كلمة الرئيس نبيه بري لدى إعادة انتخابه رئيساً للمجلس النيابي

بداية، اشكر للزملاء النواب هذه الثقة الغالية التي عبروا عنها بتجديد انتخابي رئيساً للمجلس النيابي اللبناني للمرة الثالثة، وهي مسؤولية ادرك مدى جسامتها، واسال الله ان يوفقني بمعاونتكم من اجل تحملها لما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين.

اتذكر، وفي كلمتي الاولى، تحت قبة البرلمان ولدى انتخابي رئيساً لمجلس النواب للمرة الاولى ان قلت : اننا في هذا المجلس ننتظر مشاريع وطنية شاملة لا مشاريع بحجم موالاة او معارضة، لا مشاريع بحجم فئة او حزب او طائفة بل مشاريع بحجم لبنان غداً.

فالماضي فات، والآتي آت، ونحن نريد ان ندخل باب الحياة من ثقب الابرة.

واقول اليوم، اننا بإيماننا جعلنا وحدتنا الوطنية ممكنة وقيامة الوطن ممكنة، وجعلنا انتصار مقاومتنا على اعتى واشرس عدو وهو اسرائيل ممكنة.

واقول، اننا بهذا الايمان سنتمكن من بناء الثقة بأنفسنا وبوطننا وبناء ثقة العالم بلبنان، اعتماداً على اسلوب الحوار الصادق الصريح في معالجة جميع الامور الوطنية في لبنان، وسأعرض لذلك في الحديث عن مسؤوليات المجلس النيابي، حيث ان من واجبي تقديم كشف حساب لاعمال المجلس النيابي السابق، اولاً من اجل اثبات اننا مسؤولون امام جمهور الناخبين لا مسؤولون عنهم، وثانياً من اجل تحفيز المجلس النيابي الجديد على ان يقدم صورة افضل على جميع المستويات.

لقد انعقد المجلس النيابي السابق في اربعة واربعين جلسة، منها ثلاث جلسات للاستماع الى كلمات :

فخامة رئيس جمهورية ايطاليا.
فخامة رئيس جمهورية الارجنتين.
صاحب السمو امير دولة قطر.

وانعقدت جلسة لانتخاب فخامة رئيس الجمهورية العماد اميل لحود والتي ادى خلالها القسم الدستوري، وانعقدت جلسة استثنائية في بلدة بنت جبيل بعد استكمال تحرير الارض في الجنوب والبقاع الغربي ودحر الاحتلال الاسرائيلي.

وانعقدت اربع جلسات خلال العقد النيابي المنصرم لمناقشة الموازانات العامة، وهي جلسات كانت تمتد لايام بلياليها، كما انعقدت ثماني عشرة جلسة تشريعية صدق خلالها المجلس ثلاثماية وخمسة وتسعين قانوناً ابرزها :

– قانون متعلق بالمخدرات والمؤثرات العقلية والسلائف.
– قانون تنظيم هيئات الضمان
– قانون الاثراء غير المشروع
– قانون انشاء هيئة وطنية لشؤون المرأة
– قانون تنظيم مهنة الهندسة
– قانون المعاقين وقانون الضمان الاختياري للمسنين.
– قانون الملكية الادبية والفكرية
– ابرام اتفاقيات مع دول اجنبية وعربية تتعلق بمختلف شؤون النشاط العام.

وعقد المجلس ثلاث جلسات للمناقشة العامة لاعمال الحكومة , وثلاث جلسات استجواب واصدر المجلس النيابي توصيات متنوعة.

لقد عملت اللجان النيابية كخلية نحل دائمة وعقدت سبعماية وسبعة وستين اجتماعاً، وهكذا فإن المجلس النيابي السابق قام بواجباته علىالمستويات التشريعية والرقابية خلال الدور النيابي السابق ولم يقتصر العمل على ذلك.

اذ لعب المجلس النيابي دوراً مميزاً من خلال دبلوماسية برلمانية مميزة في اطار الاتحاد البرلماني الدولي، والاتحاد البرلماني العربي واتحاد برلمانات دول منظمة المؤتمر الاسلامي، والجمعية الدولية للبرلمانات الناطقة بالفرنسية ( الفرنكفون )، ومنظمة البرلمانيين المتحدرين من اصل لبناني، من اجل القضية الوطنية المتمثلة بازالة الاحتلال الاسرائيلي، وكنا قد شكلنا خلال السنوات المنصرمة لجنة برلمانية وطنية باسم اللجنة الوطنية لاحياء الرابع عشر من اذار والثامن عشر من نيسان، اخذت على عاتقها نشر وعي حول الاطماع والممارسات وحروب اسرائيل، ورصد صورة الحركة العسكرية والسياسية الاسرائيلية ضد بلدنا، واللجنة لا تزال تواصل عملها حتى اليوم لتوثيق مرحلتي الكارثة والبطولة المتمثلتين بالاحتلال والمقاومة. وشهد مقر المجلس النيابي انعقاد سلسلة ندوات بالتنسيق مع كل من الامانة العامة للاتحاد البرلماني العربي والمكتب الاقليمي للتنمية التابع للامم المتحدة ( UNDP ) ، ومع وكالة التنمية الكندية، ومع المركز الدولي لمكافحة الجرائم التابع للامم المتحدة، واجتماع لجنة الشؤون البرلمانية الفرنكوفونية.

فقد انعقدت ندوات :

أ ـ مكافحة الرشوة.
ب ـ تنازع الصلاحيات بين البرلمانات والمجالس الدستورية.
ج ـ حقوق الشخص في عالم الفرنكوفونية.
د ـ علاقة الاعلام والبرلمانات.
هـ ـ سن الاقتراع.
و ـ ندوة تطوير العمل البرلماني
س ـ المنتدى الحواري حول السياسات العامة
ح ـ اجتماع البرلمانيات العربيات للتضامن مع لبنان والمرأة.
ط ـ اللجنة البرلمانية العربية لكشف الحقائق المتعلقة بالجرائم الاسرائيلية ضد العرب، وهي لجنة يترأسها لبنان في اطار الاتحاد البرلماني العربي.

لقد لعبت الشعبة البرلمانية اللبنانية في اطار الاتحاد البرلماني العربي دوراً رئيسياً في اطار تنمية الوعي العربي حول المصلحة المشتركة في اقامة سوق عربية مشتركة موحدة، كما لعبت درواً رئيسياً في اطار تنمية دور وتطلعات ومشاركة المرأة العربية.

وفي اطار تطوير العلاقات البرلمانية النيابية فقد شكلنا اربعاً وثلاثين لجنة صداقة برلمانية متبادلة مع برلمانات عربية واجنبية.

السادة الزملاء،
فخامة الرئيس شارل حلو،
الحضور الكريم،

لقد اخذنا على عاتقنا منذ عام 1992 بناء علاقة بين التكنولوجيا والتشريع وتطوير ادارة المجلس النيابي لتلبي حاجات المجلس في مطلع الالفية الثالثة، ولتساهم على الصعيد الوطني في التربية علىالديموقراطية وتمكين المواطنين من نقاش السياسات العامة، وان لا يكون المجلس بالنسبة لجمهور المواطنين برجاً مشيداً يتظاهرون حوله ولا يستطيعون معرفة ما يدور فيه، وكأنه خزانة اسرار او موقع للصفقات.

فعلى المستوى الاداري تحققت الانجازات التالية :

1 ـ اتمام الدراسة الهيكلية الجديدة لمجلس النواب التي ستوضع موضع العمل اعتباراً من اليوم.

2 ـ تم تجهيز العديد من مديريات المجلس بأجهزة المعلوماتية، وستستكمل العملية قريباً من خلال برنامج التعاون مع جامعة الباني.

3 ـ تم تنظيم رحلات عمل للدراسات المقارنة للاجهزة التشريعية شارك بها عدد من النواب ومن موظفي المجلس.

4 ـ تم تصميم جريدة الكترونية لمجلس النواب على الانترنت، وتدريب فريق عمل دائم لنشر المعلومات والنشاطات بصورة فورية، بحيث تقدم هذه الجريدة : معلومات عن رئاسة مجلس النواب ونشاطاتها، واللجان النيابية وجلسات الهيئة العامة واعضاء المجلس، والدبلوماسية البرلمانية، وتمكنا خلال الدور النيابي السابق من جمع محاضر المجلس على C.D ابتداء من العام 1920 وحتى 2000 وهي في متناول النواب والباحثين.

5 ـ وفي اطار تأمين الموظفين الاكفاء والتجهيزات الضرورية لتلبية حاجات النواب التشريعية، فقد تم تجهيز قسم التوثيق والمكتبة، وتنظيم دورات تدريبية في مجال التوثيق والفهرست للموظفين المختصين، والاشتراك في مجلات اجنبية متخصصة، وتنظيم اتصال مباشر بين المكتبة وبنوك للمعلومات في مجال القانون والادب والسياسة والاقتصاد وغيرها باللغات العربية والفرنسية والانكليزية.

السادة الزملاء،
الحضور الكريم،

اننا نقف اليوم امام مسؤوليتنا كنواب للامة وامام مسؤولية ودور مجلس النواب كمؤسسة تشريعية ورقابية ومحاسبية علىاعمال الحكومة.

ان مسؤوليتنا هي الاساس في بناء دولة المؤسسات والقانون، وهذا الامر يرتكز ليس على مهمتنا في صنع القوانين فحسب بل الرقابة على تنفيذها.

ان مسؤوليتنا هي الاساس في بناء ادارة كفوءة متطورة تلائم الالفية الثالثة وعصر الاتصالات المتطور.

ان مسؤوليتنا هي اغناء النقاش حول السياسات العامة بإشراك كل قطاعات الشعب ومؤسسات المجتمع المدني.

ان مسؤوليتنا هي تحويل الديموقراطية من صفة عامة للنظام لتصبح هي جوهر النظام وتشكل كنهج حياة.

ان مسؤوليتنا يجب ان تركز على نقطة اساسية وهي ضرورة تحسس المواطـن بأن وطنه حصنه وكرامته وساحة جهده وصيانة اولاده، بحيث يعطي الوطن للمواطن اكثر مما تعطيه طائفته، وبذلك فقط نعمق مفهوم الولاء الوطني ونعطيه بعداً انسانياً.

لذلك فإن مسؤوليتنا يجب ان تتركز على الانسان في لبنان لأنه رصيد بلدنا الاول والاخير، هذا الانسان الذي كتب مجد لبنان بجهده وبهجرته وبتفكيره وبمبادراته وبمقاومته وبصموده.

فإذا اردنـا ان نصون لبنان، اذا اردنا ان نمارس شعورنا الوطني، فعلينا ان نحفظ انسان لبنان كل انسانه وطاقاته لا بعضها، عبر التشريعات التي تضمن حقوق الانسان كاملة في التعبير والانتماء وفي الوصول الى القوت.

ان مسؤوليتنا تتطلب العمل لارساء القاعدة القانونية للامركزية الادارية، وايضاً انتاج قانون انتخابات يتجاوب وطموحات اللبنانيين الى بلد عصري، وخفض سن الانتخاب بما يتيح مشاركة الشباب وزيادة فرصهم في انتاج هيكل الدولة.

ان مسؤوليتنا يجب ان تتركز على بناء القاعدة القانونية لمقاومة اقتصادية تعيد انتاج دور الدولة في النشاط الاقتصادي بقبول التنازل جزئياً عن تملك الوحدات الانتاجية، على ان تتم عملية الخصخصة عند الضرورة تحت رقابة الدولة، وان تترافق مع اصلاح الاسواق والنظام الضريبي ودعم المشاريع الصغيرة النطاق خصوصاً في المناطق الريفية، وتشجيع التكنولوجيا والاستثمار على قدرات المواطنين في التعليم والصحة او المهارات، وكفالة الحصول على عمالة منتجة ومأجورة، ومواجهة قوة الاحتكار بإصدار المزيد من التشريعات المضادة للاحتكـار وحماية المنافسة وحماية المستهلكين وحمـاية العاملين ودائماً حماية البيئة.

ان مسؤوليتنا يجب ان تتركز على بناء القاعدة القانونية لمقاومة سياسية تصون السلم الاهلي وتعتمد على حوار وطني مفتوح، قاعدته المجلس النيابي اللبناني، حوار يعترف بالاخر من اي منطقة او طائفة او فئة، ولا تتجاهل النخب او القوى او التيارات غير الممثلة في المجلس النيابي، ويركز على ارساء مفاهيم موحدة وموحدة للوطن والمواطن والمواطنية والعاصمة والحدود والصديق والعدو، كما يركز على دور لبنـان وموقعـه تجاه نظامــه العربي والقضـايا العربية، ويتجاوب مع بناء لبنان كدولة تحد، لأنه امام اسرائيل التي كان لحروبها ضد لبنان ابعاد تتجاوز ما تزعمه من متطلبات امنية الى ابعاد مائية واقتصادية واطماع في ارضه، وصولاً الى جعل لبنان بلده مشوه علىالمستوى الاقتصادي خصوصاً الخدماتي والمصرفي والسياحي بحيث لا يمكنه ان يكون واجهة لنظامه العربي ولنظامه المتوسطي.

ان هذه المقاومة السياسية يجب ان تنطلق من جملة مبادىء وثوابت، اولها التمسك بالسياسة الوطنية وسلامة اراضي الوطن، ودرء الاخطار الاسرائيلية وصيانة الجنوب والدفاع عن تنميته، بإعتبار ان ذلك هو جوهر الوطنية واساسها، اذ لا بقاء للوطن من دون الجنوب ولا تصور للمواطنية الحقة من دون الوفاء للجنوب ولكل المناطق المحرومة

انني انطلاقاً من ذلك اقول ان ملف العدوان والاحتلال الاسرائيليين سيبقى مفتوحاً حتى :

1 ـ اطلاق المعتقلين اللبنانيين في السجون الاسرائيلية.

2 ـ انهاء الاحتلال الاسرائيلي لمزارع شبعا.

3 ـ دفع تعويضات لبنان جراء الاحتلال والاعتداءات والاجتياحات الاسرائيلية على تدمير الممتلكات الخاصة والحكومية.

ان ثاني هذه المبادىء والثوابت هو التمسك بالمصالح القومية وتحرير الارض العربية في الجولان السوري حتى حدود الرابع من حزيران، والوقوف الى جانب حق الشعب الفلسطيني في العودة الى دياره وتقرير مصيره واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

ان من دواعي فخرنا واعتزازنا المواقف التي عبرت عنها الجماهير العربية في كل مكان والتي ابرزت ارادة عربية برفض التطبيع مع العدو والتمسك بالشروط والمبادىء التي تضمن الحقوق العربية.

ان ثالث هذه المبادىء التي يجب ان تحكم مقاومتنا السياسية هي جعل تنمية وتطوير اتفاقية التعاون والتنسيق والاخوة مع الشقيقة سوريا افضل انموذج لعلاقات الحاضر والمستقبل العربية ـ العربية.

ان لبنان يريد، وسوريا تريد، بناء وعي حول المصلحة المشتركة التي تعبر عنها هذه العلاقة على المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والامنية والدفاعية، واساساً العلاقة الكفاحية المشتركة بين البلدين في اطار مقاومة العدوانية الاسرائيلية وتهديد اسرائيل المستمر للامن والسلام الاقليمي والدولي.

ان من نافل القول ان سوريا ترى ان لبنان القوي المزدهر هو مصلحة عاجلة لسوريا، وان سوريا القوية المزدهرة هي مصلحة مستمرة للبنان، وان لكلا البلدين مصلحة في اقرار السلام العادل والشامل في الشرق الاوسط تحت مظلة القرارات الدولية. وفي كل الحالات فإن اي امر خلافي انما حله يتم من خلال الحوار ومن خلال المجلس الاعلى اللبناني السوري.

السادة الزملاء،
الضيوف الكرام،

وبالعودة الى المهمات العملانية لهذا المجلس، فإن تشكيل اللجان النيابية ولجان الصداقة النيابية سيتأجل لمصلحة الاستشارات العاجلة التي سيبدأها فخامة رئيس الجمهورية العماد اميل لحود من اجل تشكيل حكومة جديدة.

ان تشكيل هذه الحكومة يشكل مصلحة عاجلة للبنان : اولاً ازاء التطورات الاقليمية الضاغطة علىالموقف في المنطقة والانعكاسات المتوقعة على لبنان جراء ذلك.

وثانياً لمواجهة الاستحقاقات الداخلية الضاغطة جراء وقائع الازمة الاقتصادية ـ الاجتماعية التي نأمل ان تتمكن الحكومة القادمة من احتوائها.

اننا وفور تشكيل الحكومة سندعو المجلس للانعقاد من اجل تشكيل لجانه النيابية التي ستكون مستعدة للبدء بعد جلسة الثقة في درس مشاريع واقتراحات القوانين.

كما اننا سنبادر فوراً الىتشكيل لجان الصداقة النيابية التي لن تكون لجاناً ذات معنى رمزي بل سيعين لها امناء سر على كل المستويات.

والفت نظر النواب الجدد ان عليهم ان يقدموا خلال شهر من تاريخ بدء ولايتهم اي من 15 الجاري تصريحاً للمجلس الدستوري عن اموالهم واموال زوجاتهم واوزواجهم واولادهم المنقولة وغير المنقولة وان كل من يتخلف حسب قانون الاثراء غير المشروع يعتبر مستقيلاً حكما ومن دون اية مراجعة. كما ان على النواب السابقين ان يتقدموا بتصريح ثان عن اموالهم المنقولة وغير المنقولة يبينون ما اصبحوا يملكون واسباب الاختلاف بين التصريحين.

واخيراً نرجو الله ان يوفقنا في قيادة هذه المؤسسة لمصلحة شعبنا بما يحقق القوة والمنعة لبلدنا ويؤمن ازدهار الانسان في لبنان .

عشتم
عاش المجلس النيابي
عاش لبنان

 

هذه التدوينة نشرت في خطابات. الإشارة المرجعية.