افتتح الرئيس نبيه بري المهرجان بالكلمة التالية:
كتب غسان تويني في رثاء تقي الدين الصلح:
الكبار الذين عنا رحلوا ويرحلون، لا نظنهم أمواتاً بل أحياء نحاورهم كل ساعة من كل يوم من كل سنة وكأنهم استحالوا أجساداً أزليين من الحبر الصافي اللون … كلماتهم على أطراف أقلامنا كما على الشفاه كأنها منا.
إذاً لراحة نفسه
صلاة الغائب الذي نحب
وصلاة الحاضر الذي لن يغلق النسيان خلفه أبوابً، ولن تؤجله الذاكرة ولن تذهب به الطرقات الى الصمت
لحيـاته التي حبت في زحلة على الأمكنة المرصعة بالشمس، والمتوجة بالقمح، والتي ركضت كغزالة في السهل، وصار البقاع لها حصناً شاغراً.
لعمره المسكون بإشتهاء الوطن، بيت بيوت للمرايا الواضحة ولعمره المسكون بالأرض والورود والضوء والبحر، والمسكون بالبردوني الذي يرتدي أناقة الماء وهو يبحث في صيفه عن شتاء ضاع، وفي شتائه عن صيف مشتهى.
لفخامة الرئيس الياس الهراوي
مواطناً متشبعاً بالمواطنية
ونائباً بكل معنى الكلمة من تشريع
لا تذبل في حدائقه أزهار الديموقراطية
ورئيساً من كل قلوبنا أيقظت كلماته المدن التي كانت توشك ان تنحنـي أو تموت، والمدن التي كانت توشك ان تغادر الشاطىء الى ما وراء البحار.
للرئيس الذي كان بعكس الآخرين الذين يدخلون في نومهم كي يحلموا – هو – كان يدخل في حلمه كي ينام، ويمضي في حلمه الى لبنان الذين لا تغرر فيه الانفعالات والعصبيات ويمضي الى أهل لبنان لا الى أهل الطوائف والمذاهب والجهات والفئات.
للرئيس الياس الهراوي الذي لم تسلبه شهوة السلطة فرحه المزدهر بالألوان والأغاني، ولم تصلبه على الكرسي، والذي كان يملك إحساساً متفوقاً بالمعنى، والذي كان معتقاً في خوابي التراب، لماحاً لا تمر بين أصابعه الأشباح والأشياء.
للرئيس الصديق الرئيس الياس الهراوي في هذه الذكرى الذاكرة، للوفاء العظيم الذي تعبر عنه السيدة منى الهراوي، ولكم جميعاً رجاء السلام وبعد وبعد،
فإنني وحيد الثالوث المتهم انه (الترويكا) الوحيد الباقي الذي يقع عليه الأسى والحزن وضغط ظل محاولة مستمرة لإعادة لبنان من عهد الدولة الذي أخذناه اليه مع الرئيس الهراوي الى عهد الدويلات.
وحيد ثلاثي المسؤولية الوطنية الكبرى التي تمكنت من استعادة وحدة الأرض والشعب والمؤسسات وترسيخ سلام لبنان الأهلي.
وحيد تكاد ان تختلط عليّ الأمور أحيانً، لولا ان دماء الرئيس الشهيـد رفيق الحـريري تضيء أمامي طريقً يؤدي الى “وطن الحقيقة” ، الذي اخذ ينتبه الى الأنبياء الكذبة ، الذين يأتون بثياب الحملان، ولولا ان صوت الرئيس الهراوي يرن كما الجـرس العتيق في برية الوطن ويستدعيني لأمضي قدمً الى : ً دولة السلام ً .
ثم ها أني والكثير من المخلصين نأتي اليه في هذا اليوم نقف مسؤولين أمامه عن أمانته لنعترف:
أولاً: اننا لا زلنا نقاوم وسنبقى نقاوم ما حيينا محاولة إعادة لبنان فرق حساب في لعبة الصراع والسلام في المنطقة، وساحة لتصفية الحسابات .
وفي هذا نقول، ان المؤامرة كبيرة وتحاول ان تجعل من لبنان موقعاً لتحويل الأنظار عن قضايا وملفات ومسائل المنطقة على حساب دوره الإعلامي وقوة الحرية فيه، ولكن وبالرغم من قوة الضغط فإننا وحتى هذه اللحظة السياسية منعنا التوتر من ان يبلغ حد الفتنة، وأننا نأمل بكل ثقة بأننا سنحافظ على ما أنجزناه فـي مسيرة السـلام الـوطني من توحيـد للوطن، واستعادة لدور الدولة ومؤسساتها ، ومن نهوض بمسيرة الإنماء والاعمار ، ومن تحرير للأرض وصد للعدوان ، وتكريس لمنطق الحوار والتشاور واللقاء .
ثانياً: اننا المؤمنون بلبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه والذين نصدق الياس الهراوي، ونؤمن ان لبنان الذي قام في عهده – حقاً قام – هو لبنان الذي يمشي الآن طريق جلجلته ويحمل صليبه على ظهـر أبنائه ليصل الى لبنـان : دولة السلام، لبنان القـرار. القرار الواحد في وجه أي مساس باستقراره وسيادته.
ثالثاً: اننا اللبنانيون المخلصون ورغم التجاوز على الدستور وعلى القوانين، ورغم احتكار موارد الدولة ورغم الاستئثار ورفض نداءات المشاركة في كل ما ينتج حياة الدولة والمجتمع –رغم كل ما تقدم – لن نسمح بأن يصل لبنان الى نقطة الانكسار في علاقات أبنائه، من منطلق قناعتنا الراسخة بأن الحرب فـي الوطن انتهت الى غير رجعة في زمانه، ولكن الحرب التي أعلنها الرئيس الهـراوي مـن اجـل الوطن لم تنته بعد ، وهي تحتاج ان نسلك طريقه الى التعقل في وعي الحسابات خصوصً وأننا نمر بما سبق وان وقعنا في تجربته كما قال فخامته يوم خاطب شعب لبنان من على منصة مجلس النواب في 14 آذار 1995 من ان ما نجربه هو امتحان لنا، وطن بقي عبر المحن أقوى من المحن .
اننا في ما تقدم ندعو الجميع لأن يفتشوا عن لبناننا الموحـد، وعن الحلول لإداراته وللحكم الصالح فيه في ضمائرهم، لأن التسول على رصيف الأمم واستحضار المواقف وحمل حقيبة المخاوف والاضطراب الى الخارج الى حيث حكم على لبنان بالشك وبالقلـق على مصيره وعلى بقائه كضرورة لبنانية وإقليمية ودولية، وكأنمـوذج لحوار الحضارات والأديان أمر يـؤدي ليس الى خسارة وصرف الوقت فحسب بل الى حرق الوقت ، واستكمال تناقص عناصر ثقتنـا بأنفسـنا وببعضنا البعض أكثر فأكثر، وبالتالي تدمير إمكانيات قيام الدولة وبناء الثقة بالدولة.
السيدة الجليلة منى الهراوي،
الحضور الكريم،
في هـذه الذكرى العزيزة لرئيس وقائد وطني وصديق عزيز، نؤكد على ثوابته انطلاقاً من ان الجيش الوطني الذي استعاد وحدته في عهده، واثبت في كل امتحان انه يؤدي دوره بشجاعة وحزم وحكمة – هذا الجيش – يجب ان يكون أولوية وطنية في دعمه بالعديد والعتاد والتكنولوجيا ، لتمكينه من القيام بواجب الدفاع الى جانب الأمن بمواجهة الإرهاب والفوضى.
كما أننا نؤكد على ما أكد عليه فخامته في كل مناسبة:
من أننا لن نتنازل عن حبة تراب واحدة من أرضنا في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا .
واننا لا نقبل بأن نكون من أولئك الذين وصلت إسرائيل معهم الى ما بعد السلام قبل ان يحققوا معها السلام، خصوصاً وأننا نراهم بأم العين يدفعون الثمن غالياً اليـوم وغداً، فيما نحـن أقوياء بصمـود شعبنـا وبجيشنـا وبمقـاومتنا وبوحدتنا أولاً.
الحضور الكريم،
يبقى ان الرئيس الراحل أغمض عينيه وقد رأى بأم عينيه ان المقاومة تمكنت من تحرير معظم أرضنا من دنس الاحتلال الاسرائيلي.
وهو اسلم الروح وقد رأى أننا نسلك الطريق من اجل إغلاق ملف المهجرين.
حلم واحد لم يتمكن الرئيس الياس الهراوي من سلوك الطريق الى تفسيره بسببنا جميعً هو التربية الوطنية وتعميم المجتمع المدني في لبنان.
الرئيس الياس الهراوي الذي لم يستلم الرئاسة من احد، والذي بقي رئيساً مهجراً ثلاث سنوات وثمانية اشهر، ووقع على مراسيم مكتوبة بخط اليد واستعار مني العلم ليتظلل به سلمنا أمانة وطن قوي بوحدته وبجيشه وأدخلنا عصر الدولة.
استعير من تقي الدين الصلح برثاء فؤاد شهاب : هو اليوم أكبر منه بالأمس.
هل ترانا نصدق ان وطننا هو اكبر.
عشتـــــــم
عاشت الذكرى العطرة للرئيس الهراوي
عاش لبنــــان