ألقى الوزير خليل كلمة الرئيس بري وقال:
لأن موضوع المياه بشكل خاص عزيز على قلبه حرص الرئيس نبيه بري على الاستعداد ليكون بينكم في هذا اللقاء المتميز لكنه لظروف ضاغطة وخاصةً منعته من الحضور اليوم، وشرفنا بأن كلفني أن ألقي لقب كلمته التي اعدها خصيصا لهذه المناسبة.
بسمه تعالى
اي اسرار تحيق بالماء في هذا الشرق؟
هل لأن الله سبحانه جعل منه كل شيء حي؟
هل لأنه منبع الماء المقدس الذي زمزمته الام لوليدها الذي ارسله ابو الانبياء ابراهيم للتضحية؟
هل لأن النهر تقدس ماؤه تعمد فيه سيدنا المسيح عليه السلام؟
هل لأننا سلكنا اليه درب داحس والغبراء ونحن نبحث عن وجوهنا في مرايا الصحراء.
ترى لماذا؟
لأننا ما زلنا لا ننتبه الى ان اسرائيل تقاتلنا على حدود الماء ما بين البحر وكل نهر، من الاردن الى الحمى واليرموك والوزاني وصولاً الى الليطاني، وضمناً المياه الجوفية التي يحرم على المناطق الفلسطينية استثمارها.
اي اسرار تخفيها الواح الماء؟
وماذا كتب على جدار الماء؟
أسأل ذلك لأننا كلما اقتربنا من ردم عطشنا بتفسير حلم الليطاني يكاد حلمنا يتبعثر في الهواء، ونحن نقف امام ما يحيق بالنهر من مشاريع استهدفته تمهيدا لقيام اسرائيل ثم من اجل بقائها، وامام ما يهدد النهر من تشوهات وتلوث وكأن النهر ملعون وممنوع من الصرف، وكأنه ضحكة مؤجلة لولا اننا قررنا ان نفسر احلام كبير مهندسي العرب الشهيد ابراهيم عبد العال، وان نوزع ثروة لبنان القومية المتمثلة بالليطاني، وان نستفيد من مائه في ري عطشنا وري ارضنا، ولولا اننا قررنا ان نفسر حلم امام لبنان امام التعايش والمقاومة والتنمية الامام السيد موسى الصدر، الذي رأى ان الخطوة الاولى لرفع الحرمان من على مساحة لبنان تبدأ بالاستثمار على نهر الليطاني.
إذاً، لهذا النهر الذي ضاع وجهه في الاحزان منذ الاستقلال،
لهذا النهر الذي كان شاهدا على اطماع العدو المنقوشة على جدار الكنيست الى اليوم، وشاهدا على عربدة جيوش العدو وهي تدق على ابوابه محاولة الماء منذ عملية الليطاني عام 1978.
لنا ونحن نكتم اسرار الماء بجرارنا حتى لا يضيع كنزنا في الصمت ونصبح جهة منهوبة ونهرا منهوبا وبعد ذلك بحرا منهوبا، ونحن نصرف الوقت من غير طائل قبل الاستثمار على مواردنا البحرية الطبيعية فيما اسرائيل تغرف من المتوسط ما استطاعت.
للوطن والنهر والناس ولكم في هذا اللقاء، تحية من الذين استشهدوا ثلة ثلة على مرأى من عيون التاريخ وهم يحرسون النهر، وفي الطليعة محمد سعد واخوانه، وشهداء تلال الطيبة، والذين رابطوا ودافعوا واستشهدوا في قلعة شقيف ارنون، والشهداء الذين سقطوا على التلال الواقفة خلف النهر وهم يدكون حصون العدو حتى التحرير، والشهداء الذين سقطوا على اهبة النهر من وادي الحجير الى القنطرة والطيبة وهم يحرسون انجاز التحرير وشهداء البقاع الغربي على ضفتي النهر، شهداء المنبعين وشهداء القرعون وميدون وشهداء القرى المفتوحة العين على جسر القعقعية وحراس المصب في القاسمية وبعد،
فإني اعبر عن سروري البالغ اليوم لرعاية هذا اللقاء الوطني الذي يهدف للاضاءة ونشر وعي ومباركة خارطة الطريق الهادفة لمكافحة تلوث بحيرة القرعون ومجاري نهر الليطاني وروافده، التي انجزت بجهود مشكورة من وزارة البيئة وبالتعاون مع عدد من الوزارات ومجالس الانماء والاعمار والمجلس الوطني للبحوث العلمية وبرنامج الامم المتحدة الانمائي والاسكوا.
واعترف انه وقبل صياغة هذا المشروع انني كدت اصاب بخيبة امل رغم الانجاز الذي تحقق بالقرار الوطني الذي تأخر خمسة عقود بتفسير حلم الليطاني على منسوب الثمانمائة متر، وانجاز المخطط التوجيهي لري الضفة الجنوبية للنهر والتلزيم وبدء تنفيذ المشروع، حيث انتبهت الى ان النهر بدأ يستحيل الى لعنة بدل ان يكون نعمة، نظرا لما اصابه من تشوهات بسبب الضغوط البشرية كالتوسع العمراني العشوائي والنشاطات الزراعية والتعديات على مجرى النهر وروافده، ورمي النفايات الصناعية والمنزلية ما ادى الى تراكم الملوثات الجرثومية والترسبات الكيمائية في المياه التي تغذي بحيرة القرعون والبحيرة نفسها، بما يؤدي اولا الى القضاء على كل الاحياء المائية وثانيا الى التأثير السلبي على المواطنين من خلال الاستعمالات الشتى للمياه الملوثة.
ومن حسن الانتباه ان وزير البيئة الصديق ناظم خوري واضافة الى معالي وزير المال محمد الصفدي انتبها الى هذه المشكلة وكلفتها وتبادلنا الاراء حول معالجتها ، واكدت على ضرورة السير بشكل متواز بين تنفيذ مخطط تنفيذ مشروع الليطاني على منسوب ثمانمائة متر وبين وضع وتنفيذ مخطط لمكافحة تلوث بحيرة القرعون.
وهكذا وبدعم من رئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزارات المختصة تم تحديد جميع الاطراف من اصحاب المصلحة المعنيين بحوض الليطاني، بهدف رفع الوعي العام لاهمية ترشيد استخدام المياه والحفاظ على نوعيتها، وصولا الى بناء القدرات المؤسسية على المستويين الوطني والمحلي في هذا المجال، كما تم انشاء قاعدة بيانات شاملة من اجل التخطيط التنموي والمستدام لكامل النطاق الجغرافي لحوض الليطاني.
واقول زأنه وبعد اطلاعي على الدراسات الخاصة بتقييم:
1 -الاثار الاجتماعية والاقتصادية من مكافحة التلوث الحاصل لمياه نهر الليطاني وانعكاسها على صحة المواطن.
2 –الجدوى الاقتصادية المحققة من ناتج رفع القيمة التسويقية للمنتجات الزراعية.
3 –القيمة الاقتصادية الاجتماعية الناتجة عن استخدام بحيرة القرعون للاغراض السياحية.
4 – الاثار الايجابية الناتجة عن تخفيف الضغوط على مصادر المياه العذبة.
بعد اطلاعي على كل ذلك أؤيد خارطة الطريق التي ستبسط امامكم اليوم في هذا اللقاء من اجل اتخاذ التوصيات اللازمة، اضافة الى التدابير والخطة الادارية لمكافحة التلوث والتي تستدعي جملة تدابير سريعة ومتوسطة وبعيدة المدى.
ان اطلاق هذه الخارطة اليوم يشكل ضرورة ملحة مكملة لانطلاق مراحل العمل بمشروع (القناة 800 )، بعد ان بدأت قبل اقل من اسبوع الاعمال التمهيدية المتعددة واللازمة لحفر النفق الرئيسي الناقل للمياه بطول حوالي سبعة كيلومترات، وبإنتظار ان تبدأ في اول نيسان ( وهذه ليست كذبة ) اعمال المرحلة التالية المتضمنة لقناة قليا وهي خزان بلدة الطيبة مرورا بمدن وبلدات مرجعيون، الخيام، القليعة، برج الملوك، دير ميماس وكفركلا.
كما اننا نأمل في اطار هذا المشروع ان يتمكن مجلس الانماء والاعمار من تأمين التمويل اللازم من الصناديق الممولة للمشروع لاستكمال اعمال العقد ، انطلاقا” من خزان الطيبة الى مدينة بنت جبيل وصولا” الى خزان بلدة يارين مرورا” بالعديد من البلدات ومترافقا” مع اعمال شبكات التوزيع للمناطق الزراعية. علينا ان لا ننتظر كثيرا لنطلق ورشة البحث عن تمويل هذه المرحلة.
اننا اذ ننوه بالحلول اللازمة المقترحة لمعالجة المشكلات، واذ اركز على تعاون السلطات المحلية الممثلة بالبلديات في رسم المخطط وغدا في التعاون والرقابة على تنفيذه، فإني ادعو الادارات المختصة في القوى السياسية الحية المعنية بشؤون البلديات لوضع طاقاتها وامكانياتها للتعاون من اجل انجاح تنفيذ خارطة الطريق الخاصة بمعالجة التلوث البيئي لنهر الليطاني.
كما إني انوه بالخطوات السريعة الجارية وفق برنامج التنفيذ الخاص بمشروع ( قناة 800 )، والذي يشكل مع المشروع الذي نحن بصدده اليوم عملا متكاملا لحفظ كنز لبنان الذي يمثله نهر الليطاني مع روافده وبحيرة القرعون الذي يعتبر من اهم الانظمة المائية في بلدنا كونه يتفاعل مع كامل النشاطات البشرية.
كما انه وطالما ان مجلس الانماء والاعمار يلتزم دوره، وحيث ان الاستشاري موجود كما المنفذ، ومن اجل سرعة الانجاز لوجستيا، فإني أدعو الحكومة الى تكليف مجلس الانماء والاعمار تأمين التمويل اللازم عبر الصناديق المانحة ولا سيما العربي والكويتي للتنمية، اللذين لم يقصرا عن حبنا وقاما بتمويل مشاريع لا تعد ولا تحصى على مساحة لبنان، من اجل ضم الاشغال الخاصة المدرجة في خارطة الطريق لتنظيف مجرى حوض الليطاني بالترافق مع الاعمال الجارية لتنفيذ مشروع الري على مستوى 800 متر.
الحضور الكريم
أود في هذا العجالة ان اعرج على العناوين المتصلة بالماء لاقول انطلاقا من الليطاني، ان الحروب المقبلة هي حروب المياه، ولاحذر من ان اسرائيل تتأهب للاستثمار على الواقع العربي المفكك وتبديد قوة النظام العربي في حروب الاستتباع الصغيرة على المستوى القطري على خلفية التحولات الجارية من اجل الاستيلاء على مواردنا الطبيعية في البحر وفي الانهر الجارية ومن اجل زيادة الاستيطان وتهويد الكيان.
ان اسرائيل التي قامت بالعدوان الثاني على الشعب الفلسطيني في غزة والتي تواصل كل يوم حروب الاستيطان والتوسع والتنكيل ضد هذا الشعب الشقيق، والتي قامت بالعدوان الجوي بالامس على الشقيقة سورية، والتي تحاول ان تجعل احتلالها للجولان العربي السوري واقعا جغرافيا عبر انشاء جدار عازل، تهدد لبنان اليوم باللجوء الى القوة وتقوم بالعروض العسكرية على شكل مناورات وتنشر منظومات عسكرية قتالية جديدة.
نؤكد ازاء هذا كله وفي كل وقت على سلاح الوحدة الوطنية الذي يبقى هو السلاح الامضى والأهم الى جانب جيشنا ومقاومتنا بمواجهة كل تهديد.
أيها السادة
يبقى اخيراً ان الليطاني هو نهر من ذهب، اذا عملنا على الحفاظ عليه ومنع تشويهه وجعله نهرا معاقا والاستثمار عليه في كل المجالات من اجل ازدهار الانسان في لبنان.
عشتم.. عاش لبنان