بداية أود أن أسجل بمناسبة افتتاح هذا الصرح التربوي مدرسة الوقف الأولى في المجمع التربوي الرياضي، إن مشاركتي لسماحة أخي الشيخ عبد الامير قبلان نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى في رعاية هذا الحفل، هي للتأكيد أن أمانة الإمام الصدر متمثلة بالمؤسسات التي أسسها وفي الطليعة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وحركة أمل، هما يد واحدة وصوت واحد وموقف واحد، وانهما يمارسان فعل مسؤوليتهما في توحيد الصف وفي بناء وحدة الموقف بين جميع الفعاليات التي تشكل خط المقاومة، كما يمارسان فعل تربيتهما في إطار نهج الإمام الصدر لترسيخ الوحدة الوطنية والعيش المشترك .
وانطلاقا” من هذه المناسبة أود تقديم التهاني للجنة أوقاف الطائفة الإسلامية الشيعية في برج البراجنة ولرئيسها، على هذه المبادرة التي توجهت نحو حاجة الناس في هذه المنطقة، وأنجزت بناء هذه المؤسسة التربوية خصوصا” مع التضخم السكاني فيها بسبب الهجرة من الأرياف وتحديدا” من البقاع والجنوب، وهي مبادرة تفتح الباب لوزارة التربية للاستثمار على هذا البناء وافتتاحه للتعليم مع بدء العام الدراسي الذي اخذ يدق على الأبواب .
إن الواقع هو أن الضاحية الجنوبية معزولة عن سياسات الدولة الإنمائية وليس الأمنية ، والدولة بكل تنوع أجهزتها الدفاعية منتشرة في الضاحية وتمارس مهماتها بالكامل.
والضاحية بالمعنى السياسي هي ككل لبنان موقع للمقاومة وقد تكون أحد المواقع المميزة للمقاومة، إلا أن هذا الأمر لم يعطها أفضلية لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الإنمائي .
إن الواقع إذن هو كما أشرت، فالضاحية موقع لمعاناة اجتماعية، والذي كان ينقصها ليس توسيع بعض الطرقات وإعمار بعض الجسور، لأن هذه الطرقات والجسور هدفت ليس لأحياء الضاحية وإنما لخدمة دور مطار بيروت، ولم تعكس نفسها على الواقع الخدماتي والاقتصادي للضاحية،
إن الضاحية مثلا” تنتظر أمر المباشرة بإنجاز اوتوستراد العاملية الذي يصل إلى بولفار المطار، والذي رصد له مبلغ ثمانية مليارات ليرة عن طريق البنك الدولي لأنه يؤدي خدمة فعلية لهذه المنطقة .
إن أحدا” في وزارات وإدارات الدولة لم يكلف نفسه عناء الاستقصاء عن الواقع المعيشي في الضاحية ولا الاحتياجات السكانية .
إن أحدا” لا يريد أن يعرف الوقائع المتصلة بحياة المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر في حي السلم، هؤلاء الذين كانوا ضحايا الهجرة من الأرياف إلى المدينة، ضحايا فرص العمل المعدومة في جهات الوطن، ضحايا عدم تنفيذ المشروعات المتعلقة بالزراعات البديلة .
إن أحدا” لا يريد أن يعرف أن مواطنيه في بعض زوايا هذه المنطقة ينقبون في النفايات ليعيشوا على الفضلات الموبؤة.
إن أحدا” لا يريد أن يعرف أن بعض العائلات قد باعت كل شيء، وهي اليوم تبيع لحمها لتأكل، وهي لا تتمكن من إرسال أبنائها إلى المدارس.
نعم في الضاحية هناك أطفال في أعمار مبكرة يقومون بأعمال شاقة ويتعرضون لأقسى أنواع المهانات الادمية بما يخالف كل القوانين الدولية والوطنية حول عمالة الأطفال .
إنني أتمنى على وسائل الإعلام التدقيق في كل التقارير الاجتماعية عن وضع الضاحية ووضعها بتصرف المسؤولين، طالما لا تكلف الإدارات المختصة نفسها عناء جمع المعلومات عن حال وأحوال الناس .
هذه هي الصورة في عمق الضاحية أما في عموم الضاحية فإن هناك معاناة كبيرة من جراء انقطاع مياه الشفة ، وغدا” عندما يبدأ فصل الشتاء فإن المعاناة تبدأ من تصريف المياه التي تتدفق في شوارع الضاحية كالأنهر ستشكل المشهد اليومي الموحل لضاحية العاصمة ، فكيف يمكن لصيف العطش ولشتاء السيول أن يجتمعا تحت سقف واحد لولا الإهمال المتعمد ؟
ان أحدا” مثلا” لم ينتبه لوضع :
1 – مخطط تفصيلي لإنماء المناطق المحرومة في حي السلم او مدينة الكرامة والليلكي والرمل العالي .
2 – اعادة بناء وترميم المنازل عند المدخل الشمالي لمخيم برج البراجنة .
3 – حل قضية الاوزاعي لمصلحة برج البراجنة عقاريا” على المستوى البلدي.
انقل هذه المطالب والصورة المأساوية لاقول للذين ارهقوا انفسهم وارهقونا بورش العمل والندوات والمؤتمرات ، ان العجز لم يكن في وضع مصور عن الوقائع الاجتماعية في الضاحية وغيرها، ولا في بناء توصيات وقرارات، وإنما في ترتيب الأولويات، فبينما جرى الانصراف إلى ترتيب المشهد على الطرقات التي يسلكها الزائر أو السائح من المطار إلى الفنادق والى بعض المواقع، كان العمق السكاني للبنان يتآكل نتيجة تفاقم الأزمات، حتى نكاد نقول أن أحزمة البؤس عادت لتتكون حول العاصمة والمدن، بل في واقع الأمر عادت لتكون حقيقة واقعة .
لذلك ومع الانطلاقة الجديدة للعهد التي نأمل وبكل تعاون منا أن تشكل مقاومة سياسية واقتصادية أن يجري ترتيب الأولويات انطلاقا” من التنمية التي تدور حول الناس ومن اجل الناس وبواسطة الناس .
إن موازنة الدولة للأعوام القادمة يجب أن تشكل حوافز لسياسة اجتماعية واضحة المعالم وهادفة .
إن الدولة يجب أن تشعر المواطن بالأمان الاجتماعي عبر شمول جميع المواطنين بالضمان الصحي والاجتماعي وتسريع ضمان الشيخوخة .
إن الدولة يجب أن تكون مسؤولة عن إنتاج فرص العمل وعن توسيع خيارات الناس وتمكينهم .
من الضاحية إلى كل الوطن
فإني اجزم انه يجب النظر في إعادة إنتاج أدوار بعض الإدارات والأجهزة ، بحيث أن أدوارها المركزة على تصنيف المواطنين وانتماءاتهم السياسية ورصد تعبيراتهم ، والتي أدت إلى وضع المسؤولين والقوى على محاور تنافس سياسي على حساب المناطق، يجب أن يعاد إنتاجها بحيث تنصرف هذه الإدارات والأجهزة إلى رصد الوقائع الاقتصادية والاجتماعية ومعاناة الناس مما يمكن المسؤولين والقوى من التنافس على تخطيط مشروعات لتخفيف المعاناة والأزمات .
إن المسؤولين في الدولة من حقهم أن ينتظروا تقارير عن مواسم المزارعين وسبل تصريفها والمنافسة التي يتعرضون لها، ومن حقهم أن ينتظروا تقارير عن نسب العاطلين عن العمل وعن المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر، تقارير عن الحرمان من مختلف وسائل الحياة: من السكن والتعليم والطبابة والعمل، وتوجيه الدولة نحو معالجة هذه المشكلات .
إنني أهيب بالجميع التوجه نحو بناء أدوار الدولة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
إنني أهيب بالجميع العمل لتعزيز دور الدولة في مجال الخدمات ومسح الاحتياجات العامة لكل المناطق وتنظيم اعمار الوزارات والإدارات والتنسيق فيما بينها ، بحيث لا يجري مثلا” شق طريق وإنجازها ثم ننتبه انه لا بد من حفرها لتمديد شبكة مياه ثم حفرها لتمديد شبكة صرف صحي ، ثم حفرها لتمديد شبكة هاتف وبعدها شبكة للصرف الصحي .
أليس هذا ما يحدث في الواقع ؟
أليست سياسة التلزيم هذه التي تتم بالمفرق سياسة اغتيال الوقت وهدر المال العام؟
أخيرا” أيها الأعزاء إذ اقدم التهاني للضاحية بهذا المشروع ، أتمنى أن يكون هذا المشروع الخاص حافزا” لمشاريع الدولة العامة ، المشاريع التي تفتح الباب لتعزيز قوى العمل والإنتاج والتي تؤسس للمزيد من الضمانات والائتمانات الاجتماعية على مساحة الضاحية وعلى مساحة لبنــان