في 26 تموز / يوليو تحاول إصلاح غلطة السماح بشرقة الثورة أو خطف الثورة والسلطة وان ما جاء به الربيع العربي سواء كان من نتاج مشروع الشرق الأوسط الكبير أم كان مصادفة فإنه سيعيد إصلاح نفسه وستتمكن شعوبنا من إنتاج نظامها السياسي من دون الخضوع لإملاءات.من جهة أخرى كان من أبرز الإنعكاسات الدولية “الإنتفاضة” الروسية – الصينية على خلفية الربيع العربي في بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا بعد الخديعة التي تعرضت لها روسيا في غير مكان خصوصاً عبر تهديد مصالحها في ليبيا.

روسيا حسب المصطلح الشرقي “أقامت الحد” في سورية ورسمت خطوطاً حمراء أمام الحركة الأميركية الأوروبية والحركة الإقليمية العربية لإنتاج سورية وفق السيناريوهات التي جرت من اليمن الى مصر وليبياً وتونس و..الصين تقف في صف روسيا خصوصاً وان المصالح الروسية – الصينية في الشرق الأوسط متماثلة والصين تبحث عن أسواق وهي تجد في الشرق الأوسط أسواقاً طبيعية وبيئة صديقة.روسيا استطاعت بفضل صمود سورية وسقوط الرهانات على سقوط نظامها من كسب الوقت وإعادة تنظيم صفوفها وتوزيع أساطيلها في البحار المحاذية وإعادة ترسيم دورها وصولاً الى الإعتراف الأميركي بعالم متعدد الأقطاب والإستعداد لمساومة روسيا وهذا ما يعبر عنه الإتفاق على “جنيف 2” الذي لا بد أن ينعقد.يبقى هل نحن أمام اتفاقية جديد غير معلنة من نوع سايكس بيكو؟ أو أمام مالطا جديدة؟في هذه اللحظة السياسية يبدو الشرق الأوسط وشمال افريقيا وكأنهما أمام تقسيم مماثل للسودان أي أمام الوقوع في تجربة فدراليات أو كونفدراليات.أنا متخوف من تقسيم المقسم كما سبق واستخدمت هذا المصطلح. الخوف ليس من إطاحة الأنظمة. الخوف الآن من تمزيق وحدة الشعوب والجغرافية والمؤسسات.يبقى أن الرهان على مصر.. على شعب مصر في الحفاظ على وحدة البلد وفي استعادة دور مصر في نظام المنطقة. المشكلة في النظام العربي·                   س:الزلازل المتعاقبة في المنطقة طرحت أسئلة مشروعة عن إخفاق أبناء المنطقة العرب وثانياً العالم الإسلامي في بناء الدولة الحديثة والديمقراطية بعد سقوط الدولة التوتاليتارية التي حكمت المنطقة لعقود بعناوين قومية أو بعناوين تتصل بالصراع مع اسرائيل هل المشكلة تكمن في بنى هذه الدول أو في ثقافاتها المتخلفة أم في طبيعتها التابعة لأنظمة التحكم والسيطرة في العالم؟ وبمعنى آخر هل أن ما فنده ابن خلدون حول منطق العصبيات والقبائل الطاغي على تطبيقات الإسلام ما زال الفيصل في صياغة الحياة العامة لشعوب المنطقة؟

ج: المشكلة تكمن في النظام الذي حكم الوطن العربي، وكما تكمن في مختلف أنماط السلطات التي كانت ترى وتلمس التحولات الدولية، وترى أن العالم بات محكوماً الى المصالح التي يجري تقريرها في منظمة التجارة العالمية وأن هناك قوى كبرى أصبحت أصغر من حجم الحركة التجارية لشركات دولية عابرة للقارات.أود أن أشير الى أن القمم العربية وكل مؤسسات جامعة الدولة العربية، كانت تأخذ قرارات منذ مطلع الخمسينيات بينها اتفاقيات اقتصادية كالسوق العربية المشتركة مثلاً واتفاقيات أمنية كاتفاقية الدفاع العربي المشترك مثلاً وصولاً الى تمكن لجان الجامعة من وضع مشاريع في كل المجالات التي تمكن النظام العربي من تحرير الأنظمة المتعلقة بقوة العمل والإنتاج وحماية الأسواق وفتح فرص العمل وبناء الثقة بالجوار الإسلامي وتحرير التجارة وفتح الأسواق ولكن كل الإتفاقيات بقيت حبراً على ورق.قرارات قمة تونس السادسة عشرة والتي انعقدت في العام 2004 تضمنت ثلاثة عشر بنداً خاصاً بمسيرة التحديث والتطوير والإصلاح ومثلت فرصة دولية أخيرة أمام هذا النظام ليعيد إنتاج نفسه وليعيد عصرنة وتحديث نفسه وليعزز المؤسسات الديمقراطية ولكنه كالعادة اتخذ قرارات مع وقف التنفيذ.كان يكفي أن يرفع الغرب يده عن هذا النظام ليسقط وينهار وهذا ما حدث في أكثر من مكان.على المستوى القطر لم تكن هذه الأنظمة قوية وقائمة بفضل الإستثمار على العداء لإسرائيل. تونس مثلاً لا تقع على خط تماس التاريخ والجغرافية مع فلسطين ونظام القذافي البائد كان يطرح مشروع اسراطين والنظام في مصر كان محكوماً الى اتفاقية “كامب ديفيد”. فلسطين ليست حجة ولا سبباً لا لبقاء ولا لزعزعة النظام العربي. السبب ضعف المعارضة وغيابها والدعم الدولي لإستمرار الأنظمة المتخلفة التي كانت تقسم كل شيء على اثنين حتى الإنسان.بالنسبة الى ما فنده ابن خدلون حول ما رآه فإن الشرق ما زال قبائل وشعوباً لم نتعارف بعد ولكن الإسلام لم يطرح كمقرر تربوي ولا سياسي، الآن الإسلام السياسي يطرح كبديل ولكن القائمين على هذا الطرح لا ينتبهون الى أن الدين معاملة قبل أن يكون مشروعا حزبياً تنظيمياً أو مشروعاً سياسياً. الدولة ضمن الدولة

   س:  برز مع سقوط مبدأ الدولة الشاملة أن ما يراد تعميمه هو مبدأ الدولة ضمن الدولة أي دولة الجماعة أو الفئة الحاكمة في ميدان الدولة العامة. ومثال مصر خير برهان على هذه النظرية التي تسقط اليوم ولكن لحساب الفوضى والمثل لا ينطبق على مصر فقط فقد سبقها الى ذلك كثيرون في عدد من الدول من تونس الى ليبيا الى لبنان والعراق واليوم سورية إضافة طبعاً الى فلسطين بين السلطة الوطنية وحركة حماس هل توافق على هذا التوصيف؟ وهل بات العرب أمام أما الدولة الديكتاتورية أو الدولتين ضمن الدولة الواحدة أو الفوضى؟ وهل من سبل للخروج من هذه الدولة القاتلة؟

ج: في السؤال أن الدولة في مصر تسقط لحساب الفوضى أنا لا أرى ذلك، أنا رأيت تظاهرة مليونية بالفعل في 30 حزيران / يونيو وكذلك الأمر بتاريخ 25 تموز / يوليو هي الأكبر في التاريخ كانت الأكثر سلمية وتنظيماً.تاريخياً الجيش في مصر حامي النظام، أتمنى الإنتباه الى أن عمر الدولة ومشروع الدولة في مصر هو آلاف السنين، وان مصر مرت بأطوار كثيرة منها المجاعة وقد أخرجها منها النبي يوسف (عليه السلام) بتنظيم اقتصاد الدولة ومنها غزوات الهكسوس وغزوات الإفرنجة والتتار الى الشرق وكانت مصر المنقذة للمنطقة ثم أنها وقفت في الخندق من أجل فلسطين منذ عام 1948 – 1973 وهي ما زالت الى جانب فلسطين بأشكال متعددة.الجيش المصري الذي أدى أدواراً عبر كل هذا التاريخ ما زال يضبط الإيقاع وان شاء الله لن تقع مصر في الفوضى.

بالنسبة الى موضوع السؤال: نعم نحن أمام انقسامات عمودية وافقية. نحن أمام أخطار اسرائيليات عبر تقسيم المقسم، نحن أمام تهديد دويلات عرقية وطائفية ومذهبية وجهوية.أنا خائف، ولكن الآمال معلقة على مصر من جهة ومن جهة ثانية الإنتباه الى درس فلسطين وانتباه الفلسطينيين أولاً الى أن السلاح الأمضى في يدهم هو سلاح الوحدة.

س:لطالما قيل أن مصر والسعودية وسورية هي المثلث العربي الضامن لقوة العرب وقيام نظام عربي رسمي قادر على الإضطلاه بمواجهة كل التحديات، وبرزت حيوية وفعالية هذا المثلث على وجه الخصوص في حرب تشرين المجيدة عام 1973 وفي مواقف أخرى مهمة بدورها. في ظل الوضع الراهن والمأساوي عربياً ومن خلال تجربتك كقيادي عربي بارز له صولاته وجولاته في ميادين العمل العربي المشترك وخصوصاً في مجالات العمل البرلماني كيف ترى امكان استعادة ولو شيء من فعالية النظام العربي والعمل المشترك في ظل الاخطار التي تتربص بالمنطقة الدوائر؟

ج:الخطر الشديد يقع في تبديد قوة النظام العربي العسكرية والمادية.هناك اربع دول رئيسية مستهدفة في مصر وسوريا والسعودية والعراق.اود ان انبه الى عدم تجاهل العراق كقوة اقتصادية وكقوة تاريخية والى موقع بلاد ما بين النهرين وموقع بغداد التاريخي. هنا اود ان اذكر بدرس الحرب الاهلية في لبنان وكيف قسم لبنان ووضع على خط تماس طائفي ثم جرى تقسيم المقسم من طوائف ومذاهب تناحرت وادخلت في حروب صغيرة لتبديد القوة. اليوم العراق تحول الى عبوة ناسفة او سيارة مفخخة، هو ساحة حرب للارهاب وعصابات الجيمة المنظمة التي تمنع الاستقرار في نظامه العام. سورية في واقع الامر حرب دموية انجاها الله منها ومكنها من الخروج سريعاً حتى لا تنقسم الى ما يشبه الانموذج الكوري مع دولة عراقية على هامشها ومع حزام امني اسرائيلي. مصر مهددة بما هو مخطط لها في شمال وجنوب سيناء، وكذلك مهددة بمحاولة جرها الى فتنة طائفية او سياسية مع تأكيدنا ان دور الازهر الشرف والمؤسسات في مصر سيحمي وحدتها الى جانب الجيش، القضاء والدولة.هذه هي صورة المشهد اضافة الى ما يجري في تونس وليبيا والجزائر و.. ولكن صورة الحالة القلقة المشوشة المضطربة والدموية لا تعني ان كل شيء انتهى. ما يجري على ساحتنا مخطط واحد في سياق مشروع الشرق الاوسط الكبير.مرة واحدة سمعنا مصطلحاً في المقابل: الشرق الاوسط الاسلامي الكبير ولكن احداً لم يبادر الى كتابة مشروع نظري حول ذلك .والآن ما نسمعه من مشاريع قطرية لمواجهة الحالة الخاصة داخل الاقطار العربية وبينما يلتهي الجميع بمشكلاتهم ويجري مزاد علني لتصفية القطية الفلسطينية وانا هنا لا اقصد سياسياً اتهام احد فأنا ادرى بالوقائع الفلطسينية التي يزيد من مأساتها الانقسام الفلسطيني . انا الان لا اطح للحديث عن امكانية عمل عربي مشترك ولا تنسيق عربي. جل ما اطمح اليه هو ما يشير اليه العقيد ضاحي الخلفان وقف تمويل انتحارنا وتجفيف مصادر تمويل الفتنة داخل اقطارنا. اعادة بناء الثقة داخل اقطارنا لتمينها من صناعة تفاهمات، وتأكيد وحدة الاقطار العربية شعباً وارضاً وموؤسسات وتعزيز الحواربين مرجعيات الطوائف والمذاهب ليست للتقريب فيما بينها فهي ليست مختلفة، ولكن للبحث في السبل الكفيلة بمنع الاستثمار على الدين وزيادة الوعي حول مصادر الفتاوى. بالنسبة الى استعادة فعالية النظام العربي فان هذات الامر متوقف على استعادة مصر وسوريا لدورهما العربي وعلى تقاهمهما مع السعودية، وعلى صعيد المنطقة فان لا بد من حوار وتفاهم بين السعودية وايران وهذا لمصلحة المسلمين.

الوحدة في وجه الفتنة

س: سني الهوى وشيعي الهوية وعربي الانتماء هو شعارك الذي لقي اصداء واسعة ودفع شرائح واسعة على مستوى النخب الى تبنيه كيف يمكن تحويله الى حجر رحى بين احجار رحى عديدة تصدياً لفتنة تكاد ان تقع في اي لحظة هذا اذا لم نقل انها بدأت كمناخات تعمم وبراثن تنهش الكثير من المجتمعات التي ما عرفت على مدى قرون الانقسامات التي تشهدها اليوم؟

ج: هذا الامر متوقف اولاً على القيادات وعلى دورها في عدم الانخراط في الفتنة وثانياً في نبذ الفتنة ليس بمعنى التفرج والحياد تجاه الفتنة وانما درؤها وتأكيد على الوحدة مقابل الفتنة.ثانياً يجب ان لا ننكر ان وسائل اعلام البلد المسموعة والمرئية والمؤسسات التربوية والمساجد والكنائس وحتى الملصقات ولوحات الاعلان وجريدة كل حائط والتعاميم والتسريبات وما توشوش به العصافير مصدره القوى السياسية خصوصاً القوى الرسمية البرلمانية، وهي بإمكانها وقف الشحن وخفض سقف التوترات، بإمكانها البناء على نقاط الائتلاف، وبإمكانها ادارة الاختلاف، وبإمكاننا جميعاً السير في الحوار.قد يقول قائل ليكن، ولكن الحوار يجب ان يتم على طاولة مجلس الوزراء او في مجلس النواب ان هذا كلام حق ولكنه ليس كافياً، انا باسم من امثل اطالب ان يتولى رئيس البلاد ادارة حوار مفتوح حول كل القضايا الخلافية من الحكومة الى الدين العام وادارته والاوضاع الاقتصادية وسبل استيعاب ازمة اللاجئين والنازحين من سورية وصولاً الى استراتيجية الدفاع الوطني.ثم ان الحوار والوفاق تربية شأنهما شأن الديمقراطية، يحتاجان مثلها الى تربية الى مشاركة المدرسة والجامعة ومؤسسات الرأي العام الاعلامية والثقافية وكل من هو شريك في تربية اولادنا.انا عندما اعلنت انني سني الهوى شيعي الهوية وعربي الانتماء كنت اعبر عن ثقافتي التي شاركت في بنائها المؤسسات التربوية التي انتميت اليها واقصد المدرسة الرسمية والمدارس الخاصة الجعفرية والمقاصد والحكمة. كنت اعبر عن وسط ثقافي وعن اندية ثقافية اسستها او كنت عضواً فيها من تبنين الى بنت جبيل وعين ابل وعيناتا وشقرا او مدارس حزبية وسياسية. كنت اعبر عن ثقافي وعن اندية ثقافية اسستها او كنت عضواً فيها من تبنين الى بنت جبيل وعين ابل وعيعناتا ومدارس حزبية وسياسية. كنت اعبر عما تعلمته من الامام موسى الصدر شخصياً الذي سلك درب الامام شرف الدين في “المراجعات” وشارك في القاهرة في مؤتمرات التقريب بين المذاهب وكان امامً للتعايش وقف على منابر الكنائس وفي محرابها كما المساجد وأوقد في الظلمة شموع الحوار والوفاق وطالب بوقف الحرب الاهلية.اليوم انا المس الرأي العام اقوى من ثقافة الفتنة اقوى من الذين يحاولون زرع بذور الشقاق واقول رغم بعض الحوادث التي وقعت ورغم المسألة السورية العابرة للحدود ورغم المحاولة الجارية لتحويل وجهة الصراع من عربي اسرائيلي الى عربي فارسي او سني شيعي، رغم كل ذلك فنحن وأنا شخصياً بما امثل لسنا ذاهبين الى الفتنة، وقد قلت في الجامعة الانطونية ربما في آخر كلمة علنية لي اننا تعلمنا من اهلنا الذين تعلموا على اهلهم واجدادهم ان فتنة الشرق ستدخل كل بيت وان القاعد فيها خير من القائم فكيف ترانا مع الفتنة.

س: كان لخادم الحرمين الشريفين مبادرة بانشاء لجنة الحوار بين المذاهب الاسلامية في مؤتمر القمة الاسلامي الاخير الذي عقد في مكة ما هو المطلوب برأيكم لدفع هذه المبادرة الى الامام ونجاحها في لجم تفاقم الانقسامات والخلافات المذهبية؟ وماذا عما كان تردد عن انك بصدد الدعوة الى طاولة حوار اسلامي- اسلامي في لبنان؟

ج:خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله عندما طرح مبادرته جاء حاملاً رسالة من الامة الاسلامية من علمائها ومفكريها، رسالة شددت على ان الاسلام هو دين الاعتدال والوسطية والتسامح. رسالة تدعو الى الحوار البناء عند اتباع الاديان وتبشر بفتح صفحة الوئام محل الصراع.منذ اطلاق المبادرة قبل خمس سنوات عام 2008، ونحن نتنسم سبل تفعيلها وارساء المبادىء التي تضمنتها لجهة نبذ العنصرية وتباين الطوائف الانسانية وتنوعها. وقد كان لهذه المبادرة اصداء في العالمين الاسلامي والعربي وكان لها صدى دولي وصل الى البيت الابيض ولدى منظمة “اليونيسكو” والعديد من المنظمات والمؤسسات الفكرية.ان هذه المبادرة يمكنها ان تتحول مؤسسة دولية والمملكة لديها الامكانات، ثم لديها موقع اشعاع هو مكة المكرمة، اضافة الى ان المبادرة نفسها بحثت في الجمعية العامة للامم المتحدة وفي العديد من المنتديات العالمية ونحن اليوم احوج ما نكون الى تفعيل هذه المبادرة واعطائها الزخم المطلوب.بالنسبة اليّ شكلت منذ حوالى عام ونصف العام لجنة من شخصيات موثوقة معروفة في عملها من اجل الحوار كانت مهمتها التحضير لمؤتمر مرجعي للطوائف والمذاهب كان سيعقد لو تحقق في مجلس النواب اللبناني.وقد جرت في هذا الاطار الاتصالات بازهر الشريف والفاتيكان والنجف الاشرف وقم المقدسة وشخصيات دولية مختصة، ووضعنا اوراق عمل ومحاور للمؤتمر الذي كان سيرتكز في اعماله على دعم القمة الروحية في لبنان ومقرراتها وتوصياتها ووثيقة الازهر حول مستقبل مصر وبيان الازهر والمثقفين لدعم ارادة الشعوب ومبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ورجاء جديد للبنان الذي وجهه البابا يوحنا بولس الثاني وسنودس الاساقفة من اجل الشرق الاوسط واستراتيجية التقريب بين المذاهب الاسلامية وبيانات المرجع الاكبر في النجف حول احوال الامة.كان القصد من هذا المؤتمر المرجعي استباق الامور الحاصلة اليوم على خلفية استشعار الأخطار عن بعد خصوصاً تلك التي تهدد مسيحيي الشرق والتي تحاول أن تؤجج فتنة بين السنة والشيعة.يومها طلب شيخ الأزهر الشريف الأستاذ الدكتور أحمد الطيب تأجيل المؤتمر لأن الأزهر كان بصدد التحضير لمؤتمر إسلامي – مسيحي، ثم جاءت زيارة البابا الى لبنان في الصيف الماضي ورأينا أن الدور الذي قامت به المرجعيات يساهم في تحقيق الاهداف التي توخيناها.مجدداً ومنذ أشهر وعلى خلفية التطورات التي كانت تنذر وربما ما تزال تنذر بالفتنة فكرنا بعقد مؤتمر إسلامي من أجل استخلاص الدروس مما يجري في العالم الإسلامي وفي لبنان، واتخاذ قرارات مرجعية من شأنها لم الشمل وتعزيز الوحدة، ولكن الفراغ الذي يشهده لبنان وتحلل السلطة جعلنا ننصرف الى مسؤولية وطنية موازية تهدف الى منع اشتعال النار باطراف الثوب اللبناني ومنع الفراغ.

1111

مرآة الشرق

س: كل ست سنوات يعيش لبنان مشكلة الوقوع في الفراغ من جراء صعوبة الإتفاق على انتخاب رئيس جمهورية جديد وبعد التمديد أخيراً للمجلس النيابي والتمديد المتوقع لقائد الجيش صار الأمر وكأنه يشمل كل مرفق أو مؤسسة عامة بدليل أن تشكيل حكومة جديدة في لبنان لا يحتاج فقط الى الكثير من الوقت وإنما يحتاج أيضاً الى توافق خارجية ما وهذا ما يحصل حالياً مع الرئيس المكلف تمام سلام. هل أن المشكلة مشكلة بنيوية في النظام وتحتاج دائماً الى جرعات رعاية خارجية سواء كانت سورية كما في التسعينيات من القرن الماضي، او الى دوحة ما في ظل ما يقال اليوم عن أن الوضع لن يستقيم الا بتفاهم سعودي – ايراني ما رأيك؟

ج: نعم هناك أزمة، ولبنان حالياً يراوح مكانه وهو واقع في الفراغ ويبدو ان حالنا يشبه حال “القطبة المثقوبة التي كلما رتيناها من مكان انثقبت في مكان”.
لبنان هو مرآة الشرق التي تنعكس فيه صورة قضايا ومسائل وملفات وأحوال المنطقة، وهو بهذا المعنى ليس مشهد موزاييك لمكونات لبنان فقط وإنما مشهد أسطوري للحروب الصغيرة والكبيرة الجارية في أقطار المنطقة وعبر حدودها وعبر حدودنا.
الآن يشبه لبنان كما في مراحل مشابهة لبنان “حارة كل مين إيدو الو” وتبدو فيه “كل عنزة معلقة بكرعوبها” وكل ينتظر أن يأتي الفرج من هنا ومن هناك دون السعي لإيجاد حلول وطنية.
أكثر من مرة كنت أرى الفرصة مؤاتية وكنت أسعى لتدوير الزوايا وللتقريب بين الفرقاء ولكن “لا يصلح العطار ما أفسده الدهر”.
الآن المشكلة أعمق، هناك من يدير حرب عصابات سياسية وأمنية في لبنان ضد وحدة البلد، والمبادرة ليس السياسية فحسب بل الامنية مفقودة، وهذا الامر ينعكس على الاوضاع الاجتماعية وعلى امكانية الاستثمار على واقع لبنان المضطرب.
الآن أتوجه الى الجميع وأقول بصراحة ان الرهان على غالب ومغلوب في سورية او على غالب ومغلوب في لبنان لن يؤدي الى نتيجة، الا أن حرق الوقت ومفاقمة المشكلات في لبنان وتكاثر الاجنحة العسكرية والعصابات والمافيات والقوى الميليشياوية ونمو القوى الطفيلية التي ستتجه لتكون قوى أصولية راديكالية متطرفة”.
وأؤكد أن الرهان الوحيد الصحيح هو على تفاهم سعودي – ايراني”، ونحن بانتظار الزيارة الموعودة للرئيس الايراني حجة الاسلام الشيخ حسن روحاني الى المملكة ولقاء اخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز اذ ربما تجد الازمة الراهنة في لبنان والكثير من قضايا المنطقة تفاهمات تتيح لها حلولا ممكنة.
كل عقدة لها حلال
س: هل تخشى أن يدخل لبنان مرحلة الفراغ الرئاسية في الربيع المقبل أم أن هناك إمكانية لتجاوز هذه المشكلة التي سبتقى ماثلة طالما لم تتوافر كلمة سر معينة إقليمياً ودولياً؟
ج: “لنوصل اليه (الإستحقاق الرئاسي) بنصلي عليه” كما يقول المثل. هناك دائماً قطبة مخفية في كل طربوش لا يعرف سرها الى الكوى، وكل عقدة ولها حلال وعقدة الإنتخابات الرئاسية لها حل كما وأن عقداً اخرى وجدت طريقها الى الحل. لبنان لن يبقى من دون رئيس للجمهورية الا إذا كان هناك فريق يسعى لفرط البلاد وأنا أنفي ذلك، كلنا لنا مصلحة في بقاء لبنان وفي أن يكون لبنان وطناً نهائياً. الأمور تحتاج منا جميعاً ان نسلك الطريق للعبور الى الدولة وأن نقدم تنازلات لمصلحة مشروع الدولة وأن نحترم الدستور.
س: هل بات النظام اللبناني باعتباره نظام تسويات بحاجة الى ربيع جديد من نوع مؤتمر تأسيسي يرفضه كثيرون ويدعو اليه كثيرون لتوليد إرادة لبنانية حرة تعمل لصالح لبنان بمعزل عن ضغوط أو مؤثرات الخارج؟
ج: أنا ما أرى ان اتفاق الطائف يمثل عقدا يجب العمل به بين اللبنانيين، ولكن أدعو الى اعلانات دستورية مكملة تبدأ بإقرار الخطة الوطنية لحقوق الانسان التي وضعتها اللجنة النيابية لحقوق الإنسان بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإقليمي وهذا لا يعني الحاجة الى مؤتمر تأسيسي لهذا الامر، هذا الأمر بحاجة الى نقاش وإقرار من قبل مجلس النواب، وإقرار مثل هذه الخطة يعادل ثورة في أي مكان تطالب بوضع خطة لإقامة النظام لأنها تضع نظام حقوق يقارب الأنظمة الدولية الداعية لحقوق الإنسان.
الجوهر الاساس المتمثل باتفاق الطائف بشقيه الدستوري والاصلاحي يتطلب السير بهما وليس تحويل البلد الى مصالح مستقلة خاضعة للسلطة التنفيذية ثم الادعاء على المجلس النيابي بأنه يؤسس لسلطة مجلسية، المطلوب هو خضوع السلطة التنفيذية لرقابة مجلس النواب وليس التسلل كل عام بالموازنة من دون عرضها كما يجري منذ بضع سنوات الى آخر ما يمكن أن نحتج عليه أو نتمناه لبلدنا.
س: هل فقد لبنان بعد سلسلة التطورات التي شهدها ويشهدها دوره كرسالة للعيش المشترك والواحد بين مختلف الأديان والطوائف والملل وأصبح الإنقسام فيه نموذجاً للتعميم حتى صارت اللبننة مرضاً يضرب أي مجتمع قريب أو بعيد بأوبئة الإنقسامات والتفتيت؟
ج: مصطلح اللبننة أصبح طي النسيان وطفت على السطح مصطلحات أخرى أكثر جاذبية مثل العرقنة والصوملة والآن ربما سيجري اشتقاقات جديدة من الوقائع التونسية كالتونسة أو المصرنة أو.. كما يعود الحديث لتعميم الأنموذج الجزائري فيما ما زال نظامنا الشرق أوسطى والعربي تحديداً لا يجد نظاماً أنموذجاً يحتذى به.
بالنسبة الى لبنان فهو ما زال موحداً رغم أنه يشبه فدراليات طوائف وجهات وعشائر وعائلات ومع وجود خارجين على صيغة العيش المشترك.
هناك تشكيلات لا تقبل بشيء وتفتي بحرمة الدولة القائمة وتجرمها وتقتل عسكريين وتشكل امتداداً لتشكيلات على الساحة العربية.
نحن نؤكد ان لبنان سيتمكن من الإستمرار والصمود والمضي قدماً في حمل رسالة التعايش وفي أن يكون أنموذج العيش المشترك في القرية الكونية.
وأود أن ألفت نظر الجميع الى أن الضغط على صيغة التعايش كما هي في لبنان أو صيغة التعددية كما هي في أمكنة أخرى هو ضغط قائم وموجود على خلفية نظرية صراع الحضارات وعلى خلفية النظام الكوني المطروح الذي يحول الإنسان الى إنسان رقمي خاضع لنظام الليبرالية الجديدة.
المطلوب دولة مدنية
س: ثمة محاولات من قبل بعض الأطراف المسيحية لإعادة قسم من الصلاحيات لممثلي الطوائف المسيحية وخصوصاً موقع الرئاسة وذلك لحفظ التوازنات بين السنة والشيعة وضمان عدم تحلل المؤسسات بحكم التنافس إن لم نقل الصراع السني – الشيعي هل يمكن أن يكون ذلك ضمانة للكل؟ ام أن مشروعك لإلغاء الطائفية السياسية ما زال يصلح لمعالجة مشكلات البلد المستفحلة وبناء دولة المواطنة الحقيقية؟
ج: المطلوب إيجاد الدولة المدنية بالتصدي للطائفية، المطلوب أن نخضع للدستور. أن نتخذ الخطوات للوصول الى نظام برلماني ديمقراطي حقيقي أن نقبل بقانون انتخابات عصري على أساس النسبية في المحافظات كما ينص الدستور أن يتم إقرار قانون اللامركزية الإدارية وقانون للأحزاب.
في كل الحالات أقول ما كان يقوله الإمام الصدر دائماً: بديل الإنهيار في لبنان هو الوفاق، والوفاق طريقه الحقيقي بناء مشاركة حقيقية للمواطن في كل ما يصنع حياة الدولة والمجتمع، مشاركة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وان يحلق لبنان بجناحيه المقيم والمغترب من أجل تأسيس وطن مبدع يتناسب مع طموحات أبنائه وتاريخهم وتنوع آرائهم وأحاسيسهم.
أود أن أشير أخيراً الى أن الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية تمثل إعلاناً دستورياً يتضمنه الدستور ويضع آليته، وإلغاء الطائفية يفتح الباب لوضع تعريفات موحِدة وموحَدة للوطن والمواطن والعاصمة والحدود، ويعطي المجال لتشريع قانون مواطنة ويفتح الباب لبناء دولة المواطنية أو الدولة المدنية ولأدوار الدولة المتنوعة.
جدل بيزنطي
س: طاولة الحوار في لبنان التي سبق وأطلقتها في ظل الظروف الصعبة السابقة هل ما زالت تمثل حلاً ولو مرحلياً للتوافق على حد أدنى من الإستقرار في كل المجالات؟
ج: الحوار هو البديل عن التشنج والتوتر السياسي وجعل القضايا شارعية. الحوار هو السبيل للتفاهم أو للإختلاف وهو يضع أسس إدارة الإختلاف أو الإئتلاف كما أسلفت، لهذه الأسباب قمت بالدعوة الى الحوار في مجلس النواب وجلسات الحوار مشهودة وهي قرّبت المواقف الى حد الذوبان فيما قررته تلك الجلسات.
بعد انتخابات الرئاسة تسلم راية الحوار فخامة رئيس الجمهورية وهو بدوره من حقه عندما يرى الحوار ضرورياً الدعوة إليه.
سبق الأزمة الراهنة: أزمة التأليف بعد التكليف للرئيس سلام وسبق التمديد والآن منع وقوع قيادة الجيش في الفراغ، سبق ذلك أن اقترحت على فخامة الرئيس وعلى القيادات اللبنانية العودة الى الحوار. حجة بعض الأطراف كانت أنهم لا يذهبون في ظل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، هذه الحكومة استقالت. الآن يقولون الحوار بعد التأليف ونحن عدنا ووقعنا في النقاش على جنس الملائكة وعلى الدجاجة قبل البيضة وبالعكس.
أعتقد أننا أدخلنا بلدنا في متاهة ونحن واقعون في جدل بيزنطي عقيم في الشارعه وعبر اللافتات السياسية ومانشتات الصحف، والمطلوب رفع الحوار من الشارع الى طاولة الحوار في القصر الجمهوري والإتفاق على جدول أعمال وإلا فإن الجمود والمراوحة سيبقيان عنوان المرحلة.
س: لا يمكن عزل لبنان عن محيطه وخصوصاً عن سورية. وقد أصبح التداخل بين الأزمتين اللبنانية والسورية اليوم شديداً على مستويات عديدة. هل ما يزال أمر تجنيب لبنان الحريق السوري ممكناً وكيف؟ وهل إعلان بعبدا ما يزال صالحاً بعد تورط أكثر من طرف لبنان في الحرب السورية الدائرة؟
ج: كل يوم يمضي وتشتد فيه المسألة السورية واستتباعاتها الدموية ستدخل تلك المسألة في أعماق الساحة اللبنانية وستحمل الينا المزيد من الإنقسام.
قلنا منذ زمن بعيد تعالوا نتفاهم مع الجغرافية إذا كنا مختلفين على التاريخ، وقلنا عدونا إسرائيل من أمامنا والبحر من حولنا وسورية من خلفنا وهي عمقنا العربي والإسلامي ولكن لا حياة لمن تنادي.
هناك من يريد تجاهل الجغرافية وتأثيرها في صنع السياسة والإقتصاد وبالأساس الثقافة، هناك من يريد اقتلاع لبنان من محيطه ومن التأثير الواقعي لمحيطه.
طبعاً أغلبنا لا يقرأ التاريخ، بل لا يقرأ في أي كتاب ولا يريد أن يعرف أن العالم بات مكشوفا أمام أبنائنا بواسطة وسائل الإتصال العصرية، وأن التأثير المعنوي والنفسي والسياسي للمسألة السورية بكل أبعادها تنعكس على المواطنين الذين باتوا مشدودين الى شاشات الفضائيات ويعرفون اكثر من السياسيين.
أنا شخصياً أنشأت غرفة متابعة إعلامية لأكون في صورة أي تطور يفرض ربما خلط الأوراق وإعادة بناء النتائج.
هل يمكن مثلاً تجاهل الحدث المصري ونتائجه في 30 حزيران / يونيو. الآن ونحن خط التماس الجغرافي مع سورية هل يمكن لنا أن نغمض أعيننا عن رؤية التطورات على جبهات ريف دمشق وحمص وبقية المدن السورية وصولاً الى حفلة الإعدام الجماعية في خان العسل؟ هل يمكن لنا إلا أن ندعم الخطوات نحو حل سياسي في سورية؟
أنا أقول تجار الحروب وتحديداً تجار الأسلحة العابرة للحدود استثمروا على لبنان وحدوده ومواطنيه، وجعلوا لبنان ينخرط في المسألة السورية ثم بدأ تدفق المجموعات المسلحة “الشقيقة” والأجنبية عبر لبنان على سورية، ثم بدأ الموت يصل الى لبنان.
أنا كنت من دعاة سياسة النأي بالنفس وأنا اليوم مع وقف شحن السلاح والمسلحين الى سورية عبر كل الحدود وأنا أحذر من استمرار السوريين في لحس المبرد ومن استمرار أطراف دولية واقليمية وعربية بخوض الحرب السورية حتى آخر سوري.
أقول بصراحة ان انخراط لبنان في المسألة السورية لن يحدث فرقا وهو لن يغير المعادلات. جغرافية الحرب السورية لا تتأثر بتقدم على محور او تراجع على محور، ولبنان في هذه الازمة يشبه “دوري هدا على ظهر فيل”.
أنا أرى أن إعلان بعبدا ما زال صالحاً للتقليل من انعكاس المسألة السورية على لبنان خصوصاً ودفع ما أمكن من الضرر من لبنان.
س: الأزمة في سورية وصرف النظر عن الإعتبارات الداخلية الهامة والأساسة المحركة لها هي تعبير عن صراع قديم قدم التاريخ على سورية وهو صراع متجدد وآخ في التصاعد هل ترون أفقاً قريباً لحل سياسي؟ وكيف؟ أم أن هذا الصراع سيتفاقم أكثر فأكثر منذراً بأزمة تمتد لسنوات طويلة لن تنتهي الا بتدميرها؟
ج: أنا لا أرى أفقاً قريباً لحل سياسي رغم أني ألمس الدفع الأميركي – الروسي نحو جنيف 2 حتى إذا انعقد هذا المؤتمر قد تكون هناك حاجة الى جنيف 3 و4 و5و.. الخ.
الصراع على سورية ليس جديداً وهو قديم قدم التاريخ نحن في بلاد الشام. وفي المثلث الماسي لبنان وسورية وفلسطين شهدنا عبر التاريخ الى اليوم مئات الغزوات الأممية وليس آخرها الغزوات الصليبية ووضع المنطقة تحت الإنتداب وليس آخرها الغزوة الصهيونية الأممية الراهنة.
الصراع على سورية سيستمر حتى نهاية التاريخ ونحن نشهد عادة نوعاً من الإستقرار بين عهدين من الغزوات مثلاً في الفترة بين الغزوات الإفرنجية وغزو التتار يومها برز قادة عظام مثل صلاح الدين والظاهر بيبرس وقادا مقاومتنا للغزوات المذكورة.
وفي منتصف القرن الماضي وفي فترة إزالة الإستعمار والإنتداب عن الشرق وشمال افريقيا برز عبد الناصر ثم حافظ الأسد وقد تنامي الشعور القومي وشعرنا بالكثير من الإعتزاز مع بروز المقاومة الفلسطينية، قبل ذلك عاش الشرق على أمجاد المقاومين للإستعمار وعلى الوعود التي أحبطت بقيام الدولة العربية.,
الآن يتجدد الصراع على سورية ويتخذ طابعاً اقليمياً أممياً ودموياً تستخدم فيه كل أنواع الأسلحة فيما نشهد دمار سورية وإزالة معالمها التاريخية وإنهاء دورها الإقليمي.
وأهم الأهداف حفظ إسرائيل وأكثر من ذلك لقطع طريق المقاومة.
أنا مؤمن بان قيامة سورية ممكنة ولو كانت مكلفة لقد كانت هذه القيامة ممكنة عبر التاريخ وفي مراحل متعددة.
العالم كله سيجد نفسه أمام حتمية الحل السياسي للوضع في سورية ووضعها على باب المستقبل ولا بد من الإستفادة من درس مصر وليبيا حالياً، لأن البديل سيكون نشوء اسرائيليات وستتشظى سورية وستصاب دول الجوار بما في ذلك لبنان جراء ذلك وستصبح كل دول الجوار السوري مرشحة للتفكك.
س: اكتشاف النفط والغاز في لبنان يشكل قيمة استراتيجية كبرى له في كل المجالات السياسية والأمنية إضافة بالطبع الى المجالات الإقتصادية والمالية. والكثير من اللبنانيين لم يتعاط مع هذه القضية بما تستحق من أهمية خاصة وأن البعض يتعاطى معها من زاوية مصلحية ضيقة. كيف يمكن تحويل هذه القيمة الإستراتيجية الكبرى الى عامل توحيدي وجامع؟
ج: كنت من أوائل من تكلم عن هذه الثروة، طبعاً الثروة البحرية المشار اليها هي كنز فتحه الله أمام لبنان. والطريق الى استثماره ما زال شائكاً ودونه عقباب اسرائيلية كثيرة أولها ترسيم الحدود البحرية وتحديد المنطقة الإقتصادية الخالصة.
طبعاً تفسير حلم استخراج الثروة البرية يحتاج الى تضافر جهود وطنية والتوحد حول حقوق لبنان واتخاد كل الإجراءات التي يتطلبها القانون الدولي لحفظ هذه الحقوق وصولاً الى التأكيد اننا سنحفظ حدودنا السيادية البحرية ولن نسمح لإسرائيل بسرقة ثرواتنا كما تمكنا من حفظ حدودنا السيادية البرية وأكدنا أننا سنردع العدوانية الإسرائيلية.
التعاطي من زاوية مصلحة ضيقة في لبنان تجاه هذه القضية يشكل خدمة للعدو، هذا الأمر يحتاج الى أن نتصرف كدولة ولو لمرة واحدة، كيد واحدة مجتمعة القبضة، وأن نتفهم الأهمية المعلقة على هذا الموضوع الذي سيتيح للبنان سداد دينه الخارجي والدخول في مرحلة من الإزدهار وفتح أبواب أسواق العمل أمام شبابنا.
أما كيف يمكن تحويل هذه القيمة الإستراتيجية الكبرى الى عامل توحيدي، فأرى أن ذلك يحتاج الى تأكيد التوزيع العادل للثروة المستخرجة التي ستوقف نزف الموازنات العامة في عملية خدمة الدين، والتي ستتوقف الإستدانة على مستقبل أولادنا بل أحفادنا، وتفهم الجميع أن هناك مصلحة وطنية عليا في الحفاظ على ثروة لبنان الجديدة من نفط وغاز كما حفظنا بدمائنا ثروة لبنان المائية وأسقطنا أهداف الغزو الإسرائيلي للبنان عامي 1978 و1982 والتي كان من عناوينه البارزة الليطاني.
ولكن ما أود أن أشير اليه هو أن التشكل السياسي والوحدة السياسية لا تتحلق حول القيمة الإستراتيجية التي تمثلها أي ثروة وطنية، فتاريخ لبنان وثروته الإنسانية تمثل قيمة استراتيجية. استثمار مياه لبنان والمساحات غير المزروعة تمثل قيمة استراتيجية. ونحن لا نريد أن نكون مجرد حراس وعمال في إطار عملية الإستثمار على هذه الثروة. نحن لا نريد أن يتحول لبنان الى شركة نفطية، نريد وطناً بكل معنى الكلمة موحد الكلمة حول دولة القانون، ونريد أن يعود مدرسة للقانون وحديقة للحرية وأنموذجاً ديمقراطياً لنظام منطقة وهذه هي ثروات لبنان الحقيقية

هذه التدوينة نشرت في ticker_ar, مقابلات صحفية. الإشارة المرجعية.