مؤتمر صحافي للرئيس نبيه بري: إلغاء الطائفية السياسية لا يعني إلغاء الطوائف

عقد رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، مؤتمراً صحافياً في قاعة المؤتمرات في المجلس النيابي، تناول فيه دعوته لتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، حضره النواب السادة: غسان مخيبر، نهاد المشنوق، علي عمار، محمد قباني، هاني قبيسي، عبد اللطيف الزين، علي حسن خليل، علي بزي، غازي زعيتر، ايوب حميد، علي فياض، عبد المجيد صالح، علي خريس، أسطفان الدويهي، فادي الأعور وقاسم هاشم.

كما حضر المدير العام لوزارة الإعلام الدكتور حسان فلحة، نقيبا الصحافة والمحررين محمد البعلبكي وملحم كرم، ممثلا المجلس الوطني للإعلام جمال فاخوري وابراهيم عوض، الأمين العام للمجلس النيابي عدنان ضاهر، رؤساء ومدراء المؤسسات ومكاتب الفضائيات وحشد كبير من المراسلين الأجانب والإعلاميين اللبنانيين.

استهل الرئيس بري المؤتمر بالقول: بداية اسمحوا لي أن أتوجه باسمكم جميعاً بالشكر وباسم المجلس النيابي الى النقيبين العزيزين للصحافة والمحررين على تشريفهما في الحضور في هذااليوم الذي آمل أن يكون منعطفاً في تاريخ هذا البلد على نحو ما قد يؤثر بعد 83سنة.

ان “القرص المدمج” الذي وزعته عليكم هو في الحقيقة من إنتاج محطة “الجزيرة” التي تكرمت علينا به، كالعادة قطر “تحمل هم” اللبنانيين أكثر من اللبنانيين أنفسهم، ولم أكن أعلم على الإطلاق ان مثل هذا الفيلم موجود، هذا الفيلم بتاريخ نيسان 2009، محاولة لإنتاج وثائقي عن درس تاريخ، فقد قامت الجزيرة بزيارة مؤسسات تربوية، وتحديداً مدارس سيدة الجمهور، ثانوية الإمام الحسن، المبرات الخيرية، المدارس الإنجيلية، ثانوية الإيمان، المدرسة الألمانية، بعض الأسئلة التي طرحت في الشريط الذي هو بحجم الكارثة عن الوضع النفسي اللبناني.

في اللقاء مع الطلاب وسؤالهم عن استقلال لبنان أجابوا بحسب طوائفهم، البعض أجاب استقلال لبنان عند جلاء الجيش الفرنسي، البعض الآخر قال عند خروج الجيش السوري، آخر قال يوم التحرير.

أما عن الزعماء التاريخيين أجابوا أيضاً بحسب طوائفهم مع حفظ الألقاب: بشارة الخوري، رياض الصلح، الإمام الخميني، جمال عبد الناصر، تشي غيفارا، حسن نصر الله، بشير الجميل، هتلر، نابوليون، صائب سلام والأمير بشير. أما سؤال الطلاب عن دولة صديقة فأجابوا على الشكل التالي: السعودية، قطر، فرنسا، أميركا، إيران، لا أحد. حين طلبوا من الطلاب إنشاد النشيد الوطني اللبناني معظمهم لم يعرفوه باستثناء واحد خريج مدرسة علمانية أعني بها المدرسة الألمانية. طلاب الصف التاسع “البريفيه” حين سئلوا عن الذي درسوه في كتب التاريخ أشاروا الى تاريخ الثورة الفرنسية، الفينيقيين، العثمانيين والحرب العالمية، وانهم مؤخراً بدأوا بدراسة تاريخ لبنان، هذه بعض النتف في هذا الفيلم الذي وزع عليكم.

قبل أن أبدأ أود الإشارة الى أنه في مناقشة المادة 95 من الدستور في جلسة 23 أيار 1926، قال النائب زوين “نعم ان الروح الطائفية موجودة، انها العلة التي نشكو منها والتي تقتلنا، انها السبب في قتل أبناء وطننا بعضهم البعض، انها العقبة التي تحول دون وحدتنا، الروح الطائفية هي السبب بوجود الإنتداب، نحن متمدنون ولكننا بسبب الطوائف وضعنا أنفسنا تحت الإنتداب”. وقال نائب آخر السيد دموس “ان وضعنا لا شبيه لنا في أوروبا. ان هذا القول غير صحيح، ان اوروبا قد عانت هذه العلة ولأجل الخلاص منها بذلت المال والدماء لماذل نحفر الخنادق ونضع فيها البنادق والرشاشات يجب أن لا نأخذ في الإعتبار الا الكفاءة فقط”، هذا الكلام كان من رجال الإستقلال.

أبدأ بالقول ان الغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق الخطة المرحلية، الفقرة ح من مقدمة الدستور قبل أن نص الى المادة 95، مقدمة الدستور هي الميثاق الجديد، هذا الميثاق الجديد يقول أنه هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية أي أنه ينظر الى الناحية النفسية وناحية النفوس. ان دعوتي لتشكيل الهيئة الوطنية لدراسة واقتراح الطرق الكفيلة بالغاء الطائفية السياسية، لم تكن خياراً يمكن لرئاسة المجلس النيابي أن تقدم عليه أو لا تقدم. فقد نصت المادة 95 دستور المبنية على اتفاق الوفاق الوطني اتفاق الطائف، يعني أن حرفية النص الدستوري تماماً كما ورد في وثيقة الوفاق الوطني (الطائف)، ان على المجلس النيابي المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين.. تشكيل الهيئة الوطنية، وعندما يكون النص ملزماً وبصيغة آمرة ينتفي الخيار وتتحول ممارسة الحق الى واجب لا يحتاج تطبيقه لتوافق او حوار.. ان هذه المقولة ليست هامشية او بسيطة فدائماً عندما لا يجد الدستور من يرعاه يهتز انتظام الدولة وتتحلل مقوماتها، ولأن رئيس المجلس النيابي أياً كان يرعى في المجلس أحكام الدستور كان عليّ ومن أولى واجباتي الدعوة لتشكيل الهيئة.

أتجاوز في توضيحي هذا كل ما له علاقة بتداعيات الطائفية وانعكاساتها على بلدنا، لأركز باختصار شديد على الجانب الدستوري، فأشير الى أن الدستور اللبناني منذ صدوره زمن الإنتداب الفرنسي في 23 أيار 1926 نصت المادة 95 منه على التالي: بصورة مؤقتة والتماساً للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وبتشكيل الوزارة، دون أن يؤول ذلك الى الإضرار بمصلحة الدولة. فمن هذا النص يتبين أن الدستور منذ ولادته اعتبر ان اللاطائفية هي القاعدة، والبعد الطائفي مؤقت اي استثناء، أشرت الى ذلك لأتوقف عند ملاحظتين هامتين هما:

أولاً: ان الإستثناء أو اعتماد الطائفية بصورة مؤقتة قد تحول الى قاعدة بعد استمراره لثلاث وثمانين سنة حتى اليوم، ان استمرار لثلاث وثمانين سنة حتى اليوم، ان استمرار هذه الظاهرة تخالف المبادئ ذات القيمة الدستورية، وسأكتفي لتأكيد ذلك بما جاء في قرار المجلس الدستوري في لبنان الرقم 4/96 تاريخ 7/8/1996 وفيه لا يجوز للمشرع أن يجعل من حالة مؤقتة واستثنائية ليس لها طابع الديمومة قاعدة عامة أو أن يبني عليها قاعدة ثابتة دائمة.

ثانياً: أما الملاحظة الثانية فهي من الأهمية بمكان ايضاً، كونها ترد على بعض ما أثير من ردود فعل على دعوتي وتوضح كيفية تعامل قيادات الإستقلال الأوائل الذي صنعوا ما يعرف في لبنان “الميثاق الوطني في ظل الصيغة الطائفية”، وما جاء في نص المادة 95 دستور المشار اليها سابقاً.

ففي جلسة المجلس النيابي المنعقدة في 30 أيلول 1947 كان المجلس لا يزال يعمل على لبننة الأحكام التي كانت سائدة أيام الإنتداب، ويناقش مشاريع قوانين جديدة، منها المشروع المتعلق بالإنتخابات البلدية، والمشروع المتعلق بالإنتخابات الإختيارية، فعندما طرح المشروع الأول في الجلسة تكلم فيه ثلاثة نواب قبل تلاوته مادة مادة فأيده رئيس الحكومة الأسبق سامي الصلح وقال النائب فيليب تقلا: يذكر الزملاء الذين رافقونا في المجلس الماضي ان الحكومة كانت قد تقدمت بمشروع من هذا النوع الى المجلس وبعد درسه إعادة المجلس الى الحكومة لتعديله.. وان تلغى الطائفية منه وأطلب التصويت على أساسه.

وقال: إني أرى فتحاً جديداً بقضية إلغاء الطائفية في هذا القانون، واعتبر أن تصويتنا عليه خطوة أولى في سبيل الإصلاح الذي لن يتم ما لم يتوار شح الطائفية الذي لن يتوارى من النفوس ما لم يتوار من النصوص.. نبدأ بإلغاء الطائفية في البلديات ثم في الإنتخابات النيابية من الدستور.

أما رئيس الحكومة رياض الصلح فقال: لقد كان لي شرف طلب إعادة هذا القانون الى الحكومة في المجلس الماضي، غذ أثرت حينئذ قضية الطائفية وقبل اخواني في المجلس السابق نظريتني، وطلبوا من الحكومة أن تعيد المشروع على اساس لا طائفي، ولقد عاد المشروع على أساس اللاطائفية، وأنا فخور على هذه الصورة إذ سيكون فاتحة عهد جديد سيتناول الإنتخابات بصورة عامة في الدستور بصورة خاصة وبعد ذلك النفوس، وأرجو أن يكون هذا القانون فاتحة عهد جديد في البلد.

لم أتوقف عند المحضر الرسمي لهذه الجلسة لأشير الى أن تجربة إلغاء الطائفية من الإنتخابات البلدية والإختيارية، كما نعلم جميعاً، لم تكن مرعبة في نتائجها ولم يهد شيء في البلد ولم يتأثر شيء في الكيانات اللبنانية أبداً، أو أنها لم تؤد الى خلل في صيغة العيش المشترك، إنما لألفت الإنتباه الى أمرين أساسيين هما:

–       ان رجال الإستقلال الأوائل وفي مقدمتهم صانعو ميثاقنا الوطني كانوا متقدمين علينا. نحن في قيادة السيارة أصبحنا نقود الى الخلف وأبعد مدى في نظرتهم لإلغاء الطائفية، كونهم قصدوا إلغاء الطائفية على اختلاف وجوهها، وبدأوا الخطوة الأولى العملية لتحقيق الهدف، وإن كان لا نص صريحاً على ضرورة الإلغاء، الأمر الذي يعني رؤيتهم بعدم وجود أي تباين بين الميثاق الوطني وبالتالي العيش المشترك وإلغاء الطائفية.

–       ان صانعي الإستقلال ورجاله الأوائل، اعتبروا أن إلغاء الطائفية من النصوص هو السبيل لإلغائها من النفوس، وليس العكس، ويتبين من هذه الوقائع ان الإستقلاليين الأوائل اعتمدوا على المرحلية الظرفية لم يبدأوا مباشرة، أقدموا عليها في الإنتخابات البلدية ثم الإختيارية في عملية الإلغاء، بمعنى أن عملية الإلغاء كانت تحصل عند طرح المشروع، فيصار الى تحريره من البعد الطائفي (الإنتخابات البلدية والإنتخابات الإختيارية لاحقاً)، ولا مجال هنا لتوضيح الأسباب التي أدت الى توقف الخطوات الآيلة الى استكمال الإلغاء. ما يهمني قوله أن الخطوات اللاحقة لم تظهر الا بعد إقرار إتفاق الطائف سنة 1989 والتعديلات الدستورية التي بنيت حرفياً على أساسه سنة 1990، فقد ركز الإتفاق في مقاربته للبعد الطائفي على التالي:

أولاً: التمييز بين إلغاء الطائفية في المطلق وبين إلغاء الطائفية السياسية، نحن منذ عام 1947 الى اتفاق الطائف رجعنا بالعكس ولا يعد الكلام عن إلغاء الطائفية، بل عن إلغاء الطائفية السياسية. أما الأولى ولم يقارب الأولى من قريب أو بعيد، وبالعكس ربما جاء ليدعم الطائفية غير السياسية أيضاً.

ثانياً: قونن مرحلية إلغاء الطائفية السياسية كالتالي: تشكيل الهيئة الوطنية التي تدرس وتقترح الطرق الآيلة الى إلغائها، محدداً بذلك سقف مهمتها ووضع صيغة لتشكيلها (برئاسة فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان) ومشاركة رئيس المجلس النيابي (نبيه بري) ورئيس مجلس الوزراء (سعد الحريري) وشخصيات سياسية وفكرية واجتماعية.

ثالثاُ: ان ما تتوصل إليه الهيئة لا يكون تقريرياً أبداً، هذه النقطة التي تزيل أي تخوف، بدليل أنه مجرد اقتراح ولا يعقل القول ان تقديم الإقتراح الى مجلسي النواب والوزراء اللذان هما مناصفة، والهيئة التي هي بالتأكيد ستكون مناصفة، لأخذ العلم فقط وإعطاء الأوامر بالتنفيذ.

رابعاً: ان نفاذ الخطة اقترن بخطوة إجرائية، تمثلت في إقرار المناصفة بين عدد النواب المسيحيين والمسلمين.

ما يهمني قوله في هذه اللحظة، ان تشكيل الهيئة الوطنية، وبصرف النظر عن إلزامية تشكيلها، لا يمكن أن يعني أن الطائفية قد ألغيت، وأنا بصراحة ضمن جلسات خاصة مع السادة النواب، قلت أنني إذا كنت أريد أن أكون متفائلاً، قد نصل الى شيء بعد عشرين أو ثلاثين سنة، وإذا كنت متشائماً فإنه قد تثبت الهيئة الموضوع وتقول أنها لا تريد هذه المسألة، أو أن الطائفية السياسية قد تقررت، فصيغة تشكيل الهيئة كافية لتوفير الضمانات للجميع، فالرؤساء الثلاثة الحكميون من الطوائف الأكبر في لبنان والشخصيات التي ستشارك فيها لا يمكن أن تكون من طوائف دون أخرى. فالمشاركة فيها مفتوحة للجميع من دون تحديد أي سقف مناصفة، ويمكن لأي طائفة أن تنتدب من يمثلها لإبداء رأيه ومناقشته. وبهذه الصيغة فإن القول بضرورة التوافق حول تشكيل اللجنة ليس مبرراً، فالتوافق المطلوب يكون حول أن يطرح أثناء عملها، فعلى ماذا يمكن التوافق قبل تشكيلها يا ترى؟ وإذا كانت مثل هذه التشكيلة لا تضمن العدالة لجميع الطوائف فكيف يمكن تحقيق مثل هذه الضمانة إذاً؟ ووظيفة هذه اللجنة فاذاً؟ الإعداد والتمهيد ومراعاة النفوس وتقديم النصوص لمجلس نواب معروفة تركيبة ولمجلس الوزراء معروفة تركيبته أيضاً. والأهم من هذا فرضت النصوص استحداث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية.. مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي.

إن هذه النصوص وغيرها تكشف جانباً من حدود الفصل بين تشكيل الهيئة الوطنية ونفاذ ما تقترحه، وبين الإعتقاد القائل ان التشكيل يعني إلغاء الطائفية في لبنان، وبالتالي الفارق بين نظرة الإستقلاليين لإلغاء الطائفية والعمل بموجب أحكام الطائف والدستور اليوم. ولا بد من لفت النظر هنا الى أن تعطيل تشكيل الهيئة الوطنية لا ينعكس على استمرار تعطيل درس طرق تطبيق مادة دستورية (المادة 95)، إنما يؤدي الى استمرار تعطيل مواد دستورية أخرى يرتبط تطبيقها بتطبيق المادة 95، ومنها المادة 22 دستور المتعلقة بإنشاء مجلس الشيوخ والمادة 24 المتعلقة بقانون الإنتخاب الذي وضع خطوطه العريضة اتفاق الطائف،على أساس المحافظة التي تشكل نواة لكل الوحدة الوطنية بعد إعادة النظر بالتشكيل الإداري.

إن تشكيل الهيئة الوطنية وإن كان يأتي اليوم عملاً بوصية رجال الإستقلال الذين وضعوا أسس ميثاقنا الوطني الذي هو اساس الكيانية اللبنانية، الا انه أيضاً يأتي استكمالاً لميثاقنا المتجدد في اتفاق الطائف، هذا الميثاق الذي تحول في السنوات الأخيرة الى سلعة سياسية بين قائل بضرورة تطبيقه وبين متهم بالتنكر له.

أشرت سابقاً الى أن تشكيل الهيئة يعني بدء العمل لنفاذ مواد دستورية ميثاقية أخرى وأزيد على ذلك، العمل لتطبيق نصوص أخرى من اتفاق الطائف بقيت خارج الأحكام الدستورية، يعني أنه ليس كل شيء ورد في الطائف ترجم أحكاماً دستورية، وهناك أشياء وردت في الطائف وأصبحت ميثاقية وكلنها لم ترد في الدستور، واشير على سبيل المثال لا الحصر الى القانون القاضي بانتخاب المغتربين اللبنانيين في أمكنة إقامتهم وقانون اللامركزية الإدارية الموسعة الذي استبقت هذه الدعوة الى وضعه على نار حامية في اللجان النيابية، ولقد عقدت خمس أو ست جلسات وهو بصدد الإقرار.

إذا أشكر تفهمكم،  لا بد لي أخيراً من أن أؤكد ثانية أن دفاعي عن تشكيل الهيئة الوطنية التي تدرس وتقترح الطرق الآيلة الى الغاء الطائفية السياسية ليس دفاعاً عن شخصي كرئيس للمجلس النيابي، إنما هو دفاع عن دستور بلدي ومواثيقنا الوطنية، ولتجنب ما يمكن أن يعلق في الأذهان من تفسيرات خاطئة تستند الى بعض ردود الفعل المزاجية العشوائية التي صدرت من هنا وهنا، وأذكر، إن نفعت الذكرى، وتوضيحاً لمن سأل وكرر لماذا الآن؟ هناك الكثير سألوا لماذا اختار الوقت الآن؟ حقيقة جميعنا ننسى ولعل الإنسان سمي بهذا الإسم اشتاق الى شيء من النسيان.

إن الدستور، كما تعلمون، قال أنه عند انتخاب أول مجلس نيابي على أساس المناصفة، على مجلس النواب أن يشكل الهيئة الوطنية. متى انتخب أول مجلس نيابي على أساس المناصفة بين المسيحيين والمسلمين؟ عام 1992، وكان لي شرف أن أترأس المجلس عام 1992، وعادة عند انتخاب الرئيس يتوجه رئيس الحكومة بكلمة الى المجلس النيابي. في المرة الأولى في الدستور التشريعي الثامن عشر في محضر الجلسة الأولى المنعقدة في الساعة الحادية عشرة قبل ظهر الثلثاء في 20 تشرين الأول 1992، انتخبت يومها ووقفت على المنبر وقلت من جملة ما قلته “الزملاء الأعزاء، ندخل عبر هذا المجلس لترسيخ الجمهورية الثانية على قاعدة أن الطائفية نقمة على لبنان والطوائف المتعايشة على أرضه هي النعمة. ان صون هذا العنوان يقتضي أن يقوم مجلسنا المنتخب بموجب الدستور باتخاذ الإجراءات باعتبار أن ذلك هدف وطني يتحقق عبر الإجراءات باعتبار أن ذلك هدف وطني يتحقق عبر الإجراءات التي نصت عليها وثيقة الوفاق الوطني عبر تشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم، الى رئيس الجمهورية، رئيسي مجلسي النواب والوزراء وشخصيات فكرية واجتماعية وسياسية لدرس الطرق الكفيلة الغاء الطائفية السياسية واقتراحه وتقديمه الى مجلسي النواب والوزراء. لقد آن الأوان لتحويل لبنان من شركة الى وطن، وأهم سبل لتحقيق هذا الهدف العزيز هو هذه المهمة التاريخية، فليكن إلغاء الطائفية السياسية ثمرة توافق وطني شامل حتى لا يكون تحقيق هذا الهدف قهراً لأحد أو تغليباً لطرف على طرف”. هذا الكلام قلته عام 92.

وسأتكلم بصراحة، فالذي يزعل يزيد زعله أو يرضى عنا بعد ذلك إن شاء الله. قلت فلا بد بشيء اهم، فلا بد بمقدمة لكي لا يزايد أحد على أحد في هذا الموضوع، خصوصاً أنه يجري الكلام أن المسلمين في البلد أكثر من المسيحيين، وان هذه المسألة يمكن أن تؤثر على الوضع المسيحي في لبنان. هناك كلام من هذا القبيل وهناك تخوف. قلت لماذا لا نبدأ بالمجلس الدستوري وبالمجلس الإقتصادي والإجتماعي؟ وآنذاك قال لي أشخاص من الشيعة أن المجلس الدستوري يأخذ من صلاحيات المجلس النيابي، فقلت لهم خيراً إن شاء الله أهو ملك أبي؟ وسرنا وأصدرنا المجلس الدستوري الإجتماعي، قال لي أيضاً أشخاص من الشيعة وغير الشيعة أن هذا يأخذ من قيمة لجنة المال التي هي أم اللجان في المجلس. أيضاً لم أكثرت لهذا الكلام وأنشأنا أيضاً المجلس الإقتصادي. وقد يقول قائل ان عملهما تعطل وتوقف بعد ذلك، فإنني أقول: هذا ليس من عملي هذا من مسؤولية السلطة التنفيذية وعملها.

دعا الأخوة الأرمن الكاثوليك في 1/1/1995 الى رعاية احتفال لهم في فندق الريفييرا، ووقفت على المنبر وقلت أننا أنشأنا مجلساً دستورياً ومجلساً اقتصادياً اجتماعياً وهذا العام لدينا برنامج عمل نريد أن نشكل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية ونقر اللامركزية الإدارية. وعقد بعد ذلك اجتماع لمكتب المجلس، وكان النائب المرحوم جوزف مغيزل، رحمه الله، عضواً في المكتب الى جانب النائب السابق أحمد سويد وغيرهما، وطرحنا الموضوع وقلنا ان على كل منا أن يذهب الى عرينه أو ربعه وكل يتولى جهة، فأتت النتيجة غير منتظرة بالنسبة إليّ، فوجدت هناك أيضاً ليس من المسيحيين بل أيضاً من المسلمين “شامين رائحة إبطهم” فلا يتهم أحد المسيحيين فقط بهذا الموضوع، بل انكم تلاحظون أن المسيحيين يوم الإستقلال هم الذين كانوا يريدون إلغاء الطائفية السياسية بالمطلق، وطبعاً يومها أصريت كما أصر اليوم، إنما أتى من همس لي ناصحاً فقال لي: “صحيح أن الدستور يقول أنه عند انتخاب أول مجلس على أساس المناصفة يجب أن يتم تشكيل الهيئة، وصحيح أنك أنت ملزم بذلك ولكن نريد أن نلفت نظرك يا أستاذ نبيه، أنه حصلت مقاطعة مسيحية في الإنتخابات عام 92، وهناك مناطق لم تشارك بالإنتخابات بنسبة 5 بالمئة، فشكل المجلس هو مناطقة ولكن لم يعبر الجميع عن رأيهم ونحن ننصح بالتأجيل”، وهذا الأمر وجدته منطقياً، فأجلنا الموضوع.

عندما انتخبت عام 1996، اعدت تقريباً الكلام الذي قلته في العام 1992 في خطاب إنتخابي، وبدأنا نتحرك بالنسبة لموضوع تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية. ويومها زرت فخامة الرئيس المرحوم الياس الهراوي وكذلك طبعاً تكلمت مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري آنذاك رحمه الله، وقلت أننا نريد أن نسير بهذه القصة، فقال لي الرئيس الهراوي أنا مع هذه المسالة مئة بالمئة، ومئتين بالمئة، ولكن فلنقم بمقدمة لأن جماعتنا لديهم بعض القلق بالنسبة لهذا الموضوع، ما رأيك أن نسير بفكرة الزواج المدني، وانا أعرف أن هذه القصة عند المسلمين مسألة صعبة، فقلت له: “لماذا؟، إنها أصعب ايضاً عند المسيحيين، فالزواج عند المسيحيين عملية لها أيضاً قدسيتها وشكلياتها أكثر من المسلمين”، فقال: “فليكن زواجاً مدنياً ، عندما آخذ منك كتاباً موجهاً للمجلس النيابي في هذا الشأن، فان هذا الأمر يعطيني دعماً ويشكل لي غطاء”، الزواج المدني”، فقلت له: “اتفقنا وعقدت بعد ذلك جلسة في 18/3/98 نهار الأربعاء، يومها كانت الترويكا وهناك وزراء عديدون تحدثوا الى رئيس المجلس النيابي، فلنتكلم عن الموضوع بكل شفافية، يومها صوتت الى جانب هذا الموضوع فنال 21 صوتاً من أصل 30 صوتاً، وبالتالي أقر موضوع الزواج المدني آنذاك. حتى الآن هذا القرار موجود ولكن حتى الآن لا يزال في الأدراج ولم يوقع موضوع الزواج المدني، وقد قلت أنه بما أنه لم يوقع فان فخامته لن يرسل الرسالة التي تحدثت عنها. الجلسة كانت في 18/3/98 أرسل رحمه الله، عند الساعة الثامنة والنصف هذا الكتاب الذي آمل أن يوزع على السادة الإعلاميين، (وقد وزع كتاب الرئيس الهراوي الذي أرسل الى الزملاء الإعلاميين وهذا نصه):

“السيد رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري المحترم، منذ توليت رئاسة الجمهورية وإرساء مسيرة السلام الوطني هي قضيتنا جميعاً، وترسيخ السلام الوطني يقتضي بناء الدولة المدنية وبناء دولة المواطن والقانون، دولة الجميع من أجل الجميع.

لذلك، واستكمالاً لتطبيق الإصلاحات السياسية الواردة في وثيقة الوفاق الوطني ولا سيما البند ز منها وهو بعنوان “إلغاء الطائفية السياسية”، فإني أتوجه الى مجلسكم الكريم للحث على الشروع في تشكيل الهيئة الوطنية عملاً بمضمون هذا البند، ومهمتها دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها الى مجلس النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.

ان البناء الوطني يحتاج الى عمل دائم ومستمر، وإنني أتطلع الى إلغاء الطائفية من جذورها حتى نستأصل أسباب التناحرات المذهبية المتلاحقة في مجتمعنا وعلى أرضنا، بمقدار صوننا لحرية المعتقدات الروحية وحمايتها على قاعدة الدين لله والوطن للجميع. اسأل الله أن يوفقنا جميعاً من أجل صلاح لبنان”.

هذا الكلام الذي حصل بالنسبة للموضوع قرأناه وقمنا بالواجب بحسب نص الدستور وعقدنا اجتماعات عدة، ووجدنا أيضاً أننا أمام جو غير مشجع مرة ثانية، هذا الأمر يذكرني بمقال لسيادة المطران جورج خضر يقول بهذا الكلام أنه “يريد إلغاءها من النفوس قبل النصوص”، ما يعني تأجيلها الى يوم القيامة، الى الآخرة. بصراحة حصلت أحداث الى أن وصلنا أيضاً الى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وهنا لم يعد هناك مجال على الإطلاق لأنه صار هناك وضع حساس ومرهف بين اللبنانيين الى أقصى حدوده من الحدة والحساسية، وبقيت على هذا الوضع الى أن والحمدلله توصلنا الى موضوع التوافق الوطني وحكومة الإتحاد الوطني وتوصلنا إلى أن يكون شقيقنا الشيخ سعد الحريري رئيساً للحكومة، وجدت أن الأمور فعلاً عادت الى الهدوء وهذا أكثر شيء يساعد على التقدم لكي لا نعود ونقع في أي مشكلة صغيرة تعيدنا الى الوراء ولنركز هذا المو      ضوع صعدت عند فخامة رئيس الجمهورية ووضعته في الجو وأدليت بتصريح على باب رئاسة الجمهورية قلت فيه أنني سأسير بهذا الموضوع، يعني العودة الى الموضوع من البداية، أتينا الى المجلس النيابي ودعوت رؤساء ومقرري اللجان النيابية وقلنا هذا الكلام كله وتناقشنا طويلاً، وقلنا له يا اخوان انتم تمثلون كل المجلس، مكتب المجلس والرؤساء والمقررين يمثلون كل كتل المجلس كل واحد يعود إذا لديه قناعة أن يأتينا بأسماء. المسألة يجب أن تطرح في المجلس النيابي وفي النهاية كما ننتخب المجلس الوطني للإعلام والمجلس الدستوري لكي ننتخب لجنة من كل الأطراف ومن كل الفرقاء ونبدأ بالتفكير كيف نلغي، ليتنا نستطيع إلغاء الطائفية السياسية بالأمس وأول من أمس. نحن الآن أمام نص دستوري. تقولون لي ما هي الأمور الممكن أن تبحث؟ اريد أن أعطي أمثلة عما يمكن أن يقدم، فكرة كتاب موحد لنفترض أنا الآن عضو في اللجنة وقالت اللجنة أنها ستقدم مقترحات لا تؤدي الى إلغاء الطائفية السياسية ولكن تخفف منها تماماً كالذي يأكل الجبنة ولكن يزيل منها الدسم لتخفف من الكوليسترول كمن يسحب الدسم ولكنك تبقى تأكل جبنة.

لا أحد يمكن أن يفكر بإلغاء الطوائف في لبنان، هذه قضية ان آمن بها كل الناس فنحن لا نقبل لها، لا بل أقول أكثر من ذلك كان على لبنان أن يتبنى موضوع الطوائف كلها في الشرق الأوسط. كان على لبنان لو كان وضعه الصحي قائماً أن يتبنى موضوع القدس وموضوع مسيحيي العراق، ويتبنى موضوع كل مسيحي في المنطقة لأن لبنان فعلاً بغير _ليس فقط المسيحيين_ بل أيضاً بغير المسلمين لا يكون لبنان. هذا الأمر ليس وارداً عندنا على الإطلاق، ولكن هناك أمور يضر بقاؤها. على الأقل إذا أدت هذه الهيئة الى إلغاء الطائفية السياسية وليس الطائفية ما هي المشكلة في ذلك؟ مثلاً فكرة كتاب موحد للتعليم الديني وإلزامه في كل مدارس لبنان لأنه لا يجوز أن يدرس تلامذة وطلاب أن هذا الطرف عدو الآخر. هذا الكتاب يرسخ المواطنية على أساس حرية المعتقد وقبول الإختلاف والتنوع.

ومثل آخر هو البحث الجدي في إعادة تنظيم الإعلام المرئي والمسموع لتثبيت قواعد تمنع تحوله أحياناً لمتاريس طائفية ومذهبية، وقد مررنا بذلك، وأيضاً وضع كتاب تاريخ موحد، الآن إذا سألت تلميذاً في مدرسة إسلامية عن الأمير فخر الدين المعني الكبير فقد يجيب أنه كان خائناً لأنه استنجد بالطليان، وقد يقول آخر: لا، لقد أسس لبنان والدولة اللبنانية. فعلى الأقل يمكن ألا نضع الأمور المختلف عليها. هناك مثل آخر وهو تحويل المؤسسات العامة للخدمة الصحية والإجتماعية والثقافية وغيرها منافسة للمؤسسات الخاصة من مستشفيات ومدارس. عندما تصبح المدرسة الرسمية أحسن من المدارس الخاصة فإننا نخفف من المدارس الخاصة، هذا كله يحتاج الى وقت وقد تقولون أنه يحتاج الى عشرات السنين فأقول لكم نعم، ولكن فلنسر بالخطوة. وهناك منذ 83 سنة، أشخاص قالوا في المجلس النيابي أن هذه الخطوة من المبكر القيام بها، فلماذا يقدم عليها نبيه بري؟ فقلت لهم كيف ذلك، كم من الوقت ننتظر لكي نباشر بهذا الموضوع؟ هناك أيضاً إعادة العمل بالخدمة الإلزامية بالجيش، هذا اقتراح الخدمة الإلزامية في الجيش كانت موجودة وأوقفناها، إضافة الى قوانين تتعلق بقوانين النقابات والأحزاب وبالزواج المدني وغيرها وهذه كلها أمثلة وعند غيري هناك أمثلة أخرى وقد يكونون ضليعين في ذلك أكثر. أمثلة عديدة يمكن أن تخفف من هذا الموضوع.

لذلك وجدت الفرصة سانحة لتشكيل الهيئة الوطنية، ولقد رأيت أن هذه الفرصة قد لاحت مع تشكيل حكومة وفاق وطني، واستقرار الحالة السياسية في بلدي على الأقل في المدى المنظور، لأنني أخشى بعد ذلك ولذلك أحاول أن تدعم الوحدة الوطنية.

أكرر شكري لتفهمكم، كل الذي أريده الإعداد لوقت قد يستغرق عشرات السنين ننتهي فيه من الشعور أننا في لبنان نحن وأنتم، بل أنتم نحن ونحن أنتم، المواطنية ارتباط مباشر بين الدولة والمواطن لا تمر عبر المذاهب والطوائف بل عابرة له، ان لبنان كما قلت مسؤول ليس فقط عن التنوع فيه بل عن التنوع في المنطقة في منطقة الشرق الأوسط ككل، مسؤول أيضاً دائماً ودائماً عن حوار الديانات. إنها دعوة الى الوحدة والتوحد، وهذه الهيئة التي إذا قامت إن شاء الله ستعمل تماماً كطاولة الحوار، لا تقرر شيئاً دون إرادة أي طرف من الأطراف فعلام الخوف بل علام البقاء في التخلف؟.

اسئلة واجوبة

سئل : لماذا لا يتم وضع قانون انتخاب جديد على اساس النسبية اذا كان متعذراً تحقيق الغاء الطائفية السياسية على المدى القريب؟ وماذا فعلتم منذ العام 1992 كمجلس نيابي؟ وحول موضوع القرار 1559 وهل الغاؤه ايضاً متعذر كما الهيئة الوطنية العليا؟

الرئيس بري : اذا كان الانسان يقوم بأمر ما يمكن أيضاً ان يقوم بأمر ما يمكن ايضاً ان يقوم بأمر آخر ولا اعتقد ان هناك شيئاً لمصلحة لبنان اكثر اهمية من هذا الموضوع وهذا رأيي الشخصي ولا اتحدث عن المجلس النيابي لأن الهيئة العامة تقرره وقد انجز المجلس النيابي منذ العام 1992 الكثير من الاشياء المهمة وانا قلت ان تشكيل الهيئة العليا لإلغاء الطائفية السياسية يؤثر على قانون الانتخاب لأننا نحرص ان يكون هذا القانون وفقاً لموضوع الطائف ودستور الطائف ان يستوعب الدوائر الكبرى وعلى اساس النسبية حتى يكون كل طرف بحاجة الى الطرف الآخر وكل فريق بحاجة الى الفريق الآخر، وحتى الآن لم نتوقف بذلك واعتقد ان هذا هو احد اسباب عدم تأليف الحكومة تأليف الهيئة الوطنية للالغاء الطائفية السياسية، اما الوقل ان هذا الامر يمكن ان نورثه لأحفادنا فاعتقد ان ما اثار هذا الامر لو اتخذوا هذه الخطوات عام 1926 او في العام 1943 او في العام 1947 كما اتخذوا خطوة البلديات لما كنا قلنا هذا الكلام الآن، فاذا ابقينا الوضع على ما هو عليه فبالتأكيد سيبقى احفاد احفادنا يتخبطون بهذا الامر، اذا وصلنا الى احفاد الأحفاد فأنا متشائم بهذا الموضوع، واخاف على لبنان من بقاء هذا الوضع وانا لم اعطي عينة من تلامذتنا وما تحدثوا عنه ولا اقول ذلك الا لأنني ارى هذا الخوف.

في العام 1963 كان لي شرف ان اكون رئيس اتحاد طلاب لبنان، والقيت آنذاك محاضرة في الجامعة الاميركية قلت يومها وبشكل فولكلوري وموجود هذا الكلام في اعداد الصحف آنذاك، قلت اذا سألنا طالباً في مدارس العاملية او المقاصد كم هو ارتفاع جبل الشيخ قد تضيفون متراً لأجل ” لفة الشيخ” واذا سألنا واحداً من مدارس الليسيه او الفرير كم هو ارتفاع جبل الكنيسة قد يزيدون متراً لأجل الكنيسة وقلنا يومها نفس الكلام الذي نكرره الآن فهذا لا يوقف ذاك وكل ما تفضلتم به ضروري ومن الضروري العمل على عدة ميادين ولكن في هذا الميدان لا يتصورون احد ان هذا الميدان سهل، انا اعتقد ان استمرار لبنان هو فيه وهذا هو رأيي الخاص.

اما بالنسبة لموضوع القرار 1559، تعرفون اليوم ان رئيس حكومة تركيا رجب طيب اردوغان قال:” ان اسرائيل قبلت بمئة قرار صادر عن الامم المتحدة ولم تنفذ قراراً واحداً”، نحن لا نكتفي بتنفيذ القرارات انما حتى الهوامش ومحاضر القرارات،فلماذا يكونون هم ملكيين اكثر من الملك؟ انا سمعت الاجوبة وسمعت الكلام عن هذا الموضوع لكن اريد ان اذكر انه في شباط 2008 تخلى الاميركي عن هذا القرار فلماذا لم يتطرق احد لهذا الامر . في العام 2008 اوردت جريدة الحياة ان السفير الاميركي في لبنان جيفري فيلتمان والذي اصبح الآن مساعد وزير الخارجية قال في حديث للصحيفة انه يعترف ويقر ان نبيه بري اقنعني بأن القرار 1559 لم يعد يحتاج الى تعديل الدستور كما كان عليه الامر عام 2004 . اذن الاميركيون انفسهم يقولون ان هذا القرار انتهى. فلنأخذ مضمون كل هذا القرار نرى ان كل بنوده نفذت الا اذا كانوا ظنوا وقصدوا السلاح غير الشرعي، كما يعتبرون،فهو موجود في متن القرار 1701،وكلنا يعرف ان القرار اللاحق يجب يجب ما قبله، لذلك فالقرار 1559 هو لزوم ما لا يلزم ولآن هناك اعتبارات قد يريدون تركه كسيف سياسي ميلط على رأسنا ورأس لبنان ورأس الاخوان في سوريا فهذا موضوع آخر.

سئل: اذا سلمنا ان نظام لبنان نظام مريض، تفضلت بأن هناك اطرافاً تحفظت وليس فقط المسيحيون فهل اقتنع العماد ميشال عون بجدوى طرحكم، والسؤال الآخر في حال تعذر التشكيل فهل هذه الهيئة هي بديل للنظام اللبناني القائم على الديمقراطية التوافقية؟

الرئيس بري: ان موضوع التوافقية الديموقراطية مستقل عن هذه القضية. الطوائف في لبنان امر مقدس ونحن نقول دائماً مع الامام موسى الصدر ان وجود الطوائف في لبنان امر مقدس ونحن نقول دائماً مع الامام موسى الصدر ان وجود الطوائف في لبنان هي نعمة وان الطائفية هي النقمة  وكل ما نحاول قوله ان استخدام الطائفية تفرق بين الشعب اللبناني، فاذا بقينا مع الطوائف فلننزع عنها الدسم المضر للجسم اللبناني  في هذا الموضوع. بالنسبة للزميل الجنرال عون صحيح انه قال هذا الكلام وقال اتمنى على الرئيس بري سحب هذا الكلام الآن، ثم وخلال الجلسة العامة في المجلس النيابي قال اذا كانت الغاية من تأليف الهيئة الوطنية الاعداد لهذا الامر، فأنا اول شخص اؤيده وانا اليوم اوضح لكل الناس بمن فيهم زميلنا الجنرال عون لأقول انني اضفت مقترحات على الاعداد ولا يزال هناك مقترحات اخرى.

سئل: هل هذا الامر يحتاج الى اقرار في مجلس النواب ام يحتاج الى الدفع باتجاه طاولة الحوار الوطني؟

الرئيس بري:النص الدستوري يقول على مجلس النواب ولم يقل لمجلس النواب يعني مثلاً في موضوع المجلس الدستوري كان بامكاني ان اتحجج وان اقول انني بانتظار ان تأتي الحكومة وترسل مشروع قانون وان تاخذ وقتها بذلك، لكن في هذا الموضوع عندما يأتي النص الدستوري ليقول على مجلس النواب فلا خيار عندي سوى الشروع بتطبيق النص الدستوري، اما اذا جاؤا وطالبوا بتعديل النص الدستوري فهم احرار لكن ضمن الآلية الدستورية، علماً ان الهيئة العليا لإلغاء الطائفية هي بحد ذاتها هيئة حوار والسؤال اذا كانت مناصفة فاقول نعم ستكون مناصفة وحبة مسك ولماذا لا تكون مناصفة.

اضاف الرئيس ردا على سؤال: “ان جوابي في هذا الموضوع هو هيئة الحوار الوطني التي انعقدت في هذه القاعة وكانت مناصفة تقريباً وهي انجزت من اصل 12 بندا احد عشر بنداً وتم التوافق عليها بالاجماع وستنفذ في المستقبل ومع الوقت، وتعرفون ان احد اسباب تعطيل تنفيذ هذه البنود التي تم التوافق عليها هو وضعنا الطائفي.

سئل: متى ستبدأ طاولة الحوار وما هو شكل هذه الطاولة مستقبلاً؟

الرئيس بري: هذا السؤال يفترض ان يطرح على فخامة رئيس الجمهورية فرئيس المجلس النيابي عندما ألف طاولة الحوار كان يعتمد على الصيغ البرلمانية وبالقواعد البرلمانية وبحسب الكتل النيابية، فأنا رئيس مجلس النواب ولست رئيس لبنان فرئيس الجمهورية قد يكون عنده قواعد اخرى ويقول انه في هذا الشهر سيتبين عنده الأمر وهناك رغبة بان تبدأ في اذار المقبل واكثر من ذلك لا معلومات لدي.

سئل: هناك قوى سياسية في لبنان تعتبر ان بعض بنود اتفاق الطائف مر عليها الزمن وبالتالي يقولون ان الغاء الطائفية اليوم ليس ضرورياً فما هو ردك؟

الرئيس بري:”هذا ليس كلاماً. فليقدموا لنا مشروع قانون لإلغاء الطائفية، هذا الامر من الدستور”.

سئل: ماذا لو ان الافرقاء المختلفين او الكتل النيابية التي طلبت منها اقتراح الاسماء لم تقبل ذلك فما سيكون عليه موقفكم من ذلك؟

الرئيس بري: اولاً لن استل السيف واقطع الرؤوس وليست شغلتي وكل ما هنالك انا نبهت ان هذا الامر يعطل مواد اخرى من الدستور، فلا نستطيع ان نقول نريد تطبيق هذا البند من اتفاق الطائف ونتغاضى عن بنود اخرى واعتقد ان بعض المؤسسات الإعلامية شنت حملة بأن لا احد يريد تطبيق اتفاق الطائف وان الدستور مهمل فلماذا توقفنا عن هذا المطلب الآن، ونحن نخاف اذا عطلنا بنداً من الدستور ان نعطل بنوداً اخرى فلا نعود نتحدث عن مجلس الشيوخ ولا بقانون انتخابي على اساس دستور الطائف وان يكون على مستوى المحافظات، وان يكون هناك توازن وطني، وهناك نص واضح في الدستور بأن تجري الانتخابات النيابية وفقاً لقانون انتخابات جديد على اساس المحافظة يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين وتؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئلت الشعب واجياله وفعالية ذلك التمثيل بعد اعادة النظر في التقسيم الاداري في اطار وحدة الارض والشعب والمؤسسات وان قوانين الانتخابات التي وضعت حتى الآن لم يستطع مجلس النواب ان يقرا وفقا لدستور الطائفية بسب بموقف كل الفريف.

سئل: عن طرح موضوع حياد لبنان؟

اجاب:ان حياد لبنان هو فكرة منذ زمن تم التطرق اليها والسؤال في محله ولا افشي سراً عندما اقول انه على طاولة الحوار عندما كنا نتناول موضزع الاستراتيحية الدفاعية جرى الحديث عن هذا الموضوع  وهناك اشخاص طالبوا بهذا الموضوع يومها وانا كان موقفي ولا يزال لا يختلف ابداً عن موقف غبطة البطريرك الماروني عن حياد لبنان عام 1958  آنذاك قال غبطته نعم نحن طلاب حياد، ولكن الحياد الذي يقره لبنان على حريته، وبالاتفاق والانسجام والتناغم مع الدول العربية اولاً، ثم قال هناك استثناءات لحياد لبنان اولاً: “لبنان ليس حيادياً ضد اسرائيل. وثانياً لا يمكن ان يكون بعيداً عن الدول العربية فاذا كان هذا هو الحياد المطلوب فانا اصوات معه .

سئل: من جملة الاعتراضات لطرحكم ان بعض الفرقاء اعتبره لتحييد الانظار عن سلاح المقاومة والتغطية على هذا السلاح؟

الرئيس بري: فليأخذوني على يوشع حتى اقسم لهم يميناً بأنني ان من اسس وقدم شهداء المقاومة، وهذا الموضوع ليس موضع نقاش عندي لكي اتلطى به، وعلى رأس السطح اقول لو بقي شخصان مع المقاومة فأنا واحد منهما، وهذا ليس له علاقة بهذا الطرح، فلماذا التغطية؟

هذا الموضوع أنا من صلبه ومن اساسه، وليذهبوا ويروا ماذا يحصل الآن في فلسطين ويشاهدوا الاهانات التي توجهها اسرائيل هناك حتى الى القيادات الفلسطينية، ليذهبوا ويروا ما حصل بالقدس الشريفة وكان سيصيبنا أكثر مما اصاب فلسطين لولا المقاومة ولو لم يتحول لبنان بلداً مقاوماً.

هناك كلام لفتني في كتاب جديد لمؤلفه امين معلوف يقول ” ان لبنان عندما لم يشترك في الحرب يوماً من الايام دفع اثماناً أكثر من الشراكة في الحرب” وهذا صحيح.

سئل: كيف تطمئنون الفريق المتوجس من طرح هذا الموضوع من قبل القوى الموجودة حالياً على الساحة اللبنانية؟

أجاب:هذا الموضوع ونقاشه والحوار حوله والكلام في صدده هو الذي يؤمن فعلاً ان يبقى في الميزان كفتان متوازنتان الى الأبد، والدليل على ذلك أننا في 83 سنة لم نلغ الطائفية السياسية، أمن هذا التوازن؟ كل شبابنا يذهبون الى الخارج ولن يبقى لبنانيون في لبنان.الآن عدد اللبنانيين المغتربين خارج لبنان 3 أضعاف ونصف ضعف عدد الموجودين في لبنان. جربنا المجرب ” ومن جرب المجرب كان عقله مخرب”.

الحوار حول هذا الموضوع والتوصل الى صيغ فيه، وتوافقنا وحوارنا هو ما يحفظ وجودنا كلنا في البلد.

سئل: رغم التطمينات والتفاؤل الذي ابديته، ما لزوم هذه الهيئة؟

الرئيس بري: أتمنى أن تعودي الى الفيلم الوثائقي، ربما تخجلين أن تكوني بعد قليل لبنانية. لو تجدون طلابنا كيف هم والتمزق الذي يعيشونه.

سئل: عشية اعادة تشكيل طاولة الحوار الوطني نسمع الكثير من السجالات السياسية حول من سيمثل هذه الطائفة او تلك على هذه الطاولة، وكيف ستتخطون هذه العقبة في تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية؟ من سيحدد من هو الممثل الحقيقي لهذه الطائفة او تلك؟

الرئيس بري: كل طرف يأتي ويقدم أسماء، وجرت العادة على أن نتبع قواعد هنا في مجلس النواب تراعي الصيغة اللبنانية الحالية، كما كان ينتخب المجلس الدستوري والمجلس الوطني للاعلام الى آخر ما هنالك. بالنتيجة هناك مقترحات تأتي، وساعتئذ نحن ومكتب المجلس نستطيع ان نرتب الامور.

سئل: بعض القوى السياسية تنبأ بحرب إسرائيلية على لبنان؟

الرئيس بري: كل الناس تخاف وتحاول التهرب من الحروب، هذا واقع. ولا يوم من الايام اوقفت اسرائيل الحرب على لبنان، ليس منذ سنة 1978 بل منذ 1948. ولا أحد يعتقد ان اسرائيل توقفت عن نيتها العدوانية. قلنا لمنافس الرئيس الاميركي السناتور جون ماكين إن اسرائيل، فيما انت هنا اليوم، راقبت ليس فقط الطائرات بدون طيار، بل حتى الاواكس.

بالأمس كان فخامة الرئيس في الجنوب، وطائرات العدو الاسرائيلي لم تغب عن سماء لبنان. أليست هذه اعتداءات بالنسبة الى لبنان؟

اسرائيل لم توقف حربها علينا، لكن ما تغير هو أنها بدأت تحسب حساب العدوان علينا، وهذه أهمية تلاحم اللبنانيين جيشاً وشعباً ومقاومة.

للمرة الأولى في تاريخ لبنان نجد أن بنايات اليوم تقوم بأربع طبقات او خمس وأن ثمة فنادق على الخط الازرق تماماً، مع العلم ان الخط الازرق ليس كل حدودنا، إذ لا تزال لنا أراض بعد هذا الخط. اللبنانيون إذا متحدون متضامنون، حتى اسرائيل لا تخيفنا، والدليل أنه عام 2006 الله الهمنا لنجري حواراً، ولو لم يكن هذا الحوار لما كنت رايت ان اللبنانيين الاحتضان اللبناني الذي حصل ل900 أو مليون نسمة أتوا من الجنوب ولو لم يكن هذا الاحتضان قائما لكان “تخبز بالعافية”.

هذه التدوينة نشرت في إلغاء الطائفية السياسية, قضايا. الإشارة المرجعية.