بسمه تعالى:
مرة ثانية انوه بالجهد الذي تبذله لجنة الزراعة والسياحة النيابية والذي يتخطى الدور التقليدي للجان النيابية في دراسة مشاريع واقتراحات القوانين المحالة اليها، الى مهمة ضرورية وهي المساهمة في بلورة السياسات الوطنية في مجال اختصاص كل لجنة.
وانطلاقا” من الندوة الاولى التي انعقدت بعنوان : الانماء الزراعي في 29/1/2001 ارى من جهتي بعد الاطلاع على الخلاصات الخاصة بأوراق العمل والمناقشات والمباحثات والتوصيات التى صدرت، اننا في المجلس النيابي لا نملء بعض الفراغ وانما نريد ان نساهم وان نوسع الخيارات امام مؤسسات المجتمع المدني والقطاعات المهنية، لكي تساهم في نقاش السياسات العامة وكي تشارك في كل ما يصنع المجتمع والدولة.
لذلك نريد في المجلس النيابي ان نلمس وان يمتلكنا الاحساس، ان الحكومة واداراتها تقدر هذه المبادرات عن طريق تحويل تلك التوصيات التي لا تعبر عن حاجة وضرورة فحسب، بل تعبر عن ارادة بأننا نريد ان نعيش في الحاضر وفي المستقبل، وان نطوي صفحات الماضي التي تضم في وثائقها ادارة عاجزة لا تريد ان تنطلق وتكتفي بادارة الازمات او بنقل المشكلات مع فوائدها كأمانة من جيل الى جيل.
والآن وامـام هـذه النـدوة التـي تنعقـد بعنـوان ( التنمية السياحية في لبنان )، اعترف بكل صراحة انني اقف بخجل على منبر المسؤولية لسبب بسيط وهو تراجع موقع لبنان، هذا البلد الذي يضم افضل الميزات السياحية من ترف في جمال الطبيعة الاخاذ، من وقوف الجبل امام مرآة البحر كأن احدهما يمسك بيد الاخر، ومن الثروة الاثرية الهائلة وكل التراث الثقافي والانساني.
قد يقول قائل ان ظروف لبنان الاستثنائية خلال الحرب – الفتنة، ونتيجة الاجتياحات والاحتلال والعدوان الاسرائيلي المستمرين حالا دون احتفاظ لبنان بموقعه، اقول : هذا سبب واقعي، ولكن ارفض ان اضع نقطة وابدأ اول السطر وكأنه لا توجد اسباب اخرى.
لقد زرت كوبا البلد المحاصر، ولكني اندهشت من الخطط الحكومية وحجم استثمارات الدولة هناك على السياحة ومن الجاذبية السياحية المحققة، وقد طرحت على نفسي منذ ذلك اليوم اسئلة حول معوقات تنمية القطاع السياحي في لبنان.
واريد وبوجود معالي وزير السياحة وقطاع الخدمات السياحية والجمعيات الاهلية المعنية واللجنة النيابية المختصة، ان اقول وبشكل صريح اننا نكاد نعلن موت لبنان السياحي، لأننا في لبنان نتجاهل تحديد دورنا في نظام منطقتنا العربية ومحيطنا المتوسطي، وموقعنا التاريخي المكتسب دوليا” كدولة سياحية.
قبل ان ادخل في المعوقات والمشكلات والضوابط المطلوبة ودور الدولة والقطاع الخاص في تنمية القطاع السياحي، اود بداية ان اوضح امرا” يحاول البعض ترسيخ اعتقاد حوله، وهو القاء تبعات الوقائع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وتراجع السياحة لسبب يعود الى موقع لبنان في المقاومة.
انني هنا اريد ان اعكس القول واؤكد ان هناك بعدا” سياحيا” في اسباب حروب اسرائيل ضد لبنان.
انني لن احتسب امثلة تعود الى البعيد، ويكفي منذ مطالع التسعينات وحتى اليوم ان اذكر بأن اسرائيل قدمت نماذج لارهابها الرسمي كان من اهدافه تقويض المواسم السياحية في لبنان.
فالذين تخذلهم الذاكرة نقرأ عليهم بعض الامثلة :
فقد شنت اسرائيل ما اسمته ( عملية تصفية حساب ) خلال الاسبوع الاخير من تموز 1993 في اوج الموسم السياحي المفترض.
وعندما تأهب لبنان لاستقبال الموسم السياحي لعام 1996 وبعد شهر التسوق شنت اسرائيل ما اسمته عملية عناقيد الغضب ضد لبنان والتي جرت في سياقها مجزرة قانا في الثامن عشر من نيسان من ذلك العام.
وفي ليل الخميس – الجمعة 24-25 حزيران 1999 قصفت اسرائيل جسور الاولي والدامور وطير فلسي ومحطتي الكهرباء في الجمهور وبصاليم.
وعـادت لتكـرر عدوانهـا على كهرباء لبنان في بصاليم بتاريخ 5 ايار 2000.
ثم ورغم اعلان انسحابها من لبنان عادت في نيسان من هذا العام لتغتال الموسم السياحي عبر الغارة على موقع الردار السوري. وللذين خذلتهم الذاكرة، نذكرهم ان مطار بيروت كان هدفا” لعدوان اسرائيلي بتاريخ 28/12/1968، وكان قلب بيروت في محيط الجامعة العربية والمدينة الرياضية هدفا” للرماية الاسرائيلية بالذخيرة الحية، وصولا” الى تدمير بيروت صيف عام 1982 وحصارها لمدة مئة يوم.
اذن لا بد من الاعتراف ان هناك بعدا” سياحيا” لعدوان اسرائيل المتواصل على لبنان، كما ان هناك بعدا” مائيا” واقتصاديا”، حيث تريد اسرائيل ابقاء لبنان مشوه حرب ومنعه من التشكل كمنافس لها في نظام المنطقة، ولهذا يجب ان نتأكد ان اسرائيل هي عدو سياحي للبنان، حيث انها وعندما تسلبه مزراع شبعا فإنها تثبت هذه المقولة في الاستثمارات الاسرائيلية السياحية والزراعية في تلك المنطقة وصولا” الى سفوح جبل الشيخ والجولان السوري العزيز.
وعليه فإن المقاومة في وجودها وفي التأسيس عليها هي عامل قوة لصالح السياحة في لبنان ولصالح الاقتصاد في لبنان، وهي قوة الردع اللبنانية لأي عدوان اسرائيلي ممكن على لبنان.
الحضور الكريم
ايضا” كنت اتمنى ان تشارك في اعمال هذه الندوة وزارة الثقافة وخصوصا” مديرية الاثار، لأن ذلك كان سيسهم في اغنائها وفي تسليط الضوء على اهمية الجاذبية السياحية التي تحققها المواقع الاثرية والانشطة الثقافية بما فيها المهرجانات، الا اني ارى ان مسألة تنمية المواقع الاثرية وكنوز التراث الانساني التي يضمها لبنان تستحق ندوة خاصة وهي ستعكس نفسها على التنمية السياحية في لبنان.
ان ذلك لا يمنع من بعض الاشارات التي كررتها في السابق.
لقد اكدت غير مرة ان المنطقة الممتدة من صيدا الى الناقورة وتحديدا” محيط المدينة صيدا وبلدة الصرفند ومدينة صور البحرية، تضم كنوزا” اثرية هامة اذا لم نقل مدنا” كاملة، اضافة الى القطع الاثرية التي تضم سفنا” فينيقية واجيالا” متعددة من السفن.
والجنوب عموما” بما في ذلك المنطقة الحدودية المحررة من الناقورة الى شمع وتلال بنت جبيل وميس الجبل وعديسه والهبارية، تضم قلاعا” ومواقع اثرية متعددة، اضافة الى الطابع الشرقي الذي تحتفظ به اواسط البلدات، فيما تستحق حاصبيا وراشيا الوادي ان تكونا متاحف بما تضمان من اثر انساني.