باسم الاتحاد البرلماني العربي ومجلس النواب اللبناني أرحب بممثلي الاتحاد البرلماني الدولي ومعهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث وشركائنا في إعداد هذه الندوة الإقليمية حول تعزيز القدرات في مجال التنمية المستدامة للبرلمانات العربية ـ إدارة المياه.
وأود أن أوجه عنايتكم بالمناسبة إلى ان بيروت احتضنت في الفترة ما بين 13/2/2002 أسبوع المياه، الذي نظم بدعوة من لجنة الأشغال العامة والطاقة والمياه النيابية بالتعاون مع مشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهذا يعني أن لبنان يشكل في هذه اللحظة السياسـية رغم الكثير من أجـواء التوتـر والاضطراب والقلق التي نعيشها مركز استقطاب لقضية المياه واستخدامها في الشرق الأوسط، وهو عنوان ضاغط على المنطقة وعلى أقطارها، لأن المياه استناداً إلى أغلب الدراسات والى الوقائع هي المفتاح الأساسي لتطور بلداننا، المنطقة خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المياه المتوافرة للفرد الواحد في هذه المنطقة لا تتجاوز سدس (6/1) المعدل العالمي، وان الفجوة بين ما هو متوفر وما هو مطلوب تزداد اتساعاً، بحيث أنها ستؤدي قريباً إلى اختلال درجة ألازمة على ما يقول المهندس اللبناني الكندي غصوب ضاهر.
في هذا المجال لا بد من الإشارة إلى أن لبنان ومنذ عام 1984 كان هدفاً للأطماع الإسرائيلية في مياهه، وان الاستراتيجية الإسرائيلية في القرن الماضي بنيت على أساس الاستيلاء على المياه اللبنانية، كما أن العدوان الإسرائيلي عام 1967 في بعده الاقتصادي الحقيقـي كان
عدواناً بهدف الوصـول إلى مياه نهر الأردن، والاستيلاء على مساقط المياه في جبل الشيخ، وان إسرائيل انتبهت إلى أنها ارتكبت ما وصفه موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك بالخطأ، بسبب عدم توسيع عدوانها باتجاه لبنان بهدف الوصول إلى الضفة الجنوبية لنهر الليطاني، وان إسرائيل بهدف تصحيح هذا الخطأ الاستراتيجي قامت باجتياح الأراضي اللبنانية في آذار عام 1978 تحت عنوان عملية الليطاني، وهي منذ عام 1948 تعارض جميع المشاريع اللبنانية أو الإقليمية المتعلقة بالمياه، وتهدد باللجوء إلى القوة أو أنها فعلاً تقوم باللجوء إلى القوة لتعطيل أو للتهويل ضد أي مشروع.
في هذا المجال أود أن أشير إلى أن لبنان وبعد دحر الاحتلال الإسرائيلي عن معظم أرضه، أظهر تصميمه على تحـرير هـذه الأرض من عشـرات آلاف الألغـام التي زرعتهـا إسرائيل ورفضت تسـليم خرائطها إلى الأمم المتحدة والـى الحكومة اللبنانية، وكذلك تحرير المياه اللبنانية من التهديدات والضغوط الإسرائيلية.
إن لبنان أطلق في هذا الإطار مشروعين :
ـ الأول : يتعلق بتنفيذ مرحلتين للاستفادة من نهر الوزاني، عبر توفير سبعة ملايين متر مكعب سنوياً بمعدل عشرة آلاف متر مكعب يومياً لتوفير مياه الشفة إلى عشرين بلدة وقرية، وأيضاً لاستصلاح الأراضي الزراعية في بلدات الوزاني وعين عرب ووادي خنسا والعباسية والمارية.
ـ الثاني : المرحلة الأولى من مشروع إمداد الجنوب بمياه الليطاني للري والشرب ـ القناة 800 بتكلفة مئتين وسبعة عشر مليون دولار، يؤمن مئة وخمسة وستين مليوناً منها الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية.
إن هذا المشروع كان قد علق عليه كبير المهندسين العرب الشهيد إبراهيم عبد العال الآمال الكبار، باعتباره يشكل أحد أهم العناصر في تصميم حياة لبنان.
إن أهداف هذا المشروع بالإضافة إلى كونه مشروعاً إنمائياً واجتماعياً، يبقى مشروعاً وطنياً لاعمار منطقة عانت من العدوان والاحتلال الإسرائيلي طيلة خمسين عاماً.
كما ان المشروع يهدف إلى تأمين مصادر مياه الشفة للمدن والقرى الواقعة في منطقة المشروع وتطوير القطاع الزراعي فيها، بما يؤدي الى رفع وزيادة إنتاجية الأراضي وخلق فرص عمل جديدة في هذا القطاع.
إن لهذا المشروع أهدافاً بيئية، من أبرزها إعادة التوازن الطبيعي وتطوير العيش وتحسينه في ظل بيئة ومحيط نظيفين.
الحضور الكريم، لقد أوردت هذين الأنموذجين على المستوى اللبناني لأوجّه عنايتكم ان إسرائيل أقامت الدنيا ولم تقعدها لمجرد ان لبنان قام باستعادة بعض حقوقه المائية في نهر الوزاني، حيث تحركت الدول التي تمثل سلطة القرار الدولي على خط الضغوط، وقام خبراؤها ورؤساء بعثاتها الدبلوماسية بزيارة منطقة الوزاني.
إنني أعرض إمام أعمال هذه الندوة صورة هذا المشهد في الوقت الذي أؤكد لكم ان نهر الحاصباني الذي يشكل نهر الوزاني جزءاً لا يتجزأ منه والذي تواصل إسرائيل سرقة مياهه والاستثمار عليها، لا يعتبر نهراً دولياً ولا تطبق عليه بالتالي أحكام القانون الدولي لأسباب عديدة أهمها:
أولاً: إن مياه الحاصباني تنبع من الأراضي اللبنانية وتجري وتستهلك فيها لغايات مختلفة ولا تعبر هذه المياه الحدود إلاّ في فصل الشتاء أي من 2 إلى 4 أشهر في السنة.
ثانياً: للبنان حق مكتسب في هذه المياه، ذلك انه استهلك طوال مئات الأعوام مياه الحاصباني، ولا تستطيع إسرائيل بكل المقاييس القانونية الدولية والإقليمية والوطنية منازعة لبنان على هذا الحق.
ثالثاً: إن لبنان لا يعترف بإسرائيل، وأجزم أنه لن يعترف بإسرائيل، وليس ثمة اتفاق حول استعمال مياه هذا النهر اللبناني وفقاً لنصوص المادة (109) من معاهدة لوزان التي عقدت بين الحلفاء وتركيا بعد الحرب الكونية الأولى.
رابعاً: إن الاتفاق الموقع في باريس في 23 كانون الأول 1920 بين فرنسا وبريطانيا لتسوية بعض النقاط المتعلقة بالانتداب على لبنان وسوريا وفلسطين والعراق، ينص في مادته الثامنة على كيفية استخدام نهري الأردن واليرموك وروافدهما من دون أي ذكر لمياه الحاصباني على اعتبار أن هذا النهر لبناني مئة في المئة.
يتبين مما تقدم أن موضوع المياه يشكل أساساً للحرب والسلم في المنطقة، ويشكل عنواناً مباشراً للتوترات الإقليمية وأحياناً للتوترات بين بلدان متجاورة شقيقة أو صديقة.
على المستوى العربي وبما يخدم أعمال ندوتنا، فإن أغلب الدراسـات تعترف ان هنـاك هدراً للمياه فـي قطاعـي الاسـتعمال المنزلي والصناعة، ولكن الهدر الأكبر الذي يصل إلى نحو خمسين بالمئة هو في القطاع الزراعي، بسبب اعتماد العرب على الري بالغمر، بما يؤدي إلى هدر نصف كمية المياه المستعملة أي ما يزيد عن ستين بليون متر مكعب.
وعلى المستوى العربي والقطري فإن الدعوات المتكررة إلى ضرورة “ترشيد استخدام المياه” لم تلق آذاناً صاغية، كما ان إعادة تنظيم المؤسسات المائية أمر لازال في بداياته وسيستمر سوء إدارة المياه على المستوى الرسمي إلى عقد إضافي إذا لم نقل أكثر.
إنني بمناسبة انعقاد هذه الندوة أدعو الأمانة العامة للاتحاد البرلماني العربي لأن تضع على أعلى جدول اهتمامات البرلمان العربي الذي سيعقد أولى اجتماعاته في الأسبوع الأخير من العام الحالي، وكذلك على جدول أعمال مجلس ومؤتمر الاتحاد البرلماني العربي موضوع:
قضية المياه واستخدامها في الوطن العربي
إنني من موقعي في رئاسة الاتحاد البرلماني العربي وفي إطار الاتحاد، سأحث الزملاء البرلمانيين على طرح مسألة إعادة تنظيم الوزارات والهيئات العامة للمياه في أقطارهم وفي الوطن العربي، واعتبار بحث السياسات المائية في أقطارهم وعلى مستوى الوطن العربي أولوية خاصة على جدول أعمال المؤسسات التشريعية، بحيث نعمل على تحديث التشريعات المائية وإصدار المعايير الخاصة بالكفاءة لإدارة المياه.
إنني باسم الاتحاد البرلماني العربي أؤكد أننا معنيون بوجود استراتيجية مائية عربية تجدد التشـريعات والإدارة وتصون وتنمّي الموارد المائية عبر خزن أكبر كمية من المياه لاستخدامها ساعة الشدة والعمل على تقليل التبخر إلى الحدود الدنيا.
إن الاتحاد البرلماني العربي والبرلمانات والمجالس الشوروية القُطرية ستكون اعتباراً من الاجتماع القادم لمجلس ولمؤتمر الاتحاد البرلماني العربي ـ ستكون ـ معنية بقيام: ثقافة مائية تشدد على:
الاقتصاد في استخدام المياه واستنفادها، واتخاذ القرارات الخاصة بالمياه بسرعة حتى لا يتجاوزنا الزمن.
خزن المياه عبر إقامة السدود.
إنشاء بحيرات قادرة على جمع المياه السطحية.
استعمال التكنولوجيا الصناعية لإقامة موارد مائية جديدة.
تحلية مياه البحر.
الحضور الكريم، إن المياه في كل بلد تشكل ثروة وطنية لا يمكن التفريط بها، بما يعني ان هناك ربطاً كاملاً بين المياه والحياة وبين الدولة ودورها الأساس في تأمين المياه خصوصاً مياه الشفة لمواطنيها.
إن المياه تمثل أيضاً جزءاً من اقتصاد السوق في كل بلد وسلعة ضرورية، وهي تمثل حقاً لكل مواطن.
إن الوضع الراهن للوقائع المائية او للضغوط التي تتعرض لها مصادر المياه في الوطن العربي سواء الجارية من النيل إلى دجلة والفرات إلى الليطاني أو التلوث الذي يهدد مصادر المياه المطروحة للتحلية أو الكميات المتبخرة سـنوياً، او الهدر الذي يلحق المياه المستعملة، يستدعي من أقطارنا ويستدعي منا نحن البرلمانيين التأهب والحضور الدائم والعمل ميدانياً، ومتابعة كافة الأبحاث والدراسات المتعلقة بموضوع المياه من اجل التوصل إلى رسم استراتيجية قُطرية واستراتيجية عربية للمياه.