“نعم هناك أزمة، ولبنان حالياً يراوح مكانه وهو واقع في الفراغ ويبدو ان حالنا يشبه حال القطبة المثقوبة التي كلما رتيناها من مكان انثقبت في مكان”. بهذه الكلمات المعبرة، يشخص رئيس مجلس النواب نبيه بري الواقع القائم في لبنان، في حوار شامل وطويل مع “الشراع”، فرضه كم الأسئلة المطروح عن واقع المنطقة برمتها وحجم المخاطر التي تتعرض لها و”تسونامي” الثورة في مصر كما يصفه بري لإصلاح غلطة السماح بسرقة أو خطف الثورة، وصولاً الى مآل ما سمي “الربيع العربي” والمخاوف من تقسيم سورية وفق النموذج الكوري مع دولة عرقية وحزام أمني اسرائيلي، والإنعكاسات الخطرة للتداخل بين الأزمتين في لبنان وسورية.
هذا الحوار مع الرئيس بري، لا يختص بيوميات السياسة في لبنان، وإن كان يجملها بتوصيفات يبرع فيها عادة بحكم امتلاكه ناصية البلاغة في الإيجاز، واسقاطه ما في الذاكرة من أقوال مأثورة وأمثلة شعبية تنطق بما لا تنطق به المطولات.في هذا الحوار الرؤيوي البعيد عن حرتقات السجالات والحملات الضيقة .
يستفيض الرئيس بري في تشخيص مكامن الداء إسلامياً وعربياً ولبنانياً، بدءاً من الحديث عما هو مكتوب ومحضر من مشاريع تستهدف تقسيم المقسم في دول المنطقة وتعميم نموذج تقسيم السودان، مروراً بالإضاءة على أسباب ما أصاب النظام العربي الرسمي من تفكك وتراجع وسبل الخروج من ذلك عبر استعادة مصر وسورية دورهما واستعادة تفاهمهما مع المملكة العربية السعودية وصولاً الى التحذير من مخاطر الفتنة المذهبية وأهمية الحوار والتفاهم بين السعودية وايران لمصلحة المسلمين، منوهاً بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز بين المذاهب الإسلامية، والتأكيد بأننا: “اليوم أحوج ما نكون الى تفعيل مبادرة خادم الحرمين الشريفين بإنشاء لجنة حوار بين المذاهب الإسلامية”.
في هذا الحوار، يقف بري في قلب الحدث اللبناني والعربي، قارئاً لأبعاده من زواياه العديدة والمختلفة، نابذاً قوالب المواقف الجاهزة الدارجة هذه الأيام لدى السياسيين والزعماء والقادة، مقدماً لصورة “الأستاذ” الذائع الصيت بها، المفكر، صاحب الرؤية، مستعيناً بما يختزنه من تجارب وخبرات راكمها كزعيم سياسي لبناني – عربي مخضرم صاغ لنفسه هوية عابرة للخلافات والإنقسامات والحدود عندما قال أنه سني الهوى وشيعي الهوية وعربي الإنتماء، ليس بهدف توسل مشروعية ما بل لتقديم نموذج للوحدة كمواطن عربي أثقلته عوامل التفرقة والإنقسام والإملاءات الخارجية ويتطلع الى نيل حقه كعربي بين الأمم.
لا يملك بري عصا موسى وهو القائل في هذا الحوار ان “العطار لا يستطيع ان يصلح ما يفسده الدهر، الا أنه مثل الكوى الذي يعثر على القطب المخفية في الطرابيش” ولهذا فإن الأنظار تبقى شاخصة إليه من الحلفاء والخصوم على السواء لابتداع مخارج تفضي الى حلول ولو مؤقتة أو جزئية لمشاكل وخلافات مستعصية.
وعندما يتحدث بري عن مشكلات الداخل يسهب في توصيفاته اللاذعة، خاصة عندما يقول أن لبنان “حارة كل مين إيدو الو” وتبدو فيه “كل عنزة معلقة بكرعوبها” مشيراً الى أن هناك من يدير حرب عصابات سياسية وأمنية ضد وحدة البلد وفي الوقت نفسه يبدو كمن يملك خارطة طريق للإنفراجات المنشودة رسم خطوطها بحرفية لشق دروب مفتوحة بديلة للطرق المسدودة أمام عودة الحوار والتفاهم بين اللبانيين، قبل أن يؤكد بثقة لدى الحديث عن الفراغ أن يكون للبنان رئيس للجمهورية وأن عقدة الرئاسة في لبنان لها حل.
ولا يفوت الرئيس بري التحذير من مخاطر استمرار الأزمة السورية على الوضع في لبنان، مشدداً على انخراط لبنان في المسألة السورية لن يحدث خرقاً ولن يغير المعادلات لأن جغرافية الحرب السورية لا تتأثر بتقدم أو تراجع في محور، أكد أن إعلان بعبدا ما زال صالحاً للتقليل من انعكاس الأزمة السورية على لبنان.وفي ما يلي نص الحوار:
س: شكل الغزو الأميركي لبغداد عام 2003 بداية لحقبة جديدة في المنطقة نجمت عنها الزلازل التي تضرب عدداً من دول المنطقة اليوم بعناوين مختلفة منها ثورات الربيع العربي وهي عناوين مواربة لمفهوم الفوضى الخلاقة أو الهدامة مثلما أسس الغزو بنتائجه ضربة للزعامة الأحادية التي حكمت العالم لمصلحة قيام عالم متعدد الأقطاب، هل توافقون أولاً على أن ما نعيشه اليوم هو من نتائج الغزو الأميركي وتداعياته؟ وهل نحن أمام اتفاقية جديدة غير معلنة من نوع سايكس بيكو. هل نحن بالتالي على أعتاب اتفاق يالطا جديد لتقسيم العالم الى مناطق نفوذ بين القوى العظمى؟
ج: الغزو الأميركي لأفغانستان ومن ثم للعراق لم يأت من دون مقدمات، ولا اقصد بالمقدمات الاسباب والنوازع والمبررات التي استخدمتها الولايات المتحدة وتحالف الراغبين لغزو افغانستان لتصفية ما وصف بقواعد ارتكاز الارهاب فيها ومن ثم العراق تحت ستار ازالة أسلحة الدمار الشامل، وهو الأمر الذي ثبت فيما بعد أنه غير صحيح، اذن ما اقصده بالمقدمات، هو وجود مشروع اميركي مكتوب بل مشاريع غربية مكتوبة للسيطرة على المنطقة جاء الغزو في إطارها للتمهيد لتحقيقها.
اود في هذا السياق أن أعود قليلاً الى الوراء، لأذكر ان نفعت الذكرى، بالمندرجات التي أدت الى تفاهم الدول الصناعية الكبرى وتحديداً الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا الغربية على مشروع الشرق الأوسط الكبير وهو الأمر الذي لم تكن اسرائيل بعيدة عنه بل تستطيع التأكيد أن فكرة المشروع والمشروعات الإقتصادية في سياقه هي إسرائيلية مئة بالمئة طبعاً باستثناء سيطرة الولايات المتحدة على مصادر النفط وطرق إمداده.ربما يكون رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز هو أول من كشف عن هذا المشروع في مطلع السبعينيات ثم بعد سنوات طويلة (عام 2002) أطلق وزير الخارجية الأميركي آنذاك كولن باول مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط ثم تبع ذلك عام 2004 إعلان الرئيس بوش مبادرة لإقامة منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط.
عربياً قد يكون الفضل لمركز الدراسات الفلسطيني الذي كشف في إحدى نشراته عن مشروع إسرائيلي للشرق الأوسط ممول أميركياً أو مدفوع بمشروع مارشال أميركي وتبع ذلك جريدة “الحياة” في 13/3/2013 في تقرير من باريس تحدث عن ملامح مشروع أميركي لشرق أوسط موسع ثم بدأت تنكشف شراكة بعيدة المدى عما وصف بالتنمية البشرية العربية في إطار مشروع أميركي يجري توليده.
في هذا الوقت كانت أوروبا تواكب حركة المشروع الأميركي قبل أن يصبح المشروع مشتركاً حيث ظهرت عام 2002 ورقة المفوضية الأوروبية بعنوان “أوروبا الوسطى والجوار الجديد” ثم مبادرة دانماركية وبعدها ألمانية وبعدها ألمانية – فرنسية مشتركة ثم إقرار المجلس الأوروبي عام 2003 مشروع أوروبي للشرق الأوسط ثم ورقة بريطانية لإصلاح الشرق الأوسط والعالم العربي ثم مبادرة يابانية للتقريب بين العالم العربي وواشنطن وصولاً الى توافق (سي ايلاند) بين الدول الصناعية حول الشرق الأوسط الكبير والضمانات الأميركية لحضور اسرائيل في الشرق الأوسط وبداية طرح مشاريع التشابك الإقليمي في إطار نظام الشرق الأوسط الجديد.كان لا بد من هذه الذاكرة من أجل توجيه الإنتباه الى أن غزو العراق لم يكن بداية لحقبة بل كان خطوة في إطار مشروع مطروح منذ مطلع السبعينيات تعمل مراكز دراسات أميركية عليه بالتعاون مع اسرائيل صاحبة المصلحة في هكذا مشروع ثم جاءت فيما بعد استتباعات غزو العراق والحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006 والحرب المماثلة على غزة، ثم بدء تفكك النظام العربي تحت وقع ما وصف بالربيع العربي أو تحت ضغط ظل الفوضى الخلاقة التي جرت في إطارها كإستراتيجية معتمدة إثارة التوترات السياسية والعرقية والطائفية والمذهبية.
الآن نحن في ذروة مواجهة التحديات التي يطرحها المشروع الذي يموه نياته بتعزيز الديمقراطية وبناء المجتمع المدني وحكم القانون والشفافية والمحاسبة وسد فجوة المعرفة ومشاركة المرأة.. الخ، ونحن على مساحة حركة الربيع العربي وققنا أمام سؤال: هل أن ما يجري حركة تثوير غربية لمجتمعاتنا وهل أن التغيير مهمة امبريالية؟ أم ان التغيير مهمة وطنية وأن المطلوب صناعة الديمقراطية والحكم الرشيد لوطننا؟أنا أعتقد أنه تم المزج بين الخيارين وفرض بدائل للنظام العربي الرسمي عن طريق تركيب المعارضة الرسمية للنظام العربي مما أدى الى عدم استقرار النظام العام وهذا ما نلمسه في مصر وتونس وليبيا و.. غداً؟أعتقد أن “التسونامي” الشعبية التي شهدتها مصر في 30 حزيران / يونيو الماضي ثم في 26 تموز / يوليو تحاول إصلاح غلطة السماح بشرقة الثورة أو خطف الثورة والسلطة وان ما جاء به الربيع العربي سواء كان من نتاج مشروع الشرق الأوسط الكبير أم كان مصادفة فإنه سيعيد إصلاح نفسه وستتمكن شعوبنا من إنتاج نظامها السياسي من دون الخضوع لإملاءات.من جهة أخرى كان من أبرز الإنعكاسات الدولية “الإنتفاضة” الروسية – الصينية على خلفية الربيع العربي في بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا بعد الخديعة التي تعرضت لها روسيا في غير مكان خصوصاً عبر تهديد مصالحها في ليبيا.
روسيا حسب المصطلح الشرقي “أقامت الحد” في سورية ورسمت خطوطاً حمراء أمام الحركة الأميركية الأوروبية والحركة الإقليمية العربية لإنتاج سورية وفق السيناريوهات التي جرت من اليمن الى مصر وليبياً وتونس و..الصين تقف في صف روسيا خصوصاً وان المصالح الروسية – الصينية في الشرق الأوسط متماثلة والصين تبحث عن أسواق وهي تجد في الشرق الأوسط أسواقاً طبيعية وبيئة صديقة.روسيا استطاعت بفضل صمود سورية وسقوط الرهانات على سقوط نظامها من كسب الوقت وإعادة تنظيم صفوفها وتوزيع أساطيلها في البحار المحاذية وإعادة ترسيم دورها وصولاً الى الإعتراف الأميركي بعالم متعدد الأقطاب والإستعداد لمساومة روسيا وهذا ما يعبر عنه الإتفاق على “جنيف 2” الذي لا بد أن ينعقد.يبقى هل نحن أمام اتفاقية جديد غير معلنة من نوع سايكس بيكو؟ أو أمام مالطا جديدة؟في هذه اللحظة السياسية يبدو الشرق الأوسط وشمال افريقيا وكأنهما أمام تقسيم مماثل للسودان أي أمام الوقوع في تجربة فدراليات أو كونفدراليات.أنا متخوف من تقسيم المقسم كما سبق واستخدمت هذا المصطلح. الخوف ليس من إطاحة الأنظمة. الخوف الآن من تمزيق وحدة الشعوب والجغرافية والمؤسسات.يبقى أن الرهان على مصر.. على شعب مصر في الحفاظ على وحدة البلد وفي استعادة دور مصر في نظام المنطقة. المشكلة في النظام العربي· س:الزلازل المتعاقبة في المنطقة طرحت أسئلة مشروعة عن إخفاق أبناء المنطقة العرب وثانياً العالم الإسلامي في بناء الدولة الحديثة والديمقراطية بعد سقوط الدولة التوتاليتارية التي حكمت المنطقة لعقود بعناوين قومية أو بعناوين تتصل بالصراع مع اسرائيل هل المشكلة تكمن في بنى هذه الدول أو في ثقافاتها المتخلفة أم في طبيعتها التابعة لأنظمة التحكم والسيطرة في العالم؟ وبمعنى آخر هل أن ما فنده ابن خلدون حول منطق العصبيات والقبائل الطاغي على تطبيقات الإسلام ما زال الفيصل في صياغة الحياة العامة لشعوب المنطقة؟
ج: المشكلة تكمن في النظام الذي حكم الوطن العربي، وكما تكمن في مختلف أنماط السلطات التي كانت ترى وتلمس التحولات الدولية، وترى أن العالم بات محكوماً الى المصالح التي يجري تقريرها في منظمة التجارة العالمية وأن هناك قوى كبرى أصبحت أصغر من حجم الحركة التجارية لشركات دولية عابرة للقارات.أود أن أشير الى أن القمم العربية وكل مؤسسات جامعة الدولة العربية، كانت تأخذ قرارات منذ مطلع الخمسينيات بينها اتفاقيات اقتصادية كالسوق العربية المشتركة مثلاً واتفاقيات أمنية كاتفاقية الدفاع العربي المشترك مثلاً وصولاً الى تمكن لجان الجامعة من وضع مشاريع في كل المجالات التي تمكن النظام العربي من تحرير الأنظمة المتعلقة بقوة العمل والإنتاج وحماية الأسواق وفتح فرص العمل وبناء الثقة بالجوار الإسلامي وتحرير التجارة وفتح الأسواق ولكن كل الإتفاقيات بقيت حبراً على ورق.قرارات قمة تونس السادسة عشرة والتي انعقدت في العام 2004 تضمنت ثلاثة عشر بنداً خاصاً بمسيرة التحديث والتطوير والإصلاح ومثلت فرصة دولية أخيرة أمام هذا النظام ليعيد إنتاج نفسه وليعيد عصرنة وتحديث نفسه وليعزز المؤسسات الديمقراطية ولكنه كالعادة اتخذ قرارات مع وقف التنفيذ.كان يكفي أن يرفع الغرب يده عن هذا النظام ليسقط وينهار وهذا ما حدث في أكثر من مكان.على المستوى القطر لم تكن هذه الأنظمة قوية وقائمة بفضل الإستثمار على العداء لإسرائيل. تونس مثلاً لا تقع على خط تماس التاريخ والجغرافية مع فلسطين ونظام القذافي البائد كان يطرح مشروع اسراطين والنظام في مصر كان محكوماً الى اتفاقية “كامب ديفيد”. فلسطين ليست حجة ولا سبباً لا لبقاء ولا لزعزعة النظام العربي. السبب ضعف المعارضة وغيابها والدعم الدولي لإستمرار الأنظمة المتخلفة التي كانت تقسم كل شيء على اثنين حتى الإنسان.بالنسبة الى ما فنده ابن خدلون حول ما رآه فإن الشرق ما زال قبائل وشعوباً لم نتعارف بعد ولكن الإسلام لم يطرح كمقرر تربوي ولا سياسي، الآن الإسلام السياسي يطرح كبديل ولكن القائمين على هذا الطرح لا ينتبهون الى أن الدين معاملة قبل أن يكون مشروعا حزبياً تنظيمياً أو مشروعاً سياسياً. الدولة ضمن الدولة
س: برز مع سقوط مبدأ الدولة الشاملة أن ما يراد تعميمه هو مبدأ الدولة ضمن الدولة أي دولة الجماعة أو الفئة الحاكمة في ميدان الدولة العامة. ومثال مصر خير برهان على هذه النظرية التي تسقط اليوم ولكن لحساب الفوضى والمثل لا ينطبق على مصر فقط فقد سبقها الى ذلك كثيرون في عدد من الدول من تونس الى ليبيا الى لبنان والعراق واليوم سورية إضافة طبعاً الى فلسطين بين السلطة الوطنية وحركة حماس هل توافق على هذا التوصيف؟ وهل بات العرب أمام أما الدولة الديكتاتورية أو الدولتين ضمن الدولة الواحدة أو الفوضى؟ وهل من سبل للخروج من هذه الدولة القاتلة؟
ج: في السؤال أن الدولة في مصر تسقط لحساب الفوضى أنا لا أرى ذلك، أنا رأيت تظاهرة مليونية بالفعل في 30 حزيران / يونيو وكذلك الأمر بتاريخ 25 تموز / يوليو هي الأكبر في التاريخ كانت الأكثر سلمية وتنظيماً.تاريخياً الجيش في مصر حامي النظام، أتمنى الإنتباه الى أن عمر الدولة ومشروع الدولة في مصر هو آلاف السنين، وان مصر مرت بأطوار كثيرة منها المجاعة وقد أخرجها منها النبي يوسف (عليه السلام) بتنظيم اقتصاد الدولة ومنها غزوات الهكسوس وغزوات الإفرنجة والتتار الى الشرق وكانت مصر المنقذة للمنطقة ثم أنها وقفت في الخندق من أجل فلسطين منذ عام 1948 – 1973 وهي ما زالت الى جانب فلسطين بأشكال متعددة.الجيش المصري الذي أدى أدواراً عبر كل هذا التاريخ ما زال يضبط الإيقاع وان شاء الله لن تقع مصر في الفوضى.
بالنسبة الى موضوع السؤال: نعم نحن أمام انقسامات عمودية وافقية. نحن أمام أخطار اسرائيليات عبر تقسيم المقسم، نحن أمام تهديد دويلات عرقية وطائفية ومذهبية وجهوية.أنا خائف، ولكن الآمال معلقة على مصر من جهة ومن جهة ثانية الإنتباه الى درس فلسطين وانتباه الفلسطينيين أولاً الى أن السلاح الأمضى في يدهم هو سلاح الوحدة.
س:لطالما قيل أن مصر والسعودية وسورية هي المثلث العربي الضامن لقوة العرب وقيام نظام عربي رسمي قادر على الإضطلاه بمواجهة كل التحديات، وبرزت حيوية وفعالية هذا المثلث على وجه الخصوص في حرب تشرين المجيدة عام 1973 وفي مواقف أخرى مهمة بدورها. في ظل الوضع الراهن والمأساوي عربياً ومن خلال تجربتك كقيادي عربي بارز له صولاته وجولاته في ميادين العمل العربي المشترك وخصوصاً في مجالات العمل البرلماني كيف ترى امكان استعادة ولو شيء من فعالية النظام العربي والعمل المشترك في ظل الاخطار التي تتربص بالمنطقة الدوائر؟
ج:الخطر الشديد يقع في تبديد قوة النظام العربي العسكرية والمادية.هناك اربع دول رئيسية مستهدفة في مصر وسوريا والسعودية والعراق.اود ان انبه الى عدم تجاهل العراق كقوة اقتصادية وكقوة تاريخية والى موقع بلاد ما بين النهرين وموقع بغداد التاريخي. هنا اود ان اذكر بدرس الحرب الاهلية في لبنان وكيف قسم لبنان ووضع على خط تماس طائفي ثم جرى تقسيم المقسم من طوائف ومذاهب تناحرت وادخلت في حروب صغيرة لتبديد القوة. اليوم العراق تحول الى عبوة ناسفة او سيارة مفخخة، هو ساحة حرب للارهاب وعصابات الجيمة المنظمة التي تمنع الاستقرار في نظامه العام. سورية في واقع الامر حرب دموية انجاها الله منها ومكنها من الخروج سريعاً حتى لا تنقسم الى ما يشبه الانموذج الكوري مع دولة عراقية على هامشها ومع حزام امني اسرائيلي. مصر مهددة بما هو مخطط لها في شمال وجنوب سيناء، وكذلك مهددة بمحاولة جرها الى فتنة طائفية او سياسية مع تأكيدنا ان دور الازهر الشرف والمؤسسات في مصر سيحمي وحدتها الى جانب الجيش، القضاء والدولة.هذه هي صورة المشهد اضافة الى ما يجري في تونس وليبيا والجزائر و.. ولكن صورة الحالة القلقة المشوشة المضطربة والدموية لا تعني ان كل شيء انتهى. ما يجري على ساحتنا مخطط واحد في سياق مشروع الشرق الاوسط الكبير.مرة واحدة سمعنا مصطلحاً في المقابل: الشرق الاوسط الاسلامي الكبير ولكن احداً لم يبادر الى كتابة مشروع نظري حول ذلك .والآن ما نسمعه من مشاريع قطرية لمواجهة الحالة الخاصة داخل الاقطار العربية وبينما يلتهي الجميع بمشكلاتهم ويجري مزاد علني لتصفية القطية الفلسطينية وانا هنا لا اقصد سياسياً اتهام احد فأنا ادرى بالوقائع الفلطسينية التي يزيد من مأساتها الانقسام الفلسطيني . انا الان لا اطح للحديث عن امكانية عمل عربي مشترك ولا تنسيق عربي. جل ما اطمح اليه هو ما يشير اليه العقيد ضاحي الخلفان وقف تمويل انتحارنا وتجفيف مصادر تمويل الفتنة داخل اقطارنا. اعادة بناء الثقة داخل اقطارنا لتمينها من صناعة تفاهمات، وتأكيد وحدة الاقطار العربية شعباً وارضاً وموؤسسات وتعزيز الحواربين مرجعيات الطوائف والمذاهب ليست للتقريب فيما بينها فهي ليست مختلفة، ولكن للبحث في السبل الكفيلة بمنع الاستثمار على الدين وزيادة الوعي حول مصادر الفتاوى. بالنسبة الى استعادة فعالية النظام العربي فان هذات الامر متوقف على استعادة مصر وسوريا لدورهما العربي وعلى تقاهمهما مع السعودية، وعلى صعيد المنطقة فان لا بد من حوار وتفاهم بين السعودية وايران وهذا لمصلحة المسلمين.
الوحدة في وجه الفتنة
س: سني الهوى وشيعي الهوية وعربي الانتماء هو شعارك الذي لقي اصداء واسعة ودفع شرائح واسعة على مستوى النخب الى تبنيه كيف يمكن تحويله الى حجر رحى بين احجار رحى عديدة تصدياً لفتنة تكاد ان تقع في اي لحظة هذا اذا لم نقل انها بدأت كمناخات تعمم وبراثن تنهش الكثير من المجتمعات التي ما عرفت على مدى قرون الانقسامات التي تشهدها اليوم؟
ج: هذا الامر متوقف اولاً على القيادات وعلى دورها في عدم الانخراط في الفتنة وثانياً في نبذ الفتنة ليس بمعنى التفرج والحياد تجاه الفتنة وانما درؤها وتأكيد على الوحدة مقابل الفتنة.ثانياً يجب ان لا ننكر ان وسائل اعلام البلد المسموعة والمرئية والمؤسسات التربوية والمساجد والكنائس وحتى الملصقات ولوحات الاعلان وجريدة كل حائط والتعاميم والتسريبات وما توشوش به العصافير مصدره القوى السياسية خصوصاً القوى الرسمية البرلمانية، وهي بإمكانها وقف الشحن وخفض سقف التوترات، بإمكانها البناء على نقاط الائتلاف، وبإمكانها ادارة الاختلاف، وبإمكاننا جميعاً السير في الحوار.قد يقول قائل ليكن، ولكن الحوار يجب ان يتم على طاولة مجلس الوزراء او في مجلس النواب ان هذا كلام حق ولكنه ليس كافياً، انا باسم من امثل اطالب ان يتولى رئيس البلاد ادارة حوار مفتوح حول كل القضايا الخلافية من الحكومة الى الدين العام وادارته والاوضاع الاقتصادية وسبل استيعاب ازمة اللاجئين والنازحين من سورية وصولاً الى استراتيجية الدفاع الوطني.ثم ان الحوار والوفاق تربية شأنهما شأن الديمقراطية، يحتاجان مثلها الى تربية الى مشاركة المدرسة والجامعة ومؤسسات الرأي العام الاعلامية والثقافية وكل من هو شريك في تربية اولادنا.انا عندما اعلنت انني سني الهوى شيعي الهوية وعربي الانتماء كنت اعبر عن ثقافتي التي شاركت في بنائها المؤسسات التربوية التي انتميت اليها واقصد المدرسة الرسمية والمدارس الخاصة الجعفرية والمقاصد والحكمة. كنت اعبر عن وسط ثقافي وعن اندية ثقافية اسستها او كنت عضواً فيها من تبنين الى بنت جبيل وعين ابل وعيناتا وشقرا او مدارس حزبية وسياسية. كنت اعبر عن ثقافي وعن اندية ثقافية اسستها او كنت عضواً فيها من تبنين الى بنت جبيل وعين ابل وعيعناتا ومدارس حزبية وسياسية. كنت اعبر عما تعلمته من الامام موسى الصدر شخصياً الذي سلك درب الامام شرف الدين في “المراجعات” وشارك في القاهرة في مؤتمرات التقريب بين المذاهب وكان امامً للتعايش وقف على منابر الكنائس وفي محرابها كما المساجد وأوقد في الظلمة شموع الحوار والوفاق وطالب بوقف الحرب الاهلية.اليوم انا المس الرأي العام اقوى من ثقافة الفتنة اقوى من الذين يحاولون زرع بذور الشقاق واقول رغم بعض الحوادث التي وقعت ورغم المسألة السورية العابرة للحدود ورغم المحاولة الجارية لتحويل وجهة الصراع من عربي اسرائيلي الى عربي فارسي او سني شيعي، رغم كل ذلك فنحن وأنا شخصياً بما امثل لسنا ذاهبين الى الفتنة، وقد قلت في الجامعة الانطونية ربما في آخر كلمة علنية لي اننا تعلمنا من اهلنا الذين تعلموا على اهلهم واجدادهم ان فتنة الشرق ستدخل كل بيت وان القاعد فيها خير من القائم فكيف ترانا مع الفتنة.
س: كان لخادم الحرمين الشريفين مبادرة بانشاء لجنة الحوار بين المذاهب الاسلامية في مؤتمر القمة الاسلامي الاخير الذي عقد في مكة ما هو المطلوب برأيكم لدفع هذه المبادرة الى الامام ونجاحها في لجم تفاقم الانقسامات والخلافات المذهبية؟ وماذا عما كان تردد عن انك بصدد الدعوة الى طاولة حوار اسلامي- اسلامي في لبنان؟
ج:خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله عندما طرح مبادرته جاء حاملاً رسالة من الامة الاسلامية من علمائها ومفكريها، رسالة شددت على ان الاسلام هو دين الاعتدال والوسطية والتسامح. رسالة تدعو الى الحوار البناء عند اتباع الاديان وتبشر بفتح صفحة الوئام محل الصراع.منذ اطلاق المبادرة قبل خمس سنوات عام 2008، ونحن نتنسم سبل تفعيلها وارساء المبادىء التي تضمنتها لجهة نبذ العنصرية وتباين الطوائف الانسانية وتنوعها. وقد كان لهذه المبادرة اصداء في العالمين الاسلامي والعربي وكان لها صدى دولي وصل الى البيت الابيض ولدى منظمة “اليونيسكو” والعديد من المنظمات والمؤسسات الفكرية.ان هذه المبادرة يمكنها ان تتحول مؤسسة دولية والمملكة لديها الامكانات، ثم لديها موقع اشعاع هو مكة المكرمة، اضافة الى ان المبادرة نفسها بحثت في الجمعية العامة للامم المتحدة وفي العديد من المنتديات العالمية ونحن اليوم احوج ما نكون الى تفعيل هذه المبادرة واعطائها الزخم المطلوب.بالنسبة اليّ شكلت منذ حوالى عام ونصف العام لجنة من شخصيات موثوقة معروفة في عملها من اجل الحوار كانت مهمتها التحضير لمؤتمر مرجعي للطوائف والمذاهب كان سيعقد لو تحقق في مجلس النواب اللبناني.وقد جرت في هذا الاطار الاتصالات بازهر الشريف والفاتيكان والنجف الاشرف وقم المقدسة وشخصيات دولية مختصة، ووضعنا اوراق عمل ومحاور للمؤتمر الذي كان سيرتكز في اعماله على دعم القمة الروحية في لبنان ومقرراتها وتوصياتها ووثيقة الازهر حول مستقبل مصر وبيان الازهر والمثقفين لدعم ارادة الشعوب ومبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ورجاء جديد للبنان الذي وجهه البابا يوحنا بولس الثاني وسنودس الاساقفة من اجل الشرق الاوسط واستراتيجية التقريب بين المذاهب الاسلامية وبيانات المرجع الاكبر في النجف حول احوال الامة.كان القصد من هذا المؤتمر المرجعي استباق الامور الحاصلة اليوم على خلفية استشعار الأخطار عن بعد خصوصاً تلك التي تهدد مسيحيي الشرق والتي تحاول أن تؤجج فتنة بين السنة والشيعة.يومها طلب شيخ الأزهر الشريف الأستاذ الدكتور أحمد الطيب تأجيل المؤتمر لأن الأزهر كان بصدد التحضير لمؤتمر إسلامي – مسيحي، ثم جاءت زيارة البابا الى لبنان في الصيف الماضي ورأينا أن الدور الذي قامت به المرجعيات يساهم في تحقيق الاهداف التي توخيناها.مجدداً ومنذ أشهر وعلى خلفية التطورات التي كانت تنذر وربما ما تزال تنذر بالفتنة فكرنا بعقد مؤتمر إسلامي من أجل استخلاص الدروس مما يجري في العالم الإسلامي وفي لبنان، واتخاذ قرارات مرجعية من شأنها لم الشمل وتعزيز الوحدة، ولكن الفراغ الذي يشهده لبنان وتحلل السلطة جعلنا ننصرف الى مسؤولية وطنية موازية تهدف الى منع اشتعال النار باطراف الثوب اللبناني ومنع الفراغ.