القى الرئيس برّي الكلمة الاتية :
مـن كل لبنان آت اليكم، وفي شفتي حروف هدمت الف جدار وجدار، وظلت متوهجة عصية على التشقق والانهيار، جئتكم حاملاً مشاعل النور على اجنحة الشوق، ونداءات الارض التي اطلقت المعرفة الى ارجاء الدنيا، كما اطلقت عشقها الابدي لصباحات الحرية، فكان ان قاومت على مر التاريخ مختلف انواع الاستعمار ثم ابدعت المقاومة وابدعت الانتصار والاندحار الاسرائيلي، معلنة بدء العصر العربي المقاوم .
جئتكم وبين يدي كتاب الجنوب، حيث الجراح جمر في عيون الغزاة، وحيث الحقول سجادة صلاة، جئتكم من الشمال، حيث الشمس الصبية تفتح كتاب الصبح على صباح الورد، وحيث الفيحاء عروس تتلألأ كنثار فضة القمر، وحيث الارز مجد لبنان
جئتكم من البقاع، من سهل الحب وجرود المودة، وحيث القلعة ترتسم اعمدة للحكمة ودروساً للتاريخ، وحيث العاصي يحمل الماء على كفيه الى اعراس الشجر والبشر .
جئتكم من الجبل بيت بيوتنا، ومشتهى النجوم المغسول بالثلج، والمُعّسل بالحب المتشوف والمتواضع .
جئتكم من بيروت عروس العواصم العربية وعروس المتوسط، عاصمة المقاومة العربية وكتابها ومطبعتها وحديقة حريتها ومرضع القوانين .
وبعد،
بداية اتوجه بالشكر الجزيل لأخي دولة الرئيس محمد خليفة بن حبتور رئيس المجلس الوطني الاتحادي والمجلس الوطني لاتاحة هذه الفرصة لي لزيارة هذا البلد الشقيق، للقاء رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الشخصية العربية الكبيرة والحكيمة المحبة للبنان، والتي وقفت الى جانب بلدنا في ساعة المحنة واطلقت النداءات، وعملت من اجل اخراجنا من نفق الفتنة، والتي وقفت ايضاً وايضاً الى جانب بلدنا في مقاومته وصموده حتى تحرير الاجزاء الكبرى من ارضنا العزيزة، وهذا الامر ليس غريباً على صاحب السمو الشيخ زايد الذي عرفناه موحداً لدولة الامارات العربية المتحدة، والذي لمسنا حسه السياسي العربي في اعماره للمناطق المدمرة على السويس، وفـي وقوفه في القنيطرة، وتعرفنا الى تطلعاته الوحدوية يوم سمعنا بمشروعه لاعادة اعمار سد مأرب، وكأنه اراد يومها القول انه لا بد لأن تجتمع ايدي سبأ من خلال اعادة اعمار السد، الذي كان انهياره سبباً في تفرق اصابع اليد الواحدة .
ان صاحب السمو هو محط لآمال اللبنانيين في مد يد العون لبلدنا لازالة اثار الاحتلال الاسرائيلي ودعم صمود لبنان بمواجهة التهديدات الاسرائيلية، والمساهمة في استعادة دور وموقع لبنان في نظامه العربي .
وبداية ايضاً اشكر لأخي رئيس المجلس الوطني الاتحادي اتاحته هذه الفرصة لي للقاء كافة المسؤولين في هذا البلد الشقيق، والمشاركة في اعمال اجتماعات مجلس الاتحاد البرلماني العربي، ومنحني فرصة اللقاء بالجالية اللبنانية الكبيرة التي تعيش على ارض الامارات، وفرصة توجيه الشكر على ارض هذا البلد العزيز لسمو امير البلاد وكافة المسؤولين على التسهيلات والفرص المتاحة امام اللبنانيين للعمل والانتاج والتفاعل الحضاري والانساني .
ايها الاعزاء،
احمل اليكم تحيات فخامة رئيس الجمهورية العماد اميل لحود وتحيات المجلس النيابي والحكومة ورئيسها، مقدرين لكم باسم الجميع انكم كنتم على الدوام صوت بلدكم وصورته النظيفة الانيقة، وانكم كنتم اليد البيضاء وقرش لبنان الابيض في اليوم الاسود، ومقدرين سلفاً انكم ستكونون القوة الداعمة لبلدكم في معركته وصموده لتحرير بقية ارضه العزيزة المحتلة وفي الطليعة مزارع شبعا، وانكم ستكونون القوة الانسانية المعنوية والمادية الداعمة لاستكمال نهوض بلدكم وتنميته .
ان هذه الزيارة ستسهم بالتأكيد في تعزيز العلاقات الثنائية الاخوية بين لبنان ودولة الامارات العربية على المستويات البرلمانية والمختلفة، واننا وفي هذا السبيل وقبيل بدء الاعداد لهذه الزيارة اعطينا التوجيهات لأن يكون على جدول اعمال اول جلسة تشريعية مشروعا القانونين : الأول المتعلق بالاجازة للحكومة ابرام اتفاقية للتعاون الاقتصادي والتجاري والتقني بين لبنان ودولة الامارات، والثاني الاجازة للحكومة ابرام اتفاقية اقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين .
ان تأخير المجلس في اقرار المشروعين كان لأن احالتهما الى المجلس جاء في الايام الاخيرة من عمر المجلس النيابي السابق، وكان على المجلس النيابي الجديد في اول عهده مهام نظامية تبدأ بإختيار رئيسه وهيئة مكتب المجلس واللجان النيابية، ومن ثم الانتهاء من مشاريع واقتراحات القوانين التي تأجل البت فيها والتي كانت مدرجة اساساً على جداول الجلسات الشريعية للمجلس السابق .
ان هاتين الاتفاقيتين ستسهمان دون شك في تقوية اواصر الاخوة المشتركة وتطوير علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري والتقني والمعلوماتي بجيمع الوسائل الممكنة، بما في ذلك توسيع مجالات العمل في مختلف الانشطة الاقتصادية والتجارية والالكترونية بما ينسجم مع متطلبات التنمية في كلا البلدين .
كما ان هاتين الاتفاقيتين ستسهمان في تسهيل وتعزيز التبادل التجاري بما يعبر عن ايمان البلدين بأهمية التجارة بينهما في اطار ميثاق الجامعةالعربية، واحكام ومبادىء البرنامج التنفيذي لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي دعت اليها القمم العربية واقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي في دورته 59 لعام 97، وبما يعبر عن ايمان المجلس النيابي اللبناني والتي حمل الى اجتماعات مجلس اتحاد البرلماني العربي ومؤتمراته مشروع السوق العربية المشتركة .
ايها الاعزاء،
لقد تحدثت بإسهاب عن هاتين الاتفاقيتين لأني آمل من خلالهما ان تفسحا المجال اكثر واكثر امام الاستثمارات المتبادلة في البلدين، خصوصاً استثمار دولة الامارات العربية المتحدة اكثر واكثر على العمالة العربية خصوصاً اللبنانية، لأن ابناءنا لا يتغربون ولا يغتربون حين يعملون حيث تتوفر لهم فرص العمل في البلاد العربية الشقيقة، ويكونون على مسافة سوية مع اشقائهم العرب في الحرص على حفظ الهوية الثقافية العربية وعلى حفظ امن البلدان الشقيقة التي تستضيفهم .
اني اركز على هذا الموضوع لأني اتابع بدقة الحرص الذي يبديه رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ زايد على قضية التضامن العربي وعلى قضية دعم اقتصاديات الدول العربية مباشرة، وعبر افساح المجال امام قوة العمل والانتاج العربية خصوصاً لبنان الذي كان ولايزال يحظى بتقدير واهتمام سموه واركان البلاد .
انني وفي هذا المجال لا بد ان انوه بدولة الامارات العربية التي كانت ولاتزال في طليعة الدول بالنسبة الى مجمل الصادرات اللبنانية .
كما ان دولة الامارات كانت من اوائل المبادرين الى وضع وديعة ماليـة في لبنان في سبيل دعم الاستقرار النقدي، ولن ننسى ان صندوق ابو ظبي للتنمية خصص مبلغاً كقرض للبنان نأمل الاستفادة منـه بأحسن السبل .
ايها الاعزاء،
اشكر الله ان الجالية اللبنانية في هذا البلد الشقيق وفي كل البلدان الشقيقة والصديقة تحظى بالاحترام اللازم، وانها تتمتع بالاستقرار وتساهم بشكل ايجابي في الحياة العامة، وانها لعبت دوراً كبيراً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدولة، وان مساهمات هذه الجالية امتدت الى قطاعات الاعلام المتنوعة .
انكم ايها الاعزاء تشكلون جسراً انسانياً تقع عليه مهمات كبرى في نسج اوثق العلاقات علىالمستويين الرسمي والشعبي بين بلدكم وهذه الدولة الشقيقة .
انني اتمنى عليكم ان تعطوا الصورة الافضل للبنان كما تعودتم، خصوصاً في الالتزام بقوانين الدولة المرعية الاجراء وفي حفظ ودعم استقرار هذا البلد المحب للبنان.
ايها الاعزاء،
انكم تتابعون دون شك الوقائع في منطقتنا في اعقاب الانتخابات الاميركية ومن ثم الانتخابات الاسرائيلية .
اننا نتمنى ان تدرك الادارة الاميركية الجديدة ان صناعة وبناء السلام في الشرق الاوسط تنطلق من عدالة وشمولية التسوية تحت مظلة القرارات الدولية، ومن الاقرار بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وفي الطليعة حق العودة .
اننا نتمنى ان لا تدفع الولايات المتحدة الى تصعيد التوترات في المنطقة، وان لا تنظر الى تطبيق القرارات الدولية بعين واحدة، وان لا تحول الانتباه عن الوقائع الدامية المترتبة على السياسة العدوانية الاسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني وسوريا ولبنان بإتجاهات اخرى، وان لا تعطي التصرفات الاميركية وان لا تشكل هذه التصرفات مبرراً للنشاط العدواني الاسرائيلي .
اقول ذلك لأنه ومن وجهة نظري فإن الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة للتنافس على رئاسة الحكومة لم تكن سوى مجرد لعبة اسرائيلية متقنة بين جنرال اليسار باراك وجنرال اليمين شارون لادارة استراتيجية اسرائيل، ولامتصاص موقف الادارة الاميركية الجديدة على خلفية ادلاء الناخبين اليهود بأصواتهم لصالح الديموقراطييين، وكذلك لامتصاص اي اتجاهات غير ملائمة للسياسة الخارجية الاميركية تجاه الشرق الاوسط والخليج .
اني اقول بأعلى الصوت ان المستوى السياسي في اسرائيل في اليمين واليسار اطاح بالعملية السلمية، وان كلا الاتجاهين لا يريد التسليم بعودة اللاجئين ولا بعروبة القدس ولا بعودة الجولان حتى حدود الرابع من حزيران، ولا باستكمال الانسحاب من الاراضي اللبنانية المحتلة .
واني احذر من خطوات عدوانية اسرائيلية الى الامام سواء باتجاه مناطق السلطة الفلسطينية او باتجاه لبنان .
انني ومن الامارات العربية المتحدة ادعو الدول العربية الى زيادة التنسيق والتعاون لمواجهة اي استحقاق، كما ادعو الى تحرك عربي في اطار منظمة المؤتمر الاسلامي على المستويين الحكومي والبرلماني، وتناسي اي خلاف او اختلاف لمصلحة القضايا الكبرى .
انني ادعو الى رص الصفوف خلف لبنان وسوريا وفلسطين حفاظاً على ما حققناه بفضل مقاومتنا وانتفاضاتنا وممانعتنا، التي دفعنا في الدول الثلاث ثمناً باهظاً بما مكننا في لبنان من دحر الاحتلال، سوى عن جزء صغير من ارضنا نتمسك باستعادته بكل الوسائل، وبما مكن الانتفاضة من اسماع العالم انه لا يمكن تهويد القدس التي هي قطعة من السماء لا من الارض، وبما اكد ان الثوابت والمبادىء التي رسختها سوريا هي الطريق لصناعة سلام عادل وشامل .
انني اؤكد لكم اننا في لبنان ومعنا سوريا وخلفنا كل الاشقاء العرب، سنقاوم بشدة اي حركة عدوانية اسرائيلية سواء استهدفت ارباك النظام العام في لبنان بعمليات امنية او بعمليات عسكرية ذات طابع امني، او بعمليات جدية تستهدف ضرب اهداف في لبنان او بإجتياح جديد .
ان لبنان لن يقبل بأن يكون ضحية اي عرض للقوة الاسرائيلية، بل اننا في لبنان نتصرف ونحن واثقون دائماً بوحدتنا الوطنية وبجيشنا وبمقاومتنا، ومتأكدون من عجز القوة الاسرائيلية عن تجربة عصاها مجدداً في لبنان .
كما اننا في لبنان سنتنمسك دائماً بوحدة المسار والمصير مع سوريا، لأن سوريا تشكل عنصر التوازن الاستراتيجي للبنان وعمـق لبنان، ولأنها كانت دائماً الشقيق وقت الضيق .
ايها الاعزاء،
اقول لكم رغم القلق المترتب على تصاعد العزائز العدوانية لدى المستوى السياسي الاسرائيلي، فإنكم يا ابناء لبنان اولاً ويا ايها الاشقاء العرب مدعوون لزيادة الاستثمار على لبنان القوي بمقاومته ووحدته الوطنية، والفريد في صيغة تعايشه والذي يشكل نقيـض اسرائيل العنصرية .
اني لا اخفي وقائع الازمة الاقتصادية الضاغطة، ولا اخفي وقوع لبنان تحت ضغط المديونية، الا انني اراهن على ثقة اللبنانيين بأنفسهم وعلى المعجزة التي يمثلها اللبناني حيثما حل، كما اراهن على ثقة اشقاء لبنان بشقيقهم الاصغر وعلى ارادتهم بأن يكون لبنان معرضاً مميزاً للثقافة والحضارة العربية .
اني ادعوكم ايها الابناء وادعو رجال الاعمال العرب، وفي الطليعة الاماراتيون الى التأسيس لاستثمارات في الارياف اللبنانية، حيث يمكن تحقيق الفائدة والربح وحيث يمكن كذلك تشغيل الايادي العاملة في وقت تشكل فيه البطالة المشكلة الاكبر للبنان ولشباب لبنان .
اخيــــراً ،
لا انسى في دولة الامارات ان رئيس البلاد كان اول من بادر وقبل محنة لبنان والاجتياحات وحروب اسرائيل ضده الى الالتفات لمشروع الليطاني .
ان هذا المشروع يشكل خط دفاع مائي عن لبنان ويلغي الابعاد المائية لاطماع اسرائيل في بلدنا .
ان الكويت الشقيقة تبنت الدراسات الاولية لهذا المشروع، الا ان المشروع يحتاج الى تظافر جهود عربية نعرف ان الامارات لن تتأخر في المبادرة الى دعمها .
انني ومن هنا ادعو بقية الاشقاء العرب الى الاقتداء بدولة الامارات وبدولة الكويت وبسوريا للمساهمة في نهوض لبنان لأن قوة لبنان وازدهار لبنان هما قوة لاشقائه .
اخيــــــراً ،
اكرر شكري لاخي دولة رئيس المجلس الوطني الاتحادي الذي اتاح لي زيارة دولة الامارات العربية المتحدة، وكذلك اللقاء بهذا الجمع اللبناني على ارض الامارات، متمنياً ان تسهم هذه الزيارة في خدمة تعميق اواصر العلاقة بين الامارات ولبنان .
عشتم
عاشت الامارات العربية المتحدة
عاش لبنان