بسمه تعالى
لصور ” أم الفينيفيين ” وأم العاملين.
القلعة المقدسة الساكنة عند باب البحر.
لصور التي تتوهج في التاريخ وفي الحاضر وفي اللغات ، وفي الصوت والصمت ، وفي الأسماء والأشياء والغياب والعتاب .
لصور أيقونة المؤمنين وصخب الياسمين ، مدينة الوفاء المسورة بالدماء والماء، والمزينة بالعذوبة والجمال.
ودائما” لصور التي تشتاقها الأحلام وتتكسر فيها الكوابيس، لأرغفة حروف الكلمات الأولى، للمدينة التي نقرأ فيها وجدنا الأغلى ونعتمر المحبة في رحابها.
ولصور ” تاجرة الشعوب” التي أشبعت بضائعها الخارجة من البحـار شعوبا” كثيرة ، والتي كومت الفضة كالتراب ، والذهب كطين الأسواق.
ولصور التي أسست الجغرافية الرياضية ووضعت خطوط الطول والعرض.
ولصور التي طمع بها الملوك والأباطرة عبر التاريخ، ولكنها كانت تنهض كطائر الفينيق من تحت الركام، فتزدهر افراحها على الموج، وتعود لتستضيف الشمس والقمر ، ولتعود لتلاعب البحر الذي يبوح إليها بحنينه ويجمع أشواقه إليها.
ولصور التي قامت بعد الزلزال وبعد الاسكندر والجزار ، والتي قامت بعد الحرمان والعدوان، وعادت تشمر عن اذرع الصيادين، وعادت تستقبل غلال الفلاحين.
لصور ولأهل صور ولجمعية تجار صور وللإعلاميين في صور ولأهلي في جبل عامل ألف تحية وبعد،
ليس غريبا” على مدينة الوفاء أن تكرم في كل عام عددا” من أبنائها أو من مواطنيها، الذين حملوا إليها سلال إبداعهم من القرى المعلقة في فضائها، والتكريم الاستثنائي هذا العام لعدد من الإعلاميين والتجار، وقد قبلت تشريفي برعاية هذا التكريم لسببين: الأول يتعلق بالإعلاميين والثاني بالتجار.
بالنسبة إلى الإعلاميين، لأنهم كانوا ولازالوا الصوت والصورة خلال مقاومتنا للاحتلال الإسرائيلي، وخلال مقاومتنا المستمرة السياسية والاقتصادية لرفع الحرمان وصولا” إلى ازدهار الإنسان.
فمنذ عام النكبة عام 1948 وحتى هذا اليوم ، وخلال معاناة شعبنا وصموده ومقاومته للعدوان والاحتلال ، وخلال انتفاضات شعبنا ضد الانتداب وصولا” إلى حركته المطلبية ومقاومة صلف الإقطاع وأزلامه،
وصولا” إلى اللحظة التي سكن المدينة الإمام الصدر الذي حول الحرمان من حالة إلى حركة الإنسان نحو الأفضل، كان الإعلاميون طليعة المقاومين وصرخة الناس في برية العالم وصدى طلقة المقاومين وصدى وجع المتألمين، وكان الإعلاميون وفي طليعتهم ( درويش درويش ) ذاكرة وجوه الناس وذاكرة عباراتهم وصوت الحقيقة بكل أفراحها وأتراحها .
وأقول انه لولا صورة المجزرة في قانا وفي غير مكان لما انتصر الدم على احدث أسلحة الحرب الإسرائيلية، ولولا التحقيقات الصحفية عن الاعتقالات الجماعية وعن الصورة الوحشية لعذابات الناس في سجن أنصار ومدرسة الشجرة وبناية عزمي والخيام و (الـ 17) ، لما عرف الرأي العام ولما تحرك العالم ، ولولا الإعلاميون لما سمع العالم بالقبضة الحسينية ، ولولا الإعلاميون لما وصلت شظايا الاستشهاديين من بلال فحص إلى هشام فحص لتصيب كل مشروع الاحتلال وتثبت له عجز القوة عن كسر إرادة الشعوب .
نحن اليوم في صور ومع صور، نكرم الإعلاميين الذين يرون بأم أعينهم ويسمعون بآذانهم ويكتبون بكل حواسهم وأحاسيسهم، هؤلاء الذين يعرفهم الناس في كل مدينة وبلدة وقرية ودسكرة، والذين يعرفون الناس وأحوالهم وواقعهم ومعاناتهم.
نكرم الإعلاميين الذين لا يؤلفون ولا ينسبون أخبارهم إلى مصادر رفيعة أو مطلعة، والذين لا يختبؤن بظل أصابعهم، والذين لا يسكنون مكاتبهم، نكرم الإعلاميين الذين يعكسون الحقيقة بكل تجرد، والذين يمشون معنا على الطرقات التي تنتظر مبادرات الوزارة المختصة، والذين تعلموا معنا في المدارس التي كانت صفوفها موزعة على البيوت بالمفرق ، والذين حلموا مثلنا بمدرسة في قرية والذين حملوا زوادتهم إلى المدينة ليستكملوا علمهم، الإعلاميون الذين ضيق عليهم الازلام والأشباح وتعرضوا للضغوط والإغراء من اجل أن يجانبوا الحقيقة ورفضوا.
أيها الإعلاميون على مساحة الجنوب عامة والإعلاميون الذين تتخذون من صور قاعدة لكم، أتوجه إليكم بالتحية فردا” فردا” ، لكل صورة ولكل خاطرة ولكل تحقيق جاهدتم لإيصاله ، آملا” أن يتعلم كل إعلامي من أنموذج إخلاصكم المهني.
أما بالنسبة إلى التجار فنقول، انه وقبل ألف عام من الميلاد عاشت صور عصرها الذهبي، ووصلت إلى مركز حضاري لا يضاهى وسميت ” درّه المتوسط ” يوم كان العالم يدور حول المتوسط، ولعلها المدينة الأولى التي لم يكن لها مستعمرات، بل هي أول مدينة اخترعت أسواقا” حرة من كيتيون إلى قرطاج واونيكا ومالطا وصقليه وتيبه وسردينيا وغيرها واستطاعت ان تنافس روما وآثينا، وهكذا امتدت تخوم صور الكاملة الجمال إلى قلب البحار، وكانت جميع سفن البحر وملاحوها يأتون إليها ليتاجروا بتجارتها، فقد تاجروا في أسواقها بالمرجان والأرجوان المطرز والياقوت، بحنطة وعسل وزيت وأنواع الطيب وبكل حجر كريم.
إلا أن تلك الشهرة التي ترافقت مع النقد الصوري الذي كان العملة الأقوى والأشهر المتداولة في العالم التجاري القديم، جلبت لهذه المدينة الحسد والغيرة ومن ثم الويلات والحروب، فصمدت وقاومت ودمرت وقامت، إلا أن الوطن وفي عهود الاستقلال الأولى جافاها وأهملها بدل أن يحولها إلى متحف للتاريخ وأنموذج للمستقبل ، حتى كادت تصح بنوءة ( حزقيل ) فلا يبقى منها سوى اطلال ركام على الشاطئ يتآكلها الزمن لولا ان جاء عصر الإمام الصدر وعصر المقاومة، وكان عهدنا ووعدنا لصور، لأن صور رفعت شعار الإمام الصدر بأن إسرائيل شر مطلق وان التعاون معها حرام، وفي السجل الذهبي المقاوم لهذه المدينة يتصدر موقف جمعية التجار التي رفضت التعاون مع الاحتلال ورفضت إغراء التطبيع وتسويق المتنجات الإسرائيلية، وأعلنت الإضراب المفتوح بوجه الاحتلال وميليشياته، ولعبت الجمعية دورا” وطنيا” بارزا” نسجله لها بالتعاون مع النقابات والمنظمات الشعبية ومع القادة الروحيين للمدينة وفي الطليعة المطران جورج حداد والمطران يوسف الخوري بالاصطفاف خلف أفواج المقاومة اللبنانية (أمل) وعنوان مقاومتها محمد سعد لترسيخ الوحدة الوطنية.
لهذا نكرم جمعية تجار صور ومن اختارتهم هذا العام ليكونوا عنوان التقدير ، وأيضا” لأن الجمعية وبمبادرة مشتركة مع مجلس الجنوب أعادت بناء الأسواق التجارية للمدينة التي دمرت بفعل نيران آلة الحرب الإسرائيلية أثناء اجتياح لبنان عام 1982 ، وبسبب جملة مبادرات أبرزها:
– إقامة المؤتمر الشعبي الأول في الجنوب .
– إنشاء مشروع الحسب ونقله إلى خراج المدينة بالتعاون مع الصندوق الوطني لدعم أمل والجنوب والمؤتمر الشعبي
– التقديمات للمستشفى الحكومي وضمنها المولدات الكهربائية .
– تأمين قروض ميسرة من مؤسسات دولية .
– إطلاق فعاليات اقتصادية ضمنها المعارض التجارية وتفعيل العمل النقابي ودعم مؤسسات المجتمع الأهلي .
وعليه فإن هذه الجمعية تستحق أولا” التكريم كمؤسسة بسبب ما تقدم وبسبب قيامها بواجبها باتجاه استعادة صور لمكانتها التجارية، وخير تكريم لها هو في دعم مشروعها لبناء مقر للجمعية يتسع لمعارضها وفعالياتها التجارية، ودعم المخطط الهادف لتحديث وتوسيع مرفأ صور، خصوصا” وان المدينة وقبل ثلاثة آلاف سنة كانت تتميز بالمرفأ الصوري والمرفأ المصري، كما وإنني بالمناسبة أدعو غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا والجنوب إلى إنشاء فرع خاص لها في صور.
أخيرا” لا بد من العودة بالذاكرة إلى من أسسوا هذه الجمعية ومن تعاقب على رئاستها منذ التأسيس لنقول لهم، هنئيا” هذه البذرة الطيبة في الأرض الطيبة، ونعود إلى المكرمين واحدا” واحدا” لنقدم لها خالص التهاني والتقدير.
في الختام، وقد نجح لبنان في عبور استحقاقين هامين وأكد قدرته على تجاوز كل أنواع الضغوط، وقد كان للجنوب موقعا” خاصا” ومميزا” في كلا الاستحقاقين، لأنه ومنه وبه ومن عاصمته التاريخية صور انطلقت فكرة المقاومة وهي المقاومة التي أسست لقيامة لبنان، فإننا من صور نقول أن لبنان يقف أمام استحقاق تشكيل مقاومته السياسية والاقتصادية، وهذه المقاومة السياسية هي خيار لا بد منه أمام وضع لبنان على منظار التصويب الدولي لبعض الاتجاهات الآحادية، التي تمارس طغيانا” على اتجاهات السياسة الدولية في إطار محاولاتها لإنتاج النظام السياسي على مساحة مشروعها للشرق الأوسط الموسع بما يتناسب مع مصالحها.
إن هذه المقاومة السياسية انطلقت من مجلس النواب في جلسته التشريعية الأخيرة، التي أثبتت أن القرار السيادي للبنان لن يخضع للضغوط الدولية بل للتصويت تحت قبة البرلمان ، حيث يستطيع النائب بالوكالة عن ناخبيه أن يختار ما يرى انه يمثل المصلحة الوطنية .
إن هذه المقاومة السياسية يجب أن تزيد صلابة وان تقوي عناصر الوحدة الوطنية لمواجهة التهويل الإسرائيلي بالعدوان على لبنان وعلى الشقيقة سوريا، ونحن نعلم تماما” أن المعارضة في لبنان ستسلك الخيار الديموقراطي، وهي تختلف أو تأتلف ديموقراطيا”، ولن تشكل حصان طرواده أو رأس جسر لكل ما يتهدد لبنان.
وعلى المستوى الاقتصادي فإننا جميعا” مدعوون للتحوّل إلى مقاومة اقتصادية، تبدأ بترتيب الأولويات الوطنية اعتبارا” من مشروعات التنمية ومن المشروعات التي تعزز الضمانات الاجتماعية والصحية.
إن هذه المقاومة الاقتصادية معنية بالتصدي لكل أنواع الهدر والمحاصصة، ومعنية بتعزيز المساءلة والمحاسبة والشفافية ، ومعنية بتنظيم قواعد العمل المطلبي.
إن المقاومة السياسية والاقتصادية التي ندعو إليها هي الوسيلة لتعزيز الثقة بالدولة وتعزيز ثقة العالم بلبنان .
عشتم
عاشت جمعية التجار
المجد للإعلاميين الذين يكتبون التاريخ بأقلام الحقيقة
عاش لبنــــان