لان الأيام كانت أيام الزهراء، سلام الله عليها، وسيرتها وأثرها وحياتها، وكمالها ومقامها وجلالها، إختار سماحة الإمام القائد السيد موسى الصدر أن تكون المؤسسات على إسمها.
ولأن الزهراء سلام الله عليها، كانت سلسلة ورابطة لبقاء النسل النبوي، ولأن منزلها كان درع علي عليه السلام، وفراشها ومخدتها الرمل، وأثاثها قطعة من السقف ورحى وملعقة، إختار الإمام الصدر أن تكون المؤسسات على اسمها المتواضع المزدهر بالإسلام فكانت: مستشفى الزهراء، هنا حيث ينمو هذا الصرح الطبي، ومدينة الزهراء حيث تقوم الجامعة الإسلامية، فسلام على الزهراء المطهرة بالإيمان السيدة المتعبدة التي عاشت مع الله، والأم التي عملت لدنياها فعاشت أبداً.
وسلام على الإمام الصدر الذي عرشه في قلوبنا، والذي غادرنا من باب مدينة الزهراء إلى ليبيا تلبية لدعوة رسمية من رئيس نظامها، فاستقبلوه ورفيقيه سماحة الأخ الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين في معتقلات وزنازين النظام. سلام عليه، حياً في قلوبنا وفي ضمائرنا وفي إسلامنا، وفي سلوكنا وفي مسيحنا والنهج الذي رسمه لنا، وفي عروبتنا التي تشتكي إنعقاد القمة العربية ليس في ليبيا وإنما في كنف النظام الليبي، الأمر الذي يمكنه من غسل يديه من جرائمه وإخفاء بصماته عن كل إرهابه.
لذلك إسمحوا لي وأنا على منبر من منابر الإمام الصدر، أن أتوجه بكلام من القلب إلى القلب، للقادة العرب مذكراً إياهم بأن: الإمام الصدر كان مفكراً ومفسراً وعالماً إسلامياً مجتهداً، وأنه كان في لبنان إمام الإعتدال والمشاركة والوحدة الوطنية، وكان إمام المقاومة الذي أراد أن لا يكون لبنان بطناً عربياً رخواً، تضربه إسرائيل ساعة تشاء لتؤلم أشقاءه وتصفي حساباتها العربية والفلسطينية على أرضه، فأطلق المقاومة مستدعياً اللبنانيين للدفاع عن حدودهم السيادية بمواجهة العدوانية والإرهاب الإسرائيليين.
أذكّر القادة العرب بأن الإمام الصدر ورفيقيه غيبوا في نهاية شهر آب (أغسطس) من العام 1978 في ليبيا وهو يلبي دعوة رسمية، وكان يسعى لعقد قمة عربية كالقمة التي تدعون إليها الآن.
إني إذ أطالب لبنان بالإمتناع عن المشاركة في قمة الإحباط العربي في بنغازي، فإني أطالب القادة العرب بإيجاد الوسيلة المناسبة التي تجعلهم خارج المسؤولية عن أفعال نظام التجزئة النظام الذي اغتال مفهوم الوحدة والتضامن على مساحة الوطن العربي وإفريقيا، وأشعل النار بثوب النظام العربي من تشاد إلى الصومال ودارفور.
الحضور الكريم، أرجو تفهم مقدمتي في المكان والزمان والقضية ،
وبعد وبعد فإني أعبر عن سروري لوجودي في هذا الصرح الطبي، الذي ربما تدخلت مع إدارته الصدرية ليس من أجل القلب لأن ما أستطيع أن أساهم في مداواته هو قلب لبنان، بل اعتقدت ذات ليلة أن هناك إفراطاً في إستخدام التيار الكهربائي، فاتصلت باللأخ العزيز محمد شعيتو وعبرت له عن ملاحظتي حيث أعرف أنه الرجل المؤسسي المناسب على رأس الإدارة المناسبة، وأنه كان بجانب الإمام الصدر في المجلس الشيعي الأعلى، وحفظ ووثق الأحداث وصورة حركة الإمام حتى تغييبه.
ثم إني كنت من بعيد إستطلع شؤون هذا الصرح الطبي وشجونه، وأتدخل بلمسات مطلوبة وبصفتي أزعم أنني أحمل أمانة الإمام الصدر ولو أن الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان لم يقصر بالإستمرار في تفسير حلم الإمام الصدر بقيام مستشفى جامعي يتضمن مؤسسة بحثية إلى جانب كلية الطب، ويستمر في أن لا يشبه المستشفيات الخاصة من حيث الإدارة التجارية الغالبة، ليكون مستشفى للمحرومين بكل معنى الكلمة وليكون مستشفى الفرصة للإختصاصيين والخريجين ولكل من يسعى لتطوير مهاراته وخبراته.
وها نحن اليوم في المستشفى الذي بدأ كمستشفى ميداني في خيمة عام 1975، نقف لنشهد على الإستعدادات لإنشاء مستشفى جديد على بعد أمتار قليلة من قسم الطوارئ يضم أربعة طوابق تحت الأرض، منها اثنان للعمليات والمختبرات، وطابق للعيادات والإدارة، وعشرة طوابق للإستشفاء إضافة إلى إنشاء كلية علوم للجامعة الإسلامية. لذلك، أوجه التحية إلى إدارة هذا الصرح والجسم الطبي ومديره وكل العاملين في أقسامه. وها نحن اليوم نتشرف برعاية وإفتتاح المؤتمر الثاني الوطني الشامل على المستوى العالمي لمستشفى الزهراء الجامعي، المتنوع الإختصاصات والمحاضرين وتعدد جنسياتهم واختلاف مدارسهم العلمية، والذي سيركز كما المؤتمر الأول على جدليات أمراض القلب، إضافة إلى جدليات طبية في أمراض الجهاز الهضمي جراحياً ودوائياً.
إننا لا بد أن نلاحظ أن انعقاد المؤتمر الطبي الأول عام 2008 قد جرى في ظل أزمة سياسية في لبنان وتحت ظل ضغط توترات داخلية، إلا أنه نجح في تحقيق غاياته فإن انعقاد المؤتمر الثاني اليوم يأتي تحت ظل تهديدات إسرائيلية متصاعدة بحرب مفتوحة على ما يسمى بالجبهة الشمالية، محكومة إلى عقدة إستعادة قوة الردع الإسرائيلية وإخضاع خط المقاومة والممانعة. فاسمحوا لي إزاء تهويل إسرائيل التي يتناوب عليها قادة المستويين السياسي والعسكري، وإزاء عروض القوة الإسرائيلية المتمثلة بالمناورات العسكرية المتواصلة، أن أوجه عناية جميع المهتمين بشؤون الشرق الاوسط إلى أن تفكير قادة إسرائيل بالهرب إلى الأمام على حساب لبنان لن يكون نزهة بكل تواضع ومن دون تبجج كما لم يكن كذلك عام 2006، وستكون أي حرب إسرائيلية جديدة غلطة شاطر أو مغرور، حيث من المعروف أن إسرائيل ستتمكن بفضل قوة النار التي تملكها أن تسبب كالعادة الكثير من المجازر والموت والأذى والدمار، ولكن النتيجة الوحيدة لحربها ستكون الهزيمة والفشل الإستراتيجي. ولن تستطيع تفكيك الجبهة الداخلية ولا إيجاد شرخ بين المقاومة والجيش أو بين المقاومة والوطن، رغم ما يثار من حين إلى آخر حول المقاومة وحول سلاح المقاومة.
إن إسرائيل كما لا يمكنها أن تكسب رهانها على الجبهة الشرقية، فهي أيضاً ستفشل في مشروعها البعيد المدى لتهويد الدولة وتهويد القدس وإجبار الفلسطينيين على ترانسفير جديد، وتحويل غزة إلى مخيم كبير للاجئين، واقتلاع الفلسطينيين إستيطانياً من الضفة الغربية، ونحن متأكدون أن إستعادة وحدة الشعب الفلسطيني وتوسيع خياراته بمواجهة الإحتلال ستمكنه من تحقيق أمانيه الوطنية. ومرة أخرى، نناشد أهلنا الفلسطينيين من كل الفئات والفصائل، أن من كانت إسرائيل عدوه فهو عدو كاف. كفى، وصلنا إلى نقطة الكفر.
ومن حدود الوطن والقضية إلى حدود المجتمع على المستوى اللبناني، فإننا ومن إحدى مؤسسات الإمام الصدر ومن على أحد منابره، نؤكد أننا سنستمر في نضالنا الديموقراطي، وصولاً إلى لبنان العدالة والمشاركة وإلى قيام الدولة وأدوارها في لبنان.
ونقول لإخواننا في الوطن والمواطنية لا أحد يعتقد أننا نريد هيمنة طائفة على أخرى أو هيمنة طائفتين على آخرين أو ثلاث أو عشر طوائف، بل نريد هيمنة ال 18 طائفة عداً ونقداً ولكن:
1- إن بقاء لبنان ضعيفاً أمام العدوانية الإسرائيلية ناتج عن نظام الطائفية السياسية.
2- إن فساد الحكم في لبنان ناتج عن نظام الطائفية السياسية.
3- إن نشوء جماعات المصالح الخاصة ناتج عن نظام الطائفية الساسية.
4- إن الإحتكارات والإمتيازات وأدوية الأعشاب وغير الأعشاب هي تعبيرات نظام الطائفية السياسية.
إننا مع إخوتنا في الوطن الذين احتشدوا بالأمس في الرابع عشر من آذار نريد العبور إلى الدولة ولكن شرط ان يكون معنى ذلك الإعتراف أن الدولة التي كانت تحكمنا قد سقطت دون رجعة. لماذا نتنكر لهذا الأمر لقد نلنا إستقلالنا عام 1943 وفي العام 1958 وحصلت فتنة طائفية أي بعد 15 سنة، ومن العام 58 إلى العام 69 حصلت فتنة طائفية جديدة أي بعد 11 سنة ونقصت الثلث، ومن العام 1969 الى العام 1975 انخفضت ايضا بمعدل الثلث، فمن جرب المجرب كان عقله مخرباً، كما يقول المثل. إن الجميع يعترف أن تلك الدولة تمادت في الظلم وبالغت في حرمان الناس، وتآمرت نعم تآمرت على شعبها وجنوبها ورفعت شعار السيادة التي تنازلت عنها.
حتى من زاوية إقتصادية فإن المقاومة تساعد ليس فقط في الدفاع عن الحدود وليس فقط في التحرير، المقاومة تساعد أيضاً على استرداد الأراضي وعلى إستخدام المياه واستخراج النفط المؤكد في مياهنا. دراسات المسح الأخيرة الجيولوجية في مياهنا الإقليمية بعد الكلمة التي ألقيتها في البقاع الغربي في افتتاح مياه عين الزرقا وأشرت إلى هذا الموضوع، ورئيس الحكومة آنذاك قد اعترف وقال أن هذا الأمر موجود وأنه يوجد تقارير وتوجد دراسات من شركات بوجود هذا الأمر، وأن دراسات المسح الجديدة الجيولوجية التي قامت بها شركات عالمية أفضت إلى وجود كميات كبيرة واعدة من النفط والغاز الطبيعي وآخر شركة قامت بمسح ثلاثي الأبعاد أكدت حجم الكميات لدينا ثلاثة أضعاف حجم الموجود أمام ساحل فلسطين الذي وضعت إسرائيل اليد عليه وبدأت بإنتاجه وفي تأكيد الشركة أن هناك 308 بليون برميل نفط و220 تريليون قدم مكعب غاز. هذا الكلام كلام علمي والدراسات موجودة وطبعاً تكلمت مع الأخ دولة الرئيس سعد الحريري للإسراع بجعل لبنان إحدى أكبر الدول المنتجة للنفط، صدق أو لا تصدق ولكنه واقع ويجب أن نخطو الخطوة الأولى وهو مجالنا لسداد الدين وتعزيز مشاريعنا في لبنان.
ونقول إن العبور إلى الدولة الحقيقية وأدوارها يحتاج إلى الإيمان بأننا نريد لبنان واحداً أرضاً وشعباً ومؤسسات، نريده وطناً نعيش فيه كمواطنين مشاركين متساويين مهما حصل في الماضي القريب والبعيد، وبأننا نريد لبنان وطناً متطوراً عصرياً في مستوى أماني المواطنين، لا يملك أحد فيه حق الفيتو على تحديث النظام والتفكير على الأقل بالوسائل لإلغاء الطائفية السياسية، وهذا لا يعني أننا نلغي الطائفية الآن. أنا أعلم الواقع وأقول أنه إذا كنا متفائلين بعد 30 أو 40 سنة يمكن أن نصل إلى هذا الأمر، نريده لبناناً لا طائفياً دولة معاصرة، نريده وطناً ونظاماً نابعاً من أرضنا وتاريخنا، نريده وطناً لا يقبل الإعتداءات على إنسانه وأرضه وجوه وبحره.
نريد جيشاً مزوداً بمنظومات وبأسلحة متطورة للدفاع الجوي والبري والبحري في مستوى الأخطار التي تهدد الوطن، ولا يعتبر المقاومة تهمة بل على حدود الخيانة ولا إعتبار أبداً للخيانة على حدود الوطن.
إننا نؤكد أن مسيرة الألف ميل نحو لبنان الدولة ونحو أدوار الدولة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والدفاعية والأمنية، تبدأ بتجسيد القناعة بأن الطائفية السياسية هي علة العلل، وأنه لا بد من تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية ليس بإعتبارها واجباً دستورياً فحسب، بل اعتبارها واجباً وطنياً. طبعاً ستكون الهيئة من كل الفئات ولا يتم فيها التصويت هذه أمور على غرار الحوار تماماً، في الحوار ناقشنا 12 مشروعاً من أصل 13 وأقرت ال 12 بالإجماع وليس بالتوافق. إذن كل غايتنا أن نحافظ على الطوائف وغايتنا في الوقت نفسه الإبعاد عن الإتجار بالطائفية.
إننا نؤكد أن الإهتزاز الوحيد الذي يتعرض له لبنان ليس ناتجاً عن التهديدات الإسرائيلية بل عن التوترات السياسية، التي تنبعث عن مواقع تعتبر أن مصلحة لبنان هي إعادته ستين عاماً إلى الوراء وإعادة إنتاج نظامه على ما كان عليه. إذا أردنا الرجوع إلى الخلف لا يهمنا لا طائف ولا غيره، فبعد ستين سنة عدنا إلى دوائر إنتخابية هي القضاء مع العلم أن الطائف ينص على المحافظة.
إنني من الموقع المؤسسي للأمام الصدر الي يمثله هذا الصرح الطبي أقول: ان أحداً في لبنان لا يملك حق النقض (الفيتو) على القرارات الوطنية، وإن على الجميع تسهيل الإنتقال السلمي من مراحل أنماط السلطة التي حكمت لبنان ولا تزال إلى مرحلة الدولة.
وفي كل الحالات نقول: أنه لا التهديدات الإسرائيلية ولاالإهتزازات الداخلية المفتعلة ستعيق حركة تاريخ لبنان إلى الأمام. فكما تمكن لبنان من أن يكون أنموذجاً لمقاومة وممانعة الشعوب مطلع الألفية الثالثة، فإنه بدأ يتحول إلى أنموذج ليس في المقاومة بل أنموذج نقدي ومالي عل خلفية نجاحه في عبور الأزمة المالية العالمية دون أضرار مباشرة، وأنه لولا البيروقراطية والبنى التشغيلية غير المستقرة والفساد فإن لبنان كان الصورة الأنصع لنظام منطقته في المجال المالي، وهذا ما يستدعي الجميع للعمل من أجل تصحيح الواقع وأيضاً من أجل شطب لبنان من على جدول مؤشر حجم الدين الخارجي لا أن يحتل الدرجة الواحدة والأربعين عالمياً والرابعة عشرة بين البلدان النامية. في كل الحالات فإن رهاننا اليوم وغداً سيبقى على تمكن لبنان من أن يكون أنموذجاً في نشر شبكة أمان صحية وزيادة الضمانات والإئتمانات الصحية والإجتماعية لمواطنيه وكذلك في التخفيف من وقع الأزمة الإقتصادية والإجتماعية على شعبه، ولا أن يصبح الطبيب يحتاج إلى من يضمنه صحياً. قبل الختام وعلى ضوء التجربة المؤلمة المترتبة على فجيعة الطائرة الأثيوبية، وعلى بقاء جناح لبنان المغترب معلقاً بين الأرض والفضاء مغامراً في سبيل كرامته والعيش الكريم ، فإنني أدعو ودون أي تأخير مرة أخرى إلى إنشاء هيئة إدارة الكوارث المقترحة منذ أعوام ومنذ أيام أيضاً وكذلك إنشاء الهيئة العامة للطيران المدني الذي صدر قانونها منذ سنوات، مشيراً في هذه المناسبة ومنوهاً بدور الجيش اللبناني وجهوده شاكراً كل من بذل وكل من حاول وكل من عاون من أية جنسية كان في سبيل عملية الإنقاذ فهذه العملية بحد ذاتها التي كانت منتهى الألم ومنتهى الوجع.
أخيراً أعود لأتمنى لكم التوفيق في أعمال ونتائج المؤتمر الدولي الثاني لمستشفى الزهراء الجامعي، لما فيه مصلحة تطور الطب ووسائل العلاج ومصلحة وسمعة لبنان واعذروني إذا تكلمت في كل شيء ما عدا الطب.