بداية وبمناسبة اعلان مشروع الخطة الوطنية لحقوق الانسان ، يسرني بإسمي وبإسم
المجلس النياب اللبناني ان اتوجه بالشكر الى اللجنة النيابية لحقوق الانسان ، والى
برنامج الامم المتحدة الانمائي في مجلس النواب ( UNDP ) ، والى مكتب المفوض السامي
لحقوق الانسان والى الادارة البرلمانية المختصة ، بالتواصل والتنسيق مع مؤسسات
التطوير البرلماني الدولية ، والى منظمات حقوق الانسان في لبنان والخبراء
والقانونيين ، وجميع الموظفين الذين اشتغلوا منذ سنوات لتحقيق هذا الانجاز الذي
نعلن عنه اليوم ، تمهيدا” لمناقشته في جلسات تشريعية قادمة لاجازة هذه الخطة
الوطنية لتمكين لبنان من ان يفاخر في نظام منطقته ، بأنه انشأ نظاما” قانونيا”
لحقوق الانسان يشكل بحد ذاته انجازا” يتجاوز الانجازات الدستورية والقانونية التي
تحققت في ربيع بعض البلدان العربية ، دون اراقة نقطة دم واحدة مقابل شلالات الدم
التي شهدتها وتشهدها وستشهدها دول شقيقة ، جراء محاولة فرض التغيير او الاصلاح
بالقوة او محاولة منع التغيير والاصلاح بالقوة وذلك في محاولة للوصول الى أقل مما
توصلنا اليه بكثير .
بالعودة الى فكرة المشروع ، فإنني منذ اليوم الاول
الذي منحني المجلس النيابي الاول المنتخب عام 1992 ثقته بإنتخابي رئيسا” التزمت
بإسم المجلس اولا” بإقرار الاصلاحات الدستورية والادارية التي تضمنها اتفاق الطائف
، وبمحاولة ترتيب اولويات عمل المؤسسة التشريعية بشكل يسهم في بناء الثقة بالدولة
وادوارها ويعزز ويرسخ السلم الاهلي واستقرار النظام العام عبر عملية تشريع كثيفة
لتعويض ما فاتنا خلال سنوات الحرب الفتنة .
لقد احتاجت بعض عناوين
الاصلاحات الضرورية الى مسار طويل من اجل الوصول الى النتائج المرجوة لها ، ولازال
بعضها موضع اخذ ورد ومنها قانون الانتخابات العتيد واقرار الكوتا النسائية ومشاركة
المغتربين والشباب وقانون اللامركزية الادارية و00 و000
الا إننا ومنذ
اليوم الاول لدخولنا مجلس النواب عام 1992 بحثنا عن سبيل يسهم على المستوى الوطني
ويجعل السلام فيه ليس ممكنا” فحسب بل راسخا” ومؤكدا” ، فرأينا انه لا سبيل الى ذلك
الا بإجازة مجلس النواب لخطة وطنية لحقوق الانسان .
ثم وفي العام 1993 جاء
اعلان فيينا الذي اوصى بأن تنظر كل دولة في صياغة خطة عمل وطنية تبني الخطوات التي
ستحسن الدولة بموجبها تعزيز وحماية حقوق الانسان ، – وقد جاء هذا الاعلان – ليعزز
توجهنا في المؤسسة التشريعية للسير بالمشروع .
ولكن مع تزاحم العناونين
المتصلة بالاصلاحات الدستورية والقانونية وما يتطلبه السير بعملية اعادة الاعمار
واطلاق دبلوماسية برلمانية منذ العام 1995 اسهمت الى جانب المقاومة وصمود شعبنا في
كشف الجرائم الاسرائيلية المتصلة بحروب اسرائيل ضد وطننا وفي الوصول عام 2000 الى
تحرير معظم ارضنا المحتلة بإستثناء مزارع شبعا وتلال كفر شوبا ، كل ذلك اخر السير
في الشروع ببناء وصنع هذه الخطة .
ومـع انتخـاب المجلس النيـابي عام 2005
وانتخاب لجانه النيابية التزمت لجنة حقوق الانسان ورئيسها ومقـررها بصفة خـاصة هذه
المهمة الوطنية العاجلة ، وكسب الوقت للسير بالخطة اعتبارا” من العام 2005 ، وجرى
وضع مخطط مشترك التزم بموجبه مشروع الامم المتحدة الانمائي في مجلس النواب ومكتب
المفوض السامي لحقوق الانسان بتقديم كل عون لانجاز هذه الخطة .
لقد تأخر
انجاز هذه الخطة الى الان بسبب ما ترتب على الزلزال الذي ضرب لبنان عبر جريمة
اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في شباط 2005 وما تلاها من جرائم اغتيال الى
الآن ، ومن ثم الحرب الاسرائيلية العدوانية على لبنان في صيف عام 2006 والازمات
السياسية التي يستمر بعضها الى اليوم .
لقد عقدت خلال السنوات الماضية الى
اليوم اجتماعات المشورة وورش العمل بحضور كل المعنيين بحقوق الانسان من الوزارات
والادارات ومنظمات المجتمع المدني ، وواضعي الدراسات والخبراء الدوليين والمحليين ،
وانتجت على طريق انجاز المشروع دراسات قطاعية وحملة اعلامية لإطلاع الرأي العام على
المسودة صفر للخطة وتلقي ملاحظات الجمهور عليها .
اليوم ، وعشية مناسبة
الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي يصادف الرابع عشر من كانون الاول ، يسر المجلس
النيابي اللبناني ان يقدم الى اللبنانيين هذا الانجاز المتمثل بمشروع الخطة الوطنية
لحقوق الانسان والذي سيشكل بعد اقراره ما يشبه اعلانا” دستوريا” مكملا” للدستور ،
يحفظ لكل لبناني حقه اولا” في الحياة ومن ثم جملة الحقوق المتعلقة :
بالمرأة ، الطفل ، العمل والضمان الاجتماعي ، الثقافة ، التعليم ، السكن
الصحة ، البيئة السليمة ، التعبير والرأي العام وكذلك حقوق المعوقين ، العمال
المهاجرين ، الاختفاء القسري ، استقلال القضاء ، التعذيب ، عدالة الاحداث ، قانون
العقوبات ، اصول التحقيق والتوقيف ، عقوبة الاعدام ، وحرية الجمعيات والحماية من
التدخل في الحياة الخاصة ( عن طريق التنصت مثلا” ) الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
للاجئين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين والسجون .
ان هذا المشروع سيشكل مادة
لعمل المجلس النيابي من اجل تشريعه في المرحلة المقبلة ، كما ان الادارة البرلمانية
بالتعاون مع برنامج الامم المتحدة الانمائي سينظمان خطة اعلامية واسعة النطاق لرفع
الوعي الوطني حول حقوق الانسان ، كما سيجري دعم مجلس النواب في مراجعة جميع
التشريعات القائمة لتأكيد توفير حماية حقوق الانسان وفقا” لمشروع الخطة المنجزة .
ان الخطوة التي ستلي اقرار مجلس النواب للمشروع ستكون انشاء الهيئة الوطنية
لحقوق الانسان ارتكازا” على قرار الجمعية العام للامم المتحدة في دورتها الرابعة
والستين المنعقدة في تموز 2010 ، والتي تدعو الى انشاء مؤسسة وطنية لحقوق الانسان
بهدف حماية معايير حقوق الانسان وتعزيزها ، مع تأكيد استقلالية هذه الهيئة عن
الحكومة وان تكون ممثلة وتعددية في ادوارها وتكوينها .
إنني ادعو الزملاء
النواب وبغض النظر عن تحفظات البعض على انعقاد جلسات تشريعية بوجود الحكومة الحالية
الى تلبية الدعوة التي سنوجهها قريبا” للبحث بتشريع هذه الخطة التي ستوضع بين
ايديهم ، لأن هذه الجلسات ستكون تاريخية في حياة لبنان وستؤكد ان هذا المجلس يتحمل
المسؤوليات ازاء :
اولا” : صياغة ادوات جديدة واستخدام آليات حديثة لمناصرة
قضايا حقوق الانسان .
ثانيا” : ممارسة الرقابة على اعمال الحكومة وعلى
الدوائر الحكومية وغير الحكومية لضمان عدم حياد الجميع عن الالتزام بحقوق الانسان .
إننا كذلك وتعبيرا” عن كل البيانات الانتخابية التي سبق للجهات البرلمانية
ان تقدمت بها ، وسنعود لتأكيدها في حملاتها الانتخابية القادمة من اجل ضمان السير
نحو الدولة وادوار الدولة ، فإننا وعبر الخطة الوطنية لحقوق الانسان نكون قد ثبتنا
مصداقية تلك الاعلانات السياسية ، وان مجلس النواب هو الفريق الصالح للوصول الى
دولة القانون ، دولة الحقوق والواجبات عبر مناقشته واقراره للخطة الوطنية لحقوق
الانسان .
إن تمكين مجلس النواب قريبا” من اقرار هذه الخطة امر سيتطلب من
الحكومات القادمة بناء بياناتها الوزارية وفق المعايير الاساسية لحقوق الانسان ،
ومن الوزارات والادارات بتكييف نشاطاتها وبرامجها لتلبية المعايير الاساسية لحقوق
الانسان ، كما يتطلب من مجلس النواب والنواب انفسهم التدقيق بالتشريعات وملاءمتها
مع متطلبات الخطة الوطنية لحقوق الانسان .
إننا هنا لا بد ان نوضح ان هذا
المشروع – الخطة الذي نأمل ان يقره المجلس سيسد الكثير من الثغرات القانونية في
مسائل الحقوق الاساسية والمعاملات ، ويشكل ضمانا” لتمتع جميع المواطنين بصرف النظر
عن طوائفهم ومذاهبهم وفئاتهم وجهاتهم واصلهم وفصلهم وخلفيتهم الاجتماعية –
الاقتصادية ، وكذلك المقيمين في لبنان بالحقوق الاساسية بوصفهم بشرا” ومواطنين
ويضمن كرامتهم .
إن اقرار لبنان لهذه الخطة سيبرر عدم مصادقة لبنان على
الميثاق العربي لحقوق الانسان الذي دخل حيز التنفيذ منذ العام 2008 بل سيجعل لبنان
انموذجا” للنظام العربي في احترام حقوق الانسان .
إننا على الصعيد نفسه
نشير الى ان العمل الكثيف الذي ميز عمل لجنة حقوق الانسان في اطار الخطة ، جعل كل
المنظمات الحقوقية الدولية منتبهة الى ان لبنان يتجه نحو تحديث نظام حقوق الانسان ،
وهنا لا بد من توجيه عناية الجميع الى التقرير الصادر عن مؤشر حكم القانون لمشروع
العدالة العالمية للعام الجاري ، والذي وضع لبنان في المرتبة الاولى في منطقة الشرق
الاوسط وشمال افريقيا والمرتبة التاسعة والثلاثين عالميا” على مستوى حماية حقوق
الاساسية .
الحضور الكريم
وطالما إننا نجتمع اليوم بعنوان الخطة
الوطنية لحقوق الانسان ، فإنه لا بد من التطلع الى معاناة اشقائنا الفلسطينيين تحـت
الاحتلال او الشتات جراء الاحتلال والعدوانية الاسرائيلية التي تستهدف اولا” حقهم
في الحياة .
إنني ازاء القضية الفلسطينية التي عبرت عن تقدم في مسارها بعد
الاعتراف الدولي الاخير بفلسطين كعضو مراقب في منظمات الامم المتحدة وبعد اثبات
الفلسطينيين لقدرتهم على الصمود والدفاع في غزة ، نقول ان استمرار التأخير في تلبية
الاماني الوطنية للشعب الفلسطيني المتضمنة خصوصا” لحق العودة وحق تقرير المصير
واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ، امر سيبقى يعرض منطقة الشرق الاوسط
لاهتزازات سياسية كما ان استمرار اسرائيل في سياستها الاستيطانية وسلب الفلسطينيين
لاملاكهم وصولا” الى استمرار اسرائيل على خطتها لتهويد القدس وتقويض المسجد الاقصى
وما يترافق مع ذلك من سياسات عدوانية اسرائيلة ضمنها استمرار احتلال الاراضي
العربية وبصفة خاصة الجولان العربي السوري ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا اللبنانية
والخـروقات الاسرائيلية للقرار 1701 ، كـل ذلك سيستدعي على الدوام الحق في المقاومة
كنتيجة طبيعية لعدوانية اسرائيل وعنصريتها .
وفي اطار الحقوق وعلى مستوى ما
يشهده الوطن العربي من احداث نقول ان عدم قيام مختلف انماط السلطات العربية بتنفيذ
التزامها تجاه اصلاح النظام العربي خصوصا” قرارات قمة تونس ، وعدم صدقية التوجهات
المرافقة للتصديق على الميثاق العربي لحقوق الانسان وفي غياب خطط وطنية لحقوق
الانسان وفي ظل رفض سير في النظام العربي في عملية تطوير المشاركة وتعزيز عناصر
الحياة الديموقراطية واستمرار تهميش البرلمانات ، فإن اندلاع الثورات وتعميم
المطالبة بالتغيير امر حتمي ، مع تأكيدنا على رفض كل عملية لفـرض التغيير بالقوة او
لمنع التغيير بالقوة .
اخيرا” 00 اقول ان ما يحصن لبنان اولا” وحدته
وثانيا” استمرار بناء وصنع تجربته في الحوار والتوافق ، وجعله انموذجا” ليس للتعايش
الوطني فحسب بل انموذجا” في احترام حقوق الانسان ومنبرا” للدفاع عن قضايا الحقوق
الانسانية في هذا الشرق ومدرسة للتربية على الديموقراطية .
اليس ذلك هو
السبيل لبناء ازدهار الانسان في لبنان ؟!
عشتم
عاش لبنـان