بدايةً أعبر عن سعادتي الكبيرة للاحتفال بتخريج نحو ألف وخمسماية من طلاب حركة أمل وأنصارها، الذين أنجزوا اجازاتهم الجامعية في مختلف الجامعات والاختصاصات في لبنان والخارج وهو الاحتفال الذي يصادف في مناسبة وطنية مجيدة هي الذكرى السابعة والعشرين لانتفاضة السادس من شباط. ويتوافق مع الإنتفاضة العملاقة للشعب المصري الشقيق.
ربما يقول قائل لماذا نعيد هذا الطقس الاحتفالي ونفتح شهية الذاكرة على هذا العنوان: الانتفاضة اليوم؟ والجواب هو ان انتفاضة السادس من شباط مثلت فعلاً وطنياً وانتفاضة صنعت في لبنان، تمكنت من بناء قواعد ارتكاز للمقاومة في العاصمة والضواحي والجبل والبقاع والشمال بمواجهة الاحتلال من جهة، ومن جهة ثانية أمنت أسباب النجاح للوصول إلى اتفاق الطائف ومهدت الطريق لعودة الدولة وأدوارها.
لذلك فإننا، أيها الأعزاء، نحتفل بتخريجكم اليوم لتكونوا قوة تجديد لروح الانتفاضة في لبنان وقوة حياة شابة تستحق أن تأخذ دورها السياسي ودورها كقوة عمل وانتاج، ونحن قد اختبرنا حضوركم القوي كرقم صعب في الروابط الطالبية كما اساتذتكم في الانتخابات النقابية، وشكلتم معهم جسر تلاق بين القوى التربوية المنتخبة.
انني في هذه المناسبة التربوية بامتياز والوطنية بإمتياز، أود ان أركز على جودة التعليم مع وجود 45 جامعة ومعهد عال في بيروت وشتى أنحاء لبنان. إن هذا الأمر لا بد وان يتأمن من خلال معايير محددة لشهادات الاستحقاق مقابل فرص العمل، بما يعني سن القوانين التي تضمن جودة ونوعية التعليم. انني في هذا السياق كذلك أعود إلى الدعوة لتشكيل مجلس أعلى للتربية، ينسق بين ناتج التعليم العالي وحاجات سوق العمل، وأعلق آمالاً على الحكومة الجديدة في تشكيل هذا المجلس الذي لا بد ان يرشد كذلك الطلاب إلى حاجات سوق العمل. أقول ذلك لأننا في كل يوم نسمع المزيد من الوقائع حول حال الخريجين الذين يغتربون بالجملة، أو يعملون كسائقي تاكسي أو حراساً في شركات، أو بائعين في معارض ومحلات تجارية مع احترامي وتقديري لكل المهن ولكل أنواع الأعمال وأصحابها.
انني في هذه المناسبة أشدد على ضرورة انجاز المجلس النيابي في أول دورة تشريعية لقانون الزامية التعليم حتى سن الخامسة عشر عاماً وصولاً إلى مجتمع خالٍ من الأمية.
وبالعودة إلى البعد السياسي للمناسبة، وبين الخريجين من لم يكن قد ولد بعد، أقول، ان انتفاضة السادس من شباط كانت المحطة الأساس في اسقاط مشاريع التقسيم والتوطين وادخال لبنان في العصر الاسرائيلين، والـتأسيس لدخول لبنان مرحلة الجمهورية الثانية التي تجري مقاومتها من الذين يعيشون في الماضي.
سبعة وعشرون عاماً عمر انتفاضة السادس من شباط، وهي هي في ريعان شبابها متحركة ومتحفزة ومليئة بالنشاط، وطموحة في قيام لبنان الجديد، رغم ان الأجيال الجديدة للانتفاضة تعيش واقع البطالة ولا تملك ان تشتري قميصاً لترد عنها برد الشتاء ولا ستاراً لنافذة بيت العائلة المكسرة الزجاج منذ ان تراكمت نتائج دمار حروب اسرائيل على ارضنا، ووقعنا ضحية الهيئة العليا للاغاثة والحكومات السابقة التي عاقبت المقاومة وشعبها على الانتصار الذي حققته. سبعة وعشرون عاماً ولم يتعلموا درس المشاركة وواصلوا احتكار السلطة واحتكار المال العام والاستدانة على المستقبل.
وبالرغم من انقضاء سبعة وعشرين عاماً فإننا في مدارس الانتفاضة نواصل تعليم الوحدة الوطنية وصيغة التعايش، وقد اضفنا مادة الحوار والديمقراطية التوافقية وأخيراً الديمقراطية الدستورية كرافدة للأولى وكضرورة لإحداث هزة سياسية تنتج واقعاً سياسياً جديداً من ضمن روحية النظام العريقة بالديمقراطية.
وبعد وبعد… فإن سبعة وعشرين عاماً انقضت على انتفاضة السادس من شباط التي ولدت من رحم القهر والغبن ووضع الشعب بين مطرقة العدوان وسندان الحرمان. سبعة وعشرون عاماً على الانتفاضة ضد الفئوية وضد وضع لبنان تحت وصاية القوة المتعددة الجنسيات التي كانت شاهدة الزور على مذابح صبرا وشاتيلا، وضد احتكار القوى المسلحة وتحويل مدافعها لتضرب الضاحية والجبل الأشم بدل ان تدافع عن الحدود التي استباحها العدو طيلة عقود وصولاً إلى احتلال العاصمة عام 1982. سبعة وعشرون عاماً على الانتفاضة التي مكنت لبنان من اسقاط اتفاق 17 آيار. سبعة وعشرون مرة ومرة ولم ينتبهوا إلى استحالة اعادة انتاج نظام الميثاق الوهمي ونظام الاحتكارات، ولم ينتبهوا إلى ان هناك عقداً دستورياً وسياسياً واجتماعياً بعنوان: الطائف.
سبعة وعشرون عاماً ونحن نريد ان يكون مالنا ومالهم لكل لبنان وهم لا زالوا يعتبرون ان الكل في سبيل البعض. سبعة وعشرون عاماً ونحن نرى ونسكت، لعلهم يعودون إلى الطائف وينتبهون إلى ان سياستهم المالية حولت لبنان إلى جنة ديون علينا وعلى أولادنا وأحفادنا، وأننا نلحس المبرد ونحن نسعى لخدمة الدين العام، وأنهم ألقوا القبض على وزارة المال وأغلقوا أبوابها حتى لا نرى ولا نسمع ولا حتى نراقب.
سبعة وعشرون عاماً وها نحن نلتقي عشية ذكرى الجريمة الزلزال التي تمثلت باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه ونبدأ من هنا لنقول: إننا في لبنان نعم، اتفقنا على المحكمة الدولية على طاولة الحوار، عندما لم تكن هذه المحكمة الدولية بعد قد أتى برنامجها إلى لبنان وعندما لم تجر مخالفات الدستور وإدخالها إلى الأمم المتحدة ولكن الطريق التي سلكتموها وسلكتها الحكومة غير الميثاقية وغير الدستورية إلى توقيع اتفاقية المحكمة ونظام المحكمة وموقع لبنان في المحكمة لم يكن طريقاً دستورياً رغم نصوص الدستور، لا علم لرئيس الجمهورية فهو لم يجر هذه الإتفاقية ولم يوقعها وهي خالية من أي شيء له ذكر لرئيس الجمهورية، ولا احالة لها على مجلس النواب. وكما بات معروفاً فإن التحقيق كان موجهاً وسياسياً واعتمد على شهود الزور وتركيب السيناريوهات، لذلك نحن قلنا على طاولة الحوار اننا، وما زلنا، مع المحكمة التي تؤدي إلى كشف الحقيقة لا صنع أي حقيقة أو تزوير هذه الحقيقة. إننا لن نقبل أن يبقى لبنان عمراً جديداً يمتد لأجيال أو لأيام وهو بيت للصمت وللشك، وأن نسكت تحت طائلة التهديد عن حقوق الناس وعن المشاركة الكاملة في حياة لبنان.
كما تعرفون ويعرف كل اللبنانيين، فقد جربنا أن نسلك الطريق إلى لبنان المشاركة وإلى جوهر النظام البرلماني الديمقراطي، فما حصدنا سوى خيبات الأمل واكتشفنا ان شعارات الانتقال إلى مرحلة الدولة هي كلام بكلام، فقد جرى تعطيل كل مسعى لتنفيذ احكام الدستور بتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية ويتكلمون عن تعطيل المجلس النيابي دون أن يرف جفنهم عن الحكومة اللا ميثاقية، وجرى التراجع عن مشاركة الشباب عبر خفض سن الاقتراع وعن الكوتا النسائية، وأساساً جرى التنكيل بإتفاق الطائف عبر العودة خمسين عاماً، إذا لم يكن ستون عاماً، إلى الوراء بقانون الانتخابات إلى قانون 1960.
لقد تم على التوالي تفريغ الادارة بدل ملء الشواغر، وتعطيل اجهزة الرقابة بدل تفعيلها، ومصادرة القضاء بدل تعزيز استقلاليته. ان صورة لبنان الخارجية هي صورة لبنان المعاق اقتصادياً المشلول ادارياً الواقع تحت الديون. وكما تعرفون فقد تعاقبت الحكومات دون ان نتقدم خطوة على طريق مشاركة المغتربين والمنتشرين اللبنانيين في الانتخابات النيابية.
ومقابل غياب مختلف السياسات الحكومية العامة في مختلف المجالات، فقد تعطلت المبادرات النيابية في اطار صناعة هذه السياسات من اجل رد تهمة النظام المجلسي، وفي الواقع من أجل رد أي اتهام بالتعدي على حدود صلاحيات مواقع الطوائف والمذاهب، نظراً لما رأيناه خلال السنوات المنصرمة، ومؤخراً، من سعي لبناء العصبيات التي تكرس صيغة النظام الطائفي.
الآن وفي هذه اللحظة الوطنية المناسبة وقيام حكومة تمثل تداولية السلطة التي هي في أساس النظام الديمقراطي، وفي هذه اللحظة التي يشدد فيها جميع المسؤولين على التكاملية الدستورية للسلطات، انطلاقاً من ان كل واحد من الرؤساء هو مسؤول ولكنه ليس المسؤول الأوحد، وانطلاقاً من سعي الجميع لتأكيد الاستقرار الأمني وكذلك الاستقرار النقدي لطمأنة المستثمرين وتحريك الاقتصاد. الآن وفي هذه اللحظة السياسية أعبر رغم كل ما قلت عن تفاؤلي بوضع اتفاق الطائف بشقيه الدستوري والاصلاحي موضع التنفيذ وهو الأمر الذي يفتح الباب من أجل:
أولاً: التمني أن تكون باكورة أعمال هذه الحكومة وضع حجر الأساس لمشروع الليطاني على منسوب 800م. وعدنا بذكرى الإمام الصدر أن يتم هذا الأمر في تشرين غير أن الخلاف بين الشركات أدى إلى التأخير.
ان اطلاق هذا المشروع ليس مطلباً جهوياً لأهل الجنوب، بل ان تحقيقه يمثل انجازاً وطنياً تاريخياً في هذا العهد كما قلت في مهرجان الإمام الصدر.
ومن حديث الماء الذي جعل منه الله سبحانه كل شيء حي إلى قضية الأمام الصدر، فإننا ندعو الحكومة لأن تكون قضية إمام لبنان ورفيقيه في أساس اهتماماتها باعتبارها قضية عادلة وقضية وطنية، الجلسة الأولى في محاكمة معمر القذافي هي في الرابع من آذار أي الشهر المقبل. لا يمكن بناء مصداقية الدولة وثقة الناس بالدولة دون العبور من بابها إلى كشف الحقائق المرتبطة بها واماطة اللثام عن مسؤولية النظام الليبي وتحرير الامام الصدر ورفيقيه.
ثانياً: السير في العقد الاجتماعي الذي اسمه الطائف، ومن هنا اصرارنا على العمل لتشكيل الهيئة الوطنية التي تقترح السبل الآيلة لإلغاء الطائفية.
ونكرر القول اليوم، وبعد كل مشاهد التعبئة الطائفية والمذهبية التي عشناها، وبعد استعراض كل العصبيات وفي كل المناسبات، إن تشكيل هذه الهيئة كان ضرورياً وأصبح اليوم ملحاً.
ثالثاً: من منطلق تمسكنا بمشروع الدولة وضرورة الدولة وأدوار الدولة، ندعو إلى صياغة واقرار قانون انتخابات عصري على أساس الدوائر الموسعة والنسبية وخفض سن الاقتراع وتكريس كوتا نسائية واعتماد البطاقة الانتخابية.
رابعاً: إننا كلبنانيين في كل المناطق وكمواطنين نقع في المنطقة التي شكلت طيلة ستين عاماً وما يزيد جغرافية الاعتداءات والحروب الاسرائيلية على بلدنا، نؤكد تمسكنا بالمقاومة وبمثلث الجيش والشعب والمقاومة كضمانة لردع أي عدوان.
خامساً: اننا نقول لرئيس الحكومة وللحكومة المنتظرة ما قلناه لسابقاتها، من ان حركة أمل ستدعم تحرير الحكومة من أي معوقات تحول دون القيام بأدوارها الاجتماعية او تحول دون قيام وزارات وادارات الخدمات بأدوارها للانتهاء من حالة تقنين الخدمات.
سادساً: اننا ننتظر من الحكومة تضمين بيانها الوزاري ما يشير الى ان من أولوياتها اصدار مراسيم تطبيقية لقانون النفط من جهة والمباشرة بتشغيل مصفاتي طرابلس والزهراني وخط النفط من العراق إلى بانياس السورية إلى الزهراني.
لأنكم تمثلون الاحساس بالمستقبل ونبض الحياة، ولأنكم تمثلون الاحساس بالوقت ولأن اقرانكم على مساحة الشرق وافريقيا بدأوا يعيدون رسم صورة الأوطان انطلاقاً من الحقوق والواجبات والالتزام بدولة القانون. الجمعة أي أول أمس، 11/2/2011، هناك علم في الهند هو علم الأرقام يأخذون منه صورة الأحداث وأهميتها ويطابقون الأرقام المصادفة، يوم مبارك نهار الجمعة رحل فيه مبارك، وإنتصرت ثورة شباب مصر، أرقى ما سمعت وما قرأت عن ثورات ومن دون قيادة معلومة. ثورة الجمهورية الاسلامية في إيران كانت ثورة راقية ولكن كان لها قيادة الإمام الخميني (قدس سره). هنا أرقى ما قرأت وما سمعت عن ثورات من دون قيادة معلومة سوى الشباب، وكأن دماً جديداً سال في عروق الأمة العربية.
والغريب العجيب ان البعض وحتى الأمس القريب كان يكرر، وهذا قرأناه في الاعلام، بأن حسني مبارك مولود من أصل لبناني، فإذا به يعتبر اليوم بعد الانتصار أن ثورة مصر ولدت من رحم 14 آذار!! بالأمس كانت أمه لبنانية واليوم أصبحت الإنتفاضة التي أطاحت به ولدت أيضاً من رحم 14 آذار. فاعلموا يا سادة، هذه ثورة نسيج وحدها وليست بالتأكيد صنع نسيجكم. هذه ثورة تحررت من خرافة الوصاية الدولية بكثير من الوعي السياسي والإعلامي كما عبر سابقاً الرئيس عمر كرامي. بينما أنتم ما زلتم حيث كنتم. هذه ثورة تهدف إلى تغيير النظام الاقتصادي والاجتماعي، فليس من حيلة أبداً لتسقطوا أنفسكم عليها. هذه الثورة ضد الإرث السياسي وأنتم فيه تؤمنون بل تحيون. وهذه ثورة تقيم الصلاة والقداس معاً لأجل تحرير وإنطلاق الإنسان وتريد من أجل ذلك حتى تغيير الدستور. أما أنتم في سبيل ذات الأهداف وكمحاولة لدرس سبل إلغاء الطائفية تمانعون حتى في تطبيق الدستور. وبكلمة إن ثورة مصر بعد تونس الخضراء هي البذار الطيب في الأرض العربية العطشى للديمقراطية والتخلص من الوصايات وباتجاه فلسطين انشاء الله.
احبائي الخريجين.. كونوا قوة مقاومة على حدود الوطن للعدوانية الاسرائيلية إذا تجرأت على المساس بلبنان، وقوة ومقاومة على حدود المجتمع للحرمان والغبن وغياب العدالة الاجتماعية والانتقاص من حقوق الانسان.
اننا في هذا اليوم وفي هذا الاحتفال نؤكد ان حركة أمل ستكون قبلة النضال الديمقراطية من أجل ازدهار الانسان في لبنان.