كلمة الرئيس بري خلال استقباله رئيس جمهورية ارمينيا

يسرني باسمي وباسم مجلس النواب اللبناني، أن أرحب أشد ترحيب بفخامة الرئيس سيرج ساركيسيان رئيس جمهورية ارمينيا والوفد المرافق في هذا المقر، وكنت أتمنى أن يوجه كلمته الى الشعب اللبناني من على منصة البرلمان، ولكن مناسبة كريمة للبنان في الفاتيكان جعلت المقر هو الممر.
إننا اليوم نستقبل رمزا ممثلا لدولة صديقة ولشعب صديق، تربطنا معه أفضل العلاقات الانسانية والاخلاقية والتاريخية، التي ارتكزت على العلاقات الكفاحية المشتركة خلال نضال شعوبنا ضد الاحتلال والانتداب، وفي مراحل النضال من أجل الاستقلال الوطني.
إن لبنان شكل على الدوام وطنا ثانيا للارمن الذين أظهروا له محبة ثابتة ووفاء منقطع النظير، حيث انحازت ارمينيا دائما الى جانب مقاومة لبنان في مواجهة العدوانية الاسرائيلية ودعمت بلدنا ولا تزال في سعيه لاستكمال تحرير أرضه التي تحتلها اسرائيل، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وفي طليعتها استكمال تنفيذ القرار 425، وتنفيذ القرار 1701 الذي صدر في اعقاب الحرب الاسرائيلية على بلدنا عام 2006.
إن بين لبنان وارمينيا الكثير من الجوامع المشتركة كما قلت في كلمتي على منبر مجلس النواب الارمني عامي 1997 و2011، أبرزها حب شعبينا للارض والوطن، والانتشار المتماثل للبنانيين والارمن في كل أصقاع الأرض، وتشكيلهما امبراطورية بشرية انسانية لا تغيب عنها الشمس، صدرت الحرف والمهارات والحرف للعالم.
إن هذا الانتشار لم يكن فقط وليد الرغبة في الهجرة والطموح، وإنما كذلك تسببت به الوقائع الشرق أوسطية التي ضغطت على شعوب المنطقة، وفي الطليعة على شعبينا والشعب الفلسطيني، الذي يقع تحت ضغط العدوانية الاسرائيلية على منظار عمليات القنص الجوي وحفلات الاعدام الجماعية، وخصوصا للاطفال كما في الحرب الاخيرة على غزة الصامدة البطلة التي انتصرت فيها العين على المخرز والدمعة على الفأس، وكذلك الشعب الفلسطيني الذي يعاني أقسى ممارسات الاحتلال من اعتقال وتنكيل ومصادرة واستيطان وتهويد، ويقف على رصيف العالم منتظرا الاقامة والاعتراف الدولي ولو بدولة غير كاملة العضوية، فهل ترانا نشهد بعد يومين صحوة للضمير الدولي على اسم فلسطيني وعنوانه؟
إن طموحات شعبينا لبناء أفضل العلاقات جسدها مجلس النواب اللبناني ونظيره الارمني، بتبادل اللقاءات والزيارات وتوقيع اتفاقية لتطوير التعاون البرلماني وتبادل الخبرات، اضافة الى التنسيق المستمر للمواقف في المحافل البرلمانية الدولية والآسيوية، بما يخدم مصلحة شعبينا، وكذلك بما يعبر عن موقفنا المنحاز الى العدالة والسلام وحقوق الشعوب.
لقد أجاز مجلس النواب خلال السنوات الاخيرة للحكومة إبرام تسع اتفاقيات مع بلدكم الصديق في مجال الخدمات الجوية وتنشيط الاستثمارات وحمايتها، والتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتعليم العالي والثانوي والعلوم والثقافة، وتفادي الازدواج الضريبي والتعاون في مجال الصحة. إلا أننا في مجلس النواب، إذ نرى أن هذه الاتفاقيات غير كافية ويجب أن تشمل مجالات أخرى، فإن ما يستدعي انتباهنا هو هشاشة ناتج التعاملات التي تقدمها لغة الارقام، لذلك، فإنني لمناسبة زيارتكم التاريخية لبلدنا، أستدعي همة رجال الاعمال اللبنانيين والارمن على مساحة العالم، من أجل النهوض بالاستثمارات في بلدينا بما يؤدي الى رفع مستوى التبادل والعمليات التجارية.
إن العلاقات بين بلدينا يجب أن تكون نموذجا متطورا لعلاقات الصداقة بين الشعوب والدول. ونأمل أن نلبي طموحات شعبينا لبناء أفضل الديموقراطيات المصنوعة وطنيا، والتي تخدم الدستور وتلتزم القوانين وتمنع الاساءة اليها او التعسف في استخدامها.د
إن الوقائع الاقليمية اليوم تتشابه مع أحداث ووقائع جعلت أوطاننا وشعوبنا رهائن في أعقاب الحربين الكونيتين الاولى والثانية. وإن نظرة عميقة الى صورة مشهد كل الاقطار الموجودة على خريطة الشرق الاوسط الكبير في هذه اللحظة السياسية، تبين أننا جميعا نقع على منظار أسلحة الفوضى البناءة لتحالف الراغبين في إخضاع منطقتنا اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، والسيطرة على مواردها البشرية والطبيعية.
إن كل هذه المنطقة مهددة بالتشظي والانقسامات بصورة “ميكرو جغرافية”، لما خلفته أساسا الخطوط الزرقاء والحمراء لسايكس بيكو. إن هناك حقنا يوميا وتمويلا وتسليحا وإثارة لكل عوامل الفتن والمخاوف والهواجس والمشكلات النائمة، التي لن تترك شيئا إلا ينقسم على اثنين أو أكثر، حتى الانسان الواحد.
إن هذه المنطقة العزيزة التي هي متحف للحضارات وموئل الديانات السماوية وكتاب للتاريخ، تعيش واقع انفجارات عرقية وطائفية ومذهبية وفئوية وجهوية، وتقع تحت ضغط ظل الصراع عليها.
وإن القيادات في منطقتنا التي خبرت وعاشت وتعلمت من تجارب الماضي ولديها ثقافة تأسست على خلفية المعاناة والتضحيات الكبيرة التي قدمتها شعوبنا وفي الطليعة انتم يا فخامة الرئيس، مطالبون بإتخاذ المبادرات التي من شأنها الدفع قدما نحو حوارات مفتوحة داخل اقطار المنطقة، لصنع تفاهمات سياسية بين الأفرقاء فيها على صيغ المشاركة في اعادة انتاج الدولة ومؤسساتها، خصوصا مع التهديدات بعبور الازمات لحدود أغلب الدول وادخالها في دوامة من العنف وحفلات الاعدام الدموية عبر السلاح مقابل السلاح، وصولا الى تبديد إمكاناتها.
لقد أثبتت تجربة الحرب الاهلية اللبنانية التي نريدها أن تذكر كتجربة ولا تعاد، أنه لا يمكن إقصاء أحد أو تهميشه أو شطبه، وان الحل هو الاتفاق والتوافق عبر الحوار. ولأنه لا بديل من صيغة الحوار، ندعو لبنانيا بوجود هذا الضيف العزيز، هذا الضيف الشريك عبر الطائفة الارمنية الكريمة، الى اتفاق الطائف والى طاولة حوار تضع نصب عينيها ان السلاح هو فقط للدفاع عن الوطن، وان من كانت اسرائيل عدوه فهي عدو كاف، والى صياغة تفاهم حول المواضيع المتنوعة والمصدرة للخلافات ودون انتظار لمصير سوريا الذي لن يتقرر بالانتحار على النحو الجاري بل بالحوار.
لقد أطلت عليكم، لكن القضايا الضاغطة على أقطارنا تتزاحم وتدفع بالكلمات.

هذه التدوينة نشرت في خطابات. الإشارة المرجعية.