كلمة الرئيس نبيه بري في المؤتمر الخامس لدعم الانتفاضة من طهران

بسم الله الرحمن الرحمن الرحِيم

دولة الرئيس الصديق الدكتور علي لاريجاني المحترم، رئيس المؤتمر

رئيس مجلس الشورى في الجمهورية الاسلامية الايرانية

الحضور الكريم

بداية انقل تحية لبنان، وكافة المؤمنين والمقاومين والصامدين فيه إلى صاحب السماحة الأمام القائد آية الله العظمى السيد علي خامنئي مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية.

وأتوجه بالتحية والشكر إلى أخي دولة الرئيس الدكتور لاريجاني، على دعوته لانعقاد المؤتمر الدولي الخامس لدعم الانتفاضة، وهي دعوة تمثل رسالة الجمهورية الإسلامية ومرشدها وملهمها ومؤسسها الأمام الخميني، الذي افتتح أعمال إيران الدولة بافتتاح سفارة لفلسطين بدل السفارة الإسرائيلية، وبتعيين الجمعة الاخير من كل رمضان ليكون يوما” للقدس.

كما واشكر اللجنة التنظيمية للمؤتمر على الجهد الذي بذلته لانعقاده بصورة متناسبة مع مهمته الجهادية، وعلى حسن الاستقبال والوفادة والتنظيم.

أود أولا” تقديم التهاني للجمهورية الإسلامية الإيرانية على البدء بتشغيل محطة بوشهر لتوليد الطاقة الكهربائية، التي نأمل أن تصل إلى أقصى طاقتها في وقت قريب.

كما نتقدم من الجمهورية الإسلامية الإيرانية رئيسا” وحكومة وبرلمانا” وشعبا”، بالتهاني على الانجازات الإنمائية في كافة المجالات، وهو الامر الذي نلمسه في كل مرة، وكذلك على التقدم في مجال الطب والعلوم والتكنولوجيا، وعلى ما حققه هذا البلد العزيز من تقدم في اعمال الدفاع برا” وبحرا” وجوا”.

إننا بمناسبة تشغيل محطة بوشهر نسأل:

ماذا عن حق ايران في التمتع بحقوقها وفقا” لمعاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية؟ ولماذا تستمر الضغوط والعقوبات عليها؟

وبالمقابل لماذا لا تتم مساءلة اسرائيل الدولة المسلحة نوويا”، بل وتشجيعها الى درجة توقيع اتفاق قبل اقل من اسبوعين مع المنظمة الاوروبية للبحث النووي لتصبح عضوا” شريكا” في مختبر الفيزياء النووي الاوروبي (سيرين)؟

ولماذا ولماذا تستمر سلطة القرار الدولي دائما الكيل بمكيالين في شتى المجالات؟

ولماذا ايران ولماذا التركيز على ايران؟ الجواب بإختصار: هو انحياز ايران للشعب الفلسطيني وحقوقه وقضيته العادلة.

دولة الرئيس، الحضور الكريم

انني لن الجأ الى عبارات التضامن مع الشعب الفلسطيني، ولا الى عبارات الادانة والاستنكار لجرائم الاحتلال الاسرائيلي وفي طليعتها اغتيال الشاب محمد الدرة، لأن صورته تتكرر في صورة حركة الجرائم الاسرائيلية المرتكبة منذ دير ياسين الى دير البلح.

لذلك ادعو الى اعتبار المؤتمر لأن يكون:

– فرصة لكشف جرائم العدو

– لاستنباط وابتكار وسائل جديدة للمقاومة وللممانعة

لقد كشفت اسرائيل القناع عن المخطط الجاري تنفيذه لتهويد القدس ولصيـاغة الكيـان اليهودي وبنـاء السلطة في هـذا الكيان على قاعدة (ملخوت اسرائيل)، اي ما يوصف بأرض اسرائيل الكاملة، وهو الامر الذي أكده القرار الاسرائيلي الاستفزازي المحدث والجديد قبل ايام بناء الف ومئة وحدة سكنية جديدة في مستوطنة (غيلو) في القدس الشرقية وكذلك المخطط الجاري تنفيذه لاعادة بناء ما يوصف بالهيكل على اثار المسجد الاقصى المبارك.

ان اسرائيل تنتظر ان يستمر الانقسام الفلسطيني وتفكك النظام العربي حتى تصل الى اهدافها هذه.

لقد قام قطعان المستوطنين الصهاينة منذ اسابيع قليلة بإحراق مسجد النورين في قرية قصرة جنوب شرق نابلس، وكان هؤلاء وبموافقة رسمية قد احرقوا خلال عامين اربعة مساجد كلها في القرى المحيطة بنابلس، وقيدت الشرطة الاسرائيلية الحوادث ضد مجهولين.

ان اسرائيل قد بلغ عدد مستوطناتها في الضفة الغربية وحدها نحو مئة واربع واربعين مستوطنة، تركز اغلبها في اطار الاطواق الاستيطانية حول القدس فيما بلغ عدد المستوطنين نحو نصف مليون.

ان تهويد القدس وتذويب شخصيتها المركزية هو هدف مركزي لهذه السياسة الاستيطانية.

اننا في هذا الاطار نشير الى ان مساحة المستوطنات زادت الى الضعفين، عبر زيادة الوحدات السكنية وهو الامر الذي يناقض كل القرارات الدولية.

لقد بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين منذ بداية انتفاضة الاقصى حتى مطلع العام الحالي سبعة آلاف واربعماية شهيد، بينهم الف وثلاثماية طفل ونحو ستماية امرأة، وبلغ عدد الجرحى الفلسطينيين ما يزيد عن خمسين الفا”.

لقد بلغت مساحة الاراضي الفلسطينية الجديدة التي صادرتها سلطات الاحتلال الاسرائيلي نحو ثلاثماية الف دونم، وبلغت مساحة الاراضي التي تعرضت للتجريف نحو مئة الف دونم، والاشجار المقتلغة نحو مليون ومئتي الف شجرة، والمنازل المدمرة او المهدومة نحو ثلاثة وعشرين الف منزل.

ان عدد الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين تناوبوا على السجون والمعتقلات الاسرائيلية منذ عام 1948 الى اليوم يزيد عن ثمانمائة الف معتقل ومحرر.

ان هناك اليوم ما يزيد عن ثمانية آلاف معتقل فلسطيني موزعين على خمسة وعشرين “باستيلا” اسرائيليا”، بينهم نحو ثمانماية محكومين بالسجن المؤبد.

ان اسرائيل تلجأ في المتوسط الى سياسة “هي او لا احد”، وهي غير منتبهة الى ان الدنيا قد تغيرت وان اللبنانيين مثلا” لا يقبلون بوضع اليـد على ثرواتهم في مياههم الاقليمية والمناطق الاقتصادية التي تخصهم.

إننا في هذا السياق لا بد من الاشارة الى أن الولايات المتحدة الاميركية هي المسؤولة عن تسليح اسرائيل بأظافر الحديد والنار والاسلحة الحديثة، وللتذكير فإن كلفة المساعدات العسكرية الاميركية الاخيرة لاسرائيل بلغت عشرين مليار دولار هذا بالاضافة لحق الفيتو لمصلحتها دائما”.

دولة الرئيس، الحضور الكريم

ان بعض ما تقدم يؤكد ان اسرائيل لا تريد السلام، وهي غير مؤهلة لاستحقاقات السلام.

إلا اننا على المستوى العربي كما الفلسطيني نلمس تطورات ايجابية ابرزها:

1 – ان اسرائيل لم تعد تستطيع الزعم بعدما شهده العالم العربي من تطورات، انها الديموقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط، بل ان التحول الديموقراطي العميق يثبت ان عنصرية اسرائيل مقابل تعزيز المشاركة في العالم العربي.

2 – ان اسرائيل فشلت في تحييد مصر، وان المصريين اكدوا ان انتفاضتهم لا ترتبط فقط بالسياسات الداخلية بل كذلك بالسياسة الخارجية، وان المطالبة تتزايد بالغاء اتفاق كمب دايفيد.

3 – ان التحركات في الشارع الاردني تنطلق من اعتبار اسرائيل واتفاق وادي عربة معها وسفارتها في عمان مصدرا” لكل الشرور، وهو الامر الذي جعل سفير العدو وافراد طاقمه في عمان يعيشون حالة قلق دائمة.

4 – ان لبنان الذي يصطف خلف الثالوث الذهبي: الجيش والشعب والمقاومة، يزداد صلابة بمواجهة التحديات الاسرائيلية بالمناورات وعمليات استعراض القوة الكيانية على حدوده.

ما اوجه عنايتكم اليه هو ان لبنان لازال يمثل العدو العربي الرئيسي لاسرائيل كونه المنافس المحتمل لها في نظام المنطقة الاقتصادي. اسرائيل تريد ان يبقي لبنان مشوه حرب ومتوترا” طائفيا” ومذهبيا” وسياسيا”، وتريد تحويله الى اسرائيليات.

ان اسرائيل تواصل انتهاكات الحدود السيادية البرية والمجال الجوي اللبناني، وانتهاك الحدود البحرية اللبنانية وعمليات القرصنة في المنطقة الاقتصادية لثروات لبنان الطبيعية من نفط وغاز. ولوثت المياه الاقليمية اللبنانية، ورفضت تسليم الخرائط المتعلقة بملايين القنابل العنقودية والالغام.

ان اسرائيل قبل كل ما تقدم تواصل احتلال اجزاء عزيزة من الاراضي اللبنانية، في مقدمها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وعرقلة تنفيذ القرار الدولي رقم 1701.

ان اسرائيل تريد ان تلائم لبنان لمشروع التوطين الذي يقاومه الفلسطينيون كما اللبنانيون.

إننا على المسار اللبناني باختصار نؤكد ان المقاومة ستبقى تشكل قوة الردع للنوايا الاسرائيلية العدوانية، وهذه المقاومة تمثل في الواقع الراهن للشرق الاوسط ضرورة وحاجة لبنانية لمنع اسرائيل من استغلال النظام العربي وتفككه لاستفراد لبنان او المناطق الفلسطينية.

دولة الرئيس، الحضور الكريم

ان السؤال الملح هو ما العمل الان؟

اولا”: اذا كان الاعتراف بالدولة الفلسطينية قد جرب، وهو ما سيمنعه كفيل اسرائيل في مجلس الامن يبقى ان تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية هو الاكثر اهمية، لأن الوحدة هي السلاح الفلسطيني الامضى لازالة الاحتلال، وكذلك التمسك بخيار المقاومة الشعبية بكل اشكالها، لأن سلوك طريق المفاوضات دون غيره ادى الى المزيد من التوسع الاستيطاني والمثل اللبناني يقول: “من جرب المجرب كان عقله مخرب”.

ثانيا”: اننا نعيد الى الاذهان تحذير المرحوم فيصل الحسيني من على منبر المؤتمر الاول لدعم الانتفاضة في طهران، من ان مخطط تهويد القدس يسير بخطوات حثيثة، وان وقف هذا الزحف الاستيطاني البشري يتوقف على دعم عربي للقدس ومؤسساتها الاقتصادية والتربوية والصحية.

فإننا ندعو الى صندوق تتولاه لجنة من هذا المؤتمر، مهمته دعم صمود المقدسيين في ارضهم ودعم مؤسساتهم.

وهنا من حق الجميع السؤال عن مصير الصناديق التي اعلنت منظمة المؤتمر الاسلامي وجامعة الدول العربية على كل مستوياتها عن تأسيسها بعناوين القدس والانتفاضة وغزة.

اين هي وماذا فعلت وماذا تفعل؟

ثالثا”: ان هذا المؤتمر معني ايضا” بإنشاء صندوق لاعمار غزة، لأن الامال المعقودة حول الحس الذي تجلى بعد انتصار المقاومة بصمودها وشعبها في غزة على الاعمار قد تلاشت او تراجعت تماما”.

رابعا”: اننا يجب ان ندعو جماهير الدول والقوى والمنظمات المشاركة في هذا المؤتمر الى تطبيق قرارات مكتب مقاطعة اسرائيل الذي جرى التخلي عنه على المستوى الرسمي.

إننا هنا نسأل اين المقاطعة العربية الرسمية لاسرائيل بدلاً من سورية؟

هذا السؤال نريد ان نطرحه، ولماذا تصرف الاموال العربية على تمويل الاحتجاجات في سورية بدل دعم الشعب الفلسطيني للبقاء في ارضه؟

ولماذ ينصب جهد الاعلام العربي على زيادة التوترات في سورية بدل كشف جرائم الاحتلال الاسرائيلي وانتهاكاته ضد شعبنا الفلسطيني؟

هل لأن سورية مثل ايران تقع على خط المقاومة والممانعة للعدوانية والعنصرية الاسرائيلية ولأنها تطالب بالسلام العادل والشامل وفق القرارات الدولية وبتحقيق اماني الشعب الفلسطيني؟

جوابي بكل بساطة: نعم.

وهذا لا يعني ابداً انني ضد الاصلاحات وهذا الامر صرحت به في لبنان وانه لا بد من فعل ذلك، ولا بد من اصلاحات ولكن ذلك يتم بتوافق داخل سوريا وليس بتدخلات من خارجية وايضاً انكى واشد غضاضة على النفس ان تكون عربية.

خامسا”: اطلاق دبلوماسية حكومية وبرلمانية تغطي مساحة دول العالم ومنظماته الحكومية والبرلمانية الجهوية من اجل تأكيد الدعم المتواصل للشعب الفلسطيني وقضيته.

سادسا”: حث منظمات حقوق الانسان الدولية على التحرك لتقصي الحقائق حول جرائم الحرب الاسرائيلية ومحاكمتها.

سابعا”: الضغط على الحكومات الاسلامية والعربية لقطع العلاقات مع كل دولة تحاول نقل سفارتها الى القدس الشريف.

اخيرا” اذا اجدد التحية لمرشد الثورة الاسلامية الايرانية ولقيادة الجمهورية،

اتوجه باسم الامام السيد موسى الصدر هذا الامام الذي غيب واعتقل في ليبيا منذ عام 1978، والذي كان ولا شك احد رواد وقائد كبير من رواد الصحوة الاسلامية، وهو صاحب القول الشهير في الاونيسكو: “اعلم يا ابا عمار ان شرف القدس يأبى ان يتحرر الا على ايدي المؤمنين”، أليس هذا الكلام كان اليوم كلام القائد الامام اية الله العظمى السيد الخامنئ، هو ذاته بعبارات اخرى؟

لذلك علينا ان نولي هذا الامر عناية كبيرة على اعتبار ان هذا الامر قضية لبنانية ايرانية عربية.

انني اؤكد ان المخططات الاجنبية لن تنجح في حروب سيطرتها على المنطقة، وفي اسقاط حقوق شعوبنا بالتنعم بمواردها وفي الطليعة حق الشعب الفلسطيني في تحرير ارضه والعودة وتقرير المصير واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.

هذه التدوينة نشرت في خطابات. الإشارة المرجعية.