كلمة الرئيس بري في ورشة العمل لمعالجة آثار الألغام والقنابل العنقودية التي اقامتها لجنة حقوق الإنسان النيابية في المجلس النيابي

بداية، أشكر جميع من لبى دعوتنا الشخصية ودعوة لجنة حقوق الانسان النيابية الى هذا الاجتماع الذي صمم للبحث في شأن وطني انساني ملح، يتركز على متابعة الجهود المبذولة لازالة معالجة حقول الموت الاسرائيلية وآثارهها المتمثلة بالالغام والقنابل العنقودية التي خلفها الاحتلال والاعتداءات والحروب الاسرائيلية على لبنان خصوصا في تموز 2006.
ان جميع الوثائق الرسمية والدولية تؤكد ان الجيش الاسرائيلي لجأ، للمرة الاولى عام 1978، الى استعمال قنابل الكانسترا التي تتشظى الى مئات القنابل الصغيرة، والتي تتخذ اشكالا متعددة تضلل بصفة خاصة الصغار الذين يسارعون الى لمسها ظنا من بعضهم انها لعب، كما انها تشكل مانعا قاتلا معوقا ومهددا للزراعة والحياة الطبيعية للسكان، حتى يمكنني القول من دون اية مجازمة ان الاحتلال طرد من لبنان وتحررت الارض عام 2000 ولكن ما تحت الارض لم يتحرر”.

واضاف: “في ذلك الحين، لم تكن هناك ثقافة ميسرة او وسائل لايضاح خطر هذه القنابل العنقودية التي كان من اولى ضحاياها، على ما اذكر، ولدان شقيقان في الصرفند لمسا اجساما غريبة فتفجرت بهما.
هذا العام وبفارق 40 عاما وفي تاريخ 29 حزيران 2008، ذهب فضل خريباني البالغ من العمر تسعة اعوام والطفل علي خريباني البالغ من العمر سبعة اعوام الى ملاعب طفولتهما في بلدتهما عدشيت -الشقيف، حيث كانت تنتظرهما القنابل العنقودية والتي تركت على جسديهما علامات فارقة لبصمات الشظايا السوداء.
قبل ذلك بشهرين، كان احمد علي زريق البالغ من العمر احد عشر عاما وحسين علي المعلم البالغ من العمر اثني عشر عاما، وهما من البلدة نفسها، يقعان ضحية القنابل العنقودية.
بالعودة قليلا الى الوراء، الى ما بعد الحرب الاسرائيلية على لبنان، فان عددا كبيرا من الضحايا من الاولاد الصغار الذين لا تتجاوز اعمارهم الاثني عشر عاما كانوا ضحايا معلنين للقنابل العنقودية.

ومنذ الايام الاولى لتحرير المنطقة الحدودية في نهاية ايار عام 2000 الى اليوم، فان زهاء سبعين شهيدا وستماية جريح كانوا ضحايا القنابل العنقودية فقط التي تجاوزت اعدادها المليون قنبلة منتشرة بين المنازل وفي الحقول ومعلقة على الاشجار وكأنها ثريات. وقد تسبب المطر وانزحال التربة في اخفائها وتمويه مكانها او دفنها على عمق قليل تحت قشرة الارض والتي يمكن ان تبرز الى السطح بسبب اعمال الفلاحة او الاشغال العامة او مجرد دوسها”.

وتابع: “اما الخطر الآخر الكامن في ارضنا فيتمثل في نصف مليون من الالغام والقنابل غير المتفجرة والمنتشرة في المناطق الحدودية الجنوبية ومحيط المواقع التي كان يستخدمها جيش الاحتلال الاسرائيلي او في اماكن غامضة حولهاالجيش الاسرائيلي الى حقول الغام بدعوى منع تسلل المقاومين”

وقال: “لقد شكلت الالغام والقنابل العنقودية والعاب الاطفال الاسرائيلية المفخخة والعبوات التي يزرعها الكومندس الاسرائيلي في القرى والبلدات والابواب المفخخة للسيارات، التي استخدمت في عمليات اغتيال قادة مقاومين والسيارات المفخخة التي هي في اساسها اختراع اسرائيلي، شكلت كل ادوات الموت تلك هاجسا لي حيث كانت الانباء تتناقل قصص الموت الكثير للمواطنين اللبنانيين من كل الاجيال.

وبصراحة، آنذاك لم اجد من كرسي اعتراف لي حول حجم هذه الكارثة سوى امام حكيم العرب المغفور له صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الامارات العربية المتحدة.
ذهبت اليه يومها لم اكد اكمل قصتي حول هول هذه الكارثة حتى اصدر، رحمه الله، اوامره بتحويل هبة اذكر خمسين مليون دولار لمصلحة ازالة آثار هذه المشكلة ونشأت عملية التضامن الاماراتية لتنظيف كل المناطق الملوثة والمعروفة جنوب الليطاني من الالغام باستثناء “الخط الازرق”، وهو المشروع الذي اعتبر الانجح على الصعيد العالمي.
وهكذا، كان كل شيء يسير بشكل ممتاز، وتابع رئيس دولة الامارات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان خطى والده في دعم استكمال المشروع وتوسيع المساحات النظيفة من الموروثات المتفجرة.
ولكن حرب تموز الاسرائيلية على لبنان عام 2006 اعادت الامور الى نقطة الصفر وغيرت المعايير، واستحدثت مشكلة اكبر في ما يتعلق بالذخائر غير المتفجرة وخصوصا القنابل العنقودية.
وهنا لا اريد ان اتوجه اليكم، ايها السيدات والسادة، هنا فقط، اريد ان اتوجه توا الى من يسمع على الاقل، الى الامم المتحدة، لجنة حقوق الانسان في جنيف، كل المنظمات الانسانية في العالم بالقصة البسيطة التالية التي عشتها انا شخصيا، واعتقد ان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة عاشها ايضا. لقد وضعت هذه القنابل العنقودية اكثر من مليون قنبلة القتها الطائرات الاسرائيلية بعد صدور القرار 1701 حضر نائب وزير الخارجية الاميركي السيد وولش الى مكتبي وكنا نصوغ القرار 1701، وبعد صدور القرار حدد وقت لوقف الحالة العدائية وليس وقف النار. اذكر انه يسجل ان يكون نهار الاثنين صباحا الساعة الثامنة. ومن الجمعة مساء بتوقيتنا، أي الأولى والنصف بعد منتصف الليل وحتى الاثنين صباحا، اي خلال 36 ساعة بعد صدور القرار 1701، اسقطت اسرائيل هذه القنابل المشكو منها، أي اكثر من مليون قنبلة لانها كانت كما دائما تريد استمرار الحرب على لبنان، هذا لبنان الذي يشكل انموذجا بطبيعته وتكوينه انموذج اعتدال ضد الكيان الصهيوني.
وكالعادة، وبعد صدور القرار 1701، رفضت اسرائيل اعطاء الامم المتحدة وقوات “اليونفيل” معلومات عن المناطق التي استهدفت بالقنابل العنقودية، كما كانت ولا تزال ترفض اعطاء الامم المتحدة خرائط الالغام. وعندئذ، كما ورد في التقرير، لو اعطت الخرائط فورا لكان في الامكان، كنا لا نزال في شهر آب، كان في الامكان فعلا ان نتخلص من الغالبية الساحقة منها، على الاقل لم تكن قد امطرت وردمت القنابل”.

وتابع: “في الميدان، تم استنادا الى تقارير الامم المتحدة تحديد 1058 موقعا ملوثا بالقنابل العنقودية، تغطي مساحة اثنين واربعين مليون متر مربع تم تنظيف اقل من نصف المساحة من الموت المتربص فيها واستكمال انهاء هذه المشكلة يتجاوز امكانات لبنان ويتطلب دعما عربيا ودوليا.
وعليه، فان الهدف من اجتماعنا اليوم هو تقديم التوصيات وتحديد المتطلبات لانجاز مهمة نزع الالغام والقنابل العنقودية.
كما تعرفون فانه وللمرة الثانية يفتح المجلس النيابي اللبناني ابوابه من اجل القاء الضوء على هذه المشكلة.
فقد كان مجلس النواب شاهدا العام الماضي في الخامس من تشرين الثاني على اجتماع ترافق مع اجتماعات مماثلة في اربعين دولة من دول العالم تعمل ضمن الائتلاف العالمي ضد القنابل العنقودية.
وقد اطلقنا في تلك الاجتماعات صرخة على مساحة العالم حملت صوتنا الذي قال: “لا للقنابل العنقودية لا لتصنيعها لا للاتجار بها، لا لتخزينها ولا لاستخدامها”.

وقال: “انني اذ استذكر تلك المبادرة، أتوجه بالتحية الى النروج التي قادت هذا التحرك ضد القنابل العنقودية كذلك للشيخة حصة التي تشرفنا اليوم بحضورها بيننا بعدما شاهد العالم بأسره المآسي التي خلفها استخدامها خصوصا في جنوب لبنان من الجيش الاسرائيلي.
ان استكمال حل المشكلة الآن بات يتوقف على التمويل للحفاظ على عدد الفرق العاملة في هذا الحقل بحسب الاولويات الانساني، قبل التمكن من تسليم المهام المتبقية الى الجيش في السنة المقبلة.
انني، في الاطار الميداني، أناشد الدول العربية الشقيقة التي سبق ان أعطت وعودا لدعم هذه العمليات والدول الصديقة خصوصا المساهمة في قوات الطوارىء الدولية العاملة في جنوب لبنان الى المبادرة الفورية المساهمة المالية في انهاء هذه المسألة.
على المستوى الوطني، ادعو الحكومة اللبنانية الى عدم الاستمرار في دفن رأسها في الرمل، وتجاهل مسؤوليتها تجاه هذه المشكلة وابعادها الانسانية والاجتماعية والانمائية بدءا من:
1 – تخصيص هذه القضية اسميا باعتمادات في موازنات الدولة.
2 – تحريك الحساب الخاص الذي افتتح لهذه القضية وتعميم رقمه والطلب الى المؤسسات الدولية الخاصة والشركات والافراد والمغتربين والمنتشرين اللبنانيين في العالم المساهمة في هذه العمليات للتبرع في هذا الحساب.

في الجانب الانساني والاجتماعي التنموي، اجدد مطالبة الحكومة بضرورة تعويض عائلات شهداء الالغام والقنابل العنقودية ومتابعة شؤون الجرحى خصوصا المعوقين منهم، وكذلك تعويض الملاكين والمزارعين الذين زرعت اسرائيل ارضهم بالموت المتربص. كما أدعو الوزارات المختصة الى إنشاء مشاريع تنموية تشغيلية تأخذ في الاعتبار تحويل اعاقة المصابين والمعوقين من ضحايا الالغام والقنابل العنقودية الى قوة عمل وانتاج.

في المجال التشريعي والقانوني، فاني أدعو الى أن يكون لبنان طليعة الدول التي توافق على التشريعات الخاصة بمنع انتاج او استخدام او المتاجرة خصوصا بالقنابل العنقودية، واعتقد ان الاتفاقية الدولية الخاصة بهذا الامر تنتظر بعض الملاحظات عليها قبل ان تصبح جاهزة للتوقيع في اوسلو.
انني أدعو الحكومة اللبنانية ووزارة الخارجية بصفة خاصة الى قيادة حملة ديبلوماسية دولية لإدانة اسرائيل لاستخدامها هذا النوع من الذخائر القاتلة والطلب الى المجتمع الدولي الادانة والتعويض، وكذلك:
– المطالبة بآلية لتعويض المتضررين وتقديم الشكاوى الى لجنة مختصة على غرار لجنة الامم المتحدة للتعويضات UNCC.
مع العلم فقط للتذكير في العام 1996، لجأ اكثر من مئة شخص الى بيت الامم المتحدة، قيادة قوات “اليونيفيل” في قانا وقصفتهم اسرائيل، واستشهد مئة واثنان من المواطنين بينهم من هم من الجنسية الاميركية واطفال من كل الطوائف. لبنان لم يطالب بالتعويض عن استشهادهم، وليس هذا الموضوع هو الذي اتحدث عنه. ما أتحدث عنه هو ان البيت الذي تهدم جراء القصف الاسرائيلي كان بيت الامم المتحدة وقد اتخذت الجمعية العمومية للامم المتحدة قرارا بالاجماع ما عدا ما عدا ما عدا علامة النصر، اخذت قراراً او توصية بان يدفع تعويض ثمن هذا البيت نحو مليون وخمسين الف دولار. الاسرة الدولية كلها طالبت بذلك ،ومع ذلك ، لم يدفع المبلغ”.

واضاف: “انني وباسم مجلس النواب اللبناني وباسم المواطنين اللبنانيين الذين يقعون وتقع ارزاقهم في دائرة الخطر جراء هذه المشكلة، اذ اكرر الشكر لدولة الامارات العربية المتحدة على دورها، فانه لا يفوتني شكر منظمات الامم المتحدة وفرنسا التي جددت أخيرا مطالبتها اسرائيل بخرائط الالغام والقنابل العنقودية وفقا لقرار مجلس الامن الدولي، والنروج والدول المهتمة.
اتوجه بالتحية الى ذكرى الشهداء المدنيين ضحايا الالغام والقنابل العنقودية، وشهداء جيشنا الباسل الثمانية وفي طليعتهم الرائد سمير مرعب الذين سقطوا خلال عمليات تنظيف حقول الموت، وكذلك ثمانية وثلاثين جريحا من افراد الفرق التي عملت وتعمل في مجال نزع الالغام والقنابل العنقودية والقنابل غير المفتجرة من الاراضي اللنانية، كما اخص بالتحية والتقدير ضحايا الالغام التابعين للامم المتحدة الخبير وقائد فريق نزع الالغام البلجيكي ستيفان فان بيتيغان والنقابين البريطاني كريغ ابلبي والفرنسي ايريك الوي والنقاب من زيمبابوي مونيار تزي زوز.
كما أخص بالتحية والشكر:
– مركز تنسيق مكافحة الالغام التابع للامم المتحدة بالتعاون مع اليونفيل.
– الجيش، قائدا وضباطا ورتباء، خصوصا النقابين والخبراء المتخصصين بعملية نزع الالغام والقنابل العنقودية، والمركز اللبناني للاعمال الشعبية النروجية، و”كشافة الرسالة الاسلامية” والرؤية للتنمية والتأهيل والرعاية ووحدة تعزيز الوقاية من مخاطر الالغام، واللجنة الوطنية لمساعدة ضحايا الالغام، وكلية الصحة العامة في جامعة البلمند والجمعية اللبنانية لرعاية المعوقين.
اخيراً ، أسأل الله ان يوفقنا الى الانتهاء من هذه الجريمة الجماعية لنتصالح مع ارضنا بتنظيفها من الملوثات الاسرائيلية المتربصة بأطفالنا وبلبنان”.

هذه التدوينة نشرت في إزالة الألغام والقنابل العنقودية, خطابات الرئيس بري. الإشارة المرجعية.