مأدبة غداء في المصيلح تكريماً للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي

أقام رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري مأدبة غداء على شرف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وخلال المأدبة ألقى الرئيس بري كلمة قال فيه: أهلاً بكم يا غبطة البطريرك في أرض القداسة في جنوب لبنان، جبل عامل، جبل المحبة الذي طرد أبنائه التجار من أرضه ومن كل هيكل فيه للرب. أهلاً بكم تسلكون نفس طريق السيد المسيح عليه السلامإلى عرس قانا وإلى صور حيث شفاء الكنعانية، وإلى سريباتيا {الصرفند} حيث لم تتأخر الأمواج ولم يرجع بها الزبد فمشى على الماء، ثم إلى الطريق من دير ميماس إلى حرمون وجبل الشيخ التي تمر حكماً عبر مزارع شبعا.

أهلاً بكم وأنتم تكرزون كما الحواريون الذين أرسلهم السيد المسيح عليه السلام في القرى، وأنتم تحملون شباككم وتصطادون البشر وأنتم تحملون وعاء الحرية وترشون منه المياه المقدسة على جباه الفلاحين وأعناق العمال وأيدي الطلاب لتتكاثر زهور المحبة.

أهلاً بكم وأنتم تمثلون كنيسة السيد المسيح عليه السلام، فتؤكدون كنيسة البشر والحوار والجوار والألم والأمل والحب والمحبة والشفاء والشفافية، وتمارسون ثقافة الإتصال بأنفسكم، وأهلاً بكم وأنتم تسلكون طريق نبع الماء الحي، تشعرون الناس بحرارة المحبة وتعبرون كما المعلم عن روح الحكمة والفهم والتعجب والدهشة وروح الحق والجمال والصلاح.

إنني بإسم الجنوب الأكثر محبة وتعايشاً واندماجاً، وبإسم الجنوبيين من كل الطوائف والمذاهب والفئات، وبإسم المؤمنين في كل مسجد وحسينية وكنيسة ودير وخلوة، بإسم هؤلاء اللبنانيين الخلص أرحب بكم هنا في بيت بيوت الجنوب، الذي يقيم لكم أفراحاً من وسطه إلى جنوب الجنوب حيث خط تماس الجغرافيا والتاريخ مع فلسطين، حيث القرى المعلقة على صليب الآلام منذ عام 1948، يوم استقبلت موجات اللاجئين الأولى من أشقائنا أبناء الشعب الفلسطيني، ويوم أقيمت المستعمرات مقابل أرضنا فجمدت الحياة، ويوم أشهر الأعداء شريعة قتل الأغيار، واعتمدوا سياسة الأرض المحروقة والمجازر بقصد تفريغ الجنوب من أهله ذوي القلوب النقية الذين صمدوا لأن إيمانهم عظيم كما الكنعانية، ولأن الله لم يمنع رأفته عنهم في ساعة الشدة.

أهلاً بكم وأنتم تبشرون بالسيد المسيح عليه السلام الذي له كنيسة الناس، والذي بشر به ووصفه شاعر الجنوب ومرجعيون نقولا قربان بقوله: ولد اليوم عندنا مسيح جديد، عامل من العمال الطيبين، عيناه زنبقتان في موقد، وذراعه كموسيقى البحارة العائدين، يطعم خبزه للجائعين الصغار، ويمضغ الصمت ويبزغ من ضلعه النهار، وعلى جبينه علامة من رخام الطفولة، فتنبت في عروقه حديقة الألم ويجري في دمه نهر الحصاد، مسيح يبشر بالعطاء وبموت الحروف والأيدي التي تخنق البراعم، وهو في كل مساء يكتب آيته الأخيرة على خشب الغار وصدور الجياد الحمر، أنه لن يبقى في الكون طغاة ممن يطفئون شمس الفكر ويأكلون لحم النساء.

وأهلاً بكم وأنتم تحيطون رعيتكم بكل محبتكم وإهتمامكم ورعايتكم، فلا يشغر إبن الجنوب إلى أي طائفة انتمى بأنه محتقر أو أنه لبناني من فئة مهمشة ومحرومة.

وبعد وبعد، تعود بي الذاكرة بمناسبة وجودنا ضيوفاً في حضرة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى غبطة البطريرك خريش رحمه الله، وهو يحمل الجنوب في قلبه إلى حيث ذهب، وهو الذي بقي مقيماً على عهده بالحواكير وكروم الزيتون والتفاح التي تسيج عين إبل، رغم أنه انطلق إلى البعيد متحملاً مسؤولية لبنان.

نتذكره وهمته العالية إلى جانب الإمام السيد موسى الصدر في هيئة نصرة الجنوب، نتذكر أن قوتهما كانت بالضعفاء والمحرومين وبإظهار جمال الحقيقة وبعملهما الدائم لأنسنة الإنسان.

إننا وقد استودعنا غبطة البطريرك خريش أمانة الله سبحانه، فإننا ندعو أنفسنا للوقوف إلى جانب غبطة البطريرك الراعي في العمل لتحرير الإمام الصدر وكشف مكان إخفائه، ولتحرير الإنسان من مخاوفه وهواجسه في لبنان، كما الإمام الصدر وقف عند المذبح موقف البطريرك، وكذا غبطتكم تامنونا ولا يضيركم، ولا يضيركم شنان قوم من هنا أو هنالك، قبلك تماماً يا سيدي البطريرك تجنى البعض على الإمام الصدر ومن شيعته، واتهموه، واجزلوا بالتهم وخونوه لأنه سار على درب ذات الشوكة التي تسيرون عليها الآن. وأكمل الطريق ولسان حاله يقول اغفر لهم يا أبتاه إنهم لا يدرون ماذا يفعلون.

إننا يا صاحب الغبطة وامام القضايا الوطنية الملحة، ونظراً إلى مسؤوليتنا مثلكم أمام الناس، لا يمكننا أن ندفن رأسنا في الرمل ولا أن نجاري أو نداري، ولا بد لنا أن نقول الحقيقة عارية مجردة كما هي، لذلك فإننا:

أولاً: أكدنا على منبر الإمام مثلكم حرصنا على الحوار دون شروط، حوار مفتوح على القضايا الوطنية الاساسية، حوار صريح ومباشر وجهاً لوجه، حوار من أجل الوصول إلى إستراتيجية وطنية للدفاع، وحوار لوضع حلول جذرية لأزمتنا الإقتصادية والإجتماعية، وبالأساس حوار من أجل بناء الثقة في ما بيننا.

كما أكدنا تطلعنا إلى حوار وطني شامل  ينتبه إلى التطورات الجارية في الشرق الأوسط، وخصوصاً في الأقطار العربية والنطاق الإقليمي المجاور.

إن الحوار وبناء الثقة هما الأساس الذي يمكننا جميعاً من بناء الشركة الأفقية مع كل الناس ومن كل الاطياف، من كل دين وثقافة وكل رأي وكل إنتماء كما تطمحون يا صاحب الغبطة.

ثانياً: إن أهم ما نلتقي عليه وما يقف الجنوب في خط الدفاع الصلب عنه كما في خط الدفاع عن الوطن هو صيغة العيش المشترك، لأن لبنان بهذه الصفة والطبيعة هو نقيض إسرائيل العنصرية. ولأن لبنان كذلك فكل الأنظار تتجه إليه كما عبر غبطتكم، وهو ما يستدعي تجديد الدعوة إلى كلمة سواء بين أبنائه.

ثالثاً: إننا نتفق معكم يا صاحب الغبطة في معنى أن لا تكون أي علاقة مميزة لأي طائفة مع أي دولة أو مرجعية خاصة بتلك الطائفة أو ذلك المذهب، بل أن تكون تلك العلاقة من أجل لبنان وأن تسهم في حل قضايا لبنان وفي دعم إستقرار لبنان وازدهاره، وأن يستمر لبنان كما عبرتم قبل زيارتكم لفرنسا، بلداً يحافظ على العيش معا وعلى الديموقراطية وانفتاحه على العالمين العربي والغربي.

رابعاً: إننا إذ نؤكد وفاء لبنان لإلتزاماته تجاه تنفيذ القرار الدولي 1701، فإننا نطالب المجتمع الدولي ودول القرار بالضغط على إسرائيل لإجبارها على الإنسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، ووقف الإنتهاكات الإسرائيلية للحدود السيادية للبنان براً وبحراً وجواً بما في ذلك قرصنة ثروته البحرية.

وإننا إذ نحيي مقاربتكم للموقف الناتج من الإحتلال الإسرائيلي والذي شكل على الدوام التحدي الأبرز للبنان، فإننا نعيد التذكير بأن عدم إحترام إسرائيل للقرارات الدولية الخاصة بلبنان وفي الطليعة القرار 425، وإستمرار الإجتياحات الإسرائيلية عبر منطقة عمل القوات الدولية، وقبل ذلك تجاهل إسرائيل أساساً لوجود المراقبين الدوليين لخط الهدنة، أدى إلى نشوء المقاومة كنتيجة طبيعية للعدوان، واليوم تستمر هذه المقاومة كضمانة لردع أي عدوان ولتأكيد حقوق لبنان في أرضه ومياهه وثرواته الطبيعية في البر والبحر، لذلك نقول وبصراحة للأقربين وللأبعدين لا تخافوا من المقاومة بل خافوا على المقاومة.

إننا بالنسبة إلى الوقائع الجارية في عدد من الأقطار العربية وفي الطليعة الشقيقة سوريا، نؤكد ضرورة وقف إي كلام أو تحريض أو تمويل أو تسليح عابر للحدود، وحذرنا من سايكس بيكو جديد لا يستهدف سوريا فحسب بل عدداً من بلدان المنطقة وصولاً إلى لبنان.

خامساً:  بالنسبة إلى الأشقاء الفلسطينيين فإننا إذ نجدد الإعلان أولاً أننا سنمنع أي محاولة لجعل لبنان رصيفاً للتسوية وبالتالي فرض مشروع  التوطين، وإذ نؤكد حق  العودة ونعرف أن أشقائنا الفلسطينيين يتمسكون بهذا الحق، فإن ما يجب أن يعرف القاصي والداني هو أن القضية الفلسطينية تمثل جوهر الصراع في الشرق الأوسط وهي قضية العرب المركزية ، وإننا في لبنان سنواصل دعمنا للشعب الفلسطيني لتحقيق أمانيه الوطنية وفي الطليعة تحرير أرضه وعودة اللاجئين من أبنائه وتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

إننا إنطلاقاً مما تقدم نرى أنه لا فائدة من أن نربح العالم ونخسر أنفسنا. نقول ذلك لأن في لبنان من لا يريد أن يكف عن الغضب والسخط وأن هناك من يواصل إغلاق الستائر لمنع الشمس من الدخول إلينا. إننا نحن، المؤمنون بهذا الوطن وليس مجرد المنتمين إليه، سنتذكر دائماً أن قوتنا في وحدتنا، وأن كنزنا حيث يوجد وطننا موحداً في القلب، وإننا سنبقى نقرأ في الإرشاد الرسولي الذي تركه لنا قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، وسنكون إلى جانب قداسة البابا بندكتوس السادس عشر وآباء كنيسة الشرقيين الذين عقدوا إجتماعاً خاصاً لكنائس الشرق الأوسط وأصدروا توصيات نحترمها ونلتزم العمل معكم ومن ورائكم لتنفيذها.

أخيراً، إن لبنان يستحق كل تضحية، إنه يستحق أن نتحلق حوله جميعاً، إنه بفضل طبيعته ومكوناته يمثل فعل تحد، إنه وطن جامع مانع وطني كياني بطوائف كيانية، إنه بلد الأرز وكتاب التاريخ ومكان العرس وحديقة الحرية ووطن المحبة، إن الجنوب هو عرش المحبة والشركة وأنت صاحب الشعار، فأهلاً بكم في كل مكان من جنوب لبنان.

هذه التدوينة نشرت في خطابات. الإشارة المرجعية.