بسمه تعالى
لأنهم فلذات أكبادنا ، ومرآة حياتنا ، واشجار اعمارنا التي تبرعمهم اثمارا” وازهارا” وشموسا” واقمارا” .
لأنهم غدنا الذي يجب ان لا يتحسر على نفاذ الفرص وذهاب الوقت ، قبل ان ندرك انه كان علينا ان ننتبه الى ان الفرص لا ترحم ، والى ان الدنيا تمشي الى الامام ، ونحن نتوه في صحاري غفلتنا ونكسر كبوتنا .
ولأننا ضرسنا وقد اكل ابناؤنا حصرم النكبة والنكسة ، ولأننا تعبنا ونحن ننتظر القطار الذي فاتهم وهم يستغرقون في كـوابيس التيه ، ولأننا وضعنا يدنا تحت بلاط العجلة فأطبق عليها ، ولأننا توارثنا الوهم والوهن والمخاوف والهواجس .
ولأننا ارتكبنا كل الخطايا ابا” عن جد ، وتركنا اوطاننا واولادنا مكشوفين امام كل من لا يرحم .
ولأن الاوطان لا تبنى فقط على مجد غابر ، ولا تقوم على سواقي البكاء المر ، وهي تحتاج لأن تقف على اقدام ابنائها وان ترى المستقبل في عيونهم .
ولأن الاوطـان لا تتأسس إلا في مدرسة تعليم الحياة والوقت ، الحياة بحقائقها وعلومها ومعارفها ، والوقت بعناصره ووسائله وثواني عطائه ولحظات قطافه الذي يزدهر بمعارفكم وعلومكم .
فإنني من على منبر الجامعة الانطونية اتوجه بالتحية الى من اسس فكرة هذا المؤتمر ، ومن اعد عناوين مباحثاته ونظم انعقاده وبعـد وبعـد …
من كل قلبي اقول يسرني ويشرفني رعاية هذا المؤتمر بعنوان : ” واقع تطور حقول المعلوماتية والاتصال ” الذي تنظمه كلية هندسة المعلوماتية والاتصال في الجامعة الانطونية ، ليس لأن لهذه الجامعة موقعها في قلبي فحسب ، وليس بسبب صداقة تربطني برئيسها العام الاب لويس الرهبان وادارتها واساتذتها فحسب ، بل لسبب اساس هو قرار الجامعة وهذه الكلية الدخول في تنافس مع مؤسسات التعليم العالي ومؤسسات الرأي العام ، المهتمة في التجرؤ على طرح غد يتعلق بلبنان من خلال سمة العصر التي هي المعلوماتية والاتصال ، في وقت لايزال الواقع السياسي واتجاهات صنع السياسات العامة في لبنان تعيش في الماضي ويتسابق على ملء جيوب الوطن بحجارة الانانية للتأكد من غرقه .
وفي واقع الامر فإن انعقاد هذا المؤتمر العلمي التكنولوجي الذي يتوج بعقد اتفاقيتي تبادل وتعاون علمي وثقافي مع جامعة بروغوني والمعهد الوطني للعلوم التطبيقية الفرنسي ، هو اعلان عن فتح باب التحدي او ” باب المناقرة ” كما يقولون بالعامية مع الواقع الوطني الراهن ، الذي يأبى النظر في الاتجاه الذي يريده مؤتمركم ، ويريد تحويل الانظار بإتجاه التفاصيل المملة لحياتنا السياسية اليومية التي لا تريد الخروج الى عالم الوطن الواسع الرحب .
اقول ذلك ، لأننا وبدل ان ننشد صنع وبناء سياسات عامة عصرية في مختلف القطاعات ، وبناء علاقة بينها وبين التكنولوجيا ، نتحجج بضيق اليد و” نشحتف ” في الاستثمار على ما يجب الاستثمار عليه ، ونساير بعضنا في توزيع او بعزقة الواردات على الترقيع او التجميل ليحلو الامر بعين المواطن فيتحمل ويصبر .
واقول بصراحة فإنا ما تعودت الا قول الصراحة فكيف امام مؤتمر علمي ، تحضره نخبة من المتبصرين العارفين بأن العالم كله اصبح اضيق مساحة من هاتف خليوي متصل بكل مراكز المعلومات وبالاقمار الاصطناعية ، وان احدا” لم يعد بإمكانه ان يأكل رأس احد بالتخريفات والرؤى ، وان اشد المواطنين فقرا” اصبح مشتركا” بشبكة المحطات التلفزيونية ، التي باتت تنقل تفاصيل عن اصغر حدث في ابعد دسكرة من بقاع الكون ، فكيف اذا كان الوطن اساسا” اضيق مساحة من ان تخبأ فيه ابرة في كومة قش .
ايتها السيدات والسادة
انني ارى ان مجرد طرح مؤتمركم لعنوان التطور في حقل المعلوماتية والاتصال ، هو اعلان صريح عن وجود شبكة من المواطنين اللبنانيين لا تعيش في الماضي ، وان هذه الشبكة تزداد اتساعا” يوما” بعد يوم ، وانها تتجاوز بمعارفها حدود المناهج التربوية المتخلفة التي لم ينتبه المسؤولون عن انتاجها الى مسألتين اساسيتين وهما :
1 – ان التربية اضحت صناعة من كبريات صناعات العصر .
2 – ادوار المراحل التربوية من الابتدائي الى التكميلي الى الثانوي وخاصة الادوار الجامعية في عالم متغير .
في المسألة الاولى اود ان استكمل مداخلة كنت قد بدأتها هنا على منبر الجامعة الانطونية في منتصف مسافة الربع الاخير من العام 1999 في حفل تخريج دفعة من طلاب جامعتكم ، وطالبت فيها بإنقلاب في المناهج التربوية في لبنان حيث قلت :
” انه ما يزال بينها وبين التربية التي تؤدي الى التنمية البشرية بون قد يغدو صراعا” وتعارضا” في بعض الاحيان ، ولايزال الطابع التقليدي هو السائد في مناهجنا ، ولاتزال المناهج رغم ما قيل عن تطورها اقرب الى بداياتها منها الى مستلزمات حاضرها ومستقبلها .
اليوم ، عنوان مؤتمركم ينتبه الى ضرورة الثورة في المناهج التربوية على ضوء واقع التطور في حقول المعلوماتية والاتصال .
وبالتأكيد ، فإننا على المستوى الوطني يجب ان نؤسس على مبادرتكم عقد هذا المؤتمر ، وننصرف عن التناكف السياسي والجدل البزنطي حول كل ما نعتقد ان الدنيا تدور حوله من عناوين وحسابات وتفاصيل – ننصرف- الى تحويل الوطن الى مساحة مؤتمر يتصل ببناء علاقة عصرية بين الوطن وتكنولوجيا المعلوماتية والاتصال ، من اجل ان يتلاءم لبنان مع عصره ومن اجل ان نستحق ادعاءنا اننا نجسد انموذج الحرية المطلقة وواحة الديموقراطية ، وبأننا نتاج الطبيعة الخلابة وورثة امجاد الممالك الفينيقية التي صدرت الابجدية ، وبأننا نستحق ان نتمايز بغرورنا اللبناني .
اقول ذلك لأن لبنان دائما” ازاء عدو ننتبه الان بأن هدفه الاساس هو :
– منع تشكل بلدنا كمنافس محتمل في الشرق الاوسط ، ليس لأن لبنان يمتاز بنظامه السياسي الذي يتطور بإتجاه جعل الديموقراطية نهج حيـاة ، وليس لأن لبنـان التعـايش يمثـل نقيض مجتمعه العنصري فحسب ، وليس لأن لبنان كتاب للتاريخ ومتحف لاثار الحضارات المتعاقبة والتراث الانساني فحسب ، بل لسبب اساس وهو ان لبنان بات يضم اضافة الى جامعته الوطنية وما تأسس قبلها من اربعين جامعة ومعهدا” للتعليم العالي ، وكلها تقف على اهبة من اجل أن تدخل مع طلابها المستقبل من بوابة المناهج العصرية الملائمة لحاجات اسواق العمل .
ان هذا العدو ، الذي هو اسرائيل ، يتفوق ويسعى لضمان استمرار تفوقه ليس بالسلاح فقط وانما بنظم المعلوماتية والاتصال المتطورة والمعاهد المختصة في هذا المجال ، اضـافة الى تاريخه في التجسس الصناعي حتى على الولايات المتحدة الاميركية .
ان هذا العدو يسعى لمنع بلدنا من النهوض ، ولمنعه من التشكل كواجهة عربية ومتوسطية في مجال السلع المتصلة بالمعلوماتية و الاتصال ، وعرقلة تحويله الى مدرسة وجامعة مفتوحة في مجال تعليم ومواكبة نظم الاتصال والمعلوماتية وعلاقة التكنولوجيا بكل اشكال الحياة .
ايتها السيدات والسادة
برأيي الطموح ، فإن دور لبنان في نظامه العربي والمتوسطي يمكن ان يبرز من خلال جعله نقطة المركز في تعليم وتسويق انظمة المعلومات والاتصال ، وهذا الدور لا يمكن ان يتأسس الا ارتكازا” على :
صناعة التربية المبنية على جعل كل ما يتصل بعلوم التكنوالكترونيك اساسا” في المنهج التربوي ، وعلى اساس استيعاب التطور المتواصل في عالم المعلوماتية والاتصال .
لا ان صناعة التربية لا يمكن ان تنطلق الا بالتأسيس على ادوار التربية في عالم متغير .
ان صنع وبناء هذه الادوار لا يمكن ان تنطلق الا بتحويل النظام التربوي في لبنان الى شبكة واسعة من النشاطات التربوية ، تتم داخل المدرسة كما الجامعة وخارجها وتنساب بين المدرسة وعالم العمل من حولها .
ان هذا التحول يجب ان يتلاءم مع عالم متغير خصوصا” في المراحل الجامعية ، بحيث تتحول الجامعات الى مراكز ابحاث تفكر وتحلل وتخطط وتنقل الوطن الى المستقبل وبحيث تكون مشاركة التعليم العالي اساسية في مجال بناء استراتيجيات التطوير والتغيير في المجتمع من اجل مواجهة التحولات التكنولوجية والبيئية والمدنية والاقتصادية .
ايتها السيدات والسادة
قد يقول قائل ، اننا دائما” في واقع تخلفنا او في محاولة استنفار واقعنا الوطني نرمي بالاسباب على اسرائيل ، ونحاول ان نتعكز في عثراتنا او في اشعال وجداننا وعواطفنا على صنع فزاعة لاثارة مواطنينا .
من جهتي لست من هذا النوع ، فإنا لا ادعي عدوا”، هو في واقع الامر عدو جعل من لبنان ساحة لحروبه واستخدم اكثر الاسلحة تطورا” وكل التكنولوجيا الحربية في محاولة اعدام لبنان .
ومن جهتـي لا اخفي انني اسعى لجعل لبنان مجتمع مقاومة ، لأن هدف اسرائيل الذي يختبىء وراء اصبعها هو الغاء لبنان وشطبه اذا امكن ، وارى ان الدفاع عن لبنان وضمان استمرار وجوده يعتمد اضافة الى وحدتنا الوطنية شعبنا المقاوم ، ويعتمد على دخولنا عصرنا بقوة من كل ابواب علوم المعلوماتية والاتصال .
انني ادعو ومن على هذا المنبر ، الى توظيف مثمر للاموال والجهود على التربية والتعليم في كل المراحل في مجال المعلومايتة والاتصال ، وعدا ذلك فإني اعبر عن خوفي على لبنان الذي لا يملك موارد طبيعية للتصدير ، والذي تحول تحت سمعنا وبصرنا الى جغرافيا لتصدير الموارد البشرية .
اقول في هذا العصر ، وفي هذه اللحظة السياسية الضاغطة ان الامل الوحيد للبنان والباب الوحيد المفتوح للبنان ليصبح فرصة عمل مربحة هو احداث الانقلابات المرجوه في اهداف التربية وسياساتها واداراتها وهياكلها ومحتواها ، بحيث تغدو حقا” في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشاملة ، ليس للبنان فحسب بل لعالم عربي يتجه نحو سوق عربية مشتركة ونحو منطقة عربية للتجارة الحرة ، وهذا الامر يتطلب تحقيق ثلاثة شروط :
– تنظيم افضل .
– معلومات افضل .
– ادارة افضل للتكنولوجيا .
ومن جهتي كذلك في مواجهة الحقائق السياسية الراهنة ارى ان الحاجة ضرورية لاقامة خط دفاع وطني عصري بواسطة تكنولوجيا علوم الاتصال والمعلوماتية ، لأني اتفق مع الاستنتاج الذي مفـاده ان المستـوى السياسي والعسكري في اسرائيل وعلى رأسـه شـارون يحمـل بين اسنـانه هذا السر الكبير : لا دولة فلسطينيـة مهما كان الثمن ، ووراء السر خيار وحيد : الترحيل .
ان هذا الامر يعني ليس فقط ان على لبنان وغيره استيعاب اللاجئين من ابناء الشعب الفلسطيني المقيمين على ارضه وانما انتظار المزيد .
وعليه ورغم القوة الدافعة في شؤون الشرق الاوسط التي يحاول ان يعطيها الرئيس الاميركي لما يسمى بخريطة الطريق والرؤية الخاصة بالدولة الفلسطينية ، فإنا لا ابرز سلبية شخصية في ان اسجل ان الاسرائيليين يرون ان ثمة خيارا” واحدا” مع الفلسطينيين هو ان لا يبقوا في فلسطين .
ثمة امر آخر مرافق لاستكمال حلقات مشروع الترانسفير ، تستطيعون انتم المشاركين في هذا المؤتمر ان تلمسوه بعيونكم وبعلومكم ، وهو ان أي واحد منكم يتطور او يقوم لسبب او لآخر بأجراء بحث على الحاسوب عن عبارة الارهاب عبر العالم فإنه سيصل الى نتيجة واحدة ذلك ان اسرائيل هي مصدر واصل للارهاب وجوهره وهي تمثل اعلى درجات ارهاب الدولة .
الا يستحق التهديديون المتمثلون بالترانسفير والارهاب ان نضيف الى دعائنا الكثير من قطران علوم الاتصال .
الا تستحق حروب اسرائيل على ارضنا وضد شعبنا واستمرار احتلالها لاجزاء عزيزة من ارضنا ان نضيف الى دعائنا الكثير من قطران قواعد المعلومات .
الا تستحق المشاريع التي تحاول ان تأخذنا على غفلة وتشرب مياهنا في لبنان وتسيطر على الموارد البشرية والطبيعية لمنطقتنا ، ان نسعى لمواكبة حضارة العصر دون ان نتخلى عن قيمنا ومعتقداتنا ودون ان نفرط بتراثنا .
اجزم انه وقد بدأ العالم دورته الجديدة منذ احداث 11 ايلول ( سبتمر ) ، ان هذا المؤتمر الذي يسعى الى تجاوز تلقين التكنولوجيا الحديثة للخريجين من مهندسين خبراء في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، الى تحضيرهم ليكونوا مسؤولين قادرين للتأقلم مع تطوير تكنولوجيا العصر والتحديات ، – اجزم – ان هذا المؤتمر – يشكل بداية التأسيس للبنان غدا” ، منطلقا” من الاستثمار على زيادة معارف ومهارات الانسان في لبنان .
عشتم
عاشت الجامعة الانطونية
عاش لبنــــان